09/11/2023

معركة حطين ومغامرات المُغامرين!

معركة حطين ومغامرات المُغامرين!

بعد أحداث مفصلية في مصر والشام والأردن وكان أهمها نقض حاكم الكرك (أرناط) للهدنة بين صلاح الدين والصليبيين تهيأت أسباب المعركة بعد أن قام صلاح الدين بالزحف باتجاه قلعة الكرك وحاصرها ودمر زروعها ليقطع عنها الإمدادات ومن ثم اتجه إلى الشوبك وفعل ذات الأمر اتجه إلى بانياس بالقرب من طبرية وأخذ يُعد العدة لحرب الصليبيين، وظل صلاح الدين يُعد العُدة لهذه الحرب (عشر سنوات) مع توافر السلاح والعدة المُكافئة فيه، فلما اقتربت الأمور تشير إلى وقوع هذه المعركة "بدأت القوات الصليبية الزحف في ظروف بالغة الصعوبة في (21 من ربيع الآخر 583هـ = 1 من يوليو 1187م) تلفح وجوهها حرارة الشمس، وتعاني قلة الماء ووعورة الطريق الذي يبلغ طوله نحو 27 كيلومترا، في الوقت الذي كان ينعم فيه صلاح الدين وجنوده بالماء الوفير والظل المديد، مدخرين قواهم لساعة الفصل" نعم هذه الظروف التي أحاطت بصلاح وجيشه وقد كان في طبريا ينعم بالراحة كما تقدم!

إلا أن صلاحًا وهو قائد يعرف محيطه ويعيش قضيته مراعيًا للمصالح والمفاسد التي قد تصيب قومه وأمته قام عندما سمع بمسير الصليبيين وزحفهم نحوه، تقدم بجنده نحو تسعة كيلومترات عن البلدة، ورابط غربي طبرية عند قرية حطين بجانب قرني حطين وهي هضبة عالية مُشرفة، ونقل المعارك من أماكن السكان أمر يفعله القادة بحيث ينأون بالناس عن الالتحام المباشر الذي يذهب ضحيته النساء والشيوخ والأطفال وأولو الأعذار.

في الصورة المرفقة موقع طبريا البلد وموقع المعركة في فضاء حطين حيث كان الجيشان يلتحمان وجهًا لوجه وكان القتال يومئذ بذات السلاح فهل يمكن تنزيل هذا الواقع في معركة حطين على ما يفعله اليوم بعض المجموعات التي تزعم بأن حربها عبارة عن مغامرة مدروسة؟!

وصل الجيش الصليبي على مشارف جبل طبريا وهو الجبل الذي يشرف على جبل حطين. وقد كان صلاح الدين حريصًا على أن يحول بين أعدائه وبين الوصول إلى مصادر المياه خصوصًا وهم متعبون وساروا مسيرًا طويلًا وقد أنهكهم الجوع والعطش، وفي تلك الظروف قام المسلمون بإشعال "النار في الأعشاب والأشواك التي تغطي الهضبة، وكانت الريح على الصليبيين فحملت حر النار والدخان إليهم، فقضى الصليبيون ليلة سيئة يعانون العطش والإنهاك، وهم يسمعون تكبيرات المسلمين وتهليلهم الذي يقطع سكون الليل، ويهز أرجاء المكان، ويثير الفزع في قلوبهم".

هذه هي الظروف التي سبقت وقوع القتال وهي أمور مهمة جدًا في حسم مسار المعارك في ذلك الزمان وهو ما يحاول المتحزبون إسقاطه على واقع مدينة غزة اليوم –أعان الله أهلها ورفع عنهم ما أصابهم- وهذا الإسقاط غير ممكن مع الحالة الغزية وفي ظل التفاوت الهائل بين إمكانيات الطرفين، والنتائج الميدانية خير دليل على حجم الدمار والمخاسر التي تكبدها الغزيون العُزل إذ جُعلوا وقودًا لهذه المغامرة الفاشلة والله المستعان!

بدأ صلاح الدين هجومًا كاسحًا على الجيوش الصليبية بعد أن استغل جُنح الظلام فضرب طوقًا محكمًا حول جيش العدو فأصبحوا في قبضة الجيش المسلم فجاسوا خلالهم قتلًا وأسرًا واضطروهم إلى جبل حطين وحاصروهم "وكلما تراجعوا إلى قمة الجبل، شدد المسلمون عليهم، حتى بقي منهم ملك بيت المقدس ومعه مائة وخمسون من الفرسان، فسيق إلى خيمة صلاح الدين، ومعه (أرناط) صاحب حصن الكرك وغيره من أكابر الصليبيين، فاستقبلهم صلاح الدين أحسن استقبال، وأمر لهم بالماء المثلّج، ولم يعط (أرناط)، فلما شرب ملك بيت المقدس أعطى ما تبقّى منه إلى (أرناط)، فغضب صلاح الدين وقال: "إن هذا الملعون لم يشرب الماء بإذني فينال أماني!"، ثم كلمه وذكّره بجرائمه وقرّعه بذنوبه، ثم قام إليه فضرب عنقه، وقال: "كنت نذرت مرتين أن أقتله إن ظفرت به: إحداهما لما أراد المسير إلى مكة والمدينة، والأخرى لما نهب القافلة واستولى عليها غدرًا".


نعم هكذا تكون خطة القتال وهكذا يكون الإعداد، ولاحظ أخي القارئ الكريم ما هو الحامل لصلاح الدين أن يضرب عنق (أرناط)، لقد كان الدافع الأول كونه أراد المسير إلى مكة والمدينة ليغزوها، وهذا إنما له تعلق بعقيدة صلاح تُجاه هاتين المدينتين العظيمتين فإذا نظرنا إلى فعل المغامرين اليوم لمَّا ضُربت مكة والمدينة بالصواريخ من قبل أوليائهم من الرافضة المجوس طاروا فرحًا وأيدوا الحوثي وشدوا على يده النجسة، ولم يخرج من هؤلاء الأوباش ذَكَرٌ واحد يستنكر الهجوم على المدينتين وفيهما أقدس مسجدين على الأرض!

إذن، عدة صحيحة وعتاد مكافئ وعقيدة قتالية ذات طابع أصيل معلومة البوصلة والراية والقائد والهدف.

وكان من نتائج هذه المعركة العظيمة والمفصلية في تاريخ الأمة أن الصليبيين هُزموا هزيمة نكراء لا زالوا يعانون منها إلى يومنا هذا، فقدوا زهرة فرسانهم، وقُتلت منهم أعداد هائلة، ووقع في الأسر مثلها، حتى قيل: إن من شاهد القتلى قال: ما هناك أسير، ومن عاين الأسرى قال: ما هناك قتيل.

"وغدت فلسطين عقب حطين في متناول قبضة صلاح الدين، فشرع يفتح البلاد والمدن والثغور الصليبية واحدة بعد الأخرى، حتى توج جهوده بتحرير بيت المقدس في (رجب 583هـ = أكتوبر 1187م).

الخلاصة: إن إسقاط المعارك الإسلامية الفاصلة على الأحداث الغزية أو قياسها عليه هو قياس مع الفارق وهو من الأقيسة الفاسدة التي لا يُعتد بها، لأن الله لما أمر بإعداد العدة لم يترك المسلمين يركنون إلى تأييد الله لعباده فحسب بل أمرهم بالأخذ بأسباب هذه النصرة من الاعتصام به وبدينه وبترك الآراء الشاذة والطائشة لأن حفظ النفس من أعظم مقاصد الشرع الحنيف وعصمة الدماء في الإسلام عظيمة وأعظم من الكعبة الشريفة؛ فالمغامرة بدماء الناس بدعوى أن الأمة انتصرت سابقًا (مع فارق الحالتين كما تقدم) يعد ضربًا من الجنون أو التآمر؛ فأي شيء أحسن عند أعداء الإسلام -وهم في قمة قوتهم وجبروتهم وتطورهم على كافة الصعد- من إعطائهم الذريعة لسفك دماء المسلمين العُزل وأعداء الأمة اليوم من أمة الغضب يقف في صفها كل أمم الأرض بجيوشها وأموالها وكل ما تملك من سلاح وعتاد، والأمة الإسلامية –على فرض أنها ستدخل في حرب مع هؤلاء- اليوم في حالة من الضعف الذي لا تملك معه قوت أبنائها لأكثر من ستة أشهر على أحسن تقدير، فعلى المسلمين اليوم أن يعوا أن الأمر ليس بالخطابات الرنانة ولا بالبطولات الوهمية، وإنما باتباع ما أمر الله به من إعداد العدة الإيمانية أولًا ومن ثم العسكرية ومن ثم تنظر الأمة طريقها ويجب على الأمة اليوم أن تعي أن الغرب لن يتركها تتوحد على أمر فيه نفعها وقوتها ولذلك يزرع بين أبنائها من يُنادي بوحدتها وهو أشد الناس بثًا للفرقة والفتنة ويفتح الباب للعدو الرافضي على مصراعيه ليعيث في الأمة الفساد والمستفيد الأول والأخير إنما هو العدو الغاشم الذي يضرب ويستنكر ويستلب من الأمة خيراتها، والله غالب على أمره!

وكتب أبو موسى أحمد الغرايبة

غفر الله له ولوالديه

25/4/1445هـ

9/11/2023م

 

 


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق