«مختصر زاد المعاد»
..::[21]::..
[فَصْلٌ فِي هَدْيِهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
في قراءة القرآن]
كان له حزب لا يخل به، وكانت قراءته ترتيلا حرفا حرفا،
ويقطع قراءته آية آية، ويمد عِنْدَ حُرُوفِ الْمَدِّ، فَيَمُدُّ الرَّحْمَنَ،
وَيَمُدُّ الرَّحِيمَ. وكان يستعيذ في أول القراءة، فَيَقُولُ: «أَعُوذُ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ»
(1) وَرُبَّمَا قال: «اللَّهُمَّ
إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ من همزه ونفخه ونفثه»
(2).
وَكَانَ يُحِبُّ أَنْ يَسْمَعَ الْقُرْآنَ مِنْ غَيْرِهِ،
وأمر ابن مسعود، فقرأ وهو يسمع، وخشع حتى ذرفت عيناه. وكان يقرأ قائمًا وقاعدًا
ومضطجعًا ومتوضئًا ومحدثًا إلا الجنابة.
وكان يتغنى به، ويرجع صوته أحيانًا. وحكى ابن المغفل ترجيعه
آآآ ثلاث مرات، ذكره البخاري(3). وإذا جمعت هذا إلى قوله: «زينوا القرآن بأصواتكم» (4)
وَقَوْلِهِ: «مَا
أَذِنَ اللَّهُ لِشَيْءٍ كَإِذْنِهِ لِنَبِيٍّ حَسَنِ الصَّوْتِ يَتَغَنَّى
بِالْقُرْآنِ» (5) عَلِمْتُ أَنَّ هَذَا الترجيع منه اختيارٌ، لا لهزِّ
الناقة، وإلا لم يحكه ابن المغفل اختيارا ليتأسى به ويقول: كان يرجع في قراءاته.
وَالتَّغَنِّي عَلَى وَجْهَيْنِ:
أَحَدُهُمَا:
مَا اقْتَضَتْهُ الطَّبِيعَةُ من غير تكلف، فهذا جائز وإن أعان طبيعته بفضل تزيين،
كما قال أبو موسى لِلنَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- : «لَوْ
عَلِمْتُ أنك تستمع لحبرته لك تحبيرًا» (6)
أي: لحسنته لك تحسينًا، وهذا هو الذي كان السلف يفعلونه، وعليه تحمل الأدلة كلها.
والثاني:
ما كان صناعة من الصنائع، كما يتعلم أصوات الغناء بأصناف الألحان على أوزان
مخترعة، فهذه هي التي كرهها السلف، وأدلة الكراهة إنما تتناول هذا.
____________________
(1)
قال الشيخ الألباني –رحمه
الله- في «الإرواء» (342): «صحيح لكن بزيادتين وأما بدونهما فلا أعلم له أصلا..».
قلت:
أخرج عبدالرزاق في «مصنفه» (2/86) عن جعفر بن سليمان عن علي بن علي
الرفاعي عن أبي المتوكل عن أبي سعيد أن رسول الله –صلى الله عليه وسلم- كان يقول قبل القراءة: «أعوذ بالله من الشيطان الرجيم»، وهذا إسناد حسن –إن شاء الله تعالى- جعفر بن سليمان قال عنه الحافظ : «صدوق زاهد لكنه يتشيع»، وقال الذهبي: «صدوق صالح ثقة مشهور»، وشيخه الرفاعي لا بأس به ووثقه غير واحد.
والله
أعلم.
تنبيه: عزا محقق «المصنف» هذا الحديث إلى أبي داود ورمز له بـ: (د)؛ فأوهم أن الحديث
عنده والأمر ليس كذلك؛ فالموضع الذي أشار إليه إنما فيه أمر النبي –صلى الله عليه وسلم- لرجل غضب أن يقول : «أعوذ بالله من
الشيطان الرجيم» وهو برقم: (4781)،
والحديث –هنا- في القراءة.. فتأمل! .
(2)
أخرجه أبو داود برقم: (764)، وابن ماجه برقم: (807)، وغيرهما. وانظر: «إرواء الغليل» (342).
(3)
برقم: (7540)، ومسلم برقم: (794).
(4)
أخرجه أبو داود برقم: (1468)، والنسائي برقم: (1015)، وابن ماجه برقم: (1342)،
وأحمد برقم: (18494)، وغيرهم من طريق طلحة بن مصرف عن عبدالرحمن بن عوسجة عن
البراء بن عازب يرفعه.
قلت:
وإسناد ابن ماجه صحيح، وانظر: «صحيح أبي داود الأم» (1320).
(5)
أخرجه البخاري برقم: (5023)، ومسلم برقم: (792).
(6)
أصل هذا الحديث عند البخاري برقم: (5048)، وعند مسلم برقم: (793) وهو قوله –عليه الصلاة والسلام- لأبي موسى –رضي الله عنه- : «لقد أوتيت مزمارًا من مزامير آل داود».
وأمّا
قول أبي موسى –رضي الله عنه- فقد أخرجه ابن حبان في «صحيحه» برقم: (7197)، والبيهقي في «السنن الكبرى» (3/12)، و(10/231)، والبزار في «مسنده» برقم: (3160)، من طريق يحيى بن سعيد الأموي ثنا طلحة بن
يحيى عن أبي بردة عن أبي موسى قال: (فذكره). وله شواهد يتقوى بها فهي زيادة حسنة
إن شاء الله تعالى.
قلت:
وقد أورده الشيخ الألباني –رحمه الله- في «صفة الصلاة» (127-128)، وعزاه لـ «عبدالرزاق في «الأمالي»، والبخاري ومسلم وابن نصر والحاكم» اهـ ، والله أعلم.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق