فتح كفتح عُمر الفاروق!
إن القضية الفلسطينية قضية
شائكة جدًّا تتجاذبها أمور ومواقف وسياسات، إلا أنها تحمل في حقيقتها قضية مهمة
جدًّا لكل الناشدين أن تعود الأرض المقدسة ومنها بيت المقدس، وهو إلقاؤهم اللوم
على الحكام في ضياعها، وهذا وإن كان فيه بعض حقٍّ فإنه ليس السبب الأكبر في ضياعها،
بل تضييع هذه الشعوب لفريضة الاعتصام بحبل الله تعالى والعمل بكتاب الله في أنفسها
قبل مطالبتها للحكام بذلك، فإن الخطاب الإلهي إنما ورد مورد العموم ولا مندوحة
لأحد أن يُخصصه بالحكام، فمتى وعت الأمة ذلك وعظمت أمر الشريعة في أنفسها، واجتمعت
على الكتاب والسنة بعد تفرق التحزب والبدعة؛ فقد أخبر الله المؤمنين بأن التنازع
ومعصية الله ورسوله سبب للفشل وذهاب الريح، وأن السبيل بعد طاعة الله ورسوله وترك
التنازع إنما هو الصبر فقال: ﴿وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا
وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ ۖ وَاصْبِرُوا ۚ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ﴾
[الأنفال: 46]، ونهاهم الله عن البطر والرياء والصدِّ عن سبيل الله، فقال: ﴿وَلَا تَكُونُوا
كَالَّذِينَ خَرَجُوا مِن دِيَارِهِم بَطَرًا وَرِئَاءَ النَّاسِ وَيَصُدُّونَ عَن
سَبِيلِ اللَّهِ ۚ وَاللَّهُ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ﴾ [الأنفال: 47]، فأيُّ بطر،
وأيُّ رياءٍ، وأيُّ صدٍّ عن سبيل الله أعظم مما تلبست به الأمة اليوم في مظاهر بادية
للعيان؟!
وقد وعى الفاروق عمر -رضي
الله عنه- ومن معه هذا الأمر فعملوا بخطَّة الله التي ارتضاها لعباده الصالحين
فكان الجزاء أن يورثهم الله الأرض المقدسة إرثًا عزيزًا وأن ينصرهم نصرًا مؤزَّرًا،
فجاء عمر الفاروق -رضي الله عنه- متخشعًا متزهِّدًا من الدنيا وزينتها ليستلم -كأعز
ملكٍ- مفاتيح بيت المقدس، ليقيم أول الأمر مسجده العمري ويُعلن نداء التوحيد في
جنبات المعمورة، لترتج حيطان المساكن بـ: الله أكبر! فكان التوحيد الصِّرف أول
همِّه وغاية مقصده فأعزَّه الله ونصره، ومتى سارت الأمة بسيرة الفاروق؛ آتاها الله
فتحًا كفتح عُمر.. ولكن!
وها نحن اليوم -والحالة
هذه- من الضعف والتفرق وترك الاعتصام بكتاب الله وسنة رسوله واتِّباع سُنن اليهود
والنصارى في كل منحًى من مناحي الحياة تُمزقنا مخالب الذئاب وأنيابها طمعًا فيما
آتانا الله من فضله من ثروات الأرض ظاهرها وباطنها، وهؤلاء الأكَلَة المتداعية على
قصعتنا؛ يتنافسون أيهم يملأ جوفه ويوسع مقعده على مائدة المسلمين، غير آبهين بأحد
من أهل الإسلام، وما ذلك إلا لوقوفهم على مكمن الخلل الذي تبيد بسببه الأمم وتضعف
شوكتها؛ فيضغطون بكل ما أوتوا من قوَّة وعنجهية على جرح التفرق النازف المُلتهب؛
ليزداد وجع الأمة وتخور قوَّتها فلا تتمكن من القيام من مرضها الذي استفحل وكاد
يُنتن!
ينبغي على الصادقين اليوم
من المُصلحين أن يعرفوا أن كل إصلاح لا يوافق كتاب الله وسنَّة نبيه ﷺ فإنه إصلاح
فاسد يحتاج إلى إصلاح في ذاته.. فمتى ما شربت الأمة من معينها الصافي ترياق الصحوة
الإيمانية وتضلعت من ماء الأخوَّة الصادقة، واتَّحدت اتحادًا صحيحًا فإنها ستنهض
وتنفض الغبار عن كاهلها وتعود دماء العزَّة لتسري في عروقها، وعندها سترضخ أمم
الشرق والغرب لقوتها وجبروتها، وما لم تفعل فإنها لن تقوم لها قائمة!
﴿وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ
وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ﴾ [يوسف: 21]!
وكتب في يوم الخميس 19 / ربيع الأول / 1439هـ
أبو موسى أحمد بن عيَّاش بن موسى الغرايبة
غفر الله له ولوالديه وللمسلمين
آمين