31/08/2011

((للصائم فرحتان))... ::وبدعة زيارة القبور يوم العيد::


((للصائم فرحتان))... ::وبدعة زيارة القبور يوم العيد::
بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله.. أمَّا بعد:

فإن كثيرًا من الناس قد منَّ الله عليهم بطاعته في شهر الخير والبركات شهر رمضان المبارك، فكان لهم بهذه الطاعة جائزة قد أخبر بها نبينا الكريم -صلى الله عليه وسلم- إذ قال: (( لِلصَّائِمِ فَرْحَتَانِ يَفْرَحُهُمَا إِذَا أَفْطَرَ فَرِحَ وَإِذَا لَقِيَ رَبَّهُ فَرِحَ بِصَوْمِهِ ))، أخرجه البخاري.

وقوله : (( للصائم فرحتان يفرحهما : إذا أفطر فرح )) قال الحافظ ابن حجر في "فتح الباري": (( زاد مسلم " بفطره " , وقوله " يفرحهما " أصله يفرح بهما فحذف الجار ووصل الضمير كقوله صام رمضان أي فيه . قال القرطبي : معناه فرح بزوال جوعه وعطشه حيث أبيح له الفطر وهذا الفرح طبيعي وهو السابق للفهم وقيل إن فرحه بفطره إنما هو من حيث إنه تمام صومه وخاتمة عبادته وتخفيف من ربه ومعونة على مستقبل صومه )).

إلى أن قال -رحمه الله- : (( ففرح كل أحد بحسبه لاختلاف مقامات الناس في ذلك , فمنهم من يكون فرحه مباحا وهو الطبيعي , ومنهم من يكون مستحبا وهو من يكون سببه شيء مما ذكره )). انتهى مختصرًا.

قال أبو موسى: وصنف يكون فرحهم محرم لما يعترية من المخالفات التي يعاقرها الناس في يوم العيد من سماع للغناء المحرم ومصافحة النساء للرجال الأجانب إلى غير ذلك من المنكرات التي تفشو يوم العيد.. والله المستعان.

بيد أنَّ أقوامًا ممن حُرموا الفرح هذا اليوم لِمَا تلبَّسوا به من بدعة (( زيارة القبور )) يوم العيد، فقلبوا فرحهم الشرعي إلى ترح وأحزان لم يوجبها الله ورسوله عليهم، ولا أمرهم بها ولا آباءهم من قبل، فأي بدعة ابتدعوها يوم العيد الذي يفرح به المسلمون؟ وأي زيارة ابتكروها يوم العيد؟

وقد أمرهم الله ورسوله بالفرح هذا اليوم فقال لهم النبي -صلى الله عليه وسلم-:

(( أنها أيام أكل وشرب وذكر لله ))، إذن هو اللهو المباح والأكل المباح وغيره مما أحله الله.

فلا يُعلم أحد من قرون الأمة المفضلة فعل مثل هذا أو أمر به، لا من الصحابة ولا تابعيهم ولا أتباعهم، فدل ذلك على أن الأمر مُحدثٌ بعدهم لا يجوز فعله .. ولو كان هؤلاء صادقين فيما يدَّعونه من أنهم يريدون الزيارة فقط لأجل الزيارة لفعلوا ذلك في أيام السنة الطويلة ولكن الواقع يكذب هذه الادِّعاءات فلا تكاد ترى على طول السنة من يزور القبور للاتِّعاظ والعبرة وتذكر الآخرة.. فدل على أن هؤلاء القوم يخصصون يوم العيد بهذه العبادة التي هي بدعة قبيحة لم يسنَّها لنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ولا أصحابه ..

ألا فليعمل المسلمون على تعلم أمر دينهم وليعلموا ما يحل من الأعمال مما لا يحل لينالوا الأجر والثواب الأتمين فيفرحوا الفرح الشرعي ليصيبهم الشطر الثاني من الحديث وهو قوله : (( وإذا لقي ربه فرح بصومه )) ، قال الحافظ ابن حجر في شرحه : (( قوله : ( وإذا لقي ربه فرح بصومه ) ، أي بجزائه وثوابه . وقيل الفرح الذي عند لقاء ربه إما لسروره بربه أو بثواب ربه على الاحتمالين . قلت : والثاني أظهر إذ لا ينحصر الأول في الصوم بل يفرح حينئذ بقبول صومه وترتب الجزاء الوافر عليه )).

نسأل الله العظيم أن يتقبل منا ومنكم وأن يغفر لنا ولكم ونسأله تعالى أن يعيد علينا رمضان أعوامًا عديدة وأن يجعلنا ممن فرح الفرحة الكبرى بلقاءه يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم.

والحمد لله رب العالمين..

وكتب:

أبو موسى الأردني

أحمد بن عياش بن موسى الغرايبة

-غفر الله له ولوالديه-

آمين..آمين

مساء يوم عيد الفطر المبارك

غرة شوال لعام 1432 من هجرة المصطفى

صلى الله عليه وسلم.

*****


27/08/2011

المفتي: زكاة الفطر من طعام البلد.. ولا يجوز إخراجها نقدًا.. ولا تعطى للواقفين عند الباعة

المفتي: زكاة الفطر من طعام البلد.. ولا يجوز إخراجها نقدًا.. ولا تعطى للواقفين عند الباعة



طالب سماحة المفتي العام، رئيس هيئة كبار العلماء ورئيس اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والافتاء الشيخ عبد العزيز بن عبد الله آل الشيخ المسلمين في هذه الايام المباركة -ما تبقى من شهر رمضان- في الاستزادة من اعمال الخيرات والتوبة النصوح الى الله، فمن عليه حق ان يؤديه لصاحبه، ومن وقع في خطأ او ارتكب اثما ان يعلن توبته ، ومن عليه دين وقادر على سداده ان يعيده الى صاحبه، او غير قادر ان يلجأ الى الله ويتضرع اليه ان يعينه على رده لصاحبه، ومن اقترف ظلما فيرد الحق لمن ظلمه، وان يسأل الجميع الله صوما وقياما مقبولا، في هذه الايام الفاضلة، واشار سماحته الى ما يحدث في بعض بلاد المسلمين من فوضى وسفك دماء وتدمير واستباحة اعراض، وخسران مبين، وقال ان المجرمين تسلطوا وشياطين الانس هم الذين يقومون باعمال التخريب والتسلط والاجرام . جاء ذلك في خطبة الجمعة أمس بالرياض .
وقال ان زكاة الفطر شرعها نبينا صلى الله عليه وسلم، وامره مطاع لكل مسلم، وهي مفروضة على كل المسلمين صغارهم وكبارهم، فقيرهم وغنيهم، كل من كان عنده نفقة العيد وليلته، وهي تخرج من طعام البلد الذي يعيش فيه المسلم صاع من تمر او ارز او اقط او شعير، وتخرج على الحر والعبد وعن الخدم الذين هم يعملون لدينا، فمن عنده خدم في بيته ومن تكفل بالانفاق على اي شخص يعيش معه وجب عليه ان يخرج عنه زكاة الفطر .

واضاف سماحته ان هذه الزكاة فرضها الرسول لحكم عظيمة منها شكرا لنعم الله علينا على اتمام الصيام والقيام ومضي الحول على بدن المسلم وهو صحيح معافى، وانها تطهير للصائم مما حدث او وقع منه من لغو وفحش، فهي طهرة للصائمين وطعمة للفقراء والمساكين .
واشار المفتي الى ان وقت اخراجها قبل صلاة العيد، وقال من أخرجها بعد صلاة العيد فهي صدقة مقبولة، ويجوز ان يخرجها قبل العيد بيومين اي يوم الثامن والعشرين والتاسع والعشرين من شهر رمضان او ليلة العيد لمن شق عليهم اخراجها قبل صلاة العيد، وان تخرج من طعام وقوت البلد الذي يعيش فيه المسلم، وقال ان اخراجها قيمة لا يجوز لانه لم يرد عن رسول الله ان اخرجها قيمة، ولا عمل به خلفه صلى الله عليه وسلم من الخلفاء الراشدين رغم توافر الاموال في ايديهم في الفتوحات الاسلامية، وان اخراجها ظاهرة يشاهدها الناس، ومقدارها صاع بصاع النبي «الصاع النبوي»، وحذر سماحته ممن يتهاونون في اخراجها بزعم انهم نسوها او اهملوها وقال «هذا امر لا ينبغي»، واكد سماحته على اعطائها للفقير المستحق او من ينيبه عنه، فتسلم للمحتاج او الوكيل الذي يؤديها، وتخرج في البلد الذي يعيش فيه المسلم لان ذلك افضل، وقال من الخطأ ان تعطى للواقفين عند الباعة فيأخذونها من المتصدق ويبيعونها للبائع مرة اخرى بثمن اقل، مؤكدا على ان تخرج من طيب ما تجدون لان الله طيب لا يقبل الا طيبا.



المدينة

17/08/2011

(( مختصر زاد المعاد )) ..::[17]::..

«مختصر زاد المعاد»


..::[17]::..


[فَصْلٌ فِي هَدْيِهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي صَلاةِ العِيْدَيْن]

وكان يصلي العيدين في المصلى، وهو الذي على باب المدينة الشرقي، الَّذِي يُوضَعُ فِيهِ مَحْمِلُ الْحَاجِّ، وَلَمْ يُصَلِّ العيد بمسجده إلا مرة أصابهم مطر - إِنْ ثَبَتَ الْحَدِيثُ - وَهُوَ فِي «سُنَنِ أبي داود» (1) وكان يلبس أجمل ثيابه، ويأكل في عيد الفطر قبل خروجه تمرات، ويأكلهن وترًا، وأما في الْأَضْحَى فَكَانَ لَا يَطْعَمُ حَتَّى يَرْجِعَ مِنَ المصلى، فيأكل من أضحيته، وكان يغتسل للعيد - إن صح - وفيه حديثان ضعيفان، لكن ثَبَتَ عَنِ ابْنِ عُمَرَ مَعَ شِدَّةِ اتَّبَاعِهِ للسنة(2).
وكان يَخْرُجُ مَاشِيًا وَالْعَنَزَةُ تُحْمَلُ بَيْنَ يَدَيْهِ، فَإِذَا وصل نصبت ليصلي إليها، فإن المصلى لم يكن فيه بناء، وَكَانَ يُؤَخِّرُ صَلَاةَ عِيدِ الْفِطْرِ، وَيُعَجِّلُ الْأَضْحَى.
وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ مَعَ شِدَّةِ اتِّبَاعِهِ لِلسُّنَّةِ، لَا يَخْرُجُ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ، وَيُكَبِّرُ مِنْ بَيْتِهِ إِلَى الْمُصَلَّى.
وَكَانَ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إِذَا انْتَهَى إِلَى الْمُصَلَّى، أَخَذَ فِي الصلاة، بغير أَذَانٍ وَلَا إِقَامَةٍ، وَلَا قَوْلِ: «الصَّلَاةُ جَامِعَةٌ» وَلَمْ يَكُنْ هُوَ وَلَا أَصْحَابُهُ يُصَلُّونَ إِذَا انتهوا إلى المصلى، لا قبلها وَلَا بَعْدَهَا.
وَكَانَ يَبْدَأُ بِالصَّلَاةِ قَبْلَ الْخُطْبَةِ، فيصلي ركعتين، يكبر في الأولى سبعًا متوالية بتكبيرة الإحرام، بَيْنَ كُلِّ تَكْبِيرَتَيْنِ سَكْتَةً يَسِيرَةً، وَلَمْ يُحْفَظْ عَنْهُ ذِكْرٌ مُعَيَّنٌ بَيْنَ التَّكْبِيرَاتِ، وَلَكِنْ ذُكِرَ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ أَنَّهُ قَالَ: «يَحْمَدُ اللَّهَ، وَيُثْنِي عَلَيْهِ، وَيُصَلِّي عَلَى النَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عليه وسلم-»(3). وكان ابن عمر يَرْفَعُ يَدَيْهِ مَعَ كُلِّ تَكْبِيرَةٍ(4).
وَكَانَ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إِذَا أَتَمَّ التَّكْبِيرَ أَخَذَ في القراءة، فقرأ في الأولى الفاتحة، ثم ﴿ق﴾ وفي الثانية ﴿اقتربت﴾ وربما قرأ فيهما بـ: ﴿سبح﴾ و ﴿الغاشية﴾ وَلَمْ يَصِحَّ عَنْهُ غَيْرُ ذَلِكَ فَإِذَا فَرَغَ من القراءة كبر وركع، ثم يكبر في الثانية خمسًا متوالية، ثم أخذ في القراءة، فإذا انصرف، قام مقابل الناس وهم جلوس على صفوفهم، فيعظهم وَيَأْمُرُهُمْ وَيَنْهَاهُمْ، وَإِنْ كَانَ يُرِيدُ أَنْ يَقْطَعَ بَعْثًا قَطَعَهُ، أَوْ يَأْمُرَ بِشَيْءٍ أَمَرَ بِهِ، ولم يكن هناك منبر، وإنما كان يخطب على الأرض.
وأما قوله في حديث في «الصحيحين»: «ثم نزل فأتى النساء» . إلى آخره، فلعله كان يقوم على مكان مرتفع. وأما منبر المدينة، فأول من أخرجه مَرْوَانُ بْنُ الْحَكَمِ فَأَنْكَرَ عَلَيْهِ، وَأَمَّا مِنْبَرُ اللَّبِنِ وَالطِّينِ، فَأَوَّلُ مَنْ بَنَاهُ كثير بن الصلت في إمارة مروان على المدينة.
ورخص النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لِمَنْ شَهِدَ الْعِيدَ أَنْ يَجْلِسَ لِلْخُطْبَةِ، وَأَنْ يَذْهَبَ، وَرَخَّصَ لَهُمْ إِذَا وَقَعَ الْعِيدُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ أَنْ يَجْتَزِئُوا بصلاة العيد عن الجمعة(5)، وكان يخالف الطريق يوم العيد.
«وروي أَنَّهُ كَانَ يُكَبِّرُ مِنْ صَلَاةِ الْفَجْرِ يَوْمَ عَرَفَةَ إِلَى الْعَصْرِ مِنْ آخِرِ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ: اللهُ أَكْبَرُ، اللهُ أَكْبَرُ، لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، وَاللهُ أَكْبَرُ، اللهُ أَكْبَرُ، وَللهِ الْحَمْدُ»(6).
ــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) قلت: لم يصح هذا الأثر، وأصله كما في «ضعيف أبي داود» -الأم- (213): أن أبا هريرة رضي الله عنه-قال: «أنه أصابهم مطر في يوم عيدٍ، فصلى بهم النّبِي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- صلاة العيدِ في المسجدِ». قال الشيخ الألباني رحمه الله-: «قلت: إسناده ضعيف، عيسى وأبو يحيى التيمي لا يعرفان، وقال الذهبي: «هذا حديث فرد منكر»، وقال الحافظ: «إسناده ضعيف»».
(2) قال الشيخ الألباني في «إرواء الغليل» (1/175)، معلقًا على حديث ابن عباس، والفاكه بن سعد رضي الله عنهم- والذي رواه ابن ماجه: «ضعيف. ولايثبت من وجه»، ثم قال: «وفى الباب عن أبى رافع أن النبى -صلى الله عليه وسلم- اغتسل للعيدين» وضعفه رحمه الله- ثم أردف قائلًا: «فائدة: وأحسن ما يستدل به على استحباب الاغتسال للعيدين ما روى البيهقى من طريق الشافعى عن زاذان قال: سأل رجل عليا -رضى الله عنه- عن الغسل؟ قال: «اغتسل كل يوم إن شئت» فقال: لا الغسل الذى هو الغسل قال: «يوم الجمعة ويوم عرفة ويوم النحر ويوم الفطر». وسنده صحيح».

(3) صحيح، وانظر «الإرواء» رقم: (642).
(4) انظر التعليق على الحديث رقم: (640) من «الإرواء»، وفيه بيان ضعف هذا الأثر وغيره، وأنه لم يرد في السنة ما يصح به رفع اليدين مع كل تكبيرة، فراجعه فإنه مهم.
(5) وهذه المسألة فيها كلام كثير بين الأئمة في توجيهها فتراجع في مظانِّها.
(6) قال الشيخ الألباني في «الضعيفة» (5578) : «موضوع». وقال في «الإرواء» (653) : «وقد صح عن علي -رضى الله عنه-: «أنه كان يكبر بعد صلاة الفجر يوم عرفة إلى صلاة العصر من آخر أيام التشريق ويكبر بعد العصر». رواه ابن أبى شيبة (2/1/2) من طريقين أحدهما جيد. ومن هذا الوجه رواه البيهقى (3/314)، ثم روى مثله عن ابن عباس وسنده صحيح. وروى الحاكم (1/300) عنه وعن ابن مسعود مثله من هذا الوجه بلفظ: «الله أكبر كبيراً الله أكبر كبيراً الله أكبر وأجل الله أكبر ولله الحمد». ورواه المحاملى في «صلاة العيدين» (2/143/1) من طريق أخرى عن عكرمة به لكنه قال: «الله أكبر وأجل الله أكبر على ما هدانا» فأخر وزاد وسنده صحيح. وروى أثر ابن مسعود من الوجه المتقدم بتشفيع التكبير وهو المعروف عنه والله أعلم»، قال أبو موسى: يعني الأثر الذي صححه عن ابن مسعود رضي الله عنه- وصيغة التكبير فيه : « الله أكبر. الله أكبر. لا إله إلا الله. والله أكبر. الله أكبر. ولله الحمد » والحمد لله رب العالمين.

(( مختصر زاد المعاد )) ..::[17]::..

«مختصر زاد المعاد»


..::[17]::..


[فَصْلٌ فِي هَدْيِهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي صَلاةِ العِيْدَيْن]

وكان يصلي العيدين في المصلى، وهو الذي على باب المدينة الشرقي، الَّذِي يُوضَعُ فِيهِ مَحْمِلُ الْحَاجِّ، وَلَمْ يُصَلِّ العيد بمسجده إلا مرة أصابهم مطر - إِنْ ثَبَتَ الْحَدِيثُ - وَهُوَ فِي «سُنَنِ أبي داود» (1) وكان يلبس أجمل ثيابه، ويأكل في عيد الفطر قبل خروجه تمرات، ويأكلهن وترًا، وأما في الْأَضْحَى فَكَانَ لَا يَطْعَمُ حَتَّى يَرْجِعَ مِنَ المصلى، فيأكل من أضحيته، وكان يغتسل للعيد - إن صح - وفيه حديثان ضعيفان، لكن ثَبَتَ عَنِ ابْنِ عُمَرَ مَعَ شِدَّةِ اتَّبَاعِهِ للسنة(2).
وكان يَخْرُجُ مَاشِيًا وَالْعَنَزَةُ تُحْمَلُ بَيْنَ يَدَيْهِ، فَإِذَا وصل نصبت ليصلي إليها، فإن المصلى لم يكن فيه بناء، وَكَانَ يُؤَخِّرُ صَلَاةَ عِيدِ الْفِطْرِ، وَيُعَجِّلُ الْأَضْحَى.
وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ مَعَ شِدَّةِ اتِّبَاعِهِ لِلسُّنَّةِ، لَا يَخْرُجُ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ، وَيُكَبِّرُ مِنْ بَيْتِهِ إِلَى الْمُصَلَّى.
وَكَانَ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إِذَا انْتَهَى إِلَى الْمُصَلَّى، أَخَذَ فِي الصلاة، بغير أَذَانٍ وَلَا إِقَامَةٍ، وَلَا قَوْلِ: «الصَّلَاةُ جَامِعَةٌ» وَلَمْ يَكُنْ هُوَ وَلَا أَصْحَابُهُ يُصَلُّونَ إِذَا انتهوا إلى المصلى، لا قبلها وَلَا بَعْدَهَا.
وَكَانَ يَبْدَأُ بِالصَّلَاةِ قَبْلَ الْخُطْبَةِ، فيصلي ركعتين، يكبر في الأولى سبعًا متوالية بتكبيرة الإحرام، بَيْنَ كُلِّ تَكْبِيرَتَيْنِ سَكْتَةً يَسِيرَةً، وَلَمْ يُحْفَظْ عَنْهُ ذِكْرٌ مُعَيَّنٌ بَيْنَ التَّكْبِيرَاتِ، وَلَكِنْ ذُكِرَ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ أَنَّهُ قَالَ: «يَحْمَدُ اللَّهَ، وَيُثْنِي عَلَيْهِ، وَيُصَلِّي عَلَى النَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عليه وسلم-»(3). وكان ابن عمر يَرْفَعُ يَدَيْهِ مَعَ كُلِّ تَكْبِيرَةٍ(4).
وَكَانَ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إِذَا أَتَمَّ التَّكْبِيرَ أَخَذَ في القراءة، فقرأ في الأولى الفاتحة، ثم ﴿ق﴾ وفي الثانية ﴿اقتربت﴾ وربما قرأ فيهما بـ: ﴿سبح﴾ و ﴿الغاشية﴾ وَلَمْ يَصِحَّ عَنْهُ غَيْرُ ذَلِكَ فَإِذَا فَرَغَ من القراءة كبر وركع، ثم يكبر في الثانية خمسًا متوالية، ثم أخذ في القراءة، فإذا انصرف، قام مقابل الناس وهم جلوس على صفوفهم، فيعظهم وَيَأْمُرُهُمْ وَيَنْهَاهُمْ، وَإِنْ كَانَ يُرِيدُ أَنْ يَقْطَعَ بَعْثًا قَطَعَهُ، أَوْ يَأْمُرَ بِشَيْءٍ أَمَرَ بِهِ، ولم يكن هناك منبر، وإنما كان يخطب على الأرض.
وأما قوله في حديث في «الصحيحين»: «ثم نزل فأتى النساء» . إلى آخره، فلعله كان يقوم على مكان مرتفع. وأما منبر المدينة، فأول من أخرجه مَرْوَانُ بْنُ الْحَكَمِ فَأَنْكَرَ عَلَيْهِ، وَأَمَّا مِنْبَرُ اللَّبِنِ وَالطِّينِ، فَأَوَّلُ مَنْ بَنَاهُ كثير بن الصلت في إمارة مروان على المدينة.
ورخص النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لِمَنْ شَهِدَ الْعِيدَ أَنْ يَجْلِسَ لِلْخُطْبَةِ، وَأَنْ يَذْهَبَ، وَرَخَّصَ لَهُمْ إِذَا وَقَعَ الْعِيدُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ أَنْ يَجْتَزِئُوا بصلاة العيد عن الجمعة(5)، وكان يخالف الطريق يوم العيد.
«وروي أَنَّهُ كَانَ يُكَبِّرُ مِنْ صَلَاةِ الْفَجْرِ يَوْمَ عَرَفَةَ إِلَى الْعَصْرِ مِنْ آخِرِ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ: اللهُ أَكْبَرُ، اللهُ أَكْبَرُ، لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، وَاللهُ أَكْبَرُ، اللهُ أَكْبَرُ، وَللهِ الْحَمْدُ»(6).
ــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) قلت: لم يصح هذا الأثر، وأصله كما في «ضعيف أبي داود» -الأم- (213): أن أبا هريرة رضي الله عنه-قال: «أنه أصابهم مطر في يوم عيدٍ، فصلى بهم النّبِي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- صلاة العيدِ في المسجدِ». قال الشيخ الألباني رحمه الله-: «قلت: إسناده ضعيف، عيسى وأبو يحيى التيمي لا يعرفان، وقال الذهبي: «هذا حديث فرد منكر»، وقال الحافظ: «إسناده ضعيف»».
(2) قال الشيخ الألباني في «إرواء الغليل» (1/175)، معلقًا على حديث ابن عباس، والفاكه بن سعد رضي الله عنهم- والذي رواه ابن ماجه: «ضعيف. ولايثبت من وجه»، ثم قال: «وفى الباب عن أبى رافع أن النبى -صلى الله عليه وسلم- اغتسل للعيدين» وضعفه رحمه الله- ثم أردف قائلًا: «فائدة: وأحسن ما يستدل به على استحباب الاغتسال للعيدين ما روى البيهقى من طريق الشافعى عن زاذان قال: سأل رجل عليا -رضى الله عنه- عن الغسل؟ قال: «اغتسل كل يوم إن شئت» فقال: لا الغسل الذى هو الغسل قال: «يوم الجمعة ويوم عرفة ويوم النحر ويوم الفطر». وسنده صحيح».

(3) صحيح، وانظر «الإرواء» رقم: (642).
(4) انظر التعليق على الحديث رقم: (640) من «الإرواء»، وفيه بيان ضعف هذا الأثر وغيره، وأنه لم يرد في السنة ما يصح به رفع اليدين مع كل تكبيرة، فراجعه فإنه مهم.
(5) وهذه المسألة فيها كلام كثير بين الأئمة في توجيهها فتراجع في مظانِّها.
(6) قال الشيخ الألباني في «الضعيفة» (5578) : «موضوع». وقال في «الإرواء» (653) : «وقد صح عن علي -رضى الله عنه-: «أنه كان يكبر بعد صلاة الفجر يوم عرفة إلى صلاة العصر من آخر أيام التشريق ويكبر بعد العصر». رواه ابن أبى شيبة (2/1/2) من طريقين أحدهما جيد. ومن هذا الوجه رواه البيهقى (3/314)، ثم روى مثله عن ابن عباس وسنده صحيح. وروى الحاكم (1/300) عنه وعن ابن مسعود مثله من هذا الوجه بلفظ: «الله أكبر كبيراً الله أكبر كبيراً الله أكبر وأجل الله أكبر ولله الحمد». ورواه المحاملى في «صلاة العيدين» (2/143/1) من طريق أخرى عن عكرمة به لكنه قال: «الله أكبر وأجل الله أكبر على ما هدانا» فأخر وزاد وسنده صحيح. وروى أثر ابن مسعود من الوجه المتقدم بتشفيع التكبير وهو المعروف عنه والله أعلم»، قال أبو موسى: يعني الأثر الذي صححه عن ابن مسعود رضي الله عنه- وصيغة التكبير فيه : « الله أكبر. الله أكبر. لا إله إلا الله. والله أكبر. الله أكبر. ولله الحمد » والحمد لله رب العالمين.

11/08/2011

(( مختصر زاد المعاد )) ..:: [16]::..

«مختصر زاد المعاد»


..::[16]::..


[فَصْلٌ فِي تَعْظِيْمِ يَوْمِ الْجُمُعَةِ]

وكان من هديه -صلى الله عليه وسلم- تعظيم هذا اليوم وتشريفه، وتخصيصه بخصائص منها: أنه يقرأ في فجره بـ ﴿الم﴾ [السجدة: 1] السجدة، و﴿هَلْ أَتَى عَلَى الْإِنْسَانِ﴾ [الإنسان:1]؛ فإنهما تضمنتا ما كان وما يكون في يومها.
ومنها: استحباب كثرة الصلاة فيه على النبي -صلى الله عليه وسلم-، وفي ليلته، لأن كُلَّ خَيْرٍ نَالَتْهُ أُمَّتُهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، فعلى يديه، وأعظم كرامة تحصل لهم يَوْمَ الْجُمُعَةِ: فَإِنَّ فِيهِ بَعْثَهُمْ إِلَى مَنَازِلِهِمْ فِي الْجَنَّةِ، وَهُوَ يَوْمُ الْمَزِيدِ لَهُمْ إِذَا دخلوها، وقربهم من ربهم يوم القيامة، وسبقهم إلى الزيادة بِحَسْبِ قُرْبِهِمْ مِنَ الْإِمَامِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ، وَتَبْكِيرِهِمْ إليها.
ومنها: الاغتسال فِي يَوْمِهَا، وَهُوَ أَمْرٌ مُؤَكَّدٌ جِدًّا، وَوُجُوبُهُ أقوى من وجوب الوضوء من مس الذكر، والرعاف، وَالْقَيْءِ، وَوُجُوبِ الصَّلَاةِ عَلَى النَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عليه وسلم- في التشهد الأخير(1).
ومنها: الطيب والسواك، ولها مزية فيه على غيره.
ومنها التبكير، والاشتغال بذكر الله تعالى، والصلاة إلى خروج الإمام.
ومنها: الإنصات للخطبة وجوبًا.
ومنها: قراءة (الجمعة) و (المنافقين) أو (سبح) و (الغاشية) .
ومنها: أن يلبس فيه أحسن ثيابه.
ومنها: أن للماشي إليها بكل خطوة عمل سنة، أجر صيامها وقيامها(2).
ومنها: أنه يكفر السيئات.
ومنها: ساعة الإجابة.
وكان -صلى الله عليه وسلم- إِذَا خَطَبَ احْمَرَّتْ عَيْنَاهُ، وَعَلَا صَوْتُهُ، وَاشْتَدَّ غَضَبُهُ، حَتَّى كَأَنَّهُ مُنْذِرُ جَيْشٍ يَقُولُ: صَبَّحَكُمْ ومساكم.
«وكان يقول في خطبته: «أما بعد» ، ويقصر الخطبة، ويطيل الصلاة، وَكَانَ يُعَلِّمُ أَصْحَابَهُ فِي خُطْبَتِهِ قَوَاعِدَ الْإِسْلَامِ وَشَرَائِعَهُ، وَيَأْمُرُهُمْ وَيَنْهَاهُمْ فِي خُطْبَتِهِ إِذَا عَرَضَ له أمر، كَمَا أَمَرَ الدَّاخِلَ وَهُوَ يَخْطُبُ أَنْ يُصَلِّيَ ركعتين، وإذا رأى بهم ذا فاقة من حاجة، أمرهم بالصدقة، وحضهم عليها. وكان يشير في خطبته بإصبعه السبابة عند ذكر الله ودعائه(3).
وكان يستسقي إذا قحط المطر في خطبته، ويخرج إذا اجتمعوا، فَإِذَا دَخَلَ الْمَسْجِدَ، سَلَّمَ عَلَيْهِمْ، فَإِذَا صَعِدَ المنبر، استقبلهم بوجهه، وسلم عليهم ثُمَّ يَجْلِسُ، وَيَأْخُذُ بلال فِي الْأَذَانِ، فَإِذَا فرغ، قام وخطب، ويعتمد على قوس أو عصا، وَكَانَ مِنْبَرُهُ ثَلَاثَ دَرَجَاتٍ، وَكَانَ قَبْلَ اتِّخَاذِهِ يخطب إلى جذع، ولم يوضع المنبر في وسط المسجد، بل في جانبه الغربي، بينه وبين الحائط قدر ممر شاة، وكان إذا جلس عليه في غير الجمعة، أو خطب قائما يوم الجمعة، استدار أصحابه إليه بوجوههم، وَكَانَ يَقُومُ فَيَخْطُبُ، ثُمَّ يَجْلِسُ جِلْسَةً خَفِيفَةً، ثُمَّ يَقُومُ فَيَخْطُبُ الثَّانِيَةَ، فَإِذَا فَرَغَ مِنْهَا أخذ بلال في الإقامة.
وكان يأمر بالدنو منه والإنصات، ويخبر أَنَّ الرَّجُلَ إِذَا قَالَ لِصَاحِبِهِ: أَنْصِتْ. فَقَدْ لغا، ومن لغا فلا جمعة له.
وكان إذا صلى الجمعة دخل مَنْزِلِهِ، فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ سُنَّتَهَا، وَأَمَرَ مَنْ صَلَّاهَا أَنْ يُصَلِّيَ بَعْدَهَا أربعًا.
قال شيخنا: إذا صَلَّى فِي الْمَسْجِدِ صَلَّى أَرْبَعًا، وَإِنْ صَلَّى في بيته صلى ركعتين.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) قوله: « وَهُوَ أَمْرٌ مُؤَكَّدٌ جِدًّا، وَوُجُوبُهُ أقوى من ... وُجُوبِ الصَّلَاةِ عَلَى النَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عليه وسلم- في التشهد الأخير»، ذلك أنَّ أهل العلم اختلفوا في وجوب الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم- في التشهد الأخير من الصلاة «فَقَالَ الْحَنَفِيَّةُ، وَالْمَالِكِيَّةُ : إِنَّ الصَّلاةَ عَلَى النَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي التَّشَهُّدِ الأَخِيرِ سُنَّةٌ ، وَلَيْسَ بِوَاجِبٍ . وَقَالُوا : تَجِبُ الصَّلاةُ عَلَيْهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي الْعُمْرِ مَرَّةً لِلأَمْرِ بِهَا فِي قَوْله تَعَالَى : ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا﴾ [الأحزاب:56]، وَقَالَ الطَّحَاوِيُّ : تَجِبُ كُلَّمَا ذُكِرَ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- .
وَاسْتَدَلُّوا عَلَى عَدَمِ الْوُجُوبِ فِي التَّشَهُّدِ الأَخِيرِ «بِقَوْلِهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي تَعْلِيمِ التَّشَهُّدِ - بَعْدَ أَنْ ذَكَرَ أَلْفَاظَ التَّشَهُّدِ : «إِذَا قُلْتَ هَذَا ، أَوْ فَعَلْتَ ، فَقَدْ تَمَّتْ صَلاتُكَ ، إِنْ شِئْتَ أَنْ تَقُومَ فَقُمْ ، وَإِنْ شِئْتَ أَنْ تَقْعُدَ فَاقْعُدْ»، وَقَالُوا : وَإِلَى هَذَا ذَهَبَ أَهْلُ الْمَدِينَةِ ، وَأَهْلُ الْكُوفَةِ ، وَجُمْلَةٌ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ .... وَقَالَ الشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ : إِنَّهَا تَجِبُ فِي التَّشَهُّدِ الأَخِيرِ مِنْ كُلِّ صَلاةٍ ... وَقَالُوا : إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى فَرَضَ الصَّلاةَ عَلَى نَبِيِّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي قَوْله تَعَالَى : ﴿إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا﴾ [الأحزاب:56] فَلَمْ يَكُنْ فَرْضُ الصَّلاةِ عَلَيْهِ فِي مَوْضِعٍ أَوْلَى مِنَ الصَّلاةِ عَلَيْهِ فِي الصَّلاةِ . وَوَجَدْنَا الدَّلالَةَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِمَا وَصَفْنَا ؛ مِنْ أَنَّ الصَّلاةَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَرْضٌ فِي الصَّلاةِ ، لا فِي خَارِجِهَا . فَقَدْ جَاءَ فِي حَدِيثِ «أَبِي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّهُ قَالَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ؛ كَيْفَ نُصَلِّي عَلَيْكَ ؟ يَعْنِي فِي الصَّلاةِ . فَقَالَ : «تَقُولُونَ : اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ ، وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ ، كَمَا صَلَّيْتَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ . وَبَارِكْ عَلَى مُحَمَّدٍ ، وَآلِ مُحَمَّدٍ ، كَمَا بَارَكْتَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ ، ثُمَّ تُسَلِّمُونَ عَلَيَّ».
وَقَالَ الشافعي - رَحِمَهُ اللهُ - : فَعَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ - وَجَبَتْ عَلَيْهِ الْفَرَائِضُ - أَنْ يَتَعَلَّمَ التَّشَهُّدَ ، وَالصَّلاةَ عَلَى النَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- . وَمَنْ صَلَّى صَلاةً لَمْ يَتَشَهَّدْ فِيهَا ، وَيُصَلِّي عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَهُوَ يُحْسِنُ التَّشَهُّدَ - فَعَلَيْهِ إِعَادَتُهَا . وَإِنْ تَشَهَّدَ وَلَمْ يُصَلِّ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَوْ صَلَّى عَلَيْهِ وَلَمْ يَتَشَهَّدْ، فَعَلَيْهِ الإِعَادَةُ حَتَّى يَجْمَعَهُمَا جَمِيعًا . وَإِنْ كَانَ لا يُحْسِنُهُمَا عَلَى وَجْهِهِمَا أَتَى بِمَا أَحْسَنُ مِنْهُمَا ، وَلَمْ يُجْزِهِ إِلا بِأَنْ يَأْتِيَ بِاسْمِ تَشَهُّدٍ ، وَصَلاةٍ عَلَى النَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- . وَإِنْ أَحْسَنَهُمَا فَأَغْفَلَهُمَا ، أَوْ عَمَدَ بِتَرْكِهِمَا فَسَدَتْ صَلاتُهُ ، وَعَلَيْهِ الإِعَادَةُ فِيهِمَا جَمِيعًا .
وَقَدْ قَالَ بِهَذَا جَمَاعَةٌ مِنَ الصَّحَابَةِ وَمَنْ بَعْدَهُمْ، فَمِنَ الصَّحَابَةِ : عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ ، وَأَبُو مَسْعُودٍ الْبَدْرِيُّ ، وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ.
وَمِنَ التَّابِعِينَ : أَبُو جَعْفَرٍ مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ ، وَالشَّعْبِيُّ ، وَمُقَاتِلُ بْنُ حَيَّانَ . وَمِنْ أَرْبَابِ الْمَذَاهِبِ الْمَتْبُوعِينَ : إِسْحَاقُ بْنُ رَاهْوَيْهِ ، وَأَحْمَدُ فِي إِحْدَى رِوَايَتَيْهِ ، وَهِيَ الْمَشْهُورَةُ فِي الْمَذْهَبِ» انتهى من «الموسوعة الفقهية الكويتية» بتصرف.
قلت: أما استدلالهم بحديث تعليمه التشهد فلا يصح لعدم ثبوت ما انتقلوا فيه من الوجوب إلى الاستحباب، وهو قوله : «إن شئت أن تقوم ..» فإنها شاذة كما قرر ذلك الأئمة وهي ليست من قول النبي صلى الله عليه وسلم- بل موقوفة على عبدالله بن مسعود رضي الله عنه-، وقد أيَّد حكمَ ابن حبان والدارقطني والبيهقي الشيخُ الألباني -رحمه الله-؛ فقال في : «صحيح أبي داود» - الأم- (4/121)، بعد ذكر حديث التشهد: «قلت: إسناده صحيح، لكن قوله: إذا قلت هذا ... شاذ، أدرجه بعضهم في الحديث! والصواب أنه من قول ابن مسعود موقوفاً عليه، كما قال ابن حبان والدارقطني والبيهقي»، وانظر: «أصل صفة الصلاة»(3/872)، و«التعليقات الحسان» (3/395)، والله أعلم.
(2) عَنْ أَوْسِ بْنِ أَوْسٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «مَنْ غَسَّلَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَاغْتَسَلَ وَبَكَّرَ وَابْتَكَرَ وَمَشَى وَلَمْ يَرْكَبْ وَدَنَا مِنَ الْإِمَامِ وَاسْتَمَعَ وَلَمْ يَلْغُ كَانَ لَهُ بِكُلِّ خُطْوَةٍ عَمَلُ سَنَةٍ: أَجْرُ صِيَامِهَا وَقِيَامِهَا». رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَأَبُو دَاوُدَ وَالنَّسَائِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ، وصححه الشيخ الألباني رحمه الله- كما في: «صحيح أبي داود» -الأم-: (373)، وانظر: «المشكاة» (1388)، و«صحيح الترغيب والترهيب» (690).
(3) قال الشيخ الألباني رحمه الله- في «إرواء الغليل في تخريج أحاديث منار السبيل» (3/74): « لم أقف على سنده. وإنما علقه البيهقى (3/210) مرسلا فقال: «وروينا عن الزهرى أنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا خطب يوم الجمعة دعا فأشار بأصبعه وأمن الناس. ورواه قرة بن عبد الرحمن عن الزهرى عن أبى سلمة عن أبى هريرة موصولا, وليس بصحيح»ا.هـ.

(( مختصر زاد المعاد )) ..:: [16]::..

«مختصر زاد المعاد»


..::[16]::..


[فَصْلٌ فِي تَعْظِيْمِ يَوْمِ الْجُمُعَةِ]

وكان من هديه -صلى الله عليه وسلم- تعظيم هذا اليوم وتشريفه، وتخصيصه بخصائص منها: أنه يقرأ في فجره بـ ﴿الم﴾ [السجدة: 1] السجدة، و﴿هَلْ أَتَى عَلَى الْإِنْسَانِ﴾ [الإنسان:1]؛ فإنهما تضمنتا ما كان وما يكون في يومها.
ومنها: استحباب كثرة الصلاة فيه على النبي -صلى الله عليه وسلم-، وفي ليلته، لأن كُلَّ خَيْرٍ نَالَتْهُ أُمَّتُهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، فعلى يديه، وأعظم كرامة تحصل لهم يَوْمَ الْجُمُعَةِ: فَإِنَّ فِيهِ بَعْثَهُمْ إِلَى مَنَازِلِهِمْ فِي الْجَنَّةِ، وَهُوَ يَوْمُ الْمَزِيدِ لَهُمْ إِذَا دخلوها، وقربهم من ربهم يوم القيامة، وسبقهم إلى الزيادة بِحَسْبِ قُرْبِهِمْ مِنَ الْإِمَامِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ، وَتَبْكِيرِهِمْ إليها.
ومنها: الاغتسال فِي يَوْمِهَا، وَهُوَ أَمْرٌ مُؤَكَّدٌ جِدًّا، وَوُجُوبُهُ أقوى من وجوب الوضوء من مس الذكر، والرعاف، وَالْقَيْءِ، وَوُجُوبِ الصَّلَاةِ عَلَى النَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عليه وسلم- في التشهد الأخير(1).
ومنها: الطيب والسواك، ولها مزية فيه على غيره.
ومنها التبكير، والاشتغال بذكر الله تعالى، والصلاة إلى خروج الإمام.
ومنها: الإنصات للخطبة وجوبًا.
ومنها: قراءة (الجمعة) و (المنافقين) أو (سبح) و (الغاشية) .
ومنها: أن يلبس فيه أحسن ثيابه.
ومنها: أن للماشي إليها بكل خطوة عمل سنة، أجر صيامها وقيامها(2).
ومنها: أنه يكفر السيئات.
ومنها: ساعة الإجابة.
وكان -صلى الله عليه وسلم- إِذَا خَطَبَ احْمَرَّتْ عَيْنَاهُ، وَعَلَا صَوْتُهُ، وَاشْتَدَّ غَضَبُهُ، حَتَّى كَأَنَّهُ مُنْذِرُ جَيْشٍ يَقُولُ: صَبَّحَكُمْ ومساكم.
«وكان يقول في خطبته: «أما بعد» ، ويقصر الخطبة، ويطيل الصلاة، وَكَانَ يُعَلِّمُ أَصْحَابَهُ فِي خُطْبَتِهِ قَوَاعِدَ الْإِسْلَامِ وَشَرَائِعَهُ، وَيَأْمُرُهُمْ وَيَنْهَاهُمْ فِي خُطْبَتِهِ إِذَا عَرَضَ له أمر، كَمَا أَمَرَ الدَّاخِلَ وَهُوَ يَخْطُبُ أَنْ يُصَلِّيَ ركعتين، وإذا رأى بهم ذا فاقة من حاجة، أمرهم بالصدقة، وحضهم عليها. وكان يشير في خطبته بإصبعه السبابة عند ذكر الله ودعائه(3).
وكان يستسقي إذا قحط المطر في خطبته، ويخرج إذا اجتمعوا، فَإِذَا دَخَلَ الْمَسْجِدَ، سَلَّمَ عَلَيْهِمْ، فَإِذَا صَعِدَ المنبر، استقبلهم بوجهه، وسلم عليهم ثُمَّ يَجْلِسُ، وَيَأْخُذُ بلال فِي الْأَذَانِ، فَإِذَا فرغ، قام وخطب، ويعتمد على قوس أو عصا، وَكَانَ مِنْبَرُهُ ثَلَاثَ دَرَجَاتٍ، وَكَانَ قَبْلَ اتِّخَاذِهِ يخطب إلى جذع، ولم يوضع المنبر في وسط المسجد، بل في جانبه الغربي، بينه وبين الحائط قدر ممر شاة، وكان إذا جلس عليه في غير الجمعة، أو خطب قائما يوم الجمعة، استدار أصحابه إليه بوجوههم، وَكَانَ يَقُومُ فَيَخْطُبُ، ثُمَّ يَجْلِسُ جِلْسَةً خَفِيفَةً، ثُمَّ يَقُومُ فَيَخْطُبُ الثَّانِيَةَ، فَإِذَا فَرَغَ مِنْهَا أخذ بلال في الإقامة.
وكان يأمر بالدنو منه والإنصات، ويخبر أَنَّ الرَّجُلَ إِذَا قَالَ لِصَاحِبِهِ: أَنْصِتْ. فَقَدْ لغا، ومن لغا فلا جمعة له.
وكان إذا صلى الجمعة دخل مَنْزِلِهِ، فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ سُنَّتَهَا، وَأَمَرَ مَنْ صَلَّاهَا أَنْ يُصَلِّيَ بَعْدَهَا أربعًا.
قال شيخنا: إذا صَلَّى فِي الْمَسْجِدِ صَلَّى أَرْبَعًا، وَإِنْ صَلَّى في بيته صلى ركعتين.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) قوله: « وَهُوَ أَمْرٌ مُؤَكَّدٌ جِدًّا، وَوُجُوبُهُ أقوى من ... وُجُوبِ الصَّلَاةِ عَلَى النَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عليه وسلم- في التشهد الأخير»، ذلك أنَّ أهل العلم اختلفوا في وجوب الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم- في التشهد الأخير من الصلاة «فَقَالَ الْحَنَفِيَّةُ، وَالْمَالِكِيَّةُ : إِنَّ الصَّلاةَ عَلَى النَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي التَّشَهُّدِ الأَخِيرِ سُنَّةٌ ، وَلَيْسَ بِوَاجِبٍ . وَقَالُوا : تَجِبُ الصَّلاةُ عَلَيْهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي الْعُمْرِ مَرَّةً لِلأَمْرِ بِهَا فِي قَوْله تَعَالَى : ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا﴾ [الأحزاب:56]، وَقَالَ الطَّحَاوِيُّ : تَجِبُ كُلَّمَا ذُكِرَ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- .
وَاسْتَدَلُّوا عَلَى عَدَمِ الْوُجُوبِ فِي التَّشَهُّدِ الأَخِيرِ «بِقَوْلِهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي تَعْلِيمِ التَّشَهُّدِ - بَعْدَ أَنْ ذَكَرَ أَلْفَاظَ التَّشَهُّدِ : «إِذَا قُلْتَ هَذَا ، أَوْ فَعَلْتَ ، فَقَدْ تَمَّتْ صَلاتُكَ ، إِنْ شِئْتَ أَنْ تَقُومَ فَقُمْ ، وَإِنْ شِئْتَ أَنْ تَقْعُدَ فَاقْعُدْ»، وَقَالُوا : وَإِلَى هَذَا ذَهَبَ أَهْلُ الْمَدِينَةِ ، وَأَهْلُ الْكُوفَةِ ، وَجُمْلَةٌ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ .... وَقَالَ الشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ : إِنَّهَا تَجِبُ فِي التَّشَهُّدِ الأَخِيرِ مِنْ كُلِّ صَلاةٍ ... وَقَالُوا : إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى فَرَضَ الصَّلاةَ عَلَى نَبِيِّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي قَوْله تَعَالَى : ﴿إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا﴾ [الأحزاب:56] فَلَمْ يَكُنْ فَرْضُ الصَّلاةِ عَلَيْهِ فِي مَوْضِعٍ أَوْلَى مِنَ الصَّلاةِ عَلَيْهِ فِي الصَّلاةِ . وَوَجَدْنَا الدَّلالَةَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِمَا وَصَفْنَا ؛ مِنْ أَنَّ الصَّلاةَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَرْضٌ فِي الصَّلاةِ ، لا فِي خَارِجِهَا . فَقَدْ جَاءَ فِي حَدِيثِ «أَبِي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّهُ قَالَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ؛ كَيْفَ نُصَلِّي عَلَيْكَ ؟ يَعْنِي فِي الصَّلاةِ . فَقَالَ : «تَقُولُونَ : اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ ، وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ ، كَمَا صَلَّيْتَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ . وَبَارِكْ عَلَى مُحَمَّدٍ ، وَآلِ مُحَمَّدٍ ، كَمَا بَارَكْتَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ ، ثُمَّ تُسَلِّمُونَ عَلَيَّ».
وَقَالَ الشافعي - رَحِمَهُ اللهُ - : فَعَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ - وَجَبَتْ عَلَيْهِ الْفَرَائِضُ - أَنْ يَتَعَلَّمَ التَّشَهُّدَ ، وَالصَّلاةَ عَلَى النَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- . وَمَنْ صَلَّى صَلاةً لَمْ يَتَشَهَّدْ فِيهَا ، وَيُصَلِّي عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَهُوَ يُحْسِنُ التَّشَهُّدَ - فَعَلَيْهِ إِعَادَتُهَا . وَإِنْ تَشَهَّدَ وَلَمْ يُصَلِّ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَوْ صَلَّى عَلَيْهِ وَلَمْ يَتَشَهَّدْ، فَعَلَيْهِ الإِعَادَةُ حَتَّى يَجْمَعَهُمَا جَمِيعًا . وَإِنْ كَانَ لا يُحْسِنُهُمَا عَلَى وَجْهِهِمَا أَتَى بِمَا أَحْسَنُ مِنْهُمَا ، وَلَمْ يُجْزِهِ إِلا بِأَنْ يَأْتِيَ بِاسْمِ تَشَهُّدٍ ، وَصَلاةٍ عَلَى النَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- . وَإِنْ أَحْسَنَهُمَا فَأَغْفَلَهُمَا ، أَوْ عَمَدَ بِتَرْكِهِمَا فَسَدَتْ صَلاتُهُ ، وَعَلَيْهِ الإِعَادَةُ فِيهِمَا جَمِيعًا .
وَقَدْ قَالَ بِهَذَا جَمَاعَةٌ مِنَ الصَّحَابَةِ وَمَنْ بَعْدَهُمْ، فَمِنَ الصَّحَابَةِ : عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ ، وَأَبُو مَسْعُودٍ الْبَدْرِيُّ ، وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ.
وَمِنَ التَّابِعِينَ : أَبُو جَعْفَرٍ مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ ، وَالشَّعْبِيُّ ، وَمُقَاتِلُ بْنُ حَيَّانَ . وَمِنْ أَرْبَابِ الْمَذَاهِبِ الْمَتْبُوعِينَ : إِسْحَاقُ بْنُ رَاهْوَيْهِ ، وَأَحْمَدُ فِي إِحْدَى رِوَايَتَيْهِ ، وَهِيَ الْمَشْهُورَةُ فِي الْمَذْهَبِ» انتهى من «الموسوعة الفقهية الكويتية» بتصرف.
قلت: أما استدلالهم بحديث تعليمه التشهد فلا يصح لعدم ثبوت ما انتقلوا فيه من الوجوب إلى الاستحباب، وهو قوله : «إن شئت أن تقوم ..» فإنها شاذة كما قرر ذلك الأئمة وهي ليست من قول النبي صلى الله عليه وسلم- بل موقوفة على عبدالله بن مسعود رضي الله عنه-، وقد أيَّد حكمَ ابن حبان والدارقطني والبيهقي الشيخُ الألباني -رحمه الله-؛ فقال في : «صحيح أبي داود» - الأم- (4/121)، بعد ذكر حديث التشهد: «قلت: إسناده صحيح، لكن قوله: إذا قلت هذا ... شاذ، أدرجه بعضهم في الحديث! والصواب أنه من قول ابن مسعود موقوفاً عليه، كما قال ابن حبان والدارقطني والبيهقي»، وانظر: «أصل صفة الصلاة»(3/872)، و«التعليقات الحسان» (3/395)، والله أعلم.
(2) عَنْ أَوْسِ بْنِ أَوْسٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «مَنْ غَسَّلَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَاغْتَسَلَ وَبَكَّرَ وَابْتَكَرَ وَمَشَى وَلَمْ يَرْكَبْ وَدَنَا مِنَ الْإِمَامِ وَاسْتَمَعَ وَلَمْ يَلْغُ كَانَ لَهُ بِكُلِّ خُطْوَةٍ عَمَلُ سَنَةٍ: أَجْرُ صِيَامِهَا وَقِيَامِهَا». رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَأَبُو دَاوُدَ وَالنَّسَائِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ، وصححه الشيخ الألباني رحمه الله- كما في: «صحيح أبي داود» -الأم-: (373)، وانظر: «المشكاة» (1388)، و«صحيح الترغيب والترهيب» (690).
(3) قال الشيخ الألباني رحمه الله- في «إرواء الغليل في تخريج أحاديث منار السبيل» (3/74): « لم أقف على سنده. وإنما علقه البيهقى (3/210) مرسلا فقال: «وروينا عن الزهرى أنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا خطب يوم الجمعة دعا فأشار بأصبعه وأمن الناس. ورواه قرة بن عبد الرحمن عن الزهرى عن أبى سلمة عن أبى هريرة موصولا, وليس بصحيح»ا.هـ.

09/08/2011

(( مختصر زاد المعاد )) ..:: [15]::..

«مختصر زاد المعاد»



..::[15]::..



[فَصْلٌ فِي هديه -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في الْجُمُعَةِ، وذِكْرِ خَصائِصِ يَومِها]

صَحَّ عَنْهُ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَنَّهُ قَالَ: «أَضَلَّ اللهُ عَنِ الْجُمُعَةِ مَنْ كَانَ قَبْلَنَا وكان لِلْيَهُودِ يَوْمُ السَّبْتِ، وَكَانَ لِلنَّصَارَى يَوْمُ الْأَحَدِ، فَجَاءَ اللهُ بِنَا فَهَدَانَا لِيَوْمِ الْجُمُعَةِ، فَجَعَلَ الجمعة والسبت والأحد، وكذلك هم لنا تبع يَوْمَ الْقِيَامَةِ، نَحْنُ الْآخِرُونَ مِنْ أَهْلِ الدُّنْيَا وَالْأَوَّلُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، الْمَقْضِيُّ لَهُمْ قَبْلَ الْخَلَائِقِ» (1).
وللترمذي وصححه عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا: «خَيْرُ يَوْمٍ طَلَعَتْ فِيهِ الشَّمْسُ يَوْمُ الْجُمُعَةِ، فِيهِ خُلِقَ آدَمُ، وَفِيهِ أُدْخِلَ الْجَنَّةَ، وَفِيهِ أُخْرِجَ مِنْهَا، وَلَا تقوم الساعة إلا في يوم الجمعة» (2).
ورواه في الموطأ وصححه الترمذي أيضا بلفظ: «خير يوم طلعت فيه الشمس، فيه خلق آدم، وفيه أهبط، وفيه تيب عَلَيْهِ، وَفِيهِ مَاتَ، وَفِيهِ تَقُومُ السَّاعَةُ، وَمَا مِنْ دَابَّةٍ إِلَّا وَهِيَ مُصِيخَةٌ يَوْمَ الْجُمُعَةِ مِنْ حِينِ تُصْبِحُ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ شَفَقًا من الساعة، إلا الجن والإنس، وفيها سَاعَةٌ لَا يُصَادِفُهَا عَبْدٌ مُسْلِمٌ، وَهُوَ يُصَلِّي يسأل الله شيئا إلا أعطاه الله إِيَّاهُ»، قَالَ كعب: ذَلِكَ فِي كُلِّ سَنَةٍ يوم. فقلت: بل كل جمعة. فقرأ التَّوْرَاةَ فَقَالَ: صَدَقَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. قال أبو هريرة: ثم لقيت عَبْدَ اللَّهِ بْنَ سَلَامٍ فَحَدَّثْتُهُ بِمَجْلِسِي مَعَ كعب، فقال: لقد علمت أي سَاعَةٍ هِيَ قُلْتُ: فَأَخْبِرْنِي بِهَا. قَالَ: هِيَ آخِرُ سَاعَةٍ فِي يَوْمِ الْجُمُعَةِ. فَقُلْتُ: كَيْفَ؟ وَقَدْ قَالَ رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «لَا يُصَادِفُهَا عَبْدٌ مُسْلِمٌ وَهُوَ يُصَلِّي» وَتِلْكَ السَّاعَةُ لَا يُصَلَّى فِيهَا. فَقَالَ ابن سلام: ألم يَقُلْ رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «مَنْ جَلَسَ مَجْلِسًا يَنْتَظِرُ الصَّلَاةَ فهو في صلاة حتى يصلي؟» (3) .
وفي لفظ في مسند أحمد في حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: «قِيلَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لِأَيِّ شَيْءٍ سُمِّيَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ؟ قَالَ: «لِأَنَّ فِيهَا طُبِعَتْ طِينَةُ أَبِيكَ آدَمَ، وَفِيهَا الصَّعْقَةُ وَالْبَعْثَةُ، وَفِيهَا الْبَطْشَةُ، وَفِي آخِرِهِ ثَلَاثُ سَاعَاتٍ، مِنْهَا سَاعَةٌ مَنْ دَعَا الله فيها استجيب له»(4).
وذكر ابن إسحاق عَنْ عبد الرحمن بن كعب بن مالك قَالَ: كُنْتُ قَائِدَ أَبِي حِينَ كُفَّ بَصَرُهُ، فَإِذَا خرجت به إلى الجمعة، فسمع الأذان لها، استغفر لأبي أمامة أسعد بن زرارة، فكنت حيا أسمع ذلك منه، فقلت: إن عجزا أن لا أسأله. فَقُلْتُ: يَا أَبَتَاهُ أَرَأَيْتَ اسْتِغْفَارَكَ لِأَسْعَدَ بْنِ زرارة كلما سمعت الأذان بالجمعة؟ قَالَ: أَيْ بُنَيَّ كَانَ أسعد أَوَّلَ مَنْ جَمَّعَ بِنَا بِالْمَدِينَةِ قَبْلَ مَقْدَمِ رَسُولِ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فِي هَزْمِ النَّبِيتِ مِنْ حَرَّةِ بَنِي بَيَاضَةَ، فِي نَقِيعٍ يُقَالُ له نقيع الخضمات. قلت: وكم أنتم يومئذ؟ قال: أربعون رجلا. قال البيهقي هذا حسن صحيح الإسناد. انتهى (5).
ثُمَّ قَدِمَ رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- المدينة، فأقام بقباء يوم الاثنين والثلاثاء والأربعاء والخميس، وَأَسَّسَ مَسْجِدَهُمْ، ثُمَّ خَرَجَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ، فَأَدْرَكَتْهُ الْجُمُعَةُ فِي بَنِي سَالِمِ بْنِ عَوْفٍ فَصَلَّاهَا في المسجد الذي في بطن الوادي قبل تأسيس مسجده.
قال ابن إسحاق: وكانت أول خطبة خطبها فِيمَا بَلَغَنِي عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرحمن - وأعوذ بالله أن أقول على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ما لم يقل- «أنه قام فيهم، فحمد الله، وأثنى عليه، ثُمَّ قَالَ: «أَمَّا بَعْدُ أَيُّهَا النَّاسُ، فَقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ، تَعْلَمُنَّ وَاللَّهِ لَيُصْعَقَنَّ أَحَدُكُمْ، ثُمَّ لَيَدَعَنَّ غَنَمَهُ، لَيْسَ لَهَا رَاعٍ، ثُمَّ لَيَقُولَنَّ لَهُ ربه ليس بينه وبينه تُرْجُمَانٌ، وَلَا حَاجِبٌ يَحْجُبُهُ دُونَهُ، أَلَمْ يَأْتِكَ رَسُولِي فَبَلَّغَكَ، وَآتَيْتُكَ مَالًا، وَأَفْضَلْتُ عَلَيْكَ فَمَا قَدَّمْتَ لِنَفْسِكَ؟ فَلَيَنْظُرَنَّ يَمِينًا وَشِمَالًا، فَلَا يَرَى شَيْئًا، ثُمَّ لَيَنْظُرَنَّ قُدَّامَهُ فَلَا يَرَى غَيْرَ جَهَنَّمَ، فَمَنِ اسْتَطَاعَ أَنْ يَقِيَ وَجْهَهُ مِنَ النار ولو بشق تَمْرَةٍ فَلْيَفْعَلْ، وَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَبِكَلِمَةٍ طَيِّبَةٍ، فَإِنَّ بِهَا تُجْزَى الْحَسَنَةُ بِعَشْرِ أَمْثَالِهَا إِلَى سَبْعِمِائَةِ ضِعْفٍ، وَالسَّلَامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ».
قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: ثُمَّ خَطَبَ رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مَرَّةً أُخْرَى، فَقَالَ: «إِنَّ الْحَمْدَ لِلَّهِ أَحْمَدُهُ وَأَسْتَعِينُهُ، نَعُوذُ باللهِ من شرور أنفسنا، ومن سيئات أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللهُ، فَلَا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ، فَلَا هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شريك لَهُ. إِنَّ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابُ اللهِ، قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَيَّنَهُ اللهُ فِي قَلْبِهِ، وَأَدْخَلَهُ فِي الْإِسْلَامِ بَعْدَ الْكُفْرِ، فَاخْتَارَهُ عَلَى مَا سِوَاهُ مِنْ أَحَادِيثِ النَّاسِ، إِنَّهُ أَحْسَنُ الْحَدِيثِ وَأَبْلَغُهُ، أَحِبُّوا مَا أَحَبَّ اللهُ، أَحِبُّوا اللهَ مِنْ كُلِّ قُلُوبِكُمْ، وَلَا تَمَلُّوا كَلَامَ اللهِ وَذِكْرَهُ، وَلَا تَقْسُ عَنْهُ قُلُوبُكُمْ، فَإِنَّهُ مِنْ كُلِّ مَا يَخْلُقُ اللهُ يَخْتَارُ وَيَصْطَفِي، قَدْ سَمَّاهُ اللهُ خِيرَتَهُ مِنَ الْأَعْمَالِ، وَمُصْطَفَاهُ مِنَ الْعِبَادِ، وَالصَّالِحَ مِنَ الْحَدِيثِ، وَمِنْ كُلِّ مَا أُوتِيَ النَّاسُ مِنَ الْحَلَالِ وَالْحَرَامِ، فَاعْبُدُوا اللهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا، وَاتَّقُوهُ حَقَّ تُقَاتِهِ، وَاصْدُقُوا اللهَ صَالِحَ مَا تَقُولُونَ بِأَفْوَاهِكُمْ، وَتَحَابُّوا بروح الله بينكم، إن الله يبغض أَنْ يُنْكَثَ عَهْدُهُ، وَالسَّلَامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللهِ وبركاته»(6).
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) قال الشيخ الألباني رحمه الله- في «صحيح الجامع الصغير وزيادته» (1/ 234): (صحيح) ... [م ن هـ] عن حذيفة وأبي هريرة. التعليق على بداية السول: (17)، وصحيح الترغيب: (701).
(2) قال الشيخ الألباني رحمه الله- في «صحيح الجامع الصغير وزيادته» (1/629): (صحيح) ... [حم م ت] عن أبي هريرة. مختصر مسلم: (400)، الصحيحة: (1502): ك.
(3) قال أبو موسى: وتتمته كما في : «صحيح أبي داود - الأم» (4/212): «قال: فقلت: بلى. قال: هو ذاك»، قال الشيخ الألباني رحمه الله-: «قلت: إسناده صحيح على شرط الشيخين، وكذلك صححه الحاكم ووافقه الذهبي، وصححه الترمذي أيضًا. وطرفه الأول عند مسلم. وبعضه صححه ابن جان. وروى الشيخان منه ساعة الإجابة»، وقال رحمه الله- في «صحيح الجامع» (3334): (صحيح) ... [مالك حم 3 حب ك] عن أبي هريرة. صحيح أبي داود: (961، 1024)، الإرواء: (773).
(4) ضعيف كما في «مشكاة المصابيح» (1/431)، ح: (1365)، و«ضعيف الترغيب والترهيب» (1/109)، ح: (430).
(5) قال الشيخ الألباني رحمه الله- في: «الإرواء» (3/67): « قلت: وهذا إسناد حسن كما قال الحافظ في «التلخيص» (ص:133)؛ فإن رجاله ثقات وإنما يخشى من عنعنة ابن إسحاق وقد صرح بالتحديث فى رواية الدارقطني والحاكم وقال: «صحيح على شرط مسلم». ووافقه الذهبي!!، وقال البيهقي: «ومحمد بن إسحاق إذا ذكر سماعه في الرواية وكان الراوي ثقة استقام الإسناد وهذا حديث حسن الإسناد صحيح» ا.هـ.
(6) قال أبو موسى: وإسناد ما رواه ابن إسحاق -فيما نقله من خطبة رسول الله صلى الله عليه وسلم- كما ذكره البيهقي في : «دلائل النبوة» (2/524)، بَابُ أَوَّلُ خُطْبَةٍ خَطَبَهَا رَسُولُ اللهِ -صَلَّى الله عليه وآله وَسَلَّمَ- حِينَ قَدِمَ الْمَدِينَةَ- هو: أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ: مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الْجَبَّارِ، قَالَ: حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ بُكَيْرٍ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ، قَالَ: حَدَّثَنِي الْمُغِيرَةُ بْنُ عُثْمَانَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عثمان بن الأخنس ابن شَرِيقٍ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ، قَالَ: «فذكر الخطبة»، وهذا إسناد مرسل كما ذكر الحافظ ابن كثير في : «البداية والنهاية» ط: إحياء التراث (3/260)، حيث قال: « وَهَذِهِ الطَّرِيقُ أَيْضًا مُرْسَلَةٌ إِلَّا أَنَّهَا مُقَوِّيَةً لِمَا قَبْلَهَا وَإِنِ اخْتَلَفَتِ الألفاظ» ا.هـ.
وهو كما قال؛ فإن أبا سلمة بن عبد الرحمن بن عوف تابعي ولم يذكر الواسطة، والمغيرة بن شعبة إن كان هو عثمان بن محمد بن المغيرة الأخنس فقد قال عنه الحافظ في «التقريب»: «(4515)- عثمان ابن محمد ابن المغيرة ابن الأخنس الثقفي الأخنسي حجازي صدوق له أوهام من السادسة 4».ا.هـ.
ويونس ابن بكير، قال ابن معين صدوق، وقال عنه أبو داود : ليس بحجة يوصل كلام ابن إسحاق بالأحاديث، وقال النسائي: ليس بالقوي وقال مرة ضعيف وذكره ابن حبان في الثقات، ووثقه آخرون.
وقد استشكلت جملة في الخطبة وهي قوله : « وَلَا تَمَلُّوا كَلَامَ اللهِ وَذِكْرَهُ، وَلَا تَقْسُ عَنْهُ قُلُوبُكُمْ، فَإِنَّهُ مِنْ كُلِّ مَا يَخْلُقُ اللهُ يَخْتَارُ وَيَصْطَفِي »، فإن كانت الهاء عائدة على كلام الله فيكون أدعى لرد الحديث لأن كلام الله ليس مخلوقًا، ثم وجدت من وجَّه الضمير في قوله: «فإنَّهُ»؛ وهو السهيلي في كتابه : «الروض الأنف» (4/170) إذ قال: « الْهَاءُ فِي قَوْلِهِ «فَإِنّهُ» لَا يَجُوزُ أَنْ تَكُونَ عَائِدَةً عَلَى كَلَامِ اللهِ سُبْحَانَهُ وَلَكِنّهَا ضَمِيرُ الْأَمْرِ وَالْحَدِيثِ فَكَأَنّهُ قَالَ إنّ الْحَدِيثَ مِنْ كُلّ مَا يَخْلُقُ اللهُ يَخْتَارُ فَالْأَعْمَالُ إِذًا كُلّهَا مِنْ خَلْقِ اللهِ قَدْ اخْتَارَ مِنْهَا مَا شَاءَ قَالَ سُبْحَانَهُ ﴿وَرَبّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَيَخْتَارُ﴾ [الْقَصَصُ 68] ، وَقَوْلُهُ قَدْ سَمّاهُ خِيرَتَهُ من الْأَعْمَال عني: الذّكْرَ وَتِلَاوَةَ الْقُرْآنِ لِقَوْلِهِ سُبْحَانَهُ {وَيَخْتَارُ} فَقَدْ اخْتَارَهُ مِنْ الْأَعْمَالِ. ا.هـ .
والله أعلم.

(( مختصر زاد المعاد )) ..:: [15]::..

«مختصر زاد المعاد»



..::[15]::..



[فَصْلٌ فِي هديه -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في الْجُمُعَةِ، وذِكْرِ خَصائِصِ يَومِها]

صَحَّ عَنْهُ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَنَّهُ قَالَ: «أَضَلَّ اللهُ عَنِ الْجُمُعَةِ مَنْ كَانَ قَبْلَنَا وكان لِلْيَهُودِ يَوْمُ السَّبْتِ، وَكَانَ لِلنَّصَارَى يَوْمُ الْأَحَدِ، فَجَاءَ اللهُ بِنَا فَهَدَانَا لِيَوْمِ الْجُمُعَةِ، فَجَعَلَ الجمعة والسبت والأحد، وكذلك هم لنا تبع يَوْمَ الْقِيَامَةِ، نَحْنُ الْآخِرُونَ مِنْ أَهْلِ الدُّنْيَا وَالْأَوَّلُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، الْمَقْضِيُّ لَهُمْ قَبْلَ الْخَلَائِقِ» (1).
وللترمذي وصححه عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا: «خَيْرُ يَوْمٍ طَلَعَتْ فِيهِ الشَّمْسُ يَوْمُ الْجُمُعَةِ، فِيهِ خُلِقَ آدَمُ، وَفِيهِ أُدْخِلَ الْجَنَّةَ، وَفِيهِ أُخْرِجَ مِنْهَا، وَلَا تقوم الساعة إلا في يوم الجمعة» (2).
ورواه في الموطأ وصححه الترمذي أيضا بلفظ: «خير يوم طلعت فيه الشمس، فيه خلق آدم، وفيه أهبط، وفيه تيب عَلَيْهِ، وَفِيهِ مَاتَ، وَفِيهِ تَقُومُ السَّاعَةُ، وَمَا مِنْ دَابَّةٍ إِلَّا وَهِيَ مُصِيخَةٌ يَوْمَ الْجُمُعَةِ مِنْ حِينِ تُصْبِحُ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ شَفَقًا من الساعة، إلا الجن والإنس، وفيها سَاعَةٌ لَا يُصَادِفُهَا عَبْدٌ مُسْلِمٌ، وَهُوَ يُصَلِّي يسأل الله شيئا إلا أعطاه الله إِيَّاهُ»، قَالَ كعب: ذَلِكَ فِي كُلِّ سَنَةٍ يوم. فقلت: بل كل جمعة. فقرأ التَّوْرَاةَ فَقَالَ: صَدَقَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. قال أبو هريرة: ثم لقيت عَبْدَ اللَّهِ بْنَ سَلَامٍ فَحَدَّثْتُهُ بِمَجْلِسِي مَعَ كعب، فقال: لقد علمت أي سَاعَةٍ هِيَ قُلْتُ: فَأَخْبِرْنِي بِهَا. قَالَ: هِيَ آخِرُ سَاعَةٍ فِي يَوْمِ الْجُمُعَةِ. فَقُلْتُ: كَيْفَ؟ وَقَدْ قَالَ رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «لَا يُصَادِفُهَا عَبْدٌ مُسْلِمٌ وَهُوَ يُصَلِّي» وَتِلْكَ السَّاعَةُ لَا يُصَلَّى فِيهَا. فَقَالَ ابن سلام: ألم يَقُلْ رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «مَنْ جَلَسَ مَجْلِسًا يَنْتَظِرُ الصَّلَاةَ فهو في صلاة حتى يصلي؟» (3) .
وفي لفظ في مسند أحمد في حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: «قِيلَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لِأَيِّ شَيْءٍ سُمِّيَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ؟ قَالَ: «لِأَنَّ فِيهَا طُبِعَتْ طِينَةُ أَبِيكَ آدَمَ، وَفِيهَا الصَّعْقَةُ وَالْبَعْثَةُ، وَفِيهَا الْبَطْشَةُ، وَفِي آخِرِهِ ثَلَاثُ سَاعَاتٍ، مِنْهَا سَاعَةٌ مَنْ دَعَا الله فيها استجيب له»(4).
وذكر ابن إسحاق عَنْ عبد الرحمن بن كعب بن مالك قَالَ: كُنْتُ قَائِدَ أَبِي حِينَ كُفَّ بَصَرُهُ، فَإِذَا خرجت به إلى الجمعة، فسمع الأذان لها، استغفر لأبي أمامة أسعد بن زرارة، فكنت حيا أسمع ذلك منه، فقلت: إن عجزا أن لا أسأله. فَقُلْتُ: يَا أَبَتَاهُ أَرَأَيْتَ اسْتِغْفَارَكَ لِأَسْعَدَ بْنِ زرارة كلما سمعت الأذان بالجمعة؟ قَالَ: أَيْ بُنَيَّ كَانَ أسعد أَوَّلَ مَنْ جَمَّعَ بِنَا بِالْمَدِينَةِ قَبْلَ مَقْدَمِ رَسُولِ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فِي هَزْمِ النَّبِيتِ مِنْ حَرَّةِ بَنِي بَيَاضَةَ، فِي نَقِيعٍ يُقَالُ له نقيع الخضمات. قلت: وكم أنتم يومئذ؟ قال: أربعون رجلا. قال البيهقي هذا حسن صحيح الإسناد. انتهى (5).
ثُمَّ قَدِمَ رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- المدينة، فأقام بقباء يوم الاثنين والثلاثاء والأربعاء والخميس، وَأَسَّسَ مَسْجِدَهُمْ، ثُمَّ خَرَجَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ، فَأَدْرَكَتْهُ الْجُمُعَةُ فِي بَنِي سَالِمِ بْنِ عَوْفٍ فَصَلَّاهَا في المسجد الذي في بطن الوادي قبل تأسيس مسجده.
قال ابن إسحاق: وكانت أول خطبة خطبها فِيمَا بَلَغَنِي عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرحمن - وأعوذ بالله أن أقول على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ما لم يقل- «أنه قام فيهم، فحمد الله، وأثنى عليه، ثُمَّ قَالَ: «أَمَّا بَعْدُ أَيُّهَا النَّاسُ، فَقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ، تَعْلَمُنَّ وَاللَّهِ لَيُصْعَقَنَّ أَحَدُكُمْ، ثُمَّ لَيَدَعَنَّ غَنَمَهُ، لَيْسَ لَهَا رَاعٍ، ثُمَّ لَيَقُولَنَّ لَهُ ربه ليس بينه وبينه تُرْجُمَانٌ، وَلَا حَاجِبٌ يَحْجُبُهُ دُونَهُ، أَلَمْ يَأْتِكَ رَسُولِي فَبَلَّغَكَ، وَآتَيْتُكَ مَالًا، وَأَفْضَلْتُ عَلَيْكَ فَمَا قَدَّمْتَ لِنَفْسِكَ؟ فَلَيَنْظُرَنَّ يَمِينًا وَشِمَالًا، فَلَا يَرَى شَيْئًا، ثُمَّ لَيَنْظُرَنَّ قُدَّامَهُ فَلَا يَرَى غَيْرَ جَهَنَّمَ، فَمَنِ اسْتَطَاعَ أَنْ يَقِيَ وَجْهَهُ مِنَ النار ولو بشق تَمْرَةٍ فَلْيَفْعَلْ، وَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَبِكَلِمَةٍ طَيِّبَةٍ، فَإِنَّ بِهَا تُجْزَى الْحَسَنَةُ بِعَشْرِ أَمْثَالِهَا إِلَى سَبْعِمِائَةِ ضِعْفٍ، وَالسَّلَامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ».
قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: ثُمَّ خَطَبَ رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مَرَّةً أُخْرَى، فَقَالَ: «إِنَّ الْحَمْدَ لِلَّهِ أَحْمَدُهُ وَأَسْتَعِينُهُ، نَعُوذُ باللهِ من شرور أنفسنا، ومن سيئات أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللهُ، فَلَا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ، فَلَا هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شريك لَهُ. إِنَّ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابُ اللهِ، قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَيَّنَهُ اللهُ فِي قَلْبِهِ، وَأَدْخَلَهُ فِي الْإِسْلَامِ بَعْدَ الْكُفْرِ، فَاخْتَارَهُ عَلَى مَا سِوَاهُ مِنْ أَحَادِيثِ النَّاسِ، إِنَّهُ أَحْسَنُ الْحَدِيثِ وَأَبْلَغُهُ، أَحِبُّوا مَا أَحَبَّ اللهُ، أَحِبُّوا اللهَ مِنْ كُلِّ قُلُوبِكُمْ، وَلَا تَمَلُّوا كَلَامَ اللهِ وَذِكْرَهُ، وَلَا تَقْسُ عَنْهُ قُلُوبُكُمْ، فَإِنَّهُ مِنْ كُلِّ مَا يَخْلُقُ اللهُ يَخْتَارُ وَيَصْطَفِي، قَدْ سَمَّاهُ اللهُ خِيرَتَهُ مِنَ الْأَعْمَالِ، وَمُصْطَفَاهُ مِنَ الْعِبَادِ، وَالصَّالِحَ مِنَ الْحَدِيثِ، وَمِنْ كُلِّ مَا أُوتِيَ النَّاسُ مِنَ الْحَلَالِ وَالْحَرَامِ، فَاعْبُدُوا اللهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا، وَاتَّقُوهُ حَقَّ تُقَاتِهِ، وَاصْدُقُوا اللهَ صَالِحَ مَا تَقُولُونَ بِأَفْوَاهِكُمْ، وَتَحَابُّوا بروح الله بينكم، إن الله يبغض أَنْ يُنْكَثَ عَهْدُهُ، وَالسَّلَامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللهِ وبركاته»(6).
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) قال الشيخ الألباني رحمه الله- في «صحيح الجامع الصغير وزيادته» (1/ 234): (صحيح) ... [م ن هـ] عن حذيفة وأبي هريرة. التعليق على بداية السول: (17)، وصحيح الترغيب: (701).
(2) قال الشيخ الألباني رحمه الله- في «صحيح الجامع الصغير وزيادته» (1/629): (صحيح) ... [حم م ت] عن أبي هريرة. مختصر مسلم: (400)، الصحيحة: (1502): ك.
(3) قال أبو موسى: وتتمته كما في : «صحيح أبي داود - الأم» (4/212): «قال: فقلت: بلى. قال: هو ذاك»، قال الشيخ الألباني رحمه الله-: «قلت: إسناده صحيح على شرط الشيخين، وكذلك صححه الحاكم ووافقه الذهبي، وصححه الترمذي أيضًا. وطرفه الأول عند مسلم. وبعضه صححه ابن جان. وروى الشيخان منه ساعة الإجابة»، وقال رحمه الله- في «صحيح الجامع» (3334): (صحيح) ... [مالك حم 3 حب ك] عن أبي هريرة. صحيح أبي داود: (961، 1024)، الإرواء: (773).
(4) ضعيف كما في «مشكاة المصابيح» (1/431)، ح: (1365)، و«ضعيف الترغيب والترهيب» (1/109)، ح: (430).
(5) قال الشيخ الألباني رحمه الله- في: «الإرواء» (3/67): « قلت: وهذا إسناد حسن كما قال الحافظ في «التلخيص» (ص:133)؛ فإن رجاله ثقات وإنما يخشى من عنعنة ابن إسحاق وقد صرح بالتحديث فى رواية الدارقطني والحاكم وقال: «صحيح على شرط مسلم». ووافقه الذهبي!!، وقال البيهقي: «ومحمد بن إسحاق إذا ذكر سماعه في الرواية وكان الراوي ثقة استقام الإسناد وهذا حديث حسن الإسناد صحيح» ا.هـ.
(6) قال أبو موسى: وإسناد ما رواه ابن إسحاق -فيما نقله من خطبة رسول الله صلى الله عليه وسلم- كما ذكره البيهقي في : «دلائل النبوة» (2/524)، بَابُ أَوَّلُ خُطْبَةٍ خَطَبَهَا رَسُولُ اللهِ -صَلَّى الله عليه وآله وَسَلَّمَ- حِينَ قَدِمَ الْمَدِينَةَ- هو: أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ: مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الْجَبَّارِ، قَالَ: حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ بُكَيْرٍ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ، قَالَ: حَدَّثَنِي الْمُغِيرَةُ بْنُ عُثْمَانَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عثمان بن الأخنس ابن شَرِيقٍ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ، قَالَ: «فذكر الخطبة»، وهذا إسناد مرسل كما ذكر الحافظ ابن كثير في : «البداية والنهاية» ط: إحياء التراث (3/260)، حيث قال: « وَهَذِهِ الطَّرِيقُ أَيْضًا مُرْسَلَةٌ إِلَّا أَنَّهَا مُقَوِّيَةً لِمَا قَبْلَهَا وَإِنِ اخْتَلَفَتِ الألفاظ» ا.هـ.
وهو كما قال؛ فإن أبا سلمة بن عبد الرحمن بن عوف تابعي ولم يذكر الواسطة، والمغيرة بن شعبة إن كان هو عثمان بن محمد بن المغيرة الأخنس فقد قال عنه الحافظ في «التقريب»: «(4515)- عثمان ابن محمد ابن المغيرة ابن الأخنس الثقفي الأخنسي حجازي صدوق له أوهام من السادسة 4».ا.هـ.
ويونس ابن بكير، قال ابن معين صدوق، وقال عنه أبو داود : ليس بحجة يوصل كلام ابن إسحاق بالأحاديث، وقال النسائي: ليس بالقوي وقال مرة ضعيف وذكره ابن حبان في الثقات، ووثقه آخرون.
وقد استشكلت جملة في الخطبة وهي قوله : « وَلَا تَمَلُّوا كَلَامَ اللهِ وَذِكْرَهُ، وَلَا تَقْسُ عَنْهُ قُلُوبُكُمْ، فَإِنَّهُ مِنْ كُلِّ مَا يَخْلُقُ اللهُ يَخْتَارُ وَيَصْطَفِي »، فإن كانت الهاء عائدة على كلام الله فيكون أدعى لرد الحديث لأن كلام الله ليس مخلوقًا، ثم وجدت من وجَّه الضمير في قوله: «فإنَّهُ»؛ وهو السهيلي في كتابه : «الروض الأنف» (4/170) إذ قال: « الْهَاءُ فِي قَوْلِهِ «فَإِنّهُ» لَا يَجُوزُ أَنْ تَكُونَ عَائِدَةً عَلَى كَلَامِ اللهِ سُبْحَانَهُ وَلَكِنّهَا ضَمِيرُ الْأَمْرِ وَالْحَدِيثِ فَكَأَنّهُ قَالَ إنّ الْحَدِيثَ مِنْ كُلّ مَا يَخْلُقُ اللهُ يَخْتَارُ فَالْأَعْمَالُ إِذًا كُلّهَا مِنْ خَلْقِ اللهِ قَدْ اخْتَارَ مِنْهَا مَا شَاءَ قَالَ سُبْحَانَهُ ﴿وَرَبّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَيَخْتَارُ﴾ [الْقَصَصُ 68] ، وَقَوْلُهُ قَدْ سَمّاهُ خِيرَتَهُ من الْأَعْمَال عني: الذّكْرَ وَتِلَاوَةَ الْقُرْآنِ لِقَوْلِهِ سُبْحَانَهُ {وَيَخْتَارُ} فَقَدْ اخْتَارَهُ مِنْ الْأَعْمَالِ. ا.هـ .
والله أعلم.

07/08/2011

(( مختصر زاد المعاد )) ..::[14]::..

«مختصر زاد المعاد»


..::[14]::..


[فَصْلٌ فِي هديه -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في صَلاةِ الضُّحَى]


روى البخاري في صحيحه عن عائشة قَالَتْ: «مَا رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يُصَلِّي سُبْحَةَ الضُّحَى وَإِنِّي لَأُسَبِّحُهَا».
وفي الصحيحين عن أبي هريرة قال: «أوصاني خليلي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِصِيَامِ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ مِنْ كُلِّ شَهْرٍ، وَرَكْعَتَيِ الضُّحَى، وَأَنْ أُوتِرَ قبل أن أرقد»، ولمسلم عن زيد ابن أرقم مرفوعًا: «صلاة الأوابين حين تَرْمَضُ الْفِصَالُ» أَيْ: يَشْتَدُّ حَرُّ النَّهَارِ، فَتَجِدُ الفصال حر الرمضاء، فقد أوصى بها، وكان يستغني عنها بقيام الليل.
قال مسروق: كنا نصلي فِي الْمَسْجِدِ، فَنَبْقَى بَعْدَ قِيَامِ ابْنِ مَسْعُودٍ، ثم نقوم فنلي الضحى، فبلغه، فَقَالَ: لِمَ تُحَمِّلُونَ عِبَادَ اللهِ مَا لَمْ يُحَمِّلْهُمُ اللهُ؟ إِنْ كُنْتُمْ لَا بُدَّ فَاعِلِينَ ففي بيوتكم.
وقال سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ: إِنِّي لَأَدَعُ صَلَاةَ الضُّحَى وأنا أشتهيها، مخافة أن أراها حتمًا عليَّ.
«وكان من هديه -صلى الله عليه وسلم- وَهَدْيِ أَصْحَابِهِ، سُجُودُ الشُّكْرِ عِنْدَ تَجَدُّدِ نِعْمَةٍ تسر، أو اندفاع نقمة» ، «وكان -صلى الله عليه وسلم- إذا مر بآية سجدة - كَبَّرَ وَسَجَدَ، وَرُبَّمَا قَالَ فِي سُجُودِهِ: «سَجَدَ وَجْهِي لِلَّذِي خَلَقَهُ وَصَوَّرَهُ، وَشَقَّ سَمْعَهُ وَبَصَرَهُ بحوله وقوته» ولم ينقل عَنْهُ أَنَّهُ كَانَ يُكَبِّرُ لِلرَّفْعِ مِنْ هَذَا السجود، ولا تشهد، ولا سلم ألبتة.
وصح عنه أَنَّهُ سَجَدَ فِي ﴿الم تَنْزِيلُ﴾ وَفِي ﴿ص﴾ وفي ﴿اقرأ﴾ وَفِي ﴿النَّجْمِ﴾ وَفِي ﴿إِذَا السَّمَاءُ انْشَقَّتْ﴾ [الانشقاق:1] وَذَكَرَ أبو داود، عَنْ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أَقْرَأَهُ خَمْسَ عَشْرَةَ سَجْدَةً، مِنْهَا ثَلَاثٌ فِي المفصل، وفي (سورة الحج) سجدتين (1).
وأما حديث ابن عباس، أنه -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لَمْ يَسْجُدْ فِي المفصل منذ تحول إلى المدينة، فَهُوَ حَدِيثٌ ضَعِيفٌ (2)، فِي إِسْنَادِهِ أبو قدامة الحارث بن عبيد، ولا يحتج بحديثه، وأعله ابن القطان بمطر الوراق، وقال: كان يشبه فِي سُوءِ الْحِفْظِ، مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى، وَعِيبَ عَلَى مسلم إِخْرَاجُ حديثه. انتهى.
وَلَا عَيْبَ عَلَى مسلم فِي إِخْرَاجِ حَدِيثِهِ لِأَنَّهُ يَنْتَقِي مِنْ أَحَادِيثِ هَذَا الضَّرْبِ مَا يَعْلَمُ أَنَّهُ حَفِظَهُ، كَمَا يَطْرَحُ مِنْ أَحَادِيثِ اليقظة ما يعلم أنه غلط فيه، فمن الناس من صحح جميع أحاديث هؤلاء الثقات، ومنهم من ضعف جميع حديث السيئ الْحِفْظِ، فَالْأُولَى طَرِيقَةُ الحاكم وَأَمْثَالِهِ، وَالثَّانِيَةُ طَرِيقَةُ ابن حزم وَأَشْكَالِهِ، وَطَرِيقَةُ مسلم هِيَ طَرِيقَةُ أئمة هذا الشأن.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) هذا الأثر ضعيف وقد قال الشيخ الألباني رحمه الله- في «تمام المنة» (ص: 269):
قوله: «مواضع السجود في القرآن خمسة عشر موضعا فعن عمرو بن العاص أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قرأ خمس عشرة سجدة في القرآن منها ثلاث في المفصل وفي الحج سجدتان. رواه أبو داود و ... و ... و ... وحسنه المنذري والنووي».
قلت: كلا ليس بحسن لأن فيه مجهولين فقد قال الحافظ في «التلخيص» بعد أن نقل تحسين المنذري والنووي للحديث:
«وضعفه عبد الحق وابن قطان وفيه عبد الله بن منين وهو مجهول والراوي عنه الحارث بن سعيد العتقي وهو لا يعرف أيضًا. وقال ابن ماكولا: ليس له غير هذا الحديث».
ولذلك اختار الطحاوي أن ليس في (الحج) سجدة ثانية قرب آخرها وهو مذهب ابن حزم في «المحلى» قال:
«لأنه لم يصح فيها سنة عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ولا أجمع عليها وصح عن عمر ابن الخطاب وابنه عبد الله وأبي الدرداء السجود فيها».... إلى أن قال: «وبالجملة فالحديث مع ضعف إسناده قد شهد له اتفاق الأمة على العمل بغالبه ومجيء الأحاديث الصحيحة شاهدة لبقيته إلا سجدة الحج الثانية فلم يوجد ما يشهد لها من السنة والاتفاق إلا أن عمل بعض الصحابة على السجود فيها قد يستأنس بذلك على مشروعيتها ولا سيما ولا يعرف لهم مخالف. والله أعلم» ا.هـ.
(2) وهو كما قال، وراجع «مشكاة المصابيح» (1034)، و«ضعيف أبي داود الأم» (251).

طورُ التَّحول والتحوُّر الإخواني الجديد بعد قرب انهيار الجماعة والانتقال إلى أرضية جديدة وخصبة لزرع الأفكار الخارجية المتأصلة في فكر الجماعة! (التمهيد)

  (1) طورُ التَّحول والتحوُّر الإخواني الجديد بعد قرب انهيار الجماعة والانتقال إلى أرضية جديدة وخصبة لزرع الأفكار الخارجية المتأصلة في فكر...