{ قُلْ لَا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ} [سورة النمل: 65].
"التشريب" ، "البواحير" استعمال أكوام الملح في معرفة حالة الموسم المطري!
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه، أما بعد:
فمع هذا التطور العظيم الذي حصل في مجالات الطقس والمناخ وقراءة التاريخ المطري للبلاد لعشرات السنين بما يقوم به المتخصصون في علوم المناخ والطقس لتوقع ما يمكن أن يكون عليه الموسم المطري بناءً على المعلومات الموثقة يخرج علينا بعض المولعين بالغرائب التي لا أساسًا علميًا لها ولا تقوم على بيانات أو أحداث مسجلة وإنما تقوم على التخمينات والموروثات البائدة والتي لا تخلو من خرافة فضلًا عن ادعاء للغيب ولعلها إلى الكهانة والعرافة أقرب!
يعرف القرطبي -رحمه الله- الكهانة أو العرافة بقوله: «العراف هو الحازر والمنجم الذي يدعي علم الغيب، والتنجيم من العرافة، وصاحبها عراف، وهو الذي يستدل على الأمور بأسباب ومقدمات يدعي معرفتها».
ويقول ابن حجر العسقلاني -رحمه الله-: «والكهانة بفتح الكاف ويجوز كسرها، ادعاء علم الغيب، كالإخبار بما سيقع في الأرض، مع الاستناد إلى سبب». انتهى.
وللوقوف على حقيقة ما يسمى بالتشريب أو البواحير أنقل لك أخي القارئ الكريم تعريف الأستاذ "فريد طعم الله" [مقال على الشبكة العنكبوتية] لها إذ يقول:
اقتباس: "هي طريقة قديمة في الموروث الزراعي الكنعاني، استخدمها فلاحو فلسطين للتنبؤ بأحوال المناخ في الموسم المطري المقبل باستخدام الملح -ويسمونها في شمال فلسطين ولبنان (البواحير)".
إذن، موروث وثني من زمن الكنعانيين وتذكر بعض المصادر التاريخية أن "ديانة الكنعانيين تقوم على تقديس مظاهر الطبيعة والكون مثل باقي الديانات القديمة"، وأكثر هذه الديانات قائم على الكهانة والعرافة كما لا يخفى.
ويكمل "فريد طعم الله" مبينًا معنى هذه الطقوس الوثنية:
"أما طقس التشريب فيتمثل في أن يجمع أطفال القرية الملح من بيوت القرية عصر يوم التشريب، ويوضع الملح في ستة أو سبعة أكوام في العراء ليلة الصليب!! 26-27 أيلول، وكل كوم يمثل شهر من الأشهر 10 حتى شهر 4، وهي الأشهر المطيرة في بلادنا".
يوم الصليب عند مسيحيي الشرق هو يوم 27 أيلول، وترى هنا أخي القارئ أن أصل العملية متعلق بموضوع مخالف لعقيدتنا كمسلمين ويصادم نصوص القرآن العظيم صراحة، فاعتبار هذا اليوم يوم صلب المسيح -عليه السلام- فيه ما فيه من مخالفة لعقائد أهل الإسلام فتنبه يا رعاك الله!
ويكمل "فريد" قائلًا:
"ويقوم بهذه المهمة شخص (تقي)! والأهم يحمل اسماً لا يحمله غيره في القرية!، حيث يُسمي الله ويقول: "يا سموم اقلب ندا، ما في البلد على إسمي حدا"! أثناء وضع اكوام الملح".
كما ترى هذه الطقوس المذكورة ليس لها أي اتصال لا بالعلم المناخي ولا حتى بالطقس لا من قريب ولا من بعيد، فما فائدة كون الذي يقوم بالمهمة مسلمًا تقيًا أم كافرًا شقيًا في وضع الملح، وما علاقة ذلك بعملية التوقع؟!
ثم ما هذا السجع الكهنوتي: "يا سموم اقلب ندا، ما في البلد على إسمي حدا"؟! إن فيها طلبًا من الملح (السموم) أن ينقلب ندًا بدليل أن التقي المزعوم ليس في البلد على اسمه أحد، وفي هذا دعاء غير الله وهو من وسائل الإشراك التي نهينا أهل الإسلام عنها!
يكمل "فريد" معرفًا بالطقوس:
"تتم مراقبة أكوام الملح قبل بزوغ شمس اليوم التالي في الصباح الباكر، ويبدأ العد من كومة الشهر الأول أي تشرين الأول، ثم الثاني وهكذا، لمعرفة أي الأشهر فيها شتاء وفير، وأيها شتاؤها ضعيف، فإن كانت إحدى هذه الاكوام تغير لونها وسال ماؤها فهو شهر شتاء وفير. أي أن ذوبان الأكوام أو بعضها يدل على مقدار المطر في الشهر الذي تمثله بمعنى أن الكوم أو الأكوام التي تذوب أكثر (بفعل الندى) تعني توقع أن تشهد أمطارًا وفيرة والعكس صحيح.
وإذا كانت الكومات كلها رطبة قليلاً فالسنة تكون محلاً (إذا كان الملح جامدًا يكون البرد قارسًا، وإذا ذاب الملح فالشهر يخبئ أمطارًا وافرة وإذا لم يتغيّر حال الملح فالطقس سيكون صافيًا وجافًا).
هناك من يعتقد أن الملح المستخدم في التشريب يجب أن يكون من الملح الصخري الطبيعي، كما ويجب أن توضع الأكوام على سطح حجر البازلت أو الصوان الذي لا يتأثر بالرطوبة وتكون في اتجاه من الشمال للجنوب".
انتهى الاقتباس.
وكما ترى أخي القارئ الكريم من تعريف طريقة التشريب السابقة الذكر والتعليق عليها أن هذه الطريقة تنضوي على مخالفات شرعية يجب على المسلم تجنبها لأنها تمس صميم عقيدة التوحيد القائمة على أن الله وحده العالم بالغيب المتصرف في الأمور كلها بل وإن تصرفه -تبارك وتعالى- بالمطر من علوم الغيب الخمسة التي اختص ذاته العلية بها فقال في محكم التنزيل كما في سورة لقمان (الآية: 34): {إِنَّ اللَّهَ عِندَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْأَرْحَامِ ۖ وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَّاذَا تَكْسِبُ غَدًا ۖ وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ ۚ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ}. وقد أخبر النبي -صلى الله عليه وسلم- أنها لا يعلمها إلا الله، وهذا الذي يفعله هؤلاء الجهلة ليس من علوم الطقس ولا الأرصاد الحديث في شيء لأن علم الأرصاد الحديث قائم على الإحصاءات والتوقعات المبنية على الأرشيف المطري في بلد ما وعلى توالي الأمطار ونزولها وانقطاعها عبر عقود متتابعة وباستخدام وسائل قائمة على المشاهدات ورصد حركة الرياح والسحاب والبرودة والحرارة في مياه البحار والمحيطات وتأثيرات البراكين والزلازل على تغير المناخ، فشتان بين العلوم التطبيقية وبين الكهانة الغابرة ليأتينا رجل أمي لا يعلم كوعه من كرسوعه ليضع كومات من الملح يصيبها الندى في يوم ما ليقول على إثرها موسم مطري وافر أو موسم ممحل، ولو وضعها في أيام غير أيام الصليب المزعومة لربما كان الندى أشد والسيلان للملح أعظم!
وهنا لا بد من التنبيه إلى أن الإسلام لم يمنع من الاستدلال على الأشياء بصفاتها والظروف المحيطة بها كمن يستدل بالأثر على المسير والبعرة على البعير، وهو ما يمكن تسميته بالاستشراف للمستقبل، فهذا لا بأس به، وقد كان النبي -صلى الله عليه وسلم- يعجبه الفأل الحسن ونحن نتفاءل بعظيم كرم الله -عز وجل- بأن يجعل هذا الموسم موسم خير وبركة وغلة عظيمة مباركة على جميع إخواننا المزارعين الذين عانوا من تقلب المواسم السابقة وتأخر المطر وانقطاعه مددًا طويلة، فاللهم نسألك الخير والبركة والرزق الحلال، وأن تجعلنا ممن يجرد التوحيد لك وحدك لا إله غيرك ولا شريك لك، ونسألك اللهم أن تعاملنا بجميل لطفك وعظيم امتنانك بالصلاة على نبيك.. آمين.
وكتب مصليًا مسلمًا على النبي وآله وصحبه
ظهيرة يوم الخميس 13 من ربيع الأول 1445هـ
أخوكم الصغير
أبو موسى أحمد بن عياش الغرايبة
غفر الله له ولوالديه وللمسلمين
والحمد لله رب العالمين
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق