04/01/2025

(إجرام الحركات الجهادية في تطبيق الحدود الشرعية، ميليشيا حماس أنموذجًا)!

(إجرام الحركات الجهادية في تطبيق الحدود الشرعية، ميليشيا حماس أنموذجًا)!

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن اتبع هُداه واقتفى أثره واتبع ما جاء به من الهُدى ودين الحق إلى يوم الدين،،

أما بعد:

فهذه مقالة مقتضبة أناقش فيها بعض أفعال ما يُسمى مقاومة إسلامية –كذبًا وتدليسًا- في قطاع غزة المكلوم حيث بدأت تخرج للعيان مقاطع مرئية لأفراد منهم يقومون بمعاقبة المسلمين هُناك بطريقة همجية شنيعة تُحدثُ لهم عاهات دائمة مما يُعد مُثلةً لا يُقرها الشرع ولا العقل ولا عامة الشرائع الإنسانية، وقد أسميتها:

(إجرام الحركات الجهادية في تطبيق الحدود الشرعية، ميليشيا حماس أنموذجًا)!

لقد جاء الإسلام بالهُدى والرحمة للخلق ولم يأت ليظلم أو يجور فلذلك قابلت الشريعة كل ذي جريمة بما يناسب جريمته من العقوبة التي تكون رادعة له ولغيره من ورائه من غير حيف ولا تعدٍّ لما تقبله الفطر السليمة، فكانت العقوبات الشرعية على ثلاثة أضرُبٍ أحدها الحدود والثاني القصاص والثالث التعزيرات، وقد ذكر الله تبارك وتعالى في كتابه العزيز الحدود ونهى عن تعديها والاقتراب منها فقال: {تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلَا تَعْتَدُوهَا وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ} [البقرة: 229]، وقال سبحانه: {تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلَا تَقْرَبُوهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ آيَاتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ} [البقرة: 187].

وقال سبحانه وتعالى مبينًا ما في هذه الحدود الشرعية من النفع للإنسان والمجتمع: {وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَاأُولِي الْأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} [البقرة: 179]. وقد بين تفاصيل هذه الحدود فقال: {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا جَزَاءً بِمَا كَسَبَا نَكَالًا مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ } [المائدة: 38]. وقال الله تعالى: {الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ وَلَا تَأْخُذْكُمْ بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ } [النور: 2]. وقال الله تعالى: {إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلَافٍ أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ} [المائدة: 33].

وبيَّن عز وجل أن العقوبة تكون مُكافئة للذنب بلا تعدٍّ ولا حيف على الجاني فقال: {وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ وَالْعَيْنَ بِالْعَيْنِ وَالْأَنفَ بِالْأَنفِ وَالْأُذُنَ بِالْأُذُنِ وَالسِّنَّ بِالسِّنِّ وَالْجُرُوحَ قِصَاصٌ فَمَن تَصَدَّقَ بِهِ فَهُوَ كَفَّارَةٌ لَّهُ وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ} [المائدة: 45].

وهذه الآيات الكريمة تبين للناس عدل الإسلام ورحمته بالناس وصيانته للمجتمع المسلم أن تفشو فيه الجريمة وينتشر الفسوق والعصيان فكان أحسن وأكمل نظام عرفته البشرية لأنه راعى حال فئة المجرمين من العصاة والجُناة وراعى حق المجني عليهم من الناس فأخذ لهم حقهم بالصاع الوافي الذي تسكن به نفوسهم ويشفي به قلوبهم ويكون هذا النظام رادعًا لكل من تسوِّل له نفسه أن يعتدي أو يتعدى حدود ما أنزل الله على الأنفس والأموال والأعراض فالحمد لله أن جعلنا مسلمين موحدين.

وبعد هذه التوطئة المختصرة أتناول مسألة واحدة اقتضى الحال بيان فسادها في التطبيق لدى بعض المنتسبين إلى الإسلام ممن يتبجح بالجهاد ولو كان على غير هُدى الإسلام ومقاصد الشريعة حيث تقوم (ميليشيات) حماس في قطاع غزة المكلوم بإيقاع عقوبات إجرامية في حق الجُناة ممن يقال إنهم يقعون في سرقة أشياء ربما ليأكلوا منها أو حتى ليتكثروا بالمال الحرام ممن أضعفَتْ نفوسهم أهواؤها أو ظروفها القاهرة كما هو مُشاهد في القطاع مستغلين حالة الحرب التي جلبتها عليهم قيادات حمقاء لا تُعير لدماء المسلمين أي اهتمام ولا لقواعد الإسلام الذي تزعم أنها تريد تطبيقه فتذهب لتتحكم في عباد الله بما لا تُقره شريعة، والناس معذورون فقد دُمرت بيوتهم وقُتِّلت ذرياتهم وأصابهم الجوع والعطش والعُري وأخذت هذه الحرب الظالمة الآثمة من أرواحهم وأموالهم ما ألجأ الكثيرين إلى السرقة بل وإلى الإجرام، فالإثم والجريرة أولًا ليست على هؤلاء بل على من ألجأ الناس إلى حرب لا قِبَلَ لهم بها ولا قُدرة لهم عليها وقام واختبأ هو ومن معه وتحصنوا تحت الأرض وتركوا عباد الله يتلقون الضربات المُهلكات التي لا تُبقي ولا تذر!

وهذا ليس اعتذارًا لمن سرق ولو كان مُضطرًا لأن المسلم المؤمن ينبغي عليه أن يصبر على أقدار الله ويتحتم عليه أن يلجأ إلى ربه فلا يقابل هذا البلاء بالمعصية وارتكاب المنكرات بل بالاستكانة والخضوع لملك الملوك الذي بيده مقاليد السماوات والأرض وهو وحده الرازق وهو وحده المُعيل والكلام هُنا عن العقوبة التي يستحقها من وقع منه هذا العمل القبيح ألا وهو السرقة.

قال الله تعالى مبينًا عقوبة السارق: {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا جَزَاءً بِمَا كَسَبَا نَكَالًا مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ } [المائدة: 38]. فالسرقة حد من الحدود المنصوص عليها في كتاب الله وهي عقوبة إلهية صريحة لا يجوز لأحد أن يصير إلى غيرها فيمن استوفى شروطها إذ يحرم التحايل على حد من حدود الله فإذا كان انتهاك الحدود فعلًا مُحرمًا، فالتحايل في تنفيذ هذا الحد أشد حُرمة وأعظم، فقد عاقب الله بني إسرائيل بأن مسخهم قردة وخنازير لأنهم تحايلوا على ما كتبه عليهم من تحريم صيدهم السمك يوم السبت فقال: {وَاسْأَلْهُمْ عَنِ الْقَرْيَةِ الَّتِي كَانَتْ حَاضِرَةَ الْبَحْرِ إِذْ يَعْدُونَ فِي السَّبْتِ إِذْ تَأْتِيهِمْ حِيتَانُهُمْ يَوْمَ سَبْتِهِمْ شُرَّعًا وَيَوْمَ لَا يَسْبِتُونَ ۙ لَا تَأْتِيهِمْ ۚ كَذَلِكَ نَبْلُوهُم بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ} [الأعراف: 163]، إلى أن قال في بيان عقوبة تحايلهم: {فَلَمَّا عَتَوْا عَنْ مَا نُهُوا عَنْهُ قُلْنَا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَةً خَاسِئِينَ} [الأعراف: 166].

فهل قامت حماس وزبانيتها في قطاع غزة بتطبيق حدود الله كما أمر الله في كتابه، وهل راعت حال الناس فيما تسببت لهم به فرحمت من وقع في السرقة ليأكل وليطعم أولاده ومن يعوله ممن ضيعتهم حماس التي نصبت نفسها ولية أمر على المسلمين؟

لقد رأينا في مقاطع مصورة عدة قيام زبانية حماس بإحضار أفراد قيل إنهم يسرقون فلم تقطع أيديهم كما أمر الله =هذا على اعتبار أنهم ثبت في حقهم السرقة بشروطها المعتبرة شرعًا من بلوغ النصاب والتحريز وغيرها مما نص الفقهاء عليه وأنه قد تم رفع هذه الأدلة إلى القاضي الشرعي وأصدر حكمه على ضوئها =بل قاموا وبطريقة همجية وحشية قصدهم أن يُرهبوا الناس ويخيفونهم بإطلاق النار على أرجل هؤلاء السُّراق المفترضين فيحدثوا لهم عاهات دائمة في أرجلهم مما يشلهم إلى آخر حياتهم فإن إطلاق الرصاص من البنادق الرشاشة يتهتك به العظم ويتمزق اللحم فلا يحصل بعد إفساده صلاح ولا يرجع المصاب إلى سويته فيكون قد عوقب عقابًا تعدى حدود الله أفلا يخاف هؤلاء المتحكمون بعباد الله أن يعاقبهم الله كما عاقب بني إسرائيل؟!

 ولما جاء الإسلام بالرحمة للخلق فإنه نهى عن المُثلة بالكافرين فضلًا عن المسلمين العُصاة، فقد جاءت أحاديث في النهي عن المُثلة كما أخرج البخاري في صحيحه "نهى رسول الله ج عن النهبى والمثلة"، وقد جاء مثل هذا النهي عند مسلم في صحيحه وعند أصحاب السنن فقد اخرج أبو داود في سننه  أن عمران بن حصين –رضي الله عنه- أبق له غلام فجعل لله عليه لئن قدر عليه ليقطعن يده فأرسل الهياج بن عمران ليسأل له فقال: فأتيت سمرة بن جندب فسألته فقال: كان نبي الله ج يحثنا على الصدقة وينهانا عن المثلة. فأتيت عمران بن حصين فسألته فقال: كان رسول الله ج يحثنا على الصدقة وينهانا عن المثلة. وقد جوَّد إسناده الحافظ ابن حجر في الفتح وقال الشيخ الألباني في صحيح أبي داود: (قلت: حديث صحيح، وصححه ابن الجارود وابن حبان، وقوى إسناده الحافظ ابن حجر).

قال في عون المعبود: "قَالَ الْخَطَّابِيُّ : الْمُثْلَةُ تَعْذِيبُ الْمَقْتُولِ بِقَطْعِ أَعْضَائِهِ وَتَشْوِيهِ خَلْقِهِ قَبْلَ أَنْ يُقْتَلَ أَوْ بَعْدَهُ ، وَذَلِكَ مِثْلُ أَنْ يُجْدَعَ أَنْفُهُ أَوْ أُذُنُهُ أَوْ تُفْقَأَ عَيْنُهُ أَوْ مَا أَشْبَهَ ذَلِكَ مِنْ أَعْضَائِهِ ، .... وَكَذَلِكَ جَازَ فِي الْقِصَاصِ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ إِذَا كَانَ الْقَاتِلُ قَطَعَ أَعْضَاءَ الْمَقْتُولِ وَعَذَّبَهُ قَبْلَ الْقَتْلِ ، فَإِنَّهُ يُعَاقَبُ بِمِثْلِهِ ، وَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ}" اهـ.  

قال أبو موسى: فأين في شرع الله أن السارق المأمور بقطع يده كما تقدم يجوز أن يُمثَّل به بإحداث عاهة دائمة؟! والعجيب أن الكثيرين يسمعون ويرون هذه الأعمال الإجرامية بحق أهلنا في غزة ولا يرفعون رأسًا ولا يُبينون حُكمًا ولا يُبدون إنكارًا لهذه الفظائع وما خفي أعظم!

فاللهم إنا نبرأ إليك من أفعال هؤلاء المجرمين الذين يخالفون دينك وشريعتك ويتجبرون في خلق الله بما لم يشرع لهم من الدين، وبما تُمليه عليهم حزبيتهم المقيتة التي لا ترى إلا حزبها وما دونه فهدر، ولا حول ولا قوة إلا بالله.. وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبة أجمعين.

       كتبه: أحمد بن عياش أبو موسى الغرايبة

3 رجب 1446هـ

3 كانون ثاني 2025م

 

 


03/01/2025

(بين ادعاء السلفية الحقة، وأدعياء السلفية المتسترين بها)!

 

الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، أما بعد:

فإننا في زمان تتلاطم فيه الفتن وتندرس فيه السنن ويزهو كُل مُبطل بباطله ويُكابر كل صاحب هوى بهواه فلا يقف عند أدلة الحق ولا يرفع رأسًا بكلام أئمة الصدق لمجرد أن كلامهم يُخالف مقرراته ويعاكس مخططاته أو ينقض قواعده ويهلهل بواطله، واليوم وفي هذا الزمان الذي امتلك كل نافخٍ بوقًا لينفخ فيه بما شاء من ألحان تَظهر قضية اتباع سلف الأمة عقيدة ومنهجًا وسلوكًا، فالمنتسبون إلى الدعوة السلفية كُثُر إلا أنك وفي خِضَمِّ الفتن العصرية والتزيِّي بالعلم واتباع السلفية يجب علينا أن نميِّز بين هؤلاء المنتمين والمنتسبين إليها بحسب حالهم وعلى ضوء مقالاتهم فما كل من قال عن نفسه سلفيٌّ على الكتاب والسنة بفهم سلف الأمة كان كذلك، فأدعياء السلفية والمتدثرون بدثارها على كثرتهم اليوم إما أن يكونوا صادقين في ادعائهم وإما أن يكونوا غير صادقين، وكما قال الإمام الألباني –رحمه الله تعالى- إنه  «من السهل أن يدَّعي أيُّ مُدعٍ دعوى، لكن الأمر كما قال ذلك الشاعر القديم: والدعاوى ما لم تقيموا .. عليها بيّنات أبناؤها أدعياء، فمن السهل أن يدعي الإنسان دعوى: وكُلٌّ يدعي وصلا بليلى .. وليلى لا تقر لهم بذاك، إذًا لا بد أن يصدق الخُبر الَخبر». اهـ.

فمن هو السلفي الصادق في دعواه الذي يحمل شعارها حقًّا وصدقًا والقائم على اتباع الكتاب والسنة بفهم سلف الأمة اعتقادًا وسلوكًا ومعاملة، ومن هو الدَّعي المتستر بها ليروِّج بضاعته المشحونة بالهوى وحب الظهورِ الذي يقصم الظُّهورَ ؟

والجواب –ولا شك- مبني على المعنى المراد بفهم السلف وتطبيقاتهم التي تملأُ كتب العقائد مما ألَّفه الأئمة في القرون الثلاثة المفضلة وما بعدها وعلى رأسهم الإمام أحمد بن حنبل إمام أهل السنة حقًّا وصدقًا –رحمه الله وغفر له- فلا عبرة بمن خالف منهج هؤلاء أو حاد عن دربهم وسلك غير طريقهم ولو كان إمام الأئمة في زمانه وعصره، ولو حُشر له الجن والإنس فثنوا عنده الرُّكب؛ فلم يكن يومًا في كتاب ربنا ولا في سُنة نبينا ج أن الكثرة هي الحق أو أن القلة دلالة على الباطل، بل يقول ربنا –عز وجل-: {وَإِن تُطِعْ أَكْثَرَ مَن فِى ٱلْأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَن سَبِيلِ ٱللَّهِ ۚ إِن يَتَّبِعُونَ إِلَّا ٱلظَّنَّ وَإِنْ هُمْ إِلَّا يَخْرُصُونَ} [الأنعام: 116]، ويقول: {وَمَآ أَكْثَرُ ٱلنَّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ} [يوسف: 103]، إلى غير ذلك من الآيات الدالة على أنَّ الحق منصور ولو كان أهله قِلَّة وأن الباطل مدحور ولو كان أتباعه يملؤون الفيافي والثغور! فتنبَّه لهذا -يا رعاك الله- ولا يخدعنَّك تغرير المبطلين ممن هُجيِّراه البحث والتفتيش بين الرُّكام والأنقاض ليجد له شيئًا يستمسك به يردُّ به ما كان عليه الأئمة السلفيون ومن تبعهم في كل زمان ومكان بدعاواه الباطلة وحججه العاطلة!

فيا تُرى ما هي أوصاف أهل السنة حقًّا وصدقًا وما هي سيماؤهم التي عنوانها (فهم سلف الأمة) فكيف قال السلف وكيف فهموا؟

قال الإمام أبو عثمان الصابوني في عقيدة السلف وأصحاب الحديث:

  «ويتقون –أي أهل السنة- الجدال في الله والخصومات فيه، ويتجانبون أهل البدع والضلالات، ويعادون أصحاب الأهواء والجهالات... ويقتدون بالنبي ج وبأصحابه الذين هم كالنجوم بأيهم اقتدوا اهتدوا، كما كان رسول الله ج يقوله فيهم، ويقتدون بالسلف الصالحين من أئمة الدين وعلماء المسلمين، ويتمسكون بما كانوا به متمسكين من الدين المتين والحق المبين.. ويبغضون أهل البدع الذين أحدثوا في الدين ما ليس منه، ولا يحبونهم ولا يصحبونهم، ولا يسمعون كلامهم ولا يجالسونهم، ولا يجادلونهم في الدين ولا يناظرونهم، ويرون صون آذانهم عن سماع أباطيلهم التي إذا مرت بالآذان وقرت في القلوب ضرت، وجرت إليها من الوساوس والخطرات الفاسدة ما جرَّت. وفيه أنزل الله -عز وجل- قوله: {وَإِذَا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آيَاتِنَا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ} [الأنعام:68] ».

قال أبو موسى:

فانظر -يرحمك ربك- كيف هي صفة المنتسب –حقًّا وصدقًا- لسلفنا الصالحين من أئمة الهُدى والدين، وانظر إلى أدعياء السلفية المعاصرين هل يستمسكون بهذه الأوصاف أم أنهم في لُجج من الهوى والانحراف ينتقون ما يُرضي غرورهم ويبحثون عن ما يؤيد أباطيلهم؟

فهل من يُنصِّب نفسه محاميًا عن أهل البدع –الخفيفة والغليظة- فيرفع عقيرته بالهجوم على من يتصفون بصفة السلف =الذين ذكرهم الصابوني –رحمه الله- =وهو مُصاحب لأهل الهوى مُحب لهم سامع لكلامهم مُعيد لهرائهم وافترائهم على السلفيين؛ أيكون مَن هذا حاله صادقًا في انتمائه للسلف فاهمًا فهمهم ؟!

فقل لي بربك، هل كان السلف يطيرون بثناء أهل البدع من منكري الحديث بعقولهم وينشرون ذلك ليعرفه الناس؟

أم كيف بربك هم فاعلون بمن يُثني على مَن يَهْزَأُ بعلماء الدين، أو بمن يصف المسلمين الموحدين بألفاظ الصهينة والعمالة وغيرها لينفروا العامة عنهم؟

وهل مَن كانت حاله هذه يجوز له أن يزعم اتباع الكتاب والسنة بفهم سلف الأمة ثم يذهبُ ليُزيل هذا الوصف عمّن يُطبق فِعل هؤلاء السلف في معاملة أهل الأهواء والبدع، ويقتفي أثرهم في التغليظ والتشديد والمنابذة لأنواع المخالفين لمنهج السلف من حزبيين ومنحرفين في العقائد والسلوك زاعمًا –هذا المُدعي اتباع السلف- أن هذا الاتباع من إخوانه للسلف من الغلو والتشدد المنفر للناس؟!

 واسمع –رعاك الله- لهذا الإمام كيف يصف حال أهل الأهواء ويبين علاماتهم إذ يقول:

«وعلامات البدع على أهلها ظاهرة بادية، وأظهر آياتهم وعلاماتهم شدة معاداتهم لحملة أخبار النبي ج، واحتقارهم لهم، وتسميتهم إياهم حشوية وجهلة وظاهرية ومشبهة، اعتقاداً منهم في أخبار الرسول ج أنها بمعزل عن العلم، وأن العلم ما يلقيه الشيطان إليهم من نتائج عقولهم الفاسدة، ووساوس صدورهم المظلمة، وهواجس قلوبهم الخالية من الخير، وحججهم العاطلة، بل شبههم الداحضة الباطلة {أُوْلَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَى أَبْصَارَهُمْ} [محمد:23]، {وَمَنْ يُهِنِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ مُكْرِمٍ إِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ} [الحج:18].

قلت –أي الصابوني-: وكل ذلك عصبية، ولا يلحق أهل السنة إلا اسم واحد وهو أصحاب الحديث، قلت: أنا رأيت أهل البدع في هذه الأسماء التي لقبوا بها أهل السنة، سلكوا معهم مسلك المشركين مع رسول الله ج، فإنهم اقتسموا القول فيه فسماه بعضهم ساحراً، وبعضهم كاهناً، وبعضهم شاعراً، وبعضهم مجنوناً، وبعضهم مفتوناً، وبعضهم مفترياً مختلقاً كذاباً، وكان النبي ج من تلك المعائب بعيداً بريئاً، ولم يكن إلا رسولاً مصطفى نبياً.

قال الله -عز وجل-: {انظُرْ كَيْفَ ضَرَبُوا لَكَ الأَمْثَالَ فَضَلُّوا فَلا يَسْتَطِيعُونَ سَبِيلًا} [الإسراء:48]، إن المبتدعة خذلهم الله اقتسموا القول [في] أصحاب الحديث وحملة أخباره، ونقلة آثاره وأحاديثه، فسماهم بعضهم حشوية، وبعضهم مشبهة، وبعضهم نابتة، وبعضهم ناصبة، وبعضهم جبرية، وأصحاب الحديث عصامة من هذه المعايب، وليسوا إلا أهل السيرة المرضية، والسبل السوية، والحجج البالغة القوية، قد وفقهم الله -جل جلاله- لاتباع كتابه، ووحيه وخطابه، والاقتداء برسوله ج في أخباره التي أمر فيها أمته بالمعروف من القول والعمل، وزجرهم فيها عن المنكر منهما، وأعانهم على التمسك بسيرته، والاهتداء بملازمة سنته، وشرح صدورهم لمحبته ومحبة أئمة شريعته وعلماء أمته، ومن أحب قوماً فهو معهم يوم القيامة بحكم رسول الله ج: (المرء مع من أحب).».

قال أبو موسى:

الله أكبر! ما أشبه الليلة بالبارحة؟ فالسلفيون اليوم ينصحون للناس بكل ما أوتوا من القوة ويبينون للناس معالم الإسلام الصحيح الخالي عن التطرف والتحزب والتميُّع والتفريط مستعينين بالله مستدلين بالنصوص السلفية والمواقف المشتهرة عن أئمة الملة والدين من السالفين والحاضرين مع من انحرف من أهل البدع والأهواء والمخالفات في جوانب الدين، ولهم في كل كلمة وقول سلف من العلماء، فعلام تحمرُّ أنوف البعض على السلفيين فيذهب يحاكي طريقة من ذكرهم الإمام الصابوني فيصفهم بالغلاة أو المداخلة أو الجامية أو المنفرة أو غيرها من ساقط القول؟ ثم أيُّنا أحق بدعواه اتباعَ الكتاب والسنة بفهم سلف الأمة؟ أنحن أم أنتم –هداكم الله ورد إليكم عقولكم!-؟

ونحن لا نصف كثيرين ممن يخالفنا بهذه الأوصاف الشديدة جدًّا التي كان يُطلقها السلف على المخالفين عند أدنى خطأ كقولهم عمن قال ببعض قول أهل البدع هو كذا.. لعلمنا أن بعضهم لم يهضم منهج السلف ولم ينشأ على علومهم وكتبهم لغوصه في كتب صنوف من أهل البدع من المعتزلة والأشاعرة والعقلانيين والمتصوفة وأهل الحلول أو الخوارج المارقين عن حسن نية وإرادة للحق فوقعت منه النفرة من منهج السلف لما تقرر في ذهنه من كلام المخالفين ولكن ننقل هذا الكلام بيانًا لما كان عليه أهل السنة من منهج لتتبين طريقتهم التي يُنكرها هؤلاء والله من وراء القصد.

فإن كان هُناك ثمَّة سلف غير هؤلاء السلف فأخبرونا مَن هُم وبيِّنوا لنا كيف هو منهجهم لعلنا نتبعكم على طريقتكم.

ولكن المقطوعُ بأمره أنه لا منهج للسلف إلا هذا الذي ذكره الصابوني وغيره من الأئمة كالإمام أحمد والشافعي ومالك والبربهاري والخلال وابن أبي عاصم وعبدالله ابن الإمام أحمد وابن أبي حاتم وأبو زرعة الرازي وغيرهم العشرات من العلماء ممن وصلتنا كتبهم ومقالاتهم بلا ريب ولا مطعن في نسبتها إليهم وقد نقلوا لنا عن أئمة السلف الصالح من الصحابة والتابعين بالأسانيد الصحيحة والإجماعات الصريحة ما تقر به أعين الموحدين في أننا لم نتعدى الحد ولم نفتري على الخلق ولم نصف كل أحد إلا بما يستحقه وبما يوافق ما هو عليه من الخطأ أو الانحراف أو الضلال، ونبرأ إلى الله من كل جَور أو فجور أو تعدٍّ لما نص عليه السلف في عقائدهم أو تَنكُّب لمنهجهم في التعامل مع هؤلاء.

ونحن نقول كما قال الإمام البربهاري –رحمه الله- في شرح السنة:

«اعلم -رحمك الله- أن الدين إنما جاء من قبل الله -تبارك وتعالى-، لم يوضع على عقول الرجال وآرائهم، وعلمه عند الله وعند رسوله، فلا تتبع شيئًا بهواك، فتمرق من الدين، فتخرج من الإسلام، فإنه لا حجة لك، فقد بين رسول الله ج لأمته السنة، وأوضحها لأصحابه وهم الجماعة، وهم السواد الأعظم.. إلخ».

إذن، فالانتساب إلى السلف الصالحين له معالم واضحة وقواعد معروفة وليس هو سوقًا يختار منه مَن يشاءُ ما يشاء ثم يصف ما اختاره أنه هو مذهب السلف وما دونه فغلوٌّ وضلال فهو عندئذ هذيان وتخريف يمكن أن يضحك به قائله على الجهلة والمغفلين لا على مَن عرف وقرأ وفهم عن أئمة الدين، فليس مقبولًا أن يزعم زاعم أنه سلفيٌّ عقيدة ومنهجًا ثم تجده مدافعًا عن أهل البدع أو موادًّا لهم أو مقرِّبًا لهم وهو في هذا ليته ساكتًا عن إخوانه ممن يزعم موافقتهم في عقيدتهم بل يذهب في كل مناسبة وكل ما لاح له طيف مقالة أو كتابة يتمكن بوساطتها من الطعن فيهم قام فأشاعها ونشرها، أو تعلق بها وفرح بكاتبها وأوصى باعتناق ما فيها لا لأنها الحق ولكن لأنها تنصره –في ظنه- على من اتخذ عداوتهم شعاره ودثاره؛ لأنهم وقفوا في وجهه وبينوا تمييعه لمنهج السلف ومعاملة أهل الأهواء، وذهب به عقله الذي يدَّعيه إلى أنهم (يحسدونه!)! على ما هو فيه من تبجيل لأعيان الإخوان كفلان وعلان وعلى نهله من منهلهم البعيد عن روح ما يدعيه من اتباع الكتاب والسنة بفهم سلف الأمة!

نسأل الله أن يبصر المسلمين بدينهم وأن يرد المغالين –حقًّا- في ظنونهم وأن يهدينا سُبل الرشاد وأن يوفق كل باحث عن الحق إلى ما فيه هدايته وانشراح صدره، فما جعلنا يومًا أنفسنا محور الولاء والبراء ولا جعلنا غير منهج السلف الصالح لنا ولغيرنا دواء به نسير على دروبنا وإليه ندعوا من لقينا وعنه ندفع من خالفنا فإنَّ أمامنا حوضًا للنبي ج من عدن إلى عمَّان البلقاء آنيته كعدد النجوم من شرب منه شربة لم يظمأ بعدها أبدًا وإنه مع هذا الوصف وهذه الكثرة يُذادُ عنه أقوام أحدثوا بعد رسول الله ج ما أحدثوا في أمر الدين فيُقال لهم: سُحقًا سُحقًا!

فنسأل الله أن يجعلنا وإخواننا ممن وافقنا أو حتى ظلمنا من الواردين عليه الشاربين بآنيته وأن يُدخلنا الجنة من النبي المختار والصحب الأطهار والمتقين الأبرار إخوانًا على سرر متقابلين، إنه ولي ذلك والقادر عليه.

وأصلي وأسلم على النبي الأمي وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم إلى يوم الدين.

والحمد لله رب العالمين.

وكتب غُرة شهر رجب سنة ستٍّ وأربعين وأربعمئة وألف من هجرة سيد ولد آدم أجمعين، الفقير إلى رحمة ربه والمعترف بتقصيره وبذنبه، أحمد بن طريف أبو موسى الغرايبة، غفر الله له ولوالديه ولمشايخه وللمسلمين. آمين .. آمين.