19/05/2025

(إِيْلَامُ أهل السنة -السلفيين- لأهل الأهواء -الخلفيين- يحملهم على الاعتداء بالضرب أو الوشاية عند السلاطين)!


إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أنَّ محمدًا عبده ورسوله..

أمَّا بعدُ:

قال تعالى مبينًا عداوة شياطين الجن والإنس لأهل الحق من الأنبياء ومن سار على منوالهم في بيان الحق والتحذير من الباطل وأهله: [وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا شَيَاطِينَ الْإِنْسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُورًا وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ مَا فَعَلُوهُ فَذَرْهُمْ وَمَا يَفْتَرُونَ] [سورة الأنعام: 112]. وقال تعالى ذِكرُه: [وَكَذَٰلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا مِّنَ الْمُجْرِمِينَ ۗ وَكَفَىٰ بِرَبِّكَ هَادِيًا وَنَصِيرًا] [سورة الفرقان: 31].

فبين الله -عز وجل- أن الأنبياء لهم أعداء من المجرمين وأن هذه العداوة ظاهرة مستمرة استمرار وجود دعاة الحق على منهاج النبوة، من السلف والخلف، وبين -سبحانه وتعالى- لعباده المؤمنين الصادقين أنهم هم المنصورون أن جماعتهم هم الغالبون فقال -عزَّ من قائل-: [وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنَا لِعِبَادِنَا الْمُرْسَلِينَ * إِنَّهُمْ لَهُمُ الْمَنْصُورُونَ * وَإِنَّ جُنْدَنَا لَهُمُ الْغَالِبُونَ] [سورة الصافات: 171-173].

وقال في بيان نُصرته المرسلين والمؤمنين: [إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آَمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ] [سورة غافر: 51].

وبين -تعالى وتقدَّس- أن ثبات أهل الحق على ما عندهم من الحق والسنة واتباع السلف الصالح سببٌ في نصر الله لهم فقال -تبارك وتعالى-: [وَلَيَنْصُرَنَّ الله مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ] [سورة الحج: 40].

وأخبر المؤمنين أن نصره قريب وأن بأسه واصل إلى القوم المجرمين حتى ولو ظن المرسلون والمؤمنون أنهم قد كُذِّبُوا فقال: [حَتَّى إِذَا اسْتَيْئَسَ الرُّسُلُ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُوا جَاءَهُمْ نَصْرُنَا فَنُجِّيَ مَنْ نَشَاءُ وَلَا يُرَدُّ بَأْسُنَا عَنِ الْقَوْمِ الْمُجْرِمِين] [سورة يوسف: 110].

ثم أمرهم بالصبر وعدم الحزن والضيق من مكر هؤلاء المخالفين فقال مواسيًا لأهل الحق ومبشرًا لهم بمعيته وحفظه إذا هم صبروا على الأذى: [وَاصْبِرْ وَمَا صَبْرُكَ إِلَّا بِالله وَلَا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَلَا تَكُ فِي ضَيْقٍ مِمَّا يَمْكُرُونَ * إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ] [سورة النحل: 127- 128].

وبيَّن -عز وجل- عقوبة هذا الصنف من أهل البدع والأهواء ممن ينتقم لنفسه ويتعصب لرأيه فيؤذي دُعاة السنة والتوحيد فقال: [سَيُصِيبُ الَّذِينَ أَجْرَمُوا صَغَارٌ عِنْدَ الله وَعَذَابٌ شَدِيدٌ بِمَا كَانُوا يَمْكُرُونَ] [سورة الأنعام: 124].

ثم إن لكل قوم من هؤلاء وارث فأهل السنة ودعاتها ورثة الأنبياء والسلف الصالحين، وأهل البدع والأهواء ورثة أئمة الكفر والمنافقين الذين يدخل فيهم أهل البدع والأهواء المنحرفون عن سبيل السلف الصالحين.

قال الإمام ابن القيم -رحمه الله- في «مدارج السالكين»: «ولكن ليس هذا الوارث كذاك الوارث ولا يستوي من موروثه الرسول ﷺ ومن موروثهم المنافقون» اهـ.

ولما قام أهل السنة الموحدون ببيان عوار المناهج المنحرفة عن الدين وقاموا بالواجب الكفائي في بيان مقالات المنحرفين عن السبيل والسنة انبرى شياطين الإنس والجن للنيل من أهل الحق وإيصال الأذى لهم واستعمال الوشايات لدى السلاطين لقمعهم، حتى بلغوا من الدناوة وانعدام المروَّة مبلغًا جعلهم يستطيلوا بالضرب والتهديد والوعيد بالسجن، وتمادى بعضهم فاستمرأ الكذب عند السلطان ليُسكت العلماء والدعاة عن بيان الحق ونصيحة الخلق، وقد ادعى بعض أهل البدع أن الهروي -رحمه الله- يعبد صنمًا ليغيظ قلب السلطان عليه ويقتله!

ذكر الحافظ الذهبي في كتابه «تذكرة الحفاظ» قصة وشاية أهل البدع بأبي إسماعيل الهروي الأنصاري فقال:

«وسمعت أصحابنا بهراة يقولون: لما قدم السلطان (ألب أرسلان) هراة في بعض قدماته اجتمع مشايخ البلد ورؤساؤه ودخلوا على أبي إسماعيل [يعني الهروي] وسلموا عليه وقالوا: ورد السلطان ونحن على عزم أن نخرج ونسلم عليه فأحببنا أن نبدأ بالسلام عليك، وكانوا قد تواطئوا على أن حملوا معهم ((صنمًا من نحاس صغيرًا وجعلوه في المحراب تحت سجادة الشيخ))!! وخرجوا، وقام إلى خلوته.

ودخلوا على السلطان واستغاثوا من (الأنصاري) وأنه (مُجسم)! وأنه يترك في محرابه صنمًا يزعم أن الله على صورته!! إن بعث الآنَ السلطانُ يجده؛ فعظُم ذلك على السلطان وبعث غلامًا ومعه جماعة فدخلوا الدار وقصدوا المحراب فأخذوا الصنم. ورجع الغلام بالصنم فبعث السلطان من أحضر (الأنصاري)، فأتى فرأى الصنم والعلماء، والسلطان قد اشتد غضبه؛ فقال السلطان له: ما هذا؟

قال: هذا صنم يُعمل من الصفر=(أي: النحاس) شبه اللعبة؛ قال: لست عن ذا أسألك؟

قال: فعم يسألني السلطان؟

قال: إن هؤلاء يزعمون أنك تعبد هذا، وأنك تقول: إن الله على صورته!

فقال الأنصاري بصولة وصوت جهوري: سبحانك هذا بهتان عظيم!!

فوقع في قلب السلطان أنهم كذبوا عليه، فأمر به فأُخرج إلى داره مكرمًا، وقال لهم: اصدقوني، وهددهم.

فقالوا: نحن في يد هذا الرجل في بلية من استيلائه علينا بالعامة، فأردنا أن نقطع شره عنا.

فأمر بهم ووكل بكل واحد منهم وصادرهم وأهانهم» اهـ.

قال أبو موسى:

الله أكبر! انظر يرحمك الله كيف أن فعلهم هذا والذي كان من الممكن أن يُقتل بسببه، كان الحامل لهم عليه أن هذا الإمام قد اتبعه العامة على مذهبه ونفَّرَ عنهم الأتباع فأرادوا أن يكفوا شره عن أنفسهم وعن أتباعهم فقاموا بهذه الوشاية الرخيصة، ولكن الله قد أنجز وعده للمؤمنين الصابرين المحتسبين في الحق فآل على الوشاء بالإهانة والخذلان.

وأهل الأهواء في كل زمان يتوارثون هذه الطريقة في رد الحق فتارة بالتهويش وتارة بالكذب على أهل السنة وإلصاق التهم الكاذبة بهم، وتارة بالتهديد، وتارة بالضرب، وهم يصدُق عليهم قول ربنا -تبارك وتعالى-: [تَحْسَبُهُمْ ‌جَمِيعًا وَقُلُوبُهُمْ شَتَّى] [سورة الأنعام: 124]. قال قتادة كما في: «تفسير ابن أبي حاتم»:

«كَذَلِكَ أَهْلُ الْبَاطِلِ مُخْتَلِفَةٌ شَهَادَتُهُمْ، مُخْتَلِفَةٌ أَهْوَاؤُهُمْ، مَخْتَلِفَةٌ أَعْمَالُهُمْ وَهُمْ مُجْتَمِعُونَ فِي عَدَاوَةِ أَهْلِ الْحَقِّ كَمَثَلِ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ».

قال الشربيني في «السراج المنير في الإعانة على معرفة بعض معاني كلام ربنا الحكيم الخبير»:

«[وَقُلُوبُهُمْ شَتَّى] أي: متفرقة أشدّ افتراقاً، وموجب هذا الشتات اختلاف الأهواء التي لا جامع لها من نظام العقل كالبهائم، وإن اجتمعوا في عداوة أهل الحق كاجتماع البهائم في الهرب من الذئب. قال القشيري: اجتماع النفوس مع تنافر القلوب واختلافها أصل كل فساد، وموجب كل تخاذل، ومقتض لتجاسر العدو».

قال أبو موسى:

فأعداء السنن وأعداء أهل الحديث والأثر -الطائفة المنصورة- على الدوام شديدون في العداوة لأهل السنة مجتمعون عليها متحالفون في إنفاذها، وهم مع اختلافهم في المشارب إلا أنهم مُحتقرون لهم مستخفون بهم يقولون: ليس عندهم فهم، وليس يملكون العقل، أهل جمود وتخلف وغباء، وهم والله من هذه التهم -الحقيرة- بُرآء!

قال الإمام الصابوني في «اعتقاد أهل السنة شرح أصحاب الحديث»: «وعلامات البدع على أهلها بادية ظاهرة ، وأظهر آياتهم وعلاماتهم شدةُ معاداتهم لحَمَلَة أخبار النبي صلى الله عليه وسلم واحتقارهم لهم واستخفافهم بهم».

وقد بين علماؤنا الأفذاذ كما بين سلفنا النجباء علامات هؤلاء المنحرفين عن جادة الصواب وبينوا أن اعتداء أسافل المبتدعة بإرسالهم لمن يؤذي الدعاة إلى منهاج النبوة بالقول أو الفعل، واللجوء إلى السلطان ليعينهم على إسكات صوت الحق هو من أعمال الجاهلية الجهلاء، وقد بين هذه الخصال شيخ الإسلام في زماننا الإمام محمد بن عبدالوهاب التميمي النجدي -رحمه الله تعالى- في كتابه «مسائل الجاهلية» إذ قال في المسألة الثانية والستون: «إذا غُلِبوا -أي أهل الأهواء والبدع- بالحجة فزعوا إلى السيف والشكوى إلى الملوك، ودعوى احتقار السلطان، وتحويل الرعية عن دينه، قال تعالى: [أَتَذَرُ مُوسَى وَقَوْمَهُ لِيُفْسِدُوا فِي الْأرْضِ][سورة الأعراف: ١٢٧]».

قال الألوسي في شرحه على مسائل الجاهلية:

«كَونهُمْ إذا غُلِبوا بِالحجَّةِ، فَزِعوا إلى السَّيفِ والشَّكْوى إلى المُلوكِ، وَدَعْوى احْتِقارِ السّلْطانِ، وَتَحْويلِ الرَّعِيَّةِ عَنْ دِيْنِهِ. قال تَعالى في سورةِ [الأعراف: 127] : [‌أَتَذَرُ ‌مُوسَى وَقَوْمَهُ لِيُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ] فانظُرْ إلى شَكْوى آلِ فِرْعونَ وَقَومِهِ إِلَيْهِ، وَتَحْريشِهمْ إيَّاهُ عَلَى مُقاتَلَةِ موسى -عليه السلام- وَتَهْييجِه، وَمَا ذُكِرَ في آخِرِ الآية مِن احْتِقارِ ما كانوا عَلَيْهِ» اهـ.

والحوادث من هذا القبيل كثيرة جدًا ويطول سردها، وهي مبسوطة في كتب التراجم -خاصة تراجم علماء السلف- كالذي حصل من البلاء بسبب أهل الأهواء للإمام المبجل أحمد بن حنبل ولشيخ الإسلام ابن تيمية وكالذي حصل للشيخ الألباني وللشيخ أحمد النجمي ولغيرهم من أهل العلم -رحم الله الجميع-، فقد كان أهل الأهواء والبدع في كل مرة إذا أعجزهم أهل الحق وغلبوهم يفزعون إلى هذه التصرفات الوضيعة لما يرونه من تأثر الناس بكلام أهل الحق، ولأن العامة إذا رأوا ثبات العلماء وسمعوا ما عندهم من الحق -بدلائله- ولمسوا إخلاصهم في البيان والنصيحة زال ما في قلوبهم من تعظيم لأهل التحزب والأهواء المنحرفين عن السنة، ولذلك تجد الحزبيين في زماننا قد ورثوا أفعال سلفهم من أهل البدع فيُشوِّشون على الناس ليصرفوهم عن سماع الحق بدعوى التعصب والغلو والإسقاط والتبديع والتجديع وغيرها من التهم الباطلة الداحضة، فأروني رجلًا انتقد منتسبًا إلى العلم ولم يأت بالدليل من قوله أو كتابته أو أُلفته لأهل البدع لنجعل قوله هذا تحت أقدامنا، أما من يأتي بالدليل ويبين موضع الخطأ أو الانحراف فعلى الرأس والعين ولو كان المُنتقد هذا أكبر أشياخنا وأعلم أهل الأرض فواجب المؤمن أن يقبل هذا الحق وينبه عليه الخلق ويطرح عنه سواليف النسوان من الاتهام بالغلو والتبديع بدل الحجة والبيان؛ فالحق أحق أن يُتبع، قال الإمام الهُمام ابن القيم -رحمه الله-:

«إن كنتم فحولًا فابرزوا ... ودعوا الشكاوي حيلة النسوان

وإذا اشتكيتم فاجعلوا الشكوى إلــــ ... ــــــــى الوحيين لا القاضي ولا السلطان»!

فاثبتوا إخواني أهل السنة على الحق فإنكم -والله!- منصورون وأعداؤكم مخذولون مغلوبون، والحق عليه نور والباطل تغشاه الظلمة ولو زخرفه المزخرفون، والباطل مردود من كل أحد -إنس أو جان- والحق مقبول على كل أحد ولو كان أصغر إنسان، فلا يهولنكم إخوتي وشاية الوشاة ولا تهديد السفلة الأوغاد فالله ناصرٌ دينه ومظهره على الدين كله فـ [إِنَّ اللَّهَ لَا يُصْلِحُ عَمَلَ الْمُفْسِدِينَ * وَيُحِقُّ اللَّهُ الْحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُجْرِمُونَ][سورة يونس: 82].

وكتب متواصيًا بالحق ومتواصيًا بالصبر

أبو موسى أحمد بن عيَّاش بن موسى الغرايبة

غفر الله له ولوالديه وللمسلمين

آمين .. آمين

لثمانية بقين من شهر ذي القعدة الحرام سنة 1446هـ

وسلام على المرسلين والحمد لله رب العالمين.

الأردن – صانه الله من الشرور والفتن!


16/05/2025

حديث مكذوب متداول بين الناس في دخول جمل على النبي ﷺ وتكليمه إياه!

 الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله..

أما بعد:

فقد صح عن النبي ﷺ قوله: (إنَّ كَذِبًا عليَّ ليس ككذبٍ على أحدٍ، فمن كذب عليَّ مُتعمِّدًا، فلْيتبوَّأْ مقعدَه من النَّارِ)! وقد انتشرت الأحاديث المكذوبة على رسول الله ﷺ في مواقع التواصل الاجتماعي وأخذ يتداولها الناس من غير تمحيص وبيان لدرجتها وصدق نسبتها إلى صاحب الشريعة ﷺ وقد أرسلت إليَّ بعض قرابتي تسألني عن حديث من هذه الأحاديث يتداوله الناس بينهم وعلى صفحاتهم في مواقع التواصل ونصه:

"روى الحافظ المنذري رضي الله عنه عن الصحابي الجليل تميم الداري رضي الله عنه قال :

(بينما نحن جلوس عند رسول الله ﷺ إذ دخل علينا جمل ودخل على رسول الله كأنه يعرفه ووضع فمه على أذن رسول الله وانصت له الرسول حتى إذا فرغ من كلامه قال الرسول: "أرسلوا إلى فلان بن فلان"؛ فجيء به فقال له: "أأنت صاحب هذا الجمل؟" قال له: نعم يا رسول الله. قال: "إنه يشكوك إلى الله لأنك تقسو عليه وتحمله أقسى مما يطيق وقد أصبح الجمل كبير السن" فقال الرسول لصاحب الجمل: "بعه لي" فباعه لرسول الله، فقال الرسول للجمل: "اذهب كما تشاء وارعى كما تشاء ولا تحزن على ما مضى" فانحنى الجمل على أذن رسول الله وكلمه بلغة لا يفهمها إلا رسول الله والرسول يقول: "آمين . آمين . آمين". وفي الرابعة بكى رسول الله. وسألت الصحابة الرسول يا رسول الله أمنت ثلاث مرات وبكيت في الرابعة حدثنا وأخبرنا فقال النبي ﷺ: "إن الجمل دعى لي الله قائلا: جزاك الله يا نبي القرآن عني وعن الإسلام خيرًا، فقلت: آمين، ثم دعى قائلا: وانقذ الله أمتك من خزي الدنيا وعذاب الأخرة فقلت: آمين، ثم قال لي: وستر الله أمتك يوم القيامة كما سترتني فقلت: آمين، ثم قال: ولا جعل الله بأسهم بينهم؛ فبكيت لأنني أعلم أن بأس هذه الأمة سيكون بينهم شديدًا.. إلخ).

قلت:

هذا الحديث كذب موضوع بهذا السياق لم أجد أحدًا من الأئمة أخرجه بهذا اللفظ، وهو من تحريفات المتصوفة -وقد وجدته في بعض منتدياتهم وصفحاتهم- ممن يُظهر الغلو في الرسول ﷺ ويكذب له على طريقة الكرامية!

وبعد البحث في كتب السنة وجدت أصل هذا الحديث المتداول، وهو ما أخرجه الحافظ المنذري في كتابه «الترغيب والترهيب - ط العلمية» (3/ 144) ونصُّه:

«وروى ابْن مَاجَه عَن تَمِيم الدَّارِيّ -رضي الله عنه- قَالَ كُنَّا جُلُوسًا مَعَ رَسُول الله ﷺ إِذْ أقبل ‌بعير ‌يعدو ‌حَتَّى ‌وقف ‌على ‌هَامة رَسُول الله ﷺ فَقَالَ ﷺ: "أَيهَا الْبَعِير اسكن فَإِن تَكُ صَادِقا فلك صدقك وَإِن تَكُ كَاذِبًا فَعَلَيْك كَذبك مَعَ أَن الله تَعَالَى قد أَمن عائذنا وَلَيْسَ بخائب لائذنا"؛ فَقُلْنَا يَا رَسُول الله مَا يَقُول هَذَا الْبَعِير؟ فَقَالَ: "هَذَا بعير قد هم أَهله بنحره وَأكل لَحْمه فهرب مِنْهُم واستغاث بنبيكم ﷺ" فَبينا نَحن كَذَلِك إِذْ أقبل أَصْحَابه يتعادون فَلَمَّا نظر إِلَيْهِم الْبَعِير عَاد إِلَى هَامة رَسُول الله ﷺ فلاذ بهَا؛ فَقَالُوا يَا رَسُول الله: هَذَا بعيرنا هرب مُنْذُ ثَلَاثَة أَيَّام فَلم نلقه إِلَّا بَين يَديك. فَقَالَ ﷺ: "أما إِنَّه يشكو إِلَيّ فبئست الشكاية" فَقَالُوا: يَا رَسُول الله مَا يَقُول؟ قَالَ: "يَقُول إِنَّه رَبِّي فِي أمنكم أحوالا وكنتم تحملون عَلَيْهِ فِي الصَّيف إِلَى مَوضِع الكلإ فَإِذا كَانَ الشتَاء رحلتم إِلَى مَوضِع الدفاء فَلَمَّا كبر استفحلتموه فرزقكم الله مِنْهُ إبِلا سَائِمَة فَلَمَّا أَدْرَكته هَذِه السّنة الخصبة هممتم بنحره وَأكل لَحْمه" فَقَالُوا قد وَالله كَانَ ذَلِك يَا رَسُول الله فَقَالَ عليه الصلاة والسلام: "مَا هَذَا جَزَاء الْمَمْلُوك الصَّالح من موَالِيه" فَقَالُوا: يَا رَسُول الله فَإنَّا لَا نبيعه وَلَا ننحره. فَقَالَ عليه الصلاة والسلام: "كَذبْتُمْ قد اسْتَغَاثَ بكم فَلم تغيثوه وَأَنا أولى بِالرَّحْمَةِ مِنْكُم فَإِن الله نزع الرَّحْمَة من قُلُوب الْمُنَافِقين وأسكنها فِي قُلُوب الْمُؤمنِينَ" فَاشْتَرَاهُ عليه الصلاة والسلام مِنْهُم بِمِائَة دِرْهَم وَقَالَ: "يَا أَيهَا الْبَعِير انْطلق فَأَنت حر لوجه الله تَعَالَى" فرغى على هَامة رَسُول الله ﷺ فَقَالَ عليه الصلاة والسلام: "آمين" ثمَّ دَعَا فَقَالَ: "آمين" ثمَّ دَعَا فَقَالَ: "آمين" ثمَّ دَعَا الرَّابِعَة فَبكى عليه الصلاة والسلام. فَقُلْنَا يَا رَسُول الله مَا يَقُول هَذَا الْبَعِير؟ قَالَ: "قَالَ جَزَاك الله أَيهَا النَّبِي عَن الْإِسْلَام وَالْقُرْآن خيرا فَقلت آمين. ثمَّ قَالَ سكن الله رعب أمتك يَوْم الْقِيَامَة كَمَا سكنت رعبي فَقلت آمين. ثمَّ قَالَ حقن الله دِمَاء أمتك من أعدائها كَمَا حقنت دمي فَقلت آمين. ثمَّ قَالَ لَا جعل الله بأسها بَينهَا فَبَكَيْت فَإِن هَذِه الْخِصَال سَأَلت رَبِّي فَأَعْطَانِيهَا وَمَنَعَنِي هَذِه وَأَخْبرنِي جِبْرِيل عَن الله تَعَالَى أَن فنَاء أمتِي بِالسَّيْفِ جرى الْقَلَم بِمَا هُوَ كَائِن.

وقد أورده الشيخ الألباني -رحمه الله- في (ضعيف الترغيب والترهيب) (2/93) برقم: (1372)، وقال: [منكر جدًا].

وقال في الحاشية معلقًا على عزو المنذري الحديث لابن ماجه بقوله:

"عزوه إليه خطأ محض تعجب منه الحافظ الناجي. ثم ذكر أنه أخرجه السِّلفي وغيره بإسناد فيه متروك ومجهول، وعن ابن كثير أنه قال: "فيه غرابة ونكارة في إسناده ومتنه" وأطال الكلام في ذلك (180 / 1 - 2).".

قلت:

وكلام الحافظ ابن كثير الذي أشار إليه الشيخ الألباني موجود في «البداية والنهاية» (9/ 20 - 22) حيث قال:

"حديث آخر غريب في قصة البعير: قال الشيخ أبو محمد عبدالله بن حامد الفقيه في كتابه «دلائل النبوة»، وهو مجلد كبير، حافل، كثير الفوائد: أخبرني أبو علي الفارسي، حدثنا أبو سعيد عبدالعزيز بن شهلان القواس، حدثنا أبو عمرو عثمان بن محمد بن خالد الراسبي، حدثنا عبدالرحمن بن علي البصري، حدثنا سلامة بن سعيد بن زياد بن فائد بن زياد بن أبي هند الداري، حدثني أبي، عن أبيه، عن جده حدثنا تميم بن أوس، يعني الداري، قال: "فذكره".

ثم قال:

«قلت: هذا الحديث غريب جدًا، لم أر أحدًا من هؤلاء المصنفين في الدلائل أورده سوى هذا المصنف، وفيه غرابة ونكارة في إسناده ومتنه أيضًا. والله أعلم» اهـ.

فكما ترى أخي القارئ الكريم فإن دلالات الوضع على هذا الحديث بادية كما ذكر ذلك الحافظ ابن كثير وتقدم حكمُ الشيخ الألباني بنكارته فرحمهما الله، فالحديث بهذه السياقات موضوع مكذوب على رسول الله ﷺ. ويُغني عنه ما رواه الإمام مسلم في "صحيحه" برقم: (342) -مختصرًا دون قصة الجمل-، وأبي داود في «سننه» (4/ 200، ت: الأرنؤوط)، برقم: (2549) -واللفظ له-:

«حدَّثنا مُوسى بن إسماعيلَ، حدَّثنا مَهدي، حدَثنا ابنُ أبي يعقوبَ، عن الحسنِ بن سَعدٍ مولى الحسنِ بن عليٍّ عن عبدالله بن جعفرٍ، قال: أرْدفَني رسولُ الله ﷺ خلفَه ذاتَ يومٍ، فأسرَّ إليَّ حديثاً لا أُحدَّث به أحداً من الناس، وكان أحبُّ ما استتر به رسولُ الله ﷺ لحاجته هَدَفاً أو ‌حائشَ نخلٍ، قال: فدخل حائطاً لرجلٍ من الأنصار، فإذا جملٌ، فلما رأى النبي ﷺ حَنَّ وذَرَفَت عيناه، فأتاه النبيُّ ﷺ فمسح ذِفْراه فسكتَ، فقال: "من ربُّ هذا الجملِ؟ لمن هذا الجملُ؟" فجاء فتًى من الأنصارِ، فقال: لي يا رسول الله، قال: "أفلا تتقي اللهَ في هذه البهيمةِ التي مَلَّككَ اللهُ إياها، فإنه شكا إليَّ أنك تُجِيعُه وتُدْئبه"؟!».

قال الشيخ شُعيب الأرنؤوط -رحمه الله- في تعليقه على الحديث الذي أخرجه أبو داود في الموضع الآنف الذكر:

«إسناده صحيح.

مهدي: هو ابن ميمون المِعولي، وابن أبي يعقوب: هو محمد بن عبدالله بن أبي يعقوب الضبي.

وأخرجه مختصراً مسلم (342) و(2429)، وابن ماجه (340) من طريق مهدي ابن ميمون، بهذا الإسناد. واقتصر مسلم في الموضع الأول وابن ماجه على قصة الاستتار، واقتصر مسلم في الموضع الثاني على قصة الإسرار.

وهو بتمامه في "مسند أحمد" (1745) و(1754).

وفي "صحيح ابن حبان" (1411) و(1412) مختصرًا بقصة الاستتار.

قال الخطابي: "الهدف": كل ما كان له شخص مرتفع من بناء وغيره، و"الحائش": جماعة النخل الصغار، لا واحد له من لفظه، و"الذِّفْرى" من البعير: مؤخر رأسه، وهو الموضع الذي يعرق مِن قفاه.

قال: وقوله: "تُدئبُه": يريد تُكِدُّه وتتعِبُه» اهـ.

هذا ما يسره الله -تبارك وتعالى- من بحث في أقوال العلماء في صحة هذا الحديث المنسوب إلى رسول الله ﷺ والحمد لله على توفيقه.

ومسألة الرفق بالحيوان من المسائل المتقررة شرعًا قبل أن يعرفها الأوروبيون ويسنوا لها القوانين والمواثيق، فما جلب الإسلام للبشرية إلا الخير والصلاح والرحمة بالخلائق، وقد وردت عدة أحاديث تنهى عن إيذاء الحيوان بل أمر النبي ﷺ الذي يريد أن يذبح أضحيته أن يُسن شفرته ولا يُظهرها لها وأن يعجل في ذبحها ولا يعذبها وهذا من تمام رحمته ﷺ بهذه البهائم التي هي أرواح ينبغي مراعاتها، فنحمد الله على ما شرع ونحمده على ما وفقنا له من عمل بهذا الدين العظيم، والحمد لله رب العالمين.

وكتب: أبو موسى أحمد الغرايبة، غفر الله له ولوالديه .. آمين.

الأردن – صانه الله من الشرور والفتن

الجمعة، 18 ذو القعدة 1446هـ