04/12/2024

خوارزميو القرن الخامس عشر الهجري!

 

(خوارزميو القرن الخامس عشر الهجري)

بادئ ذي بدءٍ يجب أن يعلم القراء الكرام بشتى أفهامهم ومُنطلقاتهم أن النقد لجماعة معينة سواء كانت جماعة تنتمي إلى تيار ديني –كما يقولون- أو إلى فكر علماني أو إلى توجه قومي أو غيرها من الجماعات مهما كانت أهدافها المعلنة أمرًا يُعجب عامة الناس فإن النقد لها مُنطلقُه ليس الأغراض الشخصية أو الحسد أو البغض النفسي بل ينبغي أن يكون مُنطلقهُ أصول الشريعة الغراء والتي قدمنا –وفي مقالات عدة- أنها إنما جاءت لحفظ ما يسميه الأصوليون بالضرورات الخمس والتي جمعت في (النفس والدين والعرض والعقل والمال) وحفظ هذه الخمس الضرورات لا يُعارضها عقل عاقل ولا يخالفها مسلم أو كافر فهي ضرورة ينبني عليها خلافة الإنسان في الأرض ولا تقوم ولا تستقيم حياة الناس إلا بها.

فنقد أي جهة متسببة في إهدار شيء منها هو نقد شرعي لا نقد هوائي وإن من أشد هذه الضرورات حاجة لحفظها هي تلك المتعلقة بالأرواح والأعراض والأموال، لأن العقل والدين أمرهما معنوي وليس حسيًا فمهما تعرض الإنسان إلى اضطهاد ديني فإن عقيدته في قلبه يتمكن من إخفائها وإظهار خلافها حال الاضطرار فينجو من الفتنة فيهما بالكلام وقد بين الله ذلك في كتابه لما أنزل قوله في مُعَذَّبِي المسلمين المستضعفين من أهل مكة فبيَّن أنَّ ﵟمَن كَفَرَ بِٱللَّهِ مِنۢ بَعۡدِ إِيمَٰنِهِۦٓ إِلَّا مَنۡ أُكۡرِهَ وَقَلۡبُهُۥ مُطۡمَئِنُّۢ بِٱلۡإِيمَٰنِ وَلَٰكِن مَّن شَرَحَ بِٱلۡكُفۡرِ صَدۡرٗا فَعَلَيۡهِمۡ غَضَبٞ مِّنَ ٱللَّهِ وَلَهُمۡ عَذَابٌ عَظِيمٞ 106ﵞ [النحل: 106] .

فهذه الضرورتان لهما مخرج حال وقوع الفتن والله لا يؤاخذ المُكرهين، بخلاف باقي الضرورات فإن الضرر فيهما حاصل ولا يمكن دفعه إلا بالقوة الرادعة ووقوع الإزهاق لشيء منها عند الله عظيم وقد وردت النصوص المتكاثرة في حرمة دم المسلم –والذمي المستأمن والمعاهد كذلك- بأشد عبارات التنفير عن الولوغ في الدماء المعصومة، وكذا في إهدار أموال الناس التي جعلها الله قيامًا لهم، وكذلك في حرمة التعرض للأعراض وهتكها بغير ما تُستحل به من المهور.

ومن هذا المُنطلق الشرعي ينتقد الناقدون من طلبة العلم الأحزاب والجماعات التي تملأ الساحة العربية الإسلامية على وجه الخصوص دون تواجد لها في غيرها من بلدان يُقال إنها أشد البلدان عداوة للإسلام وأهله!

والنقد ليس وليد الحدث العصري في زمن معين ولوقوعه من جبهة معينة أو فصائل منتمية لمخالف في المنهج والعقيدة ولكنه في حقيقة الأمر له منبع ومنزع من التاريخ والوقائع التي حصلت لأهلها أو وقعت من ذات الجماعات العصرية والحاملة لذات الفكر والنهج ومن آثار هذه الأعمال التي أهدرت أصول وضرورات الدين الخمسة وليس واحدًا منها أو أكثر!

فمن لم يتعظ بالتاريخ الماضي والحاضر ومن لم يستعمل القياس الحقيقي للآثار والنتائج التي تترتب على الأفعال فمختل لا عقل له ولو بلغ أكبر درجة من العلم والفهم، فما لم يحفظ ما قرره الشرع من ضرورات لم يُقم الشرع ولم يرفع مناره ويذود عن حياضه بل كان أحد الخوارزميين الذي استعدوا أعظم وحش قاتل مجرم في تاريخ الإسلام وإن حصل ذلك في القرن الخامس عشر الهجري!

فمع قصة تاريخية تُحاكي ما يحصل اليوم لأهل الإسلام الأبرياء العُزل الضعفاء والذين لا يملكون حيلة، فأرعني سمعك وافتح عقلك لتفهم أن الله الذي خلق هذا الخلق لم يتركه مقيدًا بغير قدرته ولا جعله عرضة للمغامرة ولا مقامرة كما تحاول الجماعات العصرية أن تصور المسألة وتجعل من سفك كل هذه الدماء ضرورة لا مفر منها!

دارت أحداث هذه القصة المُفجعة المأساوية في القرن السابع الهجري وهي التي قال عنها مؤرخها ابن الأثير –رحمه الله-: (فلو قال قائل إن العالم منذ خلق الله سبحانه وتعالى آدم وإلى الآن –يعني القرن السابع الهجري- لم يُبتلوا بمثلها لكان صادقًا، فإن التواريخ لم تتضمن ما يُقاربها ولا ما يُدانيها!)، وقال عند ذكر أحداثها: (فيا ليت أمي لم تلدني، ويا ليتني مت قبل حدوثها وكنت نسيًا منسيًا)!

ولقد كان من خبر خوارزم شاه ما ذكره المؤرخون فقد أصبح هذا الملك ذا قوة وسعة ملك ما طارت به الركبان فتوسعت دولته ووصل صيته الشرق والغرب فلما شعر بذلك ملك التتار جنكيز خان خطب وده وطلب هدنته والسماح للتجار بالتجارة في البلاد ليعم الخير سائر الممالك فأجابه خوارزم شاه إلى ذلك فسيَّر جنكيز خان جماعة من التجار معهم الأموال الطائلة إلى سمرقند وبخارى فغدر بهم خوارزم شاه وقتلهم وأخذ أموالهم فتجهز له جنكيز خان وأرسل إليه يهدده: (تقتلون أصحابي وتُجاري وتأخذون مالي منهم، استعدوا للحرب فإني واصل إليكم بجمع لا قبل لكم به)!

فما كان من خوارزم شاه إلا أن تمادى في غيه فقتل رسول جنكيز خان وحلق لحى الذين كانوا معه وأعادهم بهذا الحال إلى جنكيز خان!!

فسار خوارزم شاه إلى جنكيز أربعة أشهر يريد مباغتته فلما وصل ديارهم لم يجد جنود التتر ولم يجد إلا النساء والصبيان والأموال فغنم وسبى النساء والذراري، وقد كان التتر قد غابوا عن ديارهم لقتال ملك من ملوك الترك فلما هزموه وجاءهم خبر فعل خوارزم شاه عجلوا السير إليه والتقوا به قبل أن يفارق ديار التتر وحصلت بينهم مقتلة ذهب من المسلمين بسببها أزيد من عشرين ألفًا، يقول ابن الأثير: (وجرت الدماء غزيرة على الأرض حتى كانت الخيل تزلق فيه من كثرته)!

وبعد انتهاء هذه المعركة رجع المسلمون إلى بخارى ليستعدوا ويتزودوا فعاجلهم التتر إليها وحصلت مقتلة لثلاثة أيام انهزم جند المسلمين فيها والذين كانوا موكلين بحمايتها وتُرك أهل بخارى بلا حامية فلم يكن أمامهم خيار إلا طلب الهدنة والأمان فحصل وفُتحت أبواب بخارى بعد أن أعوهم العهد بالأمان فدخل التتار ودخل جنكيز خان وأذل أهل بخارى بأن جعلهم يحاصرون قوة من العسكر بلغت أربعمئة فارس لم يتمكنوا من الفرار ومن تخلف قتله فخرج أهل بخارى خوفًا من بطش جنكيز خان فقتلهم جميعًا واستباح بخارى فقتل وسبى ونهب هو وجنوده في مأساة لم يشهد مثلها المسلمون في التاريخ حتى قال ابن الأثير: (وكان يومًا عظيمًا من كثرة البكاء من الرجال والنساء والولدان.. وتفرق المسلمون وتمزقوا كل ممزق، وأصبحت بُخارى خاوية على عروشها كأن لم تغنَ بالأمس، وارتكبوا من النساء العظيم والناس ينظرون ولا يقدرون على فعل شيء.. ولم يرحل التتر عن بخارى حتى ألقوا النار في البلد والمدارس والمساجد وعذبوا الناس بأنواع العذاب في طلب المال فإنا لله وإنا إليه راجعون)!

وبعد انقضاء هذه الفاجعة لم يقف التتار عند هذا الحد انتقامًا لما فعله خوارزم شاه من فعلة حمقاء لا عقل فيها ولا حكمة، فتوجهوا بمن بقي معهم من أهل بخارى إلى سمرقند وقد ساقوا أهل بخارى كقطعان الأغنام فمن تعم ولم يقوَ على المسير قتلوه ولما وصلوا إلى سمرقند حصلت مقتلة عظيمة مع جندها ففتك التتار بهم وقتلوا منهم الآلاف فلما رأى أهل سمرقند ذلك طلبوا الأمان واستسلموا وفتحوا أبواب البلد فأعمل التتار فيهم أسلحتهم فقتلوهم عن بكرة أبيهم وأخذوا أموالهم ودوابهم ونساءهم وأحرقوا الجامع واغتصبوا الأبكار وعذبوا الناس بأشد أنواع العذاب فإنا لله وإنا إليه راجعون!

ولم تنتهي القصة في سمرقند بل تمادى جنكيز خان في انتقامه وأصر على أن يظفر بخوارزم شاه حتى قال لجنوده اطلبوه ولو كان متعلقًا بالسماء حتى تظفروا به وتأخذوه، فعاث جنود التتار في بلاد المسلمين قتلًا وتشريدًا وإحراقًا وسبيًا للحرائر الذراري ما لا يستطيع إنسان أن يتصوره وساروا بإفسادهم سريان النار في الهشيم لا تبقي ولا تذر قال ابن الأثير: (وواصل التتر مسيرهم وفسادهم؛ يرحلون من بلد إلى آخر وقل أن تسلم بلدة من شرهم، وعاثوا فسادا في نيسابور، وما زندران، والري وهمذان، وأذربيجان، وإربل وغيرها من بلاد المسلمين. وكان للتتر عوائد سيئة وجبارة، وحيل ماكرة وخبيثة؛ فمن عوائدهم أنهم إذا قصدوا مدينة ورأوا مناعتها عدلوا عنها إلى غيرها، ومنها أنهم إذا قاتلوا مدينة قدموا من معهم من أسارى المسلمين بين أيديهم يزحفون ويقاتلون فإن عادوا قتلوهم فكانوا يقاتلون كرها، وكانوا يتقون بهؤلاء الأسارى من الرمي وغيره، ومن سلم منهم قتلوه بعد انقضاء الحرب).

قال ابن كثير: (وأسوأ من ذلك أنهم يستخدمون الأسارى أداة في استخراج المختفين من بطشهم، فكانوا يقولون للأسرى نادوا في الدروب أن التتر قد رحلوا، فإذا نادى أولئك خرج من اختفى فيؤخذ ويقتل).

وكان من الفواجع في إذلال المسلمين بسبب هذا الفعل الطائش لخوارزم شاه ما ذكره ابن الأثير واصفًا حالة المسلمين المُذلة فقال: (إن رجلا من التتر دخل دربًا فيه مئة رجل، فما زال يقتلهم واحدًا واحدًا حتى أفناهم ولم يمدَّ أحدٌ يده إليه بسوء)، وقال: (إن آخر من التتر أخذ رجلًا ولم يكن مع التتري ما يقتله به فقال له: ضع رأسك على الأرض ولا تبرح، فوضع رأسه على الأرض حتى جاء التتري بسيف وقتله به)!

فيا لله العجب ماذا جر هذا الفعل على المسلمين من الويلات؟!

وحتى لا أطيل سرد هذه الحوادث والتي من أفظعها استباحة التتر لبغداد الرشيد في فاجعة الفواجع وطامة الطامات فقد ذكر الحافظ ابن كثير في البداية والنهاية من هذه الأحداث ما تشيب له الولدان فقال: (ومالوا على البلد فقتلوا جميع من قدروا عليه من الرجال والنساء والولدان والمشايخ والكهول والشبان، ودخل كثير من الناس في الآبار وأماكن الحشوش، وقُني الوسخ، وكمنوا كذلك أيامًا لا يظهرون.

وكان الجماعة من الناس يجتمعون إلى الخانات ويغلقون عليهم الأبواب فتفتحها التتار إما بالكسر وإما بالنار، ثم يدخلون عليهم فيهربون منهم إلى أعالي الأمكنة فيقتلونهم بالأسطحة، حتى تجري الميازيب من الدماء في الأزقة، فإنا لله وإنا إليه راجعون.

وكذلك في المساجد والجوامع والربط، ولم ينج منهم أحد سوى أهل الذمة من اليهود والنصارى ومن التجأ إليهم إلى دار الوزير "ابن العلقمي الرافضي"!، وطائفة من التجار أخذوا لهم أمانًا، بذلوا عليه أموالا جزيلة حتى سلموا وسلمت أموالهم. وعادت بغداد بعد ما كانت أُنس المدن كلها كأنها خراب ليس فيها إلا القليل من الناس، وهم في خوف وجوع وذلة وقلة... ولما انقضى الأمر المقدر وانقضت الأربعون يوما بقيت بغداد خاوية على عروشها ليس بها أحد إلا الشاذ من الناس، والقتلى في الطرقات كأنها التلول، وقد سقط عليهم المطر فتغيرت صورهم، وأنتنت من جيفهم البلد، وتغير الهواء، فحصل بسببه الوباء الشديد حتى تعدى وسرى في الهواء إلى بلاد الشام، فمات خلق كثير من تغير الجو وفساد الريح، فاجتمع على الناس الغلاء والوباء والفناء والطعن والطاعون، فإنا لله وإنا إليه راجعون).

وقد استمرت مأساة استعداء التتار من قبل خوارزم شاه قرابة القرن من الزمان حتى سنة 699هـ ستمئة وتسعة وتسعين في زمان شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله وقد عاثت هذه القوات الغازية بلاد الإسلام شرقًا وغربًا واستباحتها حتى أذن الله بانتهاء ما قدره كونًا على هذه الأمة، وفي التاريخ مواعظ وعبر كثيرة وكبيرة لا يلتقطها إلا من أزاح عن قلبه أهواءً وأغراضًا وتجرد للحق ونظر نظرًا حصيفًا لمآلات الأقوال والأفعال، واليوم وفي القرن الخامس عشر الهجري ابتلي المسلمون بأكثر من خوارزم شاه واحد يفعل من الأعمال الطائشة المتهورة ما يستعدي به من هو أشد من جنكيز خان قوة وبأسًا وأعظم بطشًا وأشرًا ولعمرك فإن خوارزم شاه الأول على ما تذكره السير قد ندم وتحسر على فعلته التي فعل وأبدى ندمه لمن حوله من أهل الحل والعقد وطلب منهم المشورة والرأي بخلاف من ابتلينا بهم اليوم فلا ندم ولا اعتراف بالخطأ ولا قبول لنصيحة ناصح ولا مشورة عاقل، بل ركوب للرأس وتمادٍ في الباطل عجيب يُعينهم عليه أمثالهم من الملبسين على الناس بالعواطف ومن الموهمين لهم بالانتصارات والبطولات، مع فارق أن خوارزم شاه لم يُقرب رافضيًا ولا أثنى عليه، فنحن اليوم في صف الأمة وندافع عن دمائها أن تُسفك بلا فائدة ونقوم في وجه كل من يفعل فعل خوارزم شاه وتحت أي ذريعة كانت، فما أصاب الأمة من مآس لا تحتمل الأمة –وهي في أضعف حالاتها- معه مغامرات ولا مقامرات بمقدراتها وأرواح أبنائها ولذلك وقفنا في وجه فصائل متهورة وحاربناها لا لأنها محسوبة على الجهة الفلانية أو الحزب العلاني بل لأنها لم تحقن دماء المسلمين ولأنها فعلت ما تسبب في هلاك أهلها وإخوانها بلا طائل ولا هدف، فما حصل في غزة لا يخالف ما حصل في بخارى قبل ثمانية قرون حذو القذة بالقذة فالفعل الأحمق ذاته ورد الفعل الإجرامي عينه مع فارق أن هذه الجماعات لم تكتفي بما جرته على أوطانها من ويلات بل ذهبت تحاول وبشتى الوسائل جر باقي البلدان لهذه الحماقات تحت مسمة الجهاد وقتال أعداء الإسلام!

والعجيب أن يقع بعض إخواننا بما وقع به هؤلاء الحزبيون من انجرار خلف العواطف مع أن الشاهد أمامهم فكم صفق العاطفيون وتغنوا بأفعال الفصائل الفلسطينية في غزة وغيرها فكانت النتيجة الإبادة والذل للمدنيين العزل، وكم تخلى الكثيرون عن عقيدة الولاء والبراء وهتف لرأس الرافضة في الشام الهالك اللاحسن؟ والنتيجة هي هي: الاستسلام والذل واليوم يحصل في سورية ذات الأمر ويقع الإخوة في هذه الفتنة كالفراش في السراج فيفعلون فعل الإخوان معنا ومعهم لما انتقدنا فعل حماس وكان الإخوان يقولون لنا إن حماس تقاتل الكفار فالمعركة بين إسلام وكفر فكفوا ألسنتكم عنهم! واليوم يقول لنا إخواننا ما يحصل في سوريا حرب بين إسلام وكفر فكفوا ألسنتكم عن تنظيم القاعدة المسمى بأسماء متحورة في كل مرة ويريدنا بعض من أخذه الهوى أن ننصر الجماعات التكفيرية وندعمها والتي هي بالأمس تكفر دولنا وتهدد أمننا وتتوعدنا بالذبح لمجرد أنها تقاتل النظام النصيري المجرم وكأن أحدهم لم يكن بحاجة إلا لأن يشاهد مقطعًا أو مقطعين على قناة إخبارية فيه سيطرة الفصائل على البلد الفلاني والقرية العلانية ليقف ويكبر ويهلل: ألا إن الإسلام انتصر والكافر اندحر!

يا أيها الإخوة يا أيها العقلاء ألم يكن هؤلاء –بشتى مسمياتهم- هم سبب ما حصل لأهل سوريا والعراق من قتل وتشريد وهتك للأعراض طيلة سنوات، أفأصبحوا لما حركتهم دول بعينها مجاهدين لهم راية واضحة ينبغي على المسلمين نصرهم ومؤازرتهم؟! ما لكم كيف تحكمون.. ثم من الذي قال إن الراية واضحة في سورية أو في غيرها وما دلائل ذلك وإن كانت واضحة كما يزعم البعض فما الذي يمنع المفتين بوجوب النصرة من الذهاب إلى دولة الإسلام التي يزعمون؟ فليذهبوا هم وأبناؤهم إن كانوا صادقين!

ثم قدمت لكم أن العبرة بالتاريخ ولا يُلدغ المؤمن من حجر مرتين أفلا تذكرون الموصل وكيف حصل فيها من استيلاء يشبه تمامًا في سرعته وطريقته ما يحصل اليوم في سورية ثم ماذا؟ الإبادة واستيلاء الذين أخرجوهم ثم الانتقام بأبشع مما كان من المسلمين العُزل!

إن العاقل لا يمكن أن يكيل بمكيالين فينتقد فعل الغزيين ويمدح فعل السوريين مع كوني أعلم أن الواقع الجغرافي في سورية مختلف عنه في القطاع الغزي لكن المقدمات والأسباب ثم الآثار والنتائج واحدة، وقد أعجبني تساؤل أحد الإخوة إذ يقول: (هل يمتلك هؤلاء الثوار غطاءً جويًا يحمون به أنفسهم ويحمون المدنيين من القصف؟)، فماذا هم فاعلون إن استشرى انتقام النظام فتحالف وأغرى الروس أو غيرهم فقصفوا هذه المناطق التي يُقال إنها حُررت فأبادوا أهلها ودمروا ما هو مدمر؟ وقد رأينا اليوم بداية شيء من هذا الأمر فقد قصف النظام مستشفى يعج بالمراجعين رجالًا ونساءً وقد نشرت الفصائل المقاطع وتباكت على القتلى ووصفت النظام بالمجرم! فما الذي تغير وما الذي تبدل؟

ثم ما الضمانات التي تجعل أحدكم يقبل بما يحصل وهل يستبعد أن يحصل التناحر بين هذه الفصائل بعد استيلائهم على البلاد فيما بينهم كما حصل في أفغانستان وغيرها؟

ثم ما موقف هؤلاء المُسكتين لإخوانهم إذا تمكنت هذه التنظيمات من البلاد إن هي أنفذت وعودها وتهديداتها بغزو بلادنا وإزاحة ملوكنا ممن يصفونهم بالطواغيت والعملاء، أكنت تقاتلون تحت راية ولاتكم أم تقفون على الحياد أم ستبايعون أمراء التنظيمات؟!

لا تتعجلوا في أمركم وسلوا الله المعافاة فإن ما يجري اليوم في بلاد المسلمين ما هو إلا صورة من صور التسلط لأعداء الأمة بسبب ما تقارفه الأمة اليوم من المنكرات ليس أكبرها الخروج على الولاء ولا التلبس بالبدع والمنكرات وأنا ما كنت لأكتب ما كتبت إلا إيقاظًا للبعض من غياهب الهوى لكي لا ينزلق بسبب عواطفه وما يضخه الإعلام في رأسه وهو بعيد عن واقع الحال في غياهب جب الضلال بعد الهدى فاستعينوا بالله وتريثوا وانظروا التاريخ والأحداث واعتبروا يا أولي الأبصار!

ولا حول ولا قوة إلا بالله الكبير المتعال.

وكتب ليلة الرابع من جمادى الآخر سنة ست وأربعين

أحمد بن طريف أبو موسى الغرايبة

غفر الله له ولوالديه وللمسلمين

آمين آمين

 

 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق