25/10/2014

الرد على بعض الجهلة الكاذبين وذبًّا عن شيخ الإسلام ابن تيمية !

الرد على بعض الجهلة الكاذبين وذبًّا عن شيخ الإسلام ابن تيمية !
بسم الله الرحمن الرحيم
 الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله ومن اتبع سنته واهتدى بهداه.. أما بعد:
فقد اطلعت على كلام نشر في أحد المواقع على الشبكة العالمية ( الإنترنت )، كتبه بعض الحاقدين على الدعوة السلفية وعلى أحد أكبر رموزها ألا وهو شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى، وقد أورد صاحب الكلام نصًا مجتزءًا من ترجمة الحافظ ابن حجر رحمه الله لشيخ الإسلام ابن تيمية من كتابه ( الدرر الكامنة )، وقام بعرض الكلام بحسب ما يمليه عليه هواه، وأراد بهذا أن يصور للقارئ أن الحافظ ابن حجر يقدح في شيخ الإسلام ويعيب عليه فأخذ يجتزئ كلمات نقلها الحافظ ابن حجر عن أحداث وقعت لشيخ الإسلام مع خصومه من صوفية وأشاعرة ورافضة وغيرهم ممن ملأ الحسد والغل قلبه، أخذ الكاتب يصورها ويجعلها في سياقات تخدم خبيئة نفسه ليتوصل بها إلى القدح في عقيدة ابن تيمية رحمه الله.
والحافظ رحمه الله ترجم في كتابه ( الدرر الكامنة في أعيان المائة الثامنة ) في المجلد الأول الترجمة رقم: (٤٠٩) ترجمة طويلة لشيخ الإسلام ذكر فيها جميع ما حصل له من ولادته حتى وفاته حبيس القلعة بدمشق، وما كان بينها من أحداث ومحن وبلايا وخصومات مع أعدائه وسعاياتهم لدى السلاطين لينالوا منه ويقتلوه حسدًا وغيظًا وحنقًا عليه لما آتاه الله من سعة العلم وموفور الفهم والفقه في دين الله؛ فحرك وازع الغل والحسد أقرانه حتى هموا بقتله واتهموه بالفواقر، ولكن الله تبارك وتعالى سلمه من كيدهم وأظهره على أعدائه ورفع ذكره بعد موته ولم يبق لأعدائه ذكر ولا يعرفهم اليوم أحد إلا طالب علم متخصص أو من قرأ ترجمة شيخ الإسلام، فبذكر سيرته يذكرون وإلا فما يعرفهم أحد!
فيا لله كم من محنة جرّت منحة لصاحبها!!
وسأعرض في هذه الورقات إلى ما ترجم به الحافظ ابن حجر رحمه الله لشيخ الإسلام ابن تيمية وسأنقل بعض ما ذكره مما حصل له مع التعليق تعليقًا خفيفًا يحصل به المقصود إن شاء الله ويبين معه كذب وخسة الكتبة القادحين في شيخ الإسلام والكاذبين على الحافظ ابن حجر فيما ترجم به له، وبالله العظيم أتأيّد وبه أستعين وإياه أسأل الهدى والرشاد والسداد؛ حسبة لله وذبًّا عن عرض شيخ الإسلام رحمه الله تعالى. 
ابتدأ الحافظ رحمه الله تعالى ترجمة الشيخ بذكر اسمه ونسبه ومولده ورحلته وبعض من تلقى عنهم العلم في ريعان شبابه وطرفًا مما آتاه الله من النبوغ وتوقد الذهن فقال:

”٤٠٩ - أَحْمد بن عبد الْحَلِيم بن عبد السَّلَام بن عبد الله بن أبي الْقَاسِم بن تَيْمِية الْحَرَّانِي ثمَّ الدِّمَشْقِي الْحَنْبَلِيّ تَقِيّ الدّين أَبُو الْعَبَّاس بن شهَاب الدّين ابْن مجد الدّين ولد فِي عَاشر ربيع الأول سنة ٦٦١ وتحول بِهِ أَبوهُ من حران سنة ٦٧ فَسمع من ابْن عبد الدَّائِم وَالقَاسِم الأربلي وَالْمُسلم ابْن عَلان وَابْن أبي عمر وَالْفَخْر فِي آخَرين وَقَرَأَ بِنَفسِهِ وَنسخ سنَن أبي دَاوُد وَحصل الْأَجْزَاء وَنظر فِي الرِّجَال والعلل وتفقه وتمهر وتميز وَتقدم وصنف ودرس وَأفْتى وفَاق الأقران وَصَارَ عجبا فِي سرعَة الاستحضار وَقُوَّة الْجنان والتوسع فِي الْمَنْقُول والمعقول“. 

ثم ذكر من مناقبه الكثير، وكيف ساد أقرانه وبزَّهم، وذكر الحافظ أول محنة حصلت للشيخ بسبب فتواه ( الحموية ) حتى نسبه أعداؤه إلى التجسيم وكفروه حتى صدر المرسوم الملكي ”وَنُودِيَ بِدِمَشْق من اعْتقد عقيدة ابْن تَيْمِية حل دَمه وَمَاله خُصُوصا الْحَنَابِلَة“!!
نعم! هكذا تفعل البدعة والخرافة بأهلها وهكذا يتلقى أهل السنة مكائد أهل البدع!
ثم ذكر الحافظ رحمه الله أشد الساعين في إذاية الشيخ فقال:
”وَكَانَ من أعظم القائمين عَلَيْهِ الشَّيْخ نصر المنبجي لِأَنَّهُ كَانَ بلغ ابْن تَيْمِية أَنه يتعصب لِابْنِ الْعَرَبِيّ فَكتب إِلَيْهِ كتابا يعاتبه على ذَلِك فَمَا أعجبه لكَونه بَالغ فِي الْحَط على ابْن الْعَرَبِيّ وتكفيره فَصَارَ هُوَ يحط على ابْن تَيْمِية ويغري بِهِ بيبرس الجاشنكير وَكَانَ بيبرس يفرط فِي محبَّة نصر ويعظمه“.
وهكذا عانى ابن تيمية من خصومه في العقيدة أيما معاناة وقد ذكر الحافظ رحمه الله ما قام به الحاقدون عليه وكيف اشتدت هجمتهم عليه حتى بلغوا النهاية في الدسيسة والكذب والتكفير له رحمه الله، وفي بيان هذه الأحداث يقول الحافظ رحمه الله تعالى:
”ثمَّ اجْتمع جمع من الصُّوفِيَّة عِنْد تَاج الدّين إِبْنِ عَطاء فطلعوا فِي الْعشْر الْأَوْسَط من شَوَّال إِلَى القلعة وَشَكوا من ابْن تَيْمِية أَنه يتَكَلَّم فِي حق مَشَايِخ الطَّرِيق وَأَنه قَالَ لَا يستغاث بِالنَّبِيِّ صلّى الله عَلَيْهِ وسلّم فَاقْتضى الْحَال أَن أَمر بتسييره إِلَى الشَّام فَتوجه على خيل الْبَرِيد“!

وذكر الحافظ أحداثًا جسامًا توالت على هذا العالم من المكائد والمحاكمات والسجن والتفسيق والتبديع والتكفير، وكيف كان يجالد صنوف أعدائه ويناظرهم وكيف كان في كل مرة يظهر عليهم رافعًا راية التوحيد والسنة والانتصار لمذهب السلف على جميع الملل والنحل القائمة في زمانه. 
ثم نقل الحافظ رحمه الله كلام الناس فيه قدحًا ومدحًا وبين في غير ما موضع أن كل من عاداه إنما عاداه لما يحمله من عقيدة في الله وأسمائه وصفاته والتي اتهم بسببها بالتجسيم والتشبيه، وكيف سعى خصومه من الأشاعرة والصوفية للخلاص منه ولو بالكذب عليه. 
ومما نقله الحافظ عمن مدح شيخ الإسلام وأثنى عليه ما قاله الذهبي في ترجمته لشيخ الإسلام:
”قَالَ الذَّهَبِيّ مَا ملخصه : كَانَ يقْضِي مِنْهُ الْعجب إِذا ذكر مَسْأَلَة من مسَائِل الْخلاف وَاسْتدلَّ وَرجع وَكَانَ يحِق لَهُ الِاجْتِهَاد لِاجْتِمَاع شُرُوطه فِيهِ.
قَالَ: وَمَا رَأَيْت أسْرع انتزاعاً للآيات الدَّالَّة على الْمَسْأَلَة الَّتِي يوردها مِنْهُ وَلَا أَشد استحضاراً للمتون وعزوها مِنْهُ كَأنَ السّنة نصب عَيْنَيْهِ وعَلى طرف لِسَانه بِعِبَارَة رشيقة وَعين مَفْتُوحَة وَكَانَ آيَة من آيَات الله فِي التَّفْسِير والتوسع فِيهِ وَأما أصُول الدّيانَة وَمَعْرِفَة أَقْوَال الْمُخَالفين فَكَانَ لَا يشق غباره فِيهِ، هَذَا مَعَ مَا كَانَ عَلَيْهِ من الْكَرم والشجاعة والفراغ عَن ملاذ النَّفس وَلَعَلَّ فَتَاوِيهِ فِي الْفُنُون تبلغ ثَلَاثمِائَة مُجَلد بل أَكثر وَكَانَ قوالاً بِالْحَقِّ لَا يَأْخُذهُ فِي الله لومة لائم.
قَالَ: وَمن خالطه وعرفه فقد ينسبني إِلَى التَّقْصِير فِيهِ وَمن نابذه وَخَالفهُ قد ينسبني إِلَى التغالي فِيهِ وَقد أوذيت من الْفَرِيقَيْنِ من أَصْحَابه وأضداده وَكَانَ أَبيض، اسود الرَّأْس واللحية قَلِيل الشيب شعره إِلَى شحمة أُذُنَيْهِ وَكَأن عَيْنَيْهِ لسانان ناطقان ربعَة من الرِّجَال بعيد مَا بَين الْمَنْكِبَيْنِ جَهورِي الصَّوْت فصيحاً سريع الْقِرَاءَة تعتريه حِدة لَكِن يقهرها بالحلم.
 قَالَ: وَلم أر مثله فِي ابتهاله واستغاثته وَكَثْرَة توجهه وَأَنا لَا أعتقد فِيهِ عصمَة بل أَنا مُخَالف لَهُ فِي مسَائِل أَصْلِيَّة وفرعية فَإِنَّهُ كَانَ مَعَ سَعَة علمه وفرط شجاعته وسيلان ذهنه وتعظيمه لحرمات الدّين بشرا من الْبشر تعتريه حِدة فِي الْبَحْث وَغَضب وشظف للخصم تزرع لَهُ عَدَاوَة فِي النُّفُوس وَإِلَّا لَو لاطف خصومه لَكَانَ كلمة إِجْمَاع فَإِن كبارهم خاضعون لعلومه معترفون بشنوفه مقرون بندور خطئه وَأَنه بَحر لَا سَاحل لَهُ وكنز لَا نَظِير لَهُ وَلَكِن ينقمون عَلَيْهِ إخلافاً وأفعالاً وكل أحد يُؤْخَذ من قَوْله وَيتْرك.
قَالَ: وَكَانَ محافظاً على الصَّلَاة وَالصَّوْم مُعظما للشرائع ظَاهرا وَبَاطنا لَا يُؤْتى من سوء فهم ؛ فَإِن لَهُ الذكاء المفرط ، وَلَا من قلَّة علم ؛ فَإِنَّهُ بَحر زخار. وَلَا كَانَ متلاعباً بِالدّينِ وَلَا ينْفَرد بمسائله بالتشهي وَلَا يُطلق لِسَانه بِمَا اتّفق بل يحْتَج بِالْقُرْآنِ والْحَدِيث وَالْقِيَاس ويبرهن ويناظر أُسْوَة من تقدمه من الْأَئِمَّة فَلهُ أجر على خطئه وأجران على إِصَابَته“. 

ثم أسهب الحافظ ابن حجر رحمه الله في ذكر خصال شيخ الإسلام، فقال:
”وَكَانَ يتَكَلَّم على الْمِنْبَر على طَريقَة الْمُفَسّرين مَعَ الْفِقْه والْحَدِيث فيورد فِي سَاعَة من الْكتاب وَالسّنة واللغة وَالنَّظَر مَا لَا يقدر أحد على أَن يُورِدهُ فِي عدَّة مجَالِس كَأَن هَذِه الْعُلُوم بَين عَيْنَيْهِ فَأخذ مِنْهَا مَا يَشَاء ويذر“!
ثم نقل الحافظ كلامًا لأحد أشد الناس عداءً لشيخ الإسلام ألا وهو السبكي، وكان قد عاتبه الذهبي رحمه الله على كلام له تعرض فيه لشيخ الإسلام بالقدح، فما كان من السبكي إلا أن أجاب الذهبي بالثناء على ابن تيمية وقال من جملة ما قال:
”وقرأت بِخَط الْحَافِظ صَلَاح الدّين العلائي فِي ثَبت شيخ شُيُوخنَا الْحَافِظ بهاء الدّين عبد الله بن مُحَمَّد بن خَلِيل مَا نَصه: وَسمع بهاء الدّين الْمَذْكُور على الشَّيْخَيْنِ شَيخنَا وَسَيِّدنَا وإمامنا فِيمَا بَيْننَا وَبَين الله تَعَالَى شيخ التَّحْقِيق السالك بِمن اتبعهُ أحسن طَرِيق ذِي الْفَضَائِل المتكاثرة والحجج الْقَاهِرَة الَّتِي أقرَّت الْأُمَم كَافَّة أَن هِمَمها عَن حصرها قَاصِرَة وَمَتعْنَا الله بِعُلُومِهِ الفاخرة ونفعنا بِهِ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَة وَهُوَ الشَّيْخ الإِمَام الْعَالم الرباني والحبر الْبَحْر القطب النوراني إِمَام الْأَئِمَّة بركَة الْأمة عَلامَة الْعلمَاء وَارِث الْأَنْبِيَاء آخر الْمُجْتَهدين أوحد عُلَمَاء الدّين شيخ الْإِسْلَام حجَّة الْأَعْلَام قدوة الْأَنَام برهَان المتعلمين قامع المبتدعين سيف المناظرين بَحر الْعُلُوم كنز المستفيدين ترجمان الْقُرْآن أعجوبة الزَّمَان فريد الْعَصْر والأوان تَقِيّ الدّين إِمَام الْمُسلمين حجَّة الله على الْعَالمين اللَّاحِق بالصالحين والمشبه بالماضين مفتي الْفرق نَاصِر الْحق عَلامَة الْهدى عُمْدَة الْحفاظ فَارس الْمعَانِي والألفاظ ركن الشَّرِيعَة ذُو الْفُنُون البديعة أَبُو الْعَبَّاس ابْن تَيْمِية“!
ثم ذكر الحافظ رحمه الله طرفًا من قصة سجنه وموته في القلعة وجنازته وشهودها العظيم الذي بلغ الخمسين ألف نفس!
كل هذا الذي ذكرته من الثناء عليه مِن الموافق والمخالف أعرض عنه صاحب المقال المذكور وقام لشدة حقده بانتزاع كلمات من سياقها ووضع تحتها خطًّا ليشد انتباه القارئ لها دون باقي السياق تدليسًا وقولًا للزور ليشفي غليل حقده وليروي ظمأ نفسه؛ إضلالًا للخلق وافتراءً على الشيخ ومن ترجم له!
فلا عجب فبغضك للشيء يعمي ويصم!
والترجمة طويلة جدًا وليس فيها إقرار من الحافظ لما اتهم به ابن تيمية ولا فيها حطٌّ عليه كما يزعم الصوفية الممخرقون وأشياعهم من أهل فساد الاعتقاد، وهي موجودة بكاملها في كتاب الحافظ ( الدرر الكامنة ) فليراجعها من شاء ذلك.
هذا مع أن الترجمة حجة عليهم لا حجة لهم، كيف لا وفيها الثناء العاطر على شيخ الإسلام من العدو والصديق، وأما ما ذُكر من أمور أخذت عليه فواضح جدًا لكل ذي بصر وصحيح نظر أنها من قبيل حسد الأقران وفساد عقائد الخصوم وكثير منها كذب عليه.
وفضله رحمه الله تعالى مشهود عند أهل العلم والناس كافة، حتى إن السبكي وهو من أعدى أعدائه لم يملك إلا أن يخضع بالاعتراف بفضله ومرتبته وقوة حجته وسعة علمه!
أسأل الله أن يرحم شيخ الإسلام ويرحم الحافظ ابن حجر ويتجاوز عن الجميع إنه ولي ذلك والقادر عليه. 
هذا ما جرى به القلم فجر الأول من شهر الله المحرم سنة ١٤٣٦ من هجرة المصطفى صلى الله عليه وسلم. 
وكتب:
أبو موسى أحمد بن عيّاش بن موسى الغرايبة
غفر الله له ولوالديه ولمشايخه
آمين
وأصلي وأسلم على المبعوث رحمة للعالمين وعلى آله وصحابته أجمعين. 
والحمد لله رب العالمين!

طورُ التَّحول والتحوُّر الإخواني الجديد بعد قرب انهيار الجماعة والانتقال إلى أرضية جديدة وخصبة لزرع الأفكار الخارجية المتأصلة في فكر الجماعة! (التمهيد)

  (1) طورُ التَّحول والتحوُّر الإخواني الجديد بعد قرب انهيار الجماعة والانتقال إلى أرضية جديدة وخصبة لزرع الأفكار الخارجية المتأصلة في فكر...