21/04/2024

طورُ التَّحول والتحوُّر الإخواني الجديد بعد قرب انهيار الجماعة والانتقال إلى أرضية جديدة وخصبة لزرع الأفكار الخارجية المتأصلة في فكر الجماعة! (التمهيد)

 

(1)

طورُ التَّحول والتحوُّر الإخواني الجديد بعد قرب انهيار الجماعة والانتقال إلى أرضية جديدة وخصبة لزرع الأفكار الخارجية المتأصلة في فكر الجماعة!

(تمهيد)

الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، أما بعد:

فلا شك أن طلب العلم الشرعي من مصادره الأصيلة -الكتاب والسنة- هو من أعظم أسباب العصمة لشباب الأمة، وهو المانع -بعد توفيق الله- من السقوط في دركات الفتن الاعتقادية والسلوكية، وقد دأبت الأمة وعلماؤها منذ بزوغ فجر الإسلام على الاهتمام بهذا الأصل الأصيل والحث عليه وتيسير سُبله، وقد حرص الصحابة وهو أول علماء الأمة وتلاميذ خير البشر على بيان معالم الدين -فقهًا واعتقادًا وسلوكًا- فلم يتركوا شيئًا بلغهم عن الصادق الأمين إلا وبينوه ورووْهُ عنه وعن كبار أصحابه، فكان الجيل الأول جيلًا معصومًا من الاجتماع على ضلالة -أيِّ ضلالة كانت- لأنهم أقرب الأمة إلى الوحي المُنزَّل على نبينا ﷺ وهم مُبلِّغوه عنه.

وكان مما نقلوه عن الصادق المصدوق ﷺ أن خير القرون قرن النبي ﷺ ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم ثم يفشو الكذب! فلما بلغت الأمة هذا المبلغ الأخير بعد القرون الثلاثة المفضلة واختلطت الأمم بأمة الإسلام وبدأت تتسلل إلى الأمة أفكار كان قد حذَّر منها النبي ﷺ من قبل نهض علماء الأمة من الصحابة والتابعين وتابعيهم من الأئمة بواجب البيان والذود عن حياض الدين والرد على المخالفين ومتنكبي سبيل المؤمنين، فكانت كل فئة من المردود عليها تجعل لها رأسًا أو رؤوسًا يقومون بتغذية فكرتهم بالشبه والتأويلات التي يبتغون بالسلوك عليها صرف الناس عن الحق المبين وعن منهج الأنبياء والمرسلين، فخرجت القدرية وقد رد عليها ابن عمر وتبرأ منها، وخرجت الخوارج فقام لها عليٌّ ومن معه من الصحابة والتابعين فجادلوهم بما معهم من الحق فرجع بهذا أمم منهم لما سمعوا دليل الحق وأنار الله قلوبهم بنوره، ومن أخذت الضلالة شغاف قلبه واستحكمت من خلايا عقله قاموا بقتاله واستئصاله حتى باتت فرقة الخوارج مشردة طريدة في كل ديار الإسلام، يحكم عليها أهل العلم بالمروق من الدين ويصفونهم بما وصفهم به رسول رب العالمين ﷺ من كونهم شرُّ قتلى تحت أديم السماء، وأنهم كلاب أهل النار، وهذه الطائفة تحديدًا هي محل كلامي في مقالتي هذه مبينًا بما أستطيعه من اختصار تحوراتها وأوجه خروجها على الأمة وانتقالها انتقال الآفات المُهلكة من قميص إلى آخر تلبيسًا على المسلمين ومراوغة لطلبة العلم ممن يرد عليهم ويبين ضلالهم وعوارهم، فأسأل الله الإعانة والسداد والتوفيق والرشاد!

وهنا لا بُد من القول أن الأمة بعد القرون المفضلة تفرقت فرقًا وجماعات وأحزابًا متعددة كل فرقة منها تزعم أنها صاحبة الحق والوصية على الخلق، فلكل فرقة أدبياتها وأصولها التي ترجع إليها ولها مُعظَّمون ترجع إليهم وتنهل من معين مقالاتهم، وقد أخبر نبينا ﷺ عن هذا التفرق الحاصل في الأمة وأخبر أنه سيكون افتراق أمة الإسلام -كما كان افتراق اليهود والنصارى- على ثلاث وسبعين فرقة كلها في النار إلا واحدة هي الجماعة وهي ما كان عليه النبي ﷺ وأصحابه رضي الله عنهم وأرضاهم.

وقد خرجت فرق انحرافها فكر عقدي لا يتعدى مذهبها الخلاف الفكري كالقدرية والمعتزلة والمرجئة والأشاعرة وغيرها من الفرق الكلامية التي ردَّ أهل العلم عليهم بالبيان الشافي والحجة البالغة من الكتاب والسنة وأقوال السلف فكان أهل العلم سيفًا مصلتًا على رقاب مقالاتهم يسفكون دماء ضلالاتهم على مذابح السنة الغراء ليطهروا جسد الدعوة من كل دخيل عليها فلم تقتصر ردودهم وتحذيراتهم على الأقوال وحدها بل تعدت إلى تحذيرهم الأمَّة مِن كل مَن يحمل هذه الأفكار والعقائد الفاسدة بل وحذروا من مجالستهم أو مخالطتهم أو مناكحتهم لأن في ذلك رميًا للنفس في تهلكة الهوى والضلال؛ فصنف العلماء المصنفات في الرد على هؤلاء ورووا آلاف الروايات عن العلماء وتحذيراتهم وتناقلوها وفي كتبهم سطروها نُصحًا للأمة وصيانة للدين.

بَيْدَ أنَّ الفئة الأخطرَ على جماعةِ المسلمين والتي تُهدد أرواحهم هي فرقة الخوارج المارقين ممن حملوا السيف وسفكوا الدماء المعصومة باسم حكم الله وباسم الكفر والردة لأدنى شبهة وعند وقوع أدنى معصية، وكان أشد خطرهم هو السعي في تكفير الولاة والسلاطين والاستدلال على ذلك بنصوص الشرع العامة لإقناع العامة والدهماء بأنهم من ربقة الإسلام خرجوا وبأن أوجب الواجبات على الأمة إزالة ملكهم وإقامة غيرهم ولو تسبب ذلك بإزهاق أرواح الآلاف من الموحدين وبخراب ديارهم وتسليط الأعداء المتربصين بهم عليهم!

فكان أول من ذاق ثمرة التحريض للخروج ذي النورين وثالث الخلفاء الراشدين زوج بنتي رسول رب العالمين عُثمانُ بن عفان أمير المؤمنين، فقتلوه صائمًا وهو يقرأ كتاب الله فسقطت قطرة من دمه على قول ربه: فسيكفيكهم الله!

ثم ذاقه ابن عم الرسول ﷺ عليُّ بن أبي طالب زوج سيِّدة من سيدات نساء أهل الجنة وأول آل بيت النبوة لحوقًا بأبيها ﷺ فاطمة -رضي الله عنها- فضربه ابن مُلجم ضربة فلق بها جبهته حتى اخضلَّت لحيته بدمائه؛ فقام عمران بن حطان وهو من شعراء الخوارج القعدية يمدح ابن ملجم فيقول:

يا ضربة من تقي ما أراد بها :: إلا ليبغ من ذي العرش رضوانا!

إني لأذكره حينا فأحسبه :: أوفى البرية عند الله ميزانا!

نعم أخي القارئ هذا هو حال خليفتي رسول الله ﷺ مع هؤلاء الخوارج المارقين فما بالك بمن جاء بعدهما ممن هو لا شك أدنى منهما مرتبة ولعله أقل منهما تقوى وورعًا وحفظًا لبيضة الدين ؟!

نعم! هذا ما آلت إليه وتسببت به فكرة الخروج على السلطة الحاكمة سواءً كانت خلافة راشدة أم مُلكًا أم بأي صورة مما حصل في بلاد المسلمين إلى يومنا هذا، وأنت ترى أنه وبسبب هذه الفرقة راح أفاضل أصحاب النبي وأبناء عمومته وأصهاره، وقُتل بسببها أخيار الأمة منذ ذلك العهد وإلى يومنا هذا، فما حصل بخروج الخوارج خير للأمة قط، بل كانت على الدوام سببًا في استباحة دماء الأمة وتسليط الأعداء عليها، والله المستعان!

وفكرة الخروج مع قِدَمِ جذورها وتكرار حصولها في سائر دول الإسلام إلا أنها تتخذ أشكالًا ومناهج وتتخفى في كل مرة خلف فكرة جديدة أو دعوة يقوم بها شخوص وجماعات ليمرروا على العامة والدهماء هذه الأفكار، وليس شرطًا في هذا الفكر أن يكون حاملوه يسعون إلى إسقاط الدول واستبدالها بغيرها، فقد يكون مجرد فكرٍ يحمله صاحبه ويبلغه غيره من غير دعوة لحمل السلاح ولا حتى لجمع الناس، وقد يتطور الداعي للخروج فيجد فرصة في تطبيق فكرته فيسعى لإزالة الولاة وقتل المخالفين، وقد يُظهر موافقة الدول ويسعى في رضى الحكومات بل ويدخل في إمرتها ويعمل ببعض أمرها تدليسًا وتعمية عليهم أن يكتشفوا أمره ورغبة منه في تضليل غيره، وتنويعًا بأساليب الوصول إلى السلطة والدخول فيها، وقد عرف الشهرستاني في كتابه «الملل والنحل» (1/ 114) الخوارج بقوله:

«كل من خرج على الإمام الحق الذي اتفقت الجماعة عليه يسمى خارجيًا، سواء كان الخروج في أيام الصحابة على الأئمة الراشدين؛ أو كان بعدهم على التابعين بإحسان، والأئمة في كل زمان».

وقد مرت الخوارج كما ذكرنا آنفًا بأطوار كثيرة وكان لهم فرق متعددة ليس هذا مجال ذكرها وتفصيل آراء أصحابها وإنما محله كتب الملل والنحل والفرق فالقوم ولَّادون ولهم في كل فترة من الزمان بناتٌ وبنون، ولكن نقفز هنا على هذه الأزمان لنذكر خروجهم في زماننا وبعض فرقهم التي يُخفون فكرتهم وقَرْنَهُم خلفها.

وعليه فالفكرة الأساس التي يحملها أصحاب فكر الخوارج قائمة على أصلين اثنين كما ذكر ذلك علماء أهل السنة وهما الخروج بالسيف على أئمة الجور، وتكفير أصحاب الكبائر من المسلمين، وتتردد بين هذين الأصلين أفكار ونزعات تقترب حينًا من حمل السيف وآخر من التكفير الصريح للمسلمين، وقد يذهب بعضهم إلى التحريض وشحن العامة على ولاة أمرها بدعاوى دُنيوية بحتة كالاستئثار بالمال ونحوه، وقد تكون لأسباب شرعية إلا أنها لا تُخرج الحكومات من دائرة الإسلام ولا تستدعي التكفير والإخراج من الملة وإنما تستدعي النصيحة بالطرق الشرعية والصبر عليها وبالدعاء بالصلاح والسداد، فالخوارج بفكرهم الجديد إما أن يكونوا حَمَلة للسلاح يسفكون الدماء ويستبيحون الأعراض بدعوى التكفير الخطير، وإما أن يكونوا أبواقًا وظيفتها التحريض والشحن إلى أبعد مدًى وتضخيم الأخطاء والمعاصي الصادرة عن الحكومات وعن الشعوب حتى تقنَع فئة بكُفرية البلاد والعباد فيخرجون مع الخارجين بالسلاح. وإما أن يكونوا (قَعْدِيَّة) يزينون الخروج ويرضون به لكنهم لا يخرجون ولا يحملون السلاح فيحصل بسببهم النتيجة الحتمية لهذا الفكر على مر العصور وهو سفك الدماء المعصومة واستبدال الخوف بالأمن والخراب بالعمران!

والإخوان المسلمون -وهم موضع هذا البحث- لهم سهم في كل صنف من هذه الأصناف المذكورة ولهم منها النصيب الأكبر فمنذ خروجهم وتأسيس فرقتهم الإخوانية إبَّان سقوط الدولة العثمانية لا تنفك انقساماتهم وانشقاقاتهم فمنهم حمل السلاح ومنهم اتخذ من الثورات والمماحكات مع الحكومات والدول منهاجًا يسير عليه ويستقطب الموافقين له فتوجهوا إلى عامة الأمة ودُعاتها بأفكارهم وزينوها بالقول والأعمال الخيرية وإظهار الحرص على بيضة الإسلام حتى حصل من الفتن والبلايا على أبناء الأقطار الإسلامية التي كانوا فيها من البلايا ما شاهدناه وعرفنا آثاره والتي بين خطرها العلماء والدعاء الصادقون بما لا يترك مجالًا لمتشكك في أن هذه الجماعة الإخوانية بالتحديد كانت أكبر عقبة في وجه الدعوة المحمدية الحقة التي تُرجع الأمة إلى فهم سلفها الصالح وفق نصوص الكتاب والسنة!

فكيف استطاع شاب في مقتبل العمر من تأسيس جماعته وكيف تمكن من نشر فكرته حتى عمَّ ضررها وانتشر بين الناس فكرها؟!

12 / 10 / 1445هـ / 21 / 4 / 2024م

(يتبع)

 

طورُ التَّحول والتحوُّر الإخواني الجديد بعد قرب انهيار الجماعة والانتقال إلى أرضية جديدة وخصبة لزرع الأفكار الخارجية المتأصلة في فكر الجماعة! (التمهيد)

  (1) طورُ التَّحول والتحوُّر الإخواني الجديد بعد قرب انهيار الجماعة والانتقال إلى أرضية جديدة وخصبة لزرع الأفكار الخارجية المتأصلة في فكر...