النَّمص معناهُ وحُكمه في الشَّرع
وفيه بيان:
( أَنَّ مَنْ تُزِيْلُ شَيْئَاً مِنْ شَعْرِ وَجْهِهَا ، سَوَاءً كَانَ فِيْ الحَاجِبَينِ ، أَو الجَبِينِ - بِالنَتْفِ أَو الحَلْقِ أَو القَشْرِ - أَنَّهَا هِيَ المَذْكُورَةُ فِي الأَحَادِيثِ ، وَأَنَّهَا مَلْعُوْنَةٌ يَنْبَغِي عَلَى زَوْجِهَا مُفَارَقَتُهَا ، إِلا إِنْ كَانَ الَّذِي تُزِيْلُهُ يُؤْذِيْهَا ؛ فَلا يَحْرُمُ إِزَالَتُهُ ضَرُورَةً )
أعدَّه
أبو مُوسَى أَحمَد بنُ عَيَّاش بنُ مُوسَى الغَرَايْبَة
بسم الله الرحمن الرحيم
المقدمة
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله ،
( يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون ) [ آل عمران: ١٠٢].
( يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث منهما رجالًا كثيرًا ونساءًا واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام إن الله كان عليكم رقيبًا ) [النساء: ١ ].
( يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وقولوا قولًا سديدًا . يصلح لكم أعمالكم ويغفر لكم ذنوبكم ومن يطع الله ورسوله فقد فاز فوزًا عظيمًا ) [الأحزاب: ٧٠ - ٧١ ].
أما بعد،
فلقد ابتلي كثير من المسلمين في زماننا هذا، ببليَّةٍ هي من كبائر الذنوب – والعياذُ بالله – ، ألا وهي (النَّمْصُ) المنهي عنه شرعاً ؛ بما ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم من الأحاديث المُحَرِّمَةِ لهذا الفعل ، وباللعن والوعيد الشديد لمن يفعله ، ولما كانت النساء أكثر من يفعلن هذا ؛ طلباً للتجمل! جاءت الأحاديث بذكرهنَّ (1) دون الرجال مع اشتراكهم في الحكم .
وقد وجدت كلاماً كثيراً للعلماء في هذه المسألة ، من حيث تعيينُ موضع النَّهي ، وما هو الذي يُنهى عنه ، وما هو الذي يُباح الأخذ منه ؛ فأردت بعد التوكل على الله تعالى ، أن أحاول جمع كلامهم في هذا الموضوع ، واستخلاص الحكم الشرعي منه فيما يختص بالنَّمص ، وخرجت من هذه الأقوال ، بالقول الذي أظنُّ أنه الأقرب للصواب ، والله أعلم.
راجياً من الله أن يوفقنا لاتباع الحق باتباع الكتاب والسنة على فهم سلفنا الصالح –رضي الله عنهم- وأن ينفع بهذه الرسالة من كتبها وقرأها وعلق عليها ، ( يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم ) [الشعراء: ٨٨ – ٨٩].
وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً
وكتب
أبو موسى أحمد بن عيَّاش بن موسى الغرايبة
1429 هـ
( فَصْلٌ في معنى النمص )
الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده ،
أما بعد ،
معنى النَّمْص لغةً :
قال في ( لسان العرب ): باب ( نمص ) :
النَّمَصُ : قِصَرُ الرِّيشِ . والنَّمَص : رقَّة الشعر ودِقَّتُه حتى تراه كالزَّغَبِ ، رجل أَنْمَصُ ورجل أَنْمَصُ الحاجب وربما كان أَنْمَصَ الجَبِين . والنَّمْصُ : نَتْفُ الشعر. ونَمَصَ شعرَه يَنْمِصُه نَمْصاً : نَتَفَه ، والمُشْطُ يَنْمِصُ الشعرَ وكذلك المحَسَّة ؛ أَنشد ثعلب :
كانَ رُيَيْبٌ حَلَبٌ وقارِصُ
والقَتُّ والشعيرُ والفَصافِصُ ،
ومُشُطٌ من الحديد نامِصُ
يعني المِحَسَّة سماها مشطاً لأَن لها أَسناناً كأَسنان المشط . وتَنَمَّصت المرأَة : أَخذت شعر جَبِينِها بخيط لتنتفه . ونَمَّصَت أَيضاً : شدد للتكثير ؛ قال الراجز:
يا لَيْتَها قد لَبِسَتْ وَصْواصا ،
ونمَّصَتْ حاجِبَها تَنماصاً ،
حتى يَجِيئوا عُصَباً حِراصا
والنامِصةُ : المرأَة التي تُزَيِّنُ النساء بالنَّمْص . وفي الحديث : لُعِنَت النامصةُ والمُتَنَمّصة ؛ قال الفراء : النامِصةُ التي تنتف الشعر من الوجه ، ومنه قيل للمِنْقاشِ مِنْماص لأَنه ينتفه به ، والمُتَنَمِّصةُ : هي التي تفعل ذلك بنفسها ؛ قال ابن الأَثير : وبعضهم يرويه المُنْتَمِصة بتقديم النون على التاء . وامرأَة نَمْصاء تَنْتَمِصُ أَي تأْمرُ نامِصةً فتَنْمِص شعرَ وجهها نَمْصاً أَي تأْخذه عنه بخيط . والمِنْمَص والمِنْماصُ : المِنْقاشُ اهـ.[ لسان العرب - (ج 14 / ص360 ، ط :دار صادر)].
قلت : ولا يوجد في كتب اللغة ما يخصص النمص بالحاجبين فقط ؛ إلا ما قاله أبو داود السجستاني – رحمه الله - في كتابه (( السنن )) ، وسيأتي الكلام عليه في الباب الثاني – إن شاء الله - ، وهناك من ذكر أنه خاص بالحاجبين ولكنه ذكره بصيغة " قيل " ؛ وهي من صيغ التمريض كما لا يخفى إن شاء الله تعالى.
وبعد ذكر معنى النمص لغةً – ولم أشأ أن أطيل النقل عن كتب اللغة في هذا الباب ؛ لكون أكثرها متفقةً على هذا المعنى – نشرع في بيان الأدلة الواردة في كتاب الله ، وفي كتب السنة ؛ مع بيان كلام أهل العلم على هذه الأحاديث والآثار.
وبالله تعالى التوفيق
الباب الأوَّل
( ذكر الآيات والأحاديث الواردة في هذا الأمر العظيم والإثم الجسيم )
· قال الله تعالى حكاية عن إبليس: ( وَلَأُضِلَّنَّهُم ولأمَنِّيَنَّهُم ولآمرنَّهُم فَلَيُبَتِّكُنَّ آذان الأنعام ولآمرنهم فَلَيُغَيِّرُنَّ خلق الله . ومن يتخذ الشيطان وليًا من دون الله فقد خسر خسرانًا مبينًا ) [النساء: ١١٩].
· وقال تعالى ذكره : ( وما آتاكم الرَّسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا واتقوا الله إنَّ الله شديد العقاب ) [ الحشر:٧ ].
· وأخرج البخاري في صحيحه كتاب اللباس ( 77 ) باب ( 82 ) – المتفلجات للحسن برقم ( 5931 ) - .... عن إبراهيم عن علقمة عن عبد الله – يعني ابن مسعود – (( لعن الله الواشمات والمستوشمات والمتنمصات والمتفلجات للحسن المغيرات خلق الله تعالى ، مالي لا ألعن من لعن النبي – صلى الله عليه وسلم - وهو في كتاب الله ( وما آتاكم الرَّسول فخذوه )....... إلـى ( فانتهوا ) )).
· وأخرج أيضاً في باب ( 84 ) – المتنمصات برقم ( 5939 ) - .... عن إبراهيم عن علقمة قال : لعن عبد الله الواشمات والمتنمصات والمتفلجات للحسن المغيرات خلق الله ، فقالت أم يعقوب ما هذا ؟ قال عبد الله : ومالي لا ألعن من لعن رسول الله – صلى الله عليه وسلم - وفي كتاب الله ، قالت : والله لقد قرأت ما بين اللوحين فما وجدته فقال والله لئن قرأتيه لقد وجدتيه ( وما آتاكم الرَّسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا واتقوا الله إنَّ الله شديد العقاب ).
· وأخرج مسلم في صحيحه من كتاب ( 37 ) اللباس والزينة باب ( 33 ) تحريم فعل الواصلة والمستوصلة ، والواشمة والمستوشمة ، والنامصة والمتنمصة والمتفلجات والمغيرات خلق الله ، برقم ( 120 – 2125 ) ... عن إبراهيم عن علقمة عن عبد الله قال : لعن الله ... والنامصات والمتنمصات ... المغيرات خلق الله . قال فبلغ ذلك امرأة من بني أسد يقال لها أم يعقوب ، وكانت تقرأ القرآن ، فأتته فقالت : ما حديثٌ بلغني عنك أنَّك لعنت الواشمات والمستوشمات والمتنمصات والمتفلجات للحسن المغيرات خلق الله ، فقال عبد الله : ومالي لا ألعن من لعن رسول الله – صلى الله عليه وسلم - ؟ وهو في كتاب الله ، فقالت المرأة : لقد قرأت ما بين لوحي المصحف فما وجدته فقال : لئن كنت قرأتيه لقد وجدتيه ، قال الله عز وجل : ( وما آتاكم الرَّسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا واتقوا الله إنَّ الله شديد العقاب )، فقالت المرأة : فإني أرى شيئاً من هذا على امرأتك الآن ، قال اذهبي فانظري ، قال فدخلت على امرأة عبد الله فلم تر شيئاً فجاءت إليه فقالت : ما رأيت شيئاً . فقال أما لو كان كذلك لم نجامعها.
· أخرج البخاري نحوه في باب ( 4 ) ( وما آتاكم الرَّسول فخذوه )كتاب ( 65 ) التفسير برقم ( 4886 ) ، وأخرجه أبو داود باب ( 5 ) في (صلةُ الشعر) برقم ( 4169 ) بلفظ : ... ( فقالت ما رأيت ، فقال لو كان ذلك ما كانت معنا ) ، وهو صحيح .
· وأخرج أبو داوود في كتاب ( 27 ) أول كتاب الترجل باب ( 5 ) في ( صلة الشعر ) برقم : ( 4170 ) عن ابن عباس – رضي الله عنهما - قال : لعنت الواصلة والمستوصلة ، والنامصة والمتنمصة ، والواشمة والمستوشمة ، من غير داء.[سنده صحيح].
قال أبو داود ، والنامصة التي تنقش الحاجب حتى ترقه ، والمتنمصة : المعمول بها .
· وعند الطبري في تفسيره قول الله تعالى : ( فَلَيُغَيِّرُنَّ خلق الله ) ، قال : حدثنا أحمد بن حازم ، قال : ثنا أبو نعيم ، قال ثنا أبو هلال الراسبي قال : سأل رجل الحسن : ما تقول في امرأةٍ قشرت وجهها ؟ ، قال : ما لها لعنها الله! غيرت خلق الله .(2)
· وقال أيضاً : حدثني أبو السائب ، قال : : ثنا أبو معاوية ، عن الأعمش ، عن إبراهيم قال : قال عبد الله : لعن الله المتفلجات والمتنمصات والمستوشمات المغيرات خلق الله (3).
· وأخرج أيضا : حدثنا محمد بن بشار ، ثنا عبد الرحمن ، قال : ثنا سفيان عن منصور ، عن إبراهيم ، عن علقمة عن عبد الله ، قال : لعن الله الواشمات والمستوشمات والمتنمصات والمتفلجات للحسن المغيرات خلق الله (4).
· وأخرج عبد الرزاق في مصنفه عن معمر والثوري عن إمرأة أبي الصقر أنها كانت عند عائشة – رضي الله عنها - فسألتها امرأة فقالت : يا أم المؤمنين ! إن في وجهي شعرات أفأنتفهن أتزين بذلك لزوجي ؟ فقالت عائشة – رضي الله عنها - : أميطي عنك الأذى وتصنعي لزوجك كما تصنعين للزيارة وإذا أمرك فلتطيعيه ، وإذا أقسم عليك فأبريه ولا تأذني في بيته لمن يكره . (مصنف عبد الرزاق الصنعاني المجلد 3 صفحة 146 بتحقيق عبد الرحمن الأعظمي)(5).
· وذكر الحافظ ابن حجر رحمه الله في الفتح ، عند شرح حديث ابن مسعود – رضي الله عنه - في باب المتنمصات من كتاب اللباس ، حيث قال : وأخرج الطبري عن امرأة أبي إسحاق أنها دخلت على عائشة – رضي الله عنها - وكانت شابة يعجبها الجمال ، فقالت : المرأة تحف جبينها لزوجها ، فقالت : أميطي عنك الأذى ما استطعت .
· وأخرج البغوي في (( الجعديات )) ، صفحة ( 80 ) من حديث أبي إسحاق السبيعي : حدثنا علي أنبا شعبة عن أبي إسحاق قال: دخلت إمرأتي على عائشة - رضي الله عنها - وأم ولد لزيد بن أرقم .... وسألتها امرأتي عن المرأة تحف جبينها قالت أميطي عنك الأذى ما استطعت .
· وأورد الشيخ الألباني رحمه الله في السلسلة الصحيحة من رواية قبيصة بن جابر ( وهو ثقة مخضرم ) قال (( كنا نشارك المرأة في السورة من القرآن نتعلمها فانطلقت مع عجوز من بني أسد إلى ابن مسعود – رضي الله عنه - في بيته في ثلاثة نفر ، فرأى جبينها يبرق فقال : أتحلقينه؟ فغضبت , وقالت : التي تحلق جبينها امرأتك . قال : فادخلي عليها , فان كانت تفعله فهي مني بريئة , فانطلقت , ثم جاءت فقالت : لا والله ما رأيتها تفعله , فقال عبدالله بن مسعود : سمعت رسول الله – صلى الله عليه وسلم - : فذكره )). - قلت - نَصُّه كما في "الصحيحة" رقم (2792) : (( لعن الله الواشمات والمستوشمات, والواصلات, والنامصات والمتنمصات, والمتفلجات للحسن المغيرات خلق الله )) .( رواه الهيثم بن كليب في مسنده بسند حسن كما في آداب الزفاف ص 203 و 204- الطبعة الجديدة ).
الباب الثاني
( ذكر أقوال العلماء المحققين فيما ورد من النصوص السابقة الذكر وما يفهم منها )
قال الحافظ ابن حجر في " فتح الباري " المجلد العاشر باب (84) (المتنمصات) تحت حديث رقم (5939): قوله (المتنمصات): جمع متنمصة والمتنمصة التي تطلب النماص والنامصة التي تفعله ، والنِّماصُ إزالة شعر الوجه بالمنقاش , ويسمى المنقاش منماصاً لذلك , ويقال إن النماص يختص بإزالة شعر الحاجبين لترفيعهما أو تسويتهما . قال أبو داود في السنن : النامصة التي تنقش الحاجب حتى ترقه. وفي المصنف بعد الحديث رقم (5103) قلنا لأبي بكر- يعني الإمام عبد الرزاق الصنعاني صاحب المصنف- ما النامصة : قال التي تنتف شعرها. . اهـ / وقد علق الشيخ الألباني رحمه الله على قول أبي داود بقوله في تخريج أحاديث الحلال و الحرام صفحة (66) : إن هذا القول خلاف ما تدل عليه الأحاديث بإطلاقها . وقال إن التفسير المذكور خلاف اللغة , ففي القاموس : ( النمص نتف الشعر، ولعنت النامصة وهي مزينة النساء بالنمص والمتنمصة وهي المزَّيِّنَةُ به) . وقال أيضاً: إن قول أبي داود المذكور إنما خرج مخرج الغالب , ولم يُرِدْ به حصر النمص بالحاجب فقط ..
وقد أشار الحافظ في الفتح إلى تضعيف تقييد النمص بالحاجب , فقال : (10/ 317) بعد أن ذكر معنى ما نقله عن النهاية:(ويقال : أن النماص) ثم قال الشيخ - أي الألباني- ولو أنه قال في قول أبي داود هذا : فذكر الحاجب ليس قيداً , كما قال ذلك في الوجه كما سبق لكان أحسن , لأن حمل كلام العلماء على المعنى الصحيح خير من حمله على غيره , مما يضطر الباحث حينئذٍ إلى تخطئته .اهـ مختصراً من تخريج الحلال والحرام صفحة [66-67] .
وقال النووي في شرحه على صحيح مسلم : ( 37 ) كتاب اللباس والزينة باب ( 33 ) تحريم فعل الواصلة والمستوصلة والواشمة .... تحت الحديث رقم (2125) ما نَصُّهُ : وأما النامصة - بالصاد المهملة - فهي التي تزيل الشعر من الوجه والمتنمصة التي تطلب فعل ذلك بها , وهذا الفعل حرام .اهـ (6).
ونقل الحافظ ابن حجر في (( الفتح )) تحت باب المتنمصات عن الطبري أنه قال : لا يجوز للمرأة تغيير شيءٍ من خلقتها التي خلقها الله عليها بزيادة أو نقص التماس الحسن ؛ لا للزوج ، ولا لغيره كمن تكون مقرونة الحاجبين فتزيل ما بينهما توهم البلج أو عكسه ومن تكون لها.... لحية أو شارب أو عنفقة فتزيلها بالنتف..... فكل ذلك داخل في النهي , وهو من تغيير خلق الله تعالى . اهـ مختصراً.
قلت- البلجُ : كما في لسان العرب تباعد ما بين الحاجبين ؛ وقيل : ما بين الحاجبين إذا كان نقيَّاً من الشعر . اهـ.
وقال الشيخ الألباني –رحمه الله- في جلباب المرأة المسلمة صفحة ( 149) في الهامش معلقاً على الحديث : (( لعن الله الواشمات والمستوشمات ......)) ، وينبغي أن يعلم أنَّ من يُغَيِّرُ خَلقَهُ تعالى وصِبْغَتَهُ : ( ومن أحسن من الله صبغة ) [البقرة : ١٣٨] بدون إذنٍ منهٌ , فإنما هو يتبع الشيطان في قوله : ( وَلَأُضِلَّنَّهُم ولأمَنِّيَنَّهُم ولآمرنَّهُم فَلَيُبَتِّكُنَّ آذان الأنعام ولآمرنهم فَلَيُغَيِّرُنَّ خلق الله ) [النساء: ١١٩].اهـ.
أما ما ذكره الشيخ الألباني من حديث : قبيصة بن جابر وهو (( حسن )) كما حققه الشيخ في آداب الزفاف , قال عقبة : وفيه أن النتف يشمل غير الحاجب ، وأن الحلق مثله فتنبه . وأما ما روى ابن سعد ( 8/86-87) في قصة بنائه – صلى الله عليه وسلم - على صفية أنه قال لأم سليم : (( عليكن صاحبتكن فامشطنها )) , وفيها (( وما شعرنا حتى قيل : رسول الله يدخل على أهله , وقد نمصناها )). فالظاهر أنها تقصد : مشطناها , بدليل السياق ، وإنما عبرت بالنمص عن المشط لما يخرج من الشعر مع التمشيط عادة (7) ، على أنه لا يمكن الحكم بصحة هذه الجملة في القصة ، لأنها رويت بعدَّةِ أسانيد دخل حديث بعضهم في بعض ، ومدار طريق إحداها على الواقدي الكذَّاب .اهـ. صفحة ( 204 ) من آداب الزفاف الطبعة الجديدة .
- قلت - أما حديث عائشة ك الذي أورده الحافظ ابن حجر فلا يصح كما قرره الشيخ الألباني - / - في غاية المرام برقم ( 96 ) وقال عقبه (( ضعيف )) . فإن إمرأة أبي اسحاق لم أعرفها(7). وقال راداً على تقييد (( الدكتور القرضاوي )) عمومَ أحاديث اللعن بهذا الحديث بعد أن أبدى ملاحظات عليه : .... وتقييده بمثل هذا الأثر عنها لا يجوز لعدم ثبوته . اهـ مختصراً .
- قلت- ثم إن الحديث المذكور مخالف لما روته هي ك ؛ ففي مسند الإمام أحمد أنها قالت كان نبي الله – صلى الله عليه وسلم - ينهى عن ... وذكرت النامصة والمتنمصة ، والله اعلم .
وأما إنكار ابن مسعود – رضي الله عنه - في الحديث الأخير المذكور في هذه الرسالة فقد قال عنه الشيخ الألباني – رحمه الله - في [السلسلة الصحيحة صفحة : ( 694 ) المجلد السادس القسم الأول طبعة مكتبة المعارف] : قال : الثالث : أن ابن مسعود – رضي الله عنه - أنكر حلق الجبين فدل على أنه لا فرق بين الحلق والنتف من حيث أن كلا منهما تغيير لخلق الله . وفيه دليل أيضا على أن النتف ليس خاصاً بالحاجب كما زعم بعضهم . فتأمل . اهـ من السلسلة . والله أعلم.
الباب الثالث
( مسألة : هل يستثنى من هذا اللعن شيءٌ أو لا ؟ )
ظاهر كلام ابن جرير -رحمه الله- أنه لا يستثني شيئاً ؛ لعموم الأحاديث السابقة ، وضعف الأحاديث المخصصة لها كما سبق . ولكن نورد ما قاله النووي في ذلك ، إذ قال في شرحه لصحيح مسلم تحت الحديث المذكور : قال : وهذا الفعل حرام ؛ إلا إذا نبتت للمرأة لحية أو شوارب فلا تحرم إزالتها بل يستحب عندنا. اهـ. ثم ساق كلام ابن جرير وقال عقبه : (( ومذهبنا ما قدمناه من استحباب إزالة اللحية والشارب والعنفقة وأن النهي إنما هو في الحواجب وما في أطراف الوجه (8)، وقال بعد قوله : ( المتفلجات للحسن ) فمعناه : يفعلن ذلك طلباً للحسن ، وفيه إشارةٌ إلى أن الحرام هو المفعول لطلب الحسن ، وأما لو احتاجت إليه لعلاجٍ أو عيبٍ في السن ونحوه فلا بأس به ، قال النووي : وفيه – أي النهي عن هذه الأمور المذكورة في الأحاديث – أن هذا الفعل حرام على الفاعلة والمفعول بها ؛ لهذه الأحاديث ولأنه تغيير لخلق الله تعالى ، ولأنه تزوير ولأنه تدليس .اهـ من شرح مسلم كتاب اللباس والزينة والله أعلم .
ويؤيد هذا الكلام ما أوردناه من رواية أبي داود وفيه : (( من غير داء )) والله أعلى وأعلم .
ويؤيده أيضا ما نقله " ابن حجر" -رحمه الله- عن الطبري في " الفتح" باب ( 84 ) المتنمصات حيث قال : - أي ناقلا عن ابن جرير – ويستثنى من ذلك ما يحصل به الضرر والأذية كمن يكون لها سن زائدة أو طويلة تعيقها عن الأكل أو إصبع زائدة تؤذيها أو تؤلمها فيجوز ذلك .اهـ ، ثم ذكر ما استثناه النووي من النماص المذكور آنفا (9) – قلت – وعلى هذه القاعدة ينبني جواز إزالة ما يشوه الخلقة من شعر كثيف على الخدين أو الجبهة أو الأنف مما قد يؤدي إلى إعراض الرجال عنها فلا يرغبون في نكاحها ؛ فيحصل بذلك ضرر عليها من هذه الناحية ؛ فلذلك ، وعليه : فيجوز إزالة ما كان للضرورة على حسب القاعدة المعروفة : ( الضرورات تبيح المحظورات والضرورة تقدر بقدرها ) فلا يُتَوَسَّعُ في الأمر ولا يُشَدَّدُ . والله اعلم .
الباب الرابع
( مسألة : وهل يجوز إذا كانت الحواجب غليظة أن يرقق غلظها بشيءٍ ما من صباغ ونحوه من غير إزالة للشعر ؟ )
الجواب : وبالله التوفيق : أن هذا الأمر إنما يندرج تحت كونه غشاً وخداعاً وتدليساً ، ثم إنه لا شك داخل تحت تغيير خلق الله ، وهذا الفعل فيه من المحظورات الكثير ؛ أهمها أنه تشبه بالكافرات حيث إن هذه الطريقة لم تعهد عن نساء العرب مع وجود ما يعصفر به الشعر ويحمر وغيره ، ثم إن قيل إنه بموافقة الزوج قلنا إن الزوج أول ما تزوج قبِلَ بها ؛ إذ لا يعقل أن يكون لم يرها ؛ فإن هذا يكون من الغش الذي يجوز له به فسخ النكاح ؛ وهو مما يكره الرجل أن يطَّلِعَ عليه بعد وقوع النكاح ، والله أعلم .
الباب الخامس
( مسألةٌ: هل ينبغي على من وجد أهله يفعلون ذلك – أي النَّمْص – أن يطلقها أو يمسكها ؟ )
ذكر الحافظ ابن حجر في تعليقه على الحديث رقم ( 4889 ) من كتاب التفسير بعد قوله : (( ما جامعتها )) : يحتمل أن يكون المراد بالجماع الوطء أو الاجتماع وهو أبلغ ، ويؤيده قوله في رواية الكشمهيني (( ما جامعتنا )) وللإسماعيلي (( ما جامعتني )) . اهـ باختصار .
وقال النووي -رحمه الله- في شرح قوله ت : (( لو كان ذلك لم نجامعها )) : قال جماهير العلماء : معناه لم نصاحبها ولم نجتمع نحن وهي بل كنا نطلقها ونفارقها .
قال القاضي : ويحتمل أن معناه لم أطأها وهذا ضعيف والصحيح ما سبق ؛ فيحتج به في أن من عنده امرأة مرتكبة معصية كالوصل أو ترك الصلاة أو غيرها ينبغي له أن يطلقها والله أعلم . اهـ وقد ذكر الحافظ ابن حجر - رحمه الله - في قول ابن مسعود السابق : أن المعين على المعصية يشارك فاعلها في الإثم . اهـ ( فتح ).
وإن مما يؤيد ذلك ما ثبت في السنة من قوله – صلى الله عليه وسلم - ، عن أبي موسى – رضي الله عنه - عن النبي – صلى الله عليه وسلم - قال : (( ثلاثة يدعون الله عز و جل فلا يستجاب لهم :- وذكر منهم - رجل كانت تحته امرأة سيئة الخلق فلم يطلقها )) . رواه الحاكم في مستدركه برقم (3181) ، وقال على شرط الشيخين ، ولم يخرجاه ووافقه الذهبي ، وصححه الشيخ الألباني في صحيح الجامع. ولا شك أن من أسوأ الأخلاق المنهي عنها في الشرع ؛ هي تلك المعاصي المذكورة بصيغة اللعن لفاعلها ؛ بل هي من الكبائر كما نقله غير واحد من أهل العلم ، بله مجمع عليه عندهم أنها من الكبائر ، نعوذ بالله من كبير الذنوب وصغيرها ، والله أعلم .
الباب السادس
( ذكر فتاوى بعض أهل العلم في عصرنا فيما يتعلق بهذه المسألة )
سئل سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز – رحمه الله - : ما حكم تخفيف الشعر الزائد من الحاجب ؟ فأجاب : لا يجوز أخذ شعر الحاجبين ولا التخفيف منهما ، لما ثبت عن النبي – صلى الله عليه وسلم - ( أنه لعن النامصة والمتنمصة ) وقد بين أهل العلم أن أخذ شعر الحاجبين من النمص اهـ . من الفتاوى – كتاب الدعوة ( 2/229 ) لسماحة الشيخ عبد العزيز ابن باز .
وسئل الشيخ محمد الصالح العثيمين – رحمه الله - : عن حكم تخفيف شعر الحاجب ؟
فأجاب : تخفيف شعر الحاجب إذا كان بطريق النتف فهو حرام بل كبيرة من الكبائر؛ لأنه من النمص الذي لعن رسول الله – صلى الله عليه وسلم - من فعله ، وإذا كان بطريق القص أو الحلق ، فهذا كرهه بعض أهل العلم ، ومنعه بعضهم ، وجعله من النمص . وقال : إن النمص ليس خاصاً بالنتف ؛ بل هو عام لكل تغيير لشعر لم يأذن الله به إذا كان في الوجه . ولكن الذي نرى أنه ينبغي للمرأة – حتى وإن قلنا بجواز أو كراهة تخفيفه بطريق القص أو الحلق – أن لا تفعل ذلك إلا إذا كان الشعر كثيراً على الحواجب ، بحيث ينزل إلى العين فيؤثر على النظر فلا بأس بإزالة ما يؤذي منه .اهـ ، من مجموع فتاوى ورسائل الشيخ - رحمه الله –( 4/133 ).
وسئل أيضا – رحمه الله - ، ما حكم إزالة أو تقصير بعض الزوائد من الحاجبين ؟
فأجاب : إزالة الشعر من الحاجبين إن كان بالنتف فإنه هو النمص ، وقد (( لعن النبي – صلى الله عليه وسلم - النامصة و المتنمصة )) ، وهو من كبائر الذنوب ، وخص المرأة لأنها هي التي تفعله غالباً للتجمل ؛ وإلا فلو صنعه رجلٌ لكان ملعوناً كما تُلعن المرأة – والعياذ بالله – وإن كان بغير النتف ، بالقص أو بالحلق فإن بعض أهل العلم يرون أنه كالنتف لأنه تغيير لخلق الله فلا فرق بين أن يكون نتفاً أو أن يكون قصاً أو حلقاً ، وهذا أحوط بلا ريب فعلى المرء أن يتجنب ذلك سواء كان رجلاً أو امرأةً , [فتـــاوى الشيخ (2/830)] .
وقال – رحمه الله - في فتوى أخرى له : والأولى تجنب ذلك وألا تفعله المرأة ، أما ما كان من الشعر غير المعتاد بحيث ينبت في أماكن لم تجر العادة بها ؛ كأن يكون للمرأة شارب ، أو ينبت على خدها شعر ، فهذا لا بأس بإزالته ؛ لأنه خلاف المعتاد ، وهو مُشَوِّهٌ للمرأة ، أما الحواجب ؛ فإن المعتاد أن تكون رقيقة دقيقة ، وأن تكون كثيفة واسعة ، هذا أمر معتاد ، وما كان معتاداً ؛ فلا يتعرض له ، لأن الناس لا يعدونه عيباً ، بل يعدون فواته جمالاً ، أو وجوده جمالاً ، وليس من الأمور التي تكون عيباً حتى يحتاج الإنسان إلى إزالته . اهـ من [ فتاوى الشيخ (2/832)].
وسئلت اللجنة الدائمة للإفتاء : عن شابة في بداية عمرها لها حواجب كثيفة جداً تكاد تكون سيئة المنظر ؛ فاضطرت هذه الفتاة إلى حلق بعض الأماكن التي تفصل بين الحاجبين ، وتخفيف الباقي حتى يكون المنظر معقولاً لزوجها , فأرادا أن يحتكما إلى من عنده دراية بمثل هذه الأمور الشرعية التي تُشْكِلُ على كثيرٍ من الناس فهل تَسْتَمِرُّ هذه الفتاة على ما هي عليه أم لا ؟
الجواب : لا يجوز حلق الحواجب ولا تخفيفها , لأن ذلك هو النمص الذي لعن النبي – صلى الله عليه وسلم - من فعلته أو طلبت فعله , فالواجب عليك التوبة والإستغفار مما مضى وأن تحذري ذلك في المستقبل.
وسئل فضيلة الشيخ صالح الفوزان - حفظه الله - عن حكم إزالة شعر الحاجبين أو إزالة بعضه بأي وسيلة من الحلق أو القص أو استعمال المادة المزيلة له أو لبعضه ؟
فأجاب : يحرم على المرأة المسلمة إزالة شعر الحاجبين أو إزالة بعضه بأي وسيلة من الحلق أو القص أو استعمال المادة المزيلة له أو لبعضه لأن هذا هو النمص الذي لعن النبي – صلى الله عليه وسلم - من فعلته ؛ فقد لعن – صلى الله عليه وسلم - النامصة والمتنمصة ، والنامصة هي التي تزيل شعر حاجبيها أو بعضه للزينة - في زعمها - والمتنمصة التي يفعل بها ذلك , وهذا من تغيير خلق الله الذي تعهد الشيطان أن يأمر به ابن آدم حيث قال كما حكاه الله عنه : (ولآمرنهم فَلَيُغَيِّرُنَّ خلق الله) [النساء : 119] ، وفي الصحيح عن ابن مسعود – رضي الله عنه – أنه قال : (( لعن الله الواشمات والمستوشمات والنامصات والمتنمصات والمتفلجات للحسن المغيرات خلق الله عز وجل )) ، ثم قال : ألعن من لعن رسول الله – صلى الله عليه وسلم - وهو في كتاب الله عز وجل ! يعني قوله تعالى : ( وما آتاكم الرَّسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا ) [الحشر: ٧ ] .
والله أعلم
(خَاتمة)
ومما سبق ذكره ، يتبين لنا حرمة هذا الفعل وخطورته ؛ إذ هو من كبائر الذنوب - والعياذ بالله - ، ولا ينبغي لنا أن نتهاون في هذا الأمر لرأي من الآراء ، من غير معرفة حال الدليل الذي اعتمد عليه هذا الفقيه - من حيث الصحة والضعف - كما هو معلوم ؛ ومما سبق - أيضاً - يتبين لنا أن الأحاديث المجيزة لأخذ مَا لَمْ يكن من الحاجبين ؛ لا تصح ، وقد ضعفها أهل العلم ، ومعلوم أنَّ ما لا يصح نسبته إلى رسول الله – صلى الله عليه وسلم - لا يجوز القول به ، ولا العمل ، وأنه لا يثبت به حكم شرعي كما هو مقرر عند أهل العلم.
هذا والله أسأل أن يوفقنا للعمل بكتابه ، وسنة نبيه – صلى الله عليه وسلم - ، وأن لا يجعلنا ممن قال فيهم : ( فأما الذين في قلوبهم زيغ فيتبعون ما تشابه منه ابتغاء الفتنة وابتغاء تأويله ) [ آل عمران: ٧] ، وأن يجعـــلنا من ( الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه ) [الزمر: ١٨ ] ، إنه ولي ذلك والقادر عليه .
وما كان من صواب فمن الله وحده وما كان من خطأ فمن نفسي والله ورسوله منه براء.
هذا والله أسأل أن يوفقنا للعمل بكتابه ، وسنة نبيه – صلى الله عليه وسلم - ، وأن لا يجعلنا ممن قال فيهم : ( فأما الذين في قلوبهم زيغ فيتبعون ما تشابه منه ابتغاء الفتنة وابتغاء تأويله ) [ آل عمران: ٧] ، وأن يجعـــلنا من ( الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه ) [الزمر: ١٨ ] ، إنه ولي ذلك والقادر عليه .
وما كان من صواب فمن الله وحده وما كان من خطأ فمن نفسي والله ورسوله منه براء.
وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين
وكتب
أبو موسى أحمد بن عياش بن موسى الغرايبة
27 ربيع الآخر 1429 هجرية
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(2) قال بعض طلبة العلم : (( سنده صحيح )). وقال العلامة اللغوي الأديب محمود شاكر – رحمه الله - في حاشية تفسير الطبري عند هذا الموضع : "قشر الوجه": دواء قديم بالغمرة تعالج به المرأة وجهها أو وجه غيرها ، وكأنها تقشر أعلى الجلد. و"الغمرة" (بضم فسكون) ، قالوا: هو الزعفران ، وقالوا: هو الجص. وقالوا: هو تمر ولبن يطلى به وجه المرأة ويداها ، حتى ترق بشرتها ويصفو لونها. والظاهر أنه كان يخلط به شيء يقشر أعلى البشرة ، ومن أجل ذلك نهى عنه ، وفي الحديث: "لعنت القاشرة والمقشورة" انتهى.
أفاد بعض طلبة العلم: أما قوله : وحديث " لعنت القاشرة ...إلخ " ، فقد رواه أحمد في "مسنده" 6/250 ، والذهبي في " السير " 16/565 ، وضعفه . وقال الهيثمي – رحمه الله - في " المجمع " 5/169 : رواه أحمد ، وفيه من لم أعرفه من النساء.
(3) قال بعض طلبة العلم : (( رجال إسناده ثقات )) .
(4) قال بعض طلبة العلم : (( إسناده صحيح ، ورجاله رجال الصحيح )) .
(5) قال المحقق للمصنف عند قوله : إمرأة ابن أبي الصقر : كذا في ( ز ) وفي ( ص ) : امرأة ابن أبي الصقر فيما يظهر لي وفي الفتح نقله عن الطبري عن أبي إسحاق عن امرأته وهي العالية بنت أيفع ، وفي مبهمات النساء من التعجيل أبو إسحاق عن امرأة أبي السفر ، فهو الصواب إذن .
(6) أفاد بعض طلبة العلم : وقال أبو العباس القرطبي – رحمه الله - في " المفهم " 5/447 ، في شرح كلام ابن مسعود –رضي الله عنه - : وهكذا يتعين على الرجل أن ينكر على زوجته مهما رأى عليها شيئاً محرماً ، ويمتنع من وطئها كما قال عبد الله : (( أما إنه لو كان ذلك لم نجامعها )) .
هذا ظاهر هذا اللفظ ، ويحتمل : لم يجتمع معها في دار ، ولا بيت ، فإما بهجران ، أو بطلاق ، كما قال تعالى ( والَّآتِيْ تخافون نشوزهن فعضوهن واهجروهن في المضاجع واضربوهن ) [النساء:٣٤] ، وإذا كان هذا لأجل حقِّ الزوج ؛ فلأن يكون لِحَقِّ الله تعالى أحرى وأولى.انتهى.
(7) قلت : ويؤيد هذا الذي ذهب إليه الشيخ – رحمه الله - ما نقلته عن لسان العرب في معنى النمص أول الرسالة ، وموضع الشاهد منه : " والمُشْطُ يَنْمِصُ الشعرَ وكذلك المحَسَّة ؛ أَنشد ثعلب : كانَ رُيَيْبٌ حَلَبٌ وقارِصُ . والقَتُّ والشعيرُ والفَصافِصُ ، ومُشُطٌ من الحديد نامِصُ . يعني المِحَسَّة سماها مشطاً لأَن لها أَسناناً كأَسنان المشط " اهـ. والله أعلم.
(7) أمَّا الروايات التي وردت عن عائشة – رضي الله عنها - في هذا الباب وهي : رواية المصنَّف ، والرواية في مسند ابن الجعد ، ورواية الطبري التي أوردها الحافظ ابن حجر في الفتح ؛ فمدارها على امرأة أبي إسحاق ، ونذكر هنا الروايات الثلاث مع التعليق عليها من ناحية حديثية وهي :
* رواية الطبري - رحمه الله - :
قال الحافظ ابن حجر - رحمه الله - : وأخرج الطبري عن امرأة أبي إسحاق أنها دخلت على عائشة – رضي الله عنها - وكانت شابةً يعجبها الجمال ، فقالت : المرأة تحفُّ جبينها لزوجها ، فقالت : (( أميطي عنك الأذى ما استطعت )) .
* رواية عبد الرزاق في مصنفه :
وأخرج عبد الرزاق في مصنفه عن معمر والثوري عن امرأة أبي الصقر أنها كانت عند عائشة – رضي الله عنها - فسألتها امرأة فقالت : يا أم المؤمنين ! إن في وجهي شعرات أَفَأَنتِفُهُنَّ أتزين بذلك لزوجي ؟ فقالت عائشة – رضي الله عنها - : (( أميطي عنك الأذى ، وتصنعي لزوجك كما تصنعين للزيارة ، وإذا أمرك فلتطيعيه ، وإذا أقسم عليك فأبريه ، ولا تأذني في بيته لمن يكره )).
* رواية علي بن الجعد في مسنده :
حدثنا علي أنبا شعبة عن أبي إسحاق قال: دخلت امرأتي على عائشة – رضي الله عنها - وأم ولد لزيد بن أرقم .... وسألتها امرأتي عن المرأة تحف جبينها : قالت أميطي عنك الأذى ما استطعت .
قلت : ثم إنه نبهني بعض طلبة العلم إلى رواية عند ابن سعد في كتابه " الطبقات الكبرى " وهي:
أخبرنا المعلى بن أسد، حدثنا المعلى بن زياد القطعي ، حدثنا بكرة بنت عقبة أنها دخلت على عائشة – رضي الله عنها - وهي جالسة في معصفرة فسألتها عن الحناء فقالت : (( شجرة طيبة وماء طهور )). وسألتها عن " الحفاف " فقالت لها: (( إن كان لك زوج ؛ فاستطعت أن تنزعي مقلتيك فتصنعيهما أحسن مما هما فافعلي )). [الطبقات الكبرى لابن سعد - (ج 8 / ص 70-71 ) طبعة دار صادر بتحقيق إحسان عباس]. - قلت- والكلام على هذه الروايات من عدة وجوه : أحدها : أن مدار الروايات الثلاث على امرأة أبي إسحاق ، وفي رواية ابن سعد مدارها على ( بكرة بنت عقبة ) ، أمَّا امرأة أبي إسحاق ؛ فهي كما ذكر " ابن حبان " في ثقاته أن اسمها : ( العالية بنت أيفع ) .
وامرأة أبي إسحاق هذه لم يوثقها غير ابن حبان حيث قال في " ثقاته " : تحت ترجمة رقم : (4886) – (( العالية بنت أيفع ؛ والدة يونس بن أبى إسحاق تروي عن عائشة – رضي الله عنها - روى عنها ابنها يونس بن أبى إسحاق السبيعي )).
ووثقها العجلي وقال عنها في معرفة الثقات (2/455): (( مدنية تابعية ثقة )).
وذكرها ابن سعد في الطبقات الكبرى قال : [ ج 8 / ص 487 ، طبعة دار صادر بتحقيق إحسان عباس ] : (( العالية بنت أيفع بن شراحيل امرأة أبي إسحاق السبيعي. دخلت على عائشة وسألتها وسمعت منها)).
وذكرها ابن معين في تاريخه ولم يذكر فيها جرحاً أو تعديلاً ، تحت الترجمة رقم :(2084) سمعت يحيى يقول سمعت عيسى بن يونس قال : (( العالية بنت أيفع بن شراحيل ذي كبار قال العباس هي جدة عيسى بن يونس )). تاريخ ابن معين ( ج 1 / ص 312) رواية أبي الفضل العباس بن محمد الدوري ، (ط/دار القلم ، تحقيق : عبد الله أحمد حسن ).
وقال البيهقي في معرفة السنن والآثار: (( باب الرجل يبيع الشيء إلى أجل )) : والعالية هذه لم يرو عنها غير زوجها وابنها. وقال في موضع آخر أنها مجهولة لا يحتج بخبرها . وقال في (( السنن الصغرى )) : (( باب البيع بالبراءة من العيب )) : وامرأة أبي إسحاق لم تثبت عدالتها.
وقال ابن حزم - رحمه الله تعالى - في المحلى (9/323) المسألة رقم 1559 : بعد أن ساق حديث عائشة – رضي الله عنها - في (( باب البيع بالبراءة من العيب )) ؛ قال : فأما خبر امرأة أبي إسحاق ففاسد جداً لوجوه ؛ أولها : أن امرأة أبي إسحاق مجهولة الحال لم يرو عنها غير زوجها وولدها يونس، على أن يونس قد ضعفه شعبة بأقبح التضعيف ، وضعفه يحيى القطان ، وأحمد بن حنبل جداً. وقال شعبة أمَا قال لكم حدثنا ابن مسعود.... الخ.
الثاني : وأما رواية ابن سعد في طبقاته جاءت من طريق (بكرة بنت عقبة ):
وقد ذكرها وترجم لها ابن سعد في " الطبقات الكبرى " كما تقدم من رواية ( المعلى بن أسد) ، حدثنا المعلى بن زياد القطعي حدثنا بكرة بنت عقبة ... وساق الحديث.
وذكرها " ابن حبان " في " ثقاته " تحت رقم (1938) قال : (( بكرة بنت عقبة تروي عن عائشة روى عنها معلى بن زياد القطعي )).
وذكرها البخاري في تاريخه عند ترجمة " المعلى بن زياد " رقم (1716) قال : (( معلى بن زياد القطعي سمع بكرة بنت عقبة روى عنه ابن المبارك )) .[ التاريخ الكبير - (ج 7 / ص 394) ].
وذكرها أيضاً ابن أبي حاتم في " الجرح والتعديل " تحت الترجمة رقم (1534) ، قال : (( معلى بن زياد القطعي روى عن بكرة بنت عقبة روى عنه عبد الله بن المبارك وأحمد بن عبد الله بن صخر الغداني سمعت أبي يقول ذلك )).
وذكر أثرها هذا الذهبي في " سير أعلام النبلاء " (ج 2 / ص 188) : وقال : (( معلى بن أسد : حدثنا المعلى بن زياد ، قال : حدثتنا بكرة بنت عقبة : أنها دخلت على عائشة وهي جالسة في معصفرة ، وساق الحديث وقال عقبه : المعليان ، ثقتان )).
وعليه فترى أن مدار الروايات السابقة على هاتين المرأتين وهما : [ العالية بنت أيفع و بكرة بنت عقبة ] ، وهما مجهولتان ؛ إذ بكرة لم يوثقها غير ابن حبان ! والعالية لم يوثقها إلا ابن حبان والعجلي ، وهما كما هو معلوم من المتساهلين في توثيق المجاهيل ، ومن لم يذكر فيه جرح ؛ كما قرر ذلك أهل هذا الشأن. وقد قال الحافظ ابن حجر في مقدمة " لسان الميزان " عن توثيق " ابن حبان " ما نَصُّهُ : (( وهذا الذي ذهب إليه " ابن حبان " من أنَّ الرجل إذا انتفت جهالة عينه كان على العدالة إلى أن يتبين جرحه مذهب عجيب والجمهور على خلافه وهذا هو مسلك ابن حبان في كتاب الثقات الذي ألفه ؛ فإنه يذكر خلقاً ممن نصَّ عليهم أبو حاتم وغيره على أنهم مجهولون وكأن عند ابن حبان أن جهالة العين ترتفع برواية واحد مشهور وهو مذهب شيخه ابن خزيمة ولكن جهالة حاله باقية عند غيره .وقد أفصح ابن حبان بقاعدته فقال (( العدل من لم يعرف فيه الجرح إذ التجريح ضد التعديل فمن لم يجرح فهو عدل حتى يتبين جرحه إذ لم يكلف الناس ما غاب عنهم ))، وقال في ضابط الحديث الذي يحتج به إذا تَعَرَّى راويهِ مِن أَن يكون مجروحاً ، أو فوقه مجروح ، أو دونه مجروح ، أو كان سنده مرسلاً ، أو منقطعاً ، أو كان المتن منكراً . هكذا نقله الحافظ شمس الدين بن عبد الهادي في الصارم المنكي من تصنيفه وقد تصرف في عبارة ابن حبان لكنه أتى بمقصده .... قال الخطيب : (( أقل ما ترتفع به الجهالة أن يروي عن الرجل اثنان فصاعداً من المشهورين بالعلم ؛ إلا أنه لا يثبت له حكم العدالة بروايتهما ، وقد زعم قوم أن عدالته تثبت بذلك وهذا باطل لأنه يجوز أن يكون العدل لا يعرف عدالته فلا تكون روايته عنه تعديلاً له ولا خبراً عن صدقه ؛ كيف وقد وجد جماعة من العدول الثقات رووا عن قوم أحاديث أمسكوا في بعضها عن ذكر أحوالهم مع علمهم بأنهم غير مرضيين ، وفي بعضها شهدوا عليهم بالكذب ، مثل قول الشعبي : ثنا الحارث وكان كذاباً ، وقول الثوري : ثنا ثوير بن أبي فاختة وكان من أركان الكذب ، وقول يزيد بن هارون : ثنا أبو روح وكان كذاباً ، وقول أحمد بن ملاعب : ثنا مخول بن إبراهيم وكان رافضياً ، وقول أبي الأزهر : ثنا بكر بن الشرود وكان قدرياً داعيةً ؛ قلت وقد روى هؤلاء كلهم في مواضع أخر عمن سمى ساكتين عن وصفهم بما وصفوهم به فكيف يكون روايةُ العدلِ عن الرجلِ تعديلاً له ؟! )) ، اهـ . [ لسان الميزان / ج 1 / ص 14].
قلت : هذا فيما يختص بتوثيق ابن حبان – رحمه الله - وأمَّا العجلي فهو من نفس المرتبة في التساهل في توثيق الرواة .
( قال بعض طلبة العلم : قال الشيخ مقبل الوادعي – رحمه الله- في (( المقترح )) لما سئل عن توثيق العجلي ( السؤال : 33 ) : قد عرف بالاستقراء ، من تفرده - مع ابن حبان- بتوثيق بعض الرواة الذين لم يوثقهم غيرهما، فهذا عُرِفَ بالاستقراء ، وإلا فلا أعلم أحدًا من الحفاظ نص على هذا، والذى لا يوثقه إلا العجلي ، والذي يوثقه أحدهما أو كلاهما فقد لا يكون بمنْزلة صدوق ، ويصلح في الشواهد والمتابعات ، وإن كان العجلي يعتبر أرفع في هذا الشأن ؛ فهما متقاربان ...إلخ .
وقال في جواب السؤال (191) : العجلي متساهل كما تساهل ابن حبان.. وبالله التوفيق.اهـ)).
- قلت - وأما الرواية عن المجاهيل فلا يحتج بها كما هو مقرر في علم المصطلح ؛ ففي " شرح علل الترمذي " لابن رجب ؛ باب : (( بحث في المجهول وقولهم غير مشهور )) :
وقال يعقوب بن شيبة : قلتُ ليحيى بن معين : (( متى يكون الرجل معروفاً ؟ إذا روى عنه كم ؟ )) قال : (( إذا روى عن الرجل مثل ابن سيرين والشعبي ، وهؤلاء أهل العلم فهو غير مجهول )) . قلت : (( فإذا روى عن الرجل مثل سماك بن حرب وأبي إسحاق ؟ )) . قال : (( هؤلاء يروون عن مجهولين )) انتهى .
وقال ابن الصلاح في علوم الحديث (ص 111) : في رواية المجهول ، وهو في غرضنا هاهنا أقسام : أحدها: المجهول العدالة من حيث الظاهر والباطن جميعأ. روايته غير مقبولة عند الجماهير ، على ما نبهنا عليه أولاً.اهـ.
وأما ذكر ابن أبي حاتم للراوي بدون أن يذكر فيه جرحاً ؛ فلا يعتبر تعديلاً له ، وقد قال الشيخ الألباني - رحمه الله - في السلسلة الضعيفة (1/466) : لا ينبغي أن يحمل سكوت ابن أبي حاتم عن الرجل على أنه ثقة .... بل إن ابن أبي حاتم رحمه الله قد نص في أول كتابه على أن الرواة الذين أهملهم من الجرح والتعديل إنما هو لأنه لم يقف فيهم على شيءٍ من ذلك فأوردهم رجاء أن يقف فيهم على الجرح والتعديل .... ثم قال - أي الشيخ الألباني - فهذا نصٌ منه على أنه لا يهمل الجرح والتعديل إلا لعدم علمه بذلك ، فلا يجوز أن يتخذ سكوته عن الرجل توثيقاً منه له.اهـ
وقال عن البخاري في كتابه تخريج السنة : (( فإن البخاري يذكر في كتابه التاريخ كثيراً من الرواة وهم غير معروفين )).اهـ
قلت : وعليه يتبين أنه لا يجوز الاحتجاج بهذه الأخبار لأن مدارها على امرأتين مجهولتين وقد سبق أقوال أهل العلم في من هذه حاله ، وأنه لا يحتج بخبره عند جماهير أهل العلم كما نقلتُ. والله أعلم.
(8) قلت : تأمل قول النووي رحمه الله : (( ... وما في أطراف الوجه )) ، فإنه دالٌّ على أنه لا يجيز أخذ شيء من شعر الوجه إلا ما استثناه. والله أعلم.
(9) أفاد بعض طلبة العلم : فائدة : قال أبو العباس القرطبي / في " المفهم " 5/445 ، بعد ذكره قول أبي جعفر الطبري ذا : قال القاضي – أي عياض - : ويأتي على ما ذكره – أي الطبري – أن من خلق بأصبع زائدة ، أو عضوٍ زائدةٍ ، لا يجوز له قطعه ، ولا نزعه ؛ لأنه من تغيير خلق الله ، إلا أن تكون هذه الزوائد تؤلمه ؛ فلا بأس بنزعه عند أبي جعفر الطبري ، وغيره . انتهى.
قال بعض طلبة العلم : ويدخل في ذلك أيضاً ( لحية أو شارب أو عنفقة إن نبتت لها ) ، فتزيله إن كانت تؤلمها وتؤذيها ، والله أعلم.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق