26/02/2014

ألبتّة.. البتّة!

ألبتّة.. البتّة!

الحمد لله ربِّ العالمين والصلاة والسلام على رسوله الأمين، أمَّا بعد:

اختلف الكَتَبَة في رَسمِ كلمة ( ألبتة ) هل هي بهمز الوصل أم القطع؟

وقبل الخوض في هذا الخلاف فلنذكر بعض ما قيل في معنى هذه الكلمة:

قال الزبيدي: "(و) البَتُّ: (القَطْعُ) المستأْصِلُ، يُقَال: ( بَتَتُّ ) ( فانْبتَت ).
وَفِي الْمُحكم: بَتَّ الشَّيْءَ، ( يَبُتُّ ) بالضَّمّ، ( ويَبِتُّ ) بِالْكَسْرِ، الأَوّل على القِيَاس؛ لأَنّه الْمَعْرُوف فِي مضارع فَعَل المفتوحِ المتعدِّي، والثّاني على الشُّذُوذ، بَتّاً، ( كالإِبْتَاتِ ): قَطعَه قَطْعاً مُستأْصلاً" اهـ.
 [انظر:تاج العروس (4/ 429)].

إذن: 
البتُّ القطع قطعًا لا رجعة فيه، وقد يكون لعارض ويزول بزواله.

وأمَّا بالنسبة لكتابتها بهمز الوصل أو القطع فقد اختلفوا في هذه المسألة حتى جزم بعضهم أنه لا يعرف فيها إلا همزة القطع!

قال الأزهريُّ في "التصريحِ بمضمونِ التوضيحِ 1/333": "لم يُسْمع في ( ألبتة ) إلا قطع الهمزة ، والقياسُ وصلها ".

وقال الزبيديُّ في "تاجِ العروس" : "ولا أفعله ( أَلبتة )، (( بقطع الهمزةِ )) كما في نسختنا، وضُبط في الصحاحِ (( بوصلها ))، ونقل شيخنا عن الدمامينيّ في شرحِ التسهيلِ: زعم في "اللباب" أنه سمع في ( ألبتة ) قطع الهمزة، وقال شارحه في العباب: إنه المسموع.
قال البدر: ولا أعرف ذلك من جهة غيرهما؛ وبالغَ في ردّه وتعقُّبهِ".

وأما الفريق الذين أنكروا كونها بهمزة القطع ومنهم الحافظ ابن حجر العسقلاني -رحمه الله- فقد قال في فتح الباري (7/483) تنبيهًا مفاده:

« قوله «البتّة» معناه القطع، وألفها ألف وصلٍ، وجزم الكرمانيّ بأنها ألف قطعٍ على غير قياس، ولم أر ما قاله في كلامِ أحدٍ من أهل اللغة.
قال الجوهري: الانبتاتُ الانقطاعُ، ورجلٌ منبتٌّ أي منقطع به، ويقال: لا أفعله بتّة ولا أفعله البتّة لكل أمر لا رجعة فيه، ونصبه على المصدر. انتهى
ورأيته في النسخ المعتمدة بألف وصل والله أعلم ».

ثمَّ وجدت بحثًا على الشبكة -ومنه استفدت بعض ما كتبت هنا- ذكر صاحبه المسألة ونقل عن صاحب كتاب "معجم الأخطاء الشائعة" الأستاذ محمد العدناني قوله في كتابه الآنف الذكر ص33: 

"أن في المسألة ثلاثة أقوال:
- قطع الهمزةِ، ونسبه لصاحب اللباب.
- وصل الهمزةِ، ونسبه للخليل وسيبويه وابن السكيت والجوهري وغيرهم.
- جواز الوجهينِ: ونسبه للزبيدي والآلوسي الكبير وغيرهما. ولم يرجّح قولاً منها " اهـ .

فمما تقدم يتضح لك أخي القارئ الكريم أن في الأمر سعةً إن شاء الله تعالى ما لم يأت أحد بدليل يناقض ما قد ذكرته في مقالتي هذه.
وأن قول القائل: ( ألبتَّة ) بهمز القطع لا إشكال فيه، لأنه المسموع والأشهر والأعم، وأن من جعلها همزة وصل فلا تثريب عليه -كذلك- في فعله هذا، فإنَّا قد رأينا مشايخنا وعلماءنا يكتبونها كلٌ بحسب ما يرى فقاطع وواصل!

وهنا نكتة لطيفة في لفظ كلمة ( ألبتَّة ) بهمزة القطع قد لاحت لي بعد تأمُّل:
وهي أن الهمزة في أصل اللغة هي الضغطة أوالنبرة، وهي من الحروف التي تتسم بالشِّدّة، والضغط والشِّدة من وسائل التوكيد الصوتي عند المتكلمين؛ فتجد المتكلم يشدد على حروف وكلمات بعينها يريد توكيد الحالة التي يذهب إليها أو الرأي الذي يراه، ولمَّا كانت الشدة والنَّبر مناسبة للقطع والبت ناسب أن تلفظ بالهمز للإمعان في التوكيد.

ثم وجدت من ألمح لعلاقة الهمز بما ذكرت آنفًا حيث قال:
"وهناك جانب آخر في طبيعة الهمز ألمح إليه بعضهم وهو أن معنى الهمز متصل بالنبر- فالمنبور يتطلب جهدا عضليا ونطقيا أكثر من غير المنبور، وعليه فالمقطع المنبور يكون مميزا من حيث التردد الأساسي [للصوت]- أو الضغط،  و قد كان النبر يأخذ في ألسنة القبائل العربية صورًا مختلفة، منها الهمزة، ومنها طول الحركات، ومنها تضعيف الأصوات" انتهى بتصرف يسير. 
[انظر كتاب: "في أسس المنهج الصوتي للبنية العربية، عرض وتقييم" د. علاء عبد الأمير شهيد السنجري و أصيل محمد كاظم].

هذا ما أمكن جمعه في هذه المسألة على عجل؛ فما كان من صواب فمن توفيق الله وحده وما كان من خطأ فمن نفسي ومن الشيطان.
والله أعلم.
وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليمًا كثيرًا

وكتب: لثلاث بقين من شهر ربيع الثاني سنة 1435هـ
الفقير لعفو ربِّه الخفي 
أبو موسى أحمد بن عيَّاش بن موسى الغرايبة الأردني
غفر الله له ولوالديه ولمشايخه آمين.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق