بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول
الله وعلى آله وصحبه ومن اتبع هداه.
أما بعد:
فقد اطلعتُ على ما نشرته جريدة الشرق الأوسط في عددها ذي الرقم (12068) من مقال لعبد الرحمن الراشد بعنوان:
"من السلفي والإخواني والليبرالي؟".
ومن ضمن كلامه في هذا المقال قوله:
"أربكتنا الساحة المصرية! لم نعد نعرف الإسلاميين من الليبراليين، ولم نعد نفهم السلفية أو «الإخوانية» كما كنا نظن أننا نعرفها".
أقول: هكذا آلت الأهواء بمن اختطفوا اسم السلفية في مصر إلى درجة أربكت المتابعين لهم حيث اختلط الحابل بالنابل، إلى درجة أصبح المتابع لهم لا يميز بينهم وبين الليبراليين .
فصار منهجهم يبيح لهم التصوير، ويبيح لهم التحزب، فأنشؤوا ما يسمى بحزب النور، ويبيح لهم ترشيح المرأة للمناصب السياسية التي لا يعرفها الإسلام، ويطلبون من المرشحة أن تتصور وتنشر صورتها ليكسبوا بها أصوات الناخبين، ويبيح لهم التعلق بأهداب الديمقراطية الكافرة التي كان يراها الإخوان المسلمون كفراً، وهؤلاء المتسلقون من فصائلهم، فيا له من انحراف وانجراف يرفضهما الإسلام ويبرأ منهما.
قال عبد الرحمن الراشد: " ومن شيوخ «النور» محمد عبد المقصود الذي استبق المرحلة الثانية من الانتخابات، فأطلق فرقعات كلامية شدت الجميع، قال: إنهم لو فازوا فلن يغلقوا البنوك، ولا الشواطئ أمام النساء والرجال. وزاد على ذلك، فأعلن مطمئنا الجمهور السلفي بأن الليبراليين فصيل إسلامي، مثل «الإخوان» والسلفيين!".
أقول: فهذا مكرٌ من محمد عبد المقصود بالجمهور السلفي وتعهدٌ منه بإسقاط أصل الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، الذي حازت به أمة محمد -صلى الله عليه وسلم- الخيرية على سائر الأمم، قال تعالى: (كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ) .
وقال تعالى: (وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) .
وقال تعالى: (الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ) .
فأنسى حب الدنيا والمطامع السياسية الساقطة محمد عبد المقصود هذا الأصل العظيم الذي دلت عليه هذه الآيات وما تضمنته من مكانة لأمة الإسلام، بل أنسته الديمقراطية وما تفرع عنها من الدعوات إلى الحريات المصادمة للإسلام وقيمه وأصوله العظيمة أنسته المنهج الإسلامي الحق والثبات عليه.
ومن هذا المنطلق أعلن على الملأ "أن الليبراليين فصيل إسلامي مثل الإخوان والسلفيين"، هكذا مثل الإخوان والسلفيين، فأطلق هذه المماثلة، ولم يذكر أي فارق بين سلفيته وبين الليبرالية والليبراليين، وهذا منه تلميع لليبراليين ودعوة من حيث يدري أو لا يدري إلى انضواء من شاء من الشباب تحت راية الليبراليين، (سَتُكْتَبُ شَهَادَتُهُمْ وَيُسْأَلُونَ) .
ولم يستنكر هذا ولا ذاك إخوانه من شيوخ حزب النور ولا تلاميذهم، ولا يستبعد أنهم على منهج محمد عبد المقصود في هذه الرزايا والبلايا العظيمة وغيرها مما هو معروف عند العقلاء والسلفيين الصادقين.
لمحة عن الليبرالية:
من أصولها :
1- "أنها مذهب رأسمالي ينادي بالحرية المطلقة في الميدانين الاقتصادي والسياسي".
وهذا يتضمن إسقاط حاكمية الله في ميدان السياسة، وإسقاط ركن من أركان الإسلام وهو الزكاة، واستباحة الربا وهو من أعظم المحرمات.
2- "يؤكد هذا المذهب على القبول بأفكار الغير".
فسواء عنده اليهودية والنصرانية والشيوعية والرافضية، وهذه هي وحدة الأديان، ولن يقبل الإسلام لأنه ضد هذا المذهب.
ويؤكد على قبول أفعال الغير من زنا وشرب الخمر وتحلل النساء، وهذه هي الإباحية.
3- "وتعتمد الليبرالية على الفلسفة النفعية والعقلانية لتحقيق أهدافها".
فتعتمد هاتين الفلسفتين الضالتين لتحقيق أهدافها، ومن فروع هاتين الفلسفتين المذهب الميكافيلي؛ الغاية تبرر الوسيلة، والإسلام ضد هاتين الفلسفتين، فغاياته شريفة نزيهة، ويشرع لتحقيق هذه الغاية الوسائل الشريفة النظيفة.
4- ومن أصول هذا المذهب المدمِّر "فصل الدين عن الدولة".
وهذا أصل كفري، قائم على إنكار حاكمية الله وتشريعاته العادلة التي يجب أن تخضع لها الأمة والدولة وتلتزمها، وإنكار حاكمية الله وإنزالها هذه المنـزلة كفر لا شك فيه، ويستبعد من هؤلاء الليبراليين أتباع أساطين الكفر أن يؤمنوا بحاكميه الله أو أن يلتزموها، ومن هؤلاء الأساطين آدم سميث ومالتوس وريكاردو وجون ستيورات مل، فهؤلاء هم أئمة الليبراليين من زنادقة الغرب.
5- "ويقوم هذا المذهب على أساس التعددية الأيديولوجية".
والأيدلوجية لها تفسيرات منها علم الأفكار، ومنها مجموعة الأفكار والمعتقدات؛ ذلك أن أهل هذا المذهب يكفلون حرية الأفراد بما في ذلك حرية المعتقد أي حرية الأديان.
6- "ويؤمن هذا المذهب بالتنظيمية الحزبية والنقابية، من خلال النظام البرلماني الديمقراطي بسلطاته الثلاث: التشريعية والتنفيذية والقضائية" ، "انظر الموسوعة الميسرة" (ص1145-1146).
فبؤساً لهذا المذهب وأهله، وبرأ الله الإسلام منه ومن أهله.
فهذا موجز عن الليبرالية أنها دين كافر، يضاد الإسلام ويواجهه على عدة جبهات.
فما هو رأي علماء الإسلام حقاً فيمن يقول: إن الليبراليين فصيل إسلامي مثل الإخوان والسلفيين؟، وهل من يحمل هذه الأفكار التي تضمنها هذا المقال يعد من شيوخ السلفية؟؟.
عن أبي هريرة –رضي الله عنه- قال: قال رسول الله –صلى الله عليه وسلم-: " يكون في آخر الزمان دجالون كذابون يأتونكم من الأحاديث بما لم تسمعوا أنتم ولا آباؤكم فإياكم وإياهم لا يضلونكم ولا يفتنونكم" ، أخرجه مسلم في "مقدمة صحيحه" (1/12).
فهؤلاء والله في غاية الخطورة على الإسلام والمسلمين.
حيث يأتون المسلمين بما لم يسمعوا هم ولا آباؤهم من الضلالات والمبادئ الهدامة التي تهدم الإسلام، وتضل من ينخدع بهم وبدعواتهم ودعاواهم ضلالاً بعيداً.
وقال فيهم رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: " غير الدجال أخوفني عليكم " أخرجه مسلم في "صحيحه" حديث (2937) من حديث النواس بن سمعان.
ألا فليحذر شباب الإسلام في كل مكان من هذه الأصناف من الدعاة، الذين وصفهم رسول الله –صلى الله عليه وسلم- بأنهم " دُعَاةٌ إِلَى أَبْوَابِ جَهَنَّمَ مَنْ أَجَابَهُمْ إِلَيْهَا قَذَفُوهُ فِيهَا" أخرجه البخاري في صحيحه حديث (3606)، ومسلم في "صحيحه" حديث (1846) من حديث حذيفة بن اليمان –رضي الله عنه-.
وعَنْ حُذَيْفَةَ –رضي الله عنه- قَالَ: ذُكِرَ الدَّجَّالُ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ: "لَأَنَا لِفِتْنةِ بَعْضِكُمْ أَخْوَفُ عِنْدِي مِنْ فِتْنَةِ الدَّجَّالِ، وَلَنْ يَنْجُوَ أَحَدٌ مِمَّا قَبْلَهَا إِلَّا نَجَا مِنْهَا، وَمَا صُنِعَتْ فِتْنَةٌ مُنْذُ كَانَتْ الدُّنْيَا صَغِيرَةٌ وَلَا كَبِيرَةٌ إِلَّا لِفِتْنَةِ الدَّجَّالِ" أخرجه أحمد في "مسنده" (5/389).
وبعد تعليقي على كلام محمد عبد المقصود السالف الذكر، وقفتُ على ما نشرته صحيفة (المصريون) بتأريخ (11/12/2011م) من تصريحات لمحمد عبد المقصود، وفيها ما يؤكد ما نقله عبد الرحمن الراشد عن هذا الرجل، ومن تلك التصريحات:
"استنكاره الهجمة الإعلامية الشرسة على التيارات الإسلامية لكونها حققت نجاحا كبيرا في البرلمان، وقال: إن كل التجاوزات حدثت من جميع الأحزاب، وهذا لا يعني الطعن على الانتخابات.
وأكد أن الليبراليين فصيل إسلامى في المجتمع المصري مثل الإخوان والسلفيين، وينبغي على الناس فهم ذلك جيدًا، والقرآن يقول: (وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعانوا على الإثم والعدوان)، فحتى لو حدث تجاوز من أحد الطرفين ينبغي على الطرف الآخر أن يصبر على هذا التجاوز ولا يقابله بتجاوز.
ودعا إلى ضرورة التآلف بين كل التيارات كي لا يتسبب هذا الانفصال في خسارة فادحة للإسلام والمسلمين، مشدداً أنه لا يوجد إسلام سلفي ولا إخواني، بل السلفية منهج والإخوان منهج، وليس هناك هذه التفرقة، ولكن هو مسلك واحد يضم جميع الأطراف".
أقول: يطلب محمد عبد المقصود من الناس أن يفهموا جيداً أن الليبراليين فصيل إسلامي في المجتمع المصري.
ويحتج على شهادته لليبراليين بأنهم فصيل إسلامي بقول الله تعالى: (وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعانوا على الإثم والعدوان).
وهذا الاستشهاد بالآية الكريمة يبلغ نهاية التحريف لكلام الله تعالى.
فليُبيِّن لنا قضايا البر والتقوى التي يتعاونون عليها مع الليبراليين، وقضايا الإثم والعدوان التي يتعاونون على إنكارها.
ومن اضطرابه وتناقضه بعد استشهاده بالآية الكريمة في غير موضعها، بل بما هو مضاد لدلالتها.
قوله: " فحتى لو حدث تجاوز من أحد الطرفين ينبغي على الطرف الآخر أن يصبر على هذا التجاوز ولا يقابله بتجاوز".
وفي هذا الكلام حث على الصبر على تجاوز الليبراليين للإسلام وعقائده وتشريعاته، فلا ينكر عليهم هذه التجاوزات الهدامة للإسلام، فهل هذا من التعاون على البر والتقوى أيها الملبِّس؟ كلا، بل هذا من التعاون على أشد أنواع الإثم والعدوان، وكأنه يعتبر إنكار ضلالات الليبراليين من التجاوزات للإسلام.
وقد عرف القارئ الكريم ما هي الليبرالية عند المسلمين الناصحين، وأنها مضادة للإسلام.
يقول الناشر عن محمد عبد المقصود:
" ودعا إلى ضرورة التآلف بين كل التيارات كي لا يتسبب هذا الانفصال في خسارة فادحة للإسلام والمسلمين".
هكذا يدعو إلى التآلف بين كل التيارات الموجودة في مصر من إسلاميين وليبراليين وعلمانيين ونصارى وغيرهم.
أقول: وهذه الدعوة تشبه الدعوة إلى وحدة الأديان وأخوة الأديان، على حد قول القائل في النبيذ:
فإلا يكنها أو تكنه فإنه أخوها غذته أمه بلبانها
أي إنْ لم يكن النبيذ هو الخمرة، فإنه أخوها، غذته أمه بلبانها.
أي خسارة تلحق الإسلام دين الله الحق إذا فرَّق المسلمون بين الإيمان والكفر، والهدى والضلال، والحق والباطل، والسنة والبدعة.
وقد فرَّق الله ورسوله والمؤمنون بين الإسلام وهذه التيارات كلها التي يدعو محمد عبد المقصود وأمثاله إلى التآلف بينها، في الوقت الذي يحارب فيه هو وأمثاله أهلَ السنة والحق الذين يدعون إلى الله على بصيرة، ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر، أخذاً بتوجيهات الله ورسوله وبذم الله ورسوله للأهواء كلها، وتحذير الله ورسوله من التآلف معهم والركون إليهم.
قال تعالى: (لَا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ أُولَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمَانَ وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ وَيُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ أُولَئِكَ حِزْبُ اللَّهِ أَلَا إِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ).
وقال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا بِطَانَةً مِنْ دُونِكُمْ لَا يَأْلُونَكُمْ خَبَالًا وَدُّوا مَا عَنِتُّمْ قَدْ بَدَتِ الْبَغْضَاءُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الْآيَاتِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْقِلُونَ).
وقال تعالى: (وَلَا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ وَمَا لَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ أَوْلِيَاءَ ثُمَّ لَا تُنْصَرُونَ).
إلى غير ذلك من الآيات.
ولقد لعن الله اليهود؛ لأنهم كانوا لا يتناهون عن منكر فعلوه.
قال تعالى: (لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُودَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ كَانُوا لَا يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُنْكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ).
وحذَّر رسول الله -صلى الله عليه وسلم- من أهل الأهواء، فقال -صلى الله عليه وسلم-: " إذا رأيتم الذين يتبعون ما تشابه منه فأولئك الذين سمى الله فاحذروهم".
وذمَّ الخوارج، وقال فيهم: " يَمْرُقُونَ مِنْ الدِّينِ مُرُوقَ السَّهْمِ مِنْ الرَّمِيَّةِ، يَقْتُلُونَ أَهْلَ الْإِسْلَامِ، وَيَدَعُونَ أَهْلَ الْأَوْثَانِ، لَئِنْ أَنَا أَدْرَكْتُهُمْ لَأَقْتُلَنَّهُمْ قَتْلَ عَادٍ".
ووصفهم بأنهم شر الخلق والخليقة، وأمر بقتلهم، فقاتلهم أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فقتلوا الكثير منهم، وشردوا الآخرين.
وأطبق السلف الصالح على ذم أهل البدع وهجرانهم، والتحذير من مجالستهم، وألّفوا في ذلك المؤلفات الكثيرة.
فمنهج محمد عبد المقصود مضاد لكتاب الله وسنة رسوله -صلى الله عليه وسلم- ومنهج الصحابة العظام والسلف الصالح والأئمة العظام.
لأن منهج هذا الرجل يقوم على الجهل المطبق والهوى الجامح، وبرأ الله منه الإسلام، وبرأ الله منهج السلف منه.
فقد اطلعتُ على ما نشرته جريدة الشرق الأوسط في عددها ذي الرقم (12068) من مقال لعبد الرحمن الراشد بعنوان:
"من السلفي والإخواني والليبرالي؟".
ومن ضمن كلامه في هذا المقال قوله:
"أربكتنا الساحة المصرية! لم نعد نعرف الإسلاميين من الليبراليين، ولم نعد نفهم السلفية أو «الإخوانية» كما كنا نظن أننا نعرفها".
أقول: هكذا آلت الأهواء بمن اختطفوا اسم السلفية في مصر إلى درجة أربكت المتابعين لهم حيث اختلط الحابل بالنابل، إلى درجة أصبح المتابع لهم لا يميز بينهم وبين الليبراليين .
فصار منهجهم يبيح لهم التصوير، ويبيح لهم التحزب، فأنشؤوا ما يسمى بحزب النور، ويبيح لهم ترشيح المرأة للمناصب السياسية التي لا يعرفها الإسلام، ويطلبون من المرشحة أن تتصور وتنشر صورتها ليكسبوا بها أصوات الناخبين، ويبيح لهم التعلق بأهداب الديمقراطية الكافرة التي كان يراها الإخوان المسلمون كفراً، وهؤلاء المتسلقون من فصائلهم، فيا له من انحراف وانجراف يرفضهما الإسلام ويبرأ منهما.
قال عبد الرحمن الراشد: " ومن شيوخ «النور» محمد عبد المقصود الذي استبق المرحلة الثانية من الانتخابات، فأطلق فرقعات كلامية شدت الجميع، قال: إنهم لو فازوا فلن يغلقوا البنوك، ولا الشواطئ أمام النساء والرجال. وزاد على ذلك، فأعلن مطمئنا الجمهور السلفي بأن الليبراليين فصيل إسلامي، مثل «الإخوان» والسلفيين!".
أقول: فهذا مكرٌ من محمد عبد المقصود بالجمهور السلفي وتعهدٌ منه بإسقاط أصل الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، الذي حازت به أمة محمد -صلى الله عليه وسلم- الخيرية على سائر الأمم، قال تعالى: (كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ) .
وقال تعالى: (وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) .
وقال تعالى: (الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ) .
فأنسى حب الدنيا والمطامع السياسية الساقطة محمد عبد المقصود هذا الأصل العظيم الذي دلت عليه هذه الآيات وما تضمنته من مكانة لأمة الإسلام، بل أنسته الديمقراطية وما تفرع عنها من الدعوات إلى الحريات المصادمة للإسلام وقيمه وأصوله العظيمة أنسته المنهج الإسلامي الحق والثبات عليه.
ومن هذا المنطلق أعلن على الملأ "أن الليبراليين فصيل إسلامي مثل الإخوان والسلفيين"، هكذا مثل الإخوان والسلفيين، فأطلق هذه المماثلة، ولم يذكر أي فارق بين سلفيته وبين الليبرالية والليبراليين، وهذا منه تلميع لليبراليين ودعوة من حيث يدري أو لا يدري إلى انضواء من شاء من الشباب تحت راية الليبراليين، (سَتُكْتَبُ شَهَادَتُهُمْ وَيُسْأَلُونَ) .
ولم يستنكر هذا ولا ذاك إخوانه من شيوخ حزب النور ولا تلاميذهم، ولا يستبعد أنهم على منهج محمد عبد المقصود في هذه الرزايا والبلايا العظيمة وغيرها مما هو معروف عند العقلاء والسلفيين الصادقين.
لمحة عن الليبرالية:
من أصولها :
1- "أنها مذهب رأسمالي ينادي بالحرية المطلقة في الميدانين الاقتصادي والسياسي".
وهذا يتضمن إسقاط حاكمية الله في ميدان السياسة، وإسقاط ركن من أركان الإسلام وهو الزكاة، واستباحة الربا وهو من أعظم المحرمات.
2- "يؤكد هذا المذهب على القبول بأفكار الغير".
فسواء عنده اليهودية والنصرانية والشيوعية والرافضية، وهذه هي وحدة الأديان، ولن يقبل الإسلام لأنه ضد هذا المذهب.
ويؤكد على قبول أفعال الغير من زنا وشرب الخمر وتحلل النساء، وهذه هي الإباحية.
3- "وتعتمد الليبرالية على الفلسفة النفعية والعقلانية لتحقيق أهدافها".
فتعتمد هاتين الفلسفتين الضالتين لتحقيق أهدافها، ومن فروع هاتين الفلسفتين المذهب الميكافيلي؛ الغاية تبرر الوسيلة، والإسلام ضد هاتين الفلسفتين، فغاياته شريفة نزيهة، ويشرع لتحقيق هذه الغاية الوسائل الشريفة النظيفة.
4- ومن أصول هذا المذهب المدمِّر "فصل الدين عن الدولة".
وهذا أصل كفري، قائم على إنكار حاكمية الله وتشريعاته العادلة التي يجب أن تخضع لها الأمة والدولة وتلتزمها، وإنكار حاكمية الله وإنزالها هذه المنـزلة كفر لا شك فيه، ويستبعد من هؤلاء الليبراليين أتباع أساطين الكفر أن يؤمنوا بحاكميه الله أو أن يلتزموها، ومن هؤلاء الأساطين آدم سميث ومالتوس وريكاردو وجون ستيورات مل، فهؤلاء هم أئمة الليبراليين من زنادقة الغرب.
5- "ويقوم هذا المذهب على أساس التعددية الأيديولوجية".
والأيدلوجية لها تفسيرات منها علم الأفكار، ومنها مجموعة الأفكار والمعتقدات؛ ذلك أن أهل هذا المذهب يكفلون حرية الأفراد بما في ذلك حرية المعتقد أي حرية الأديان.
6- "ويؤمن هذا المذهب بالتنظيمية الحزبية والنقابية، من خلال النظام البرلماني الديمقراطي بسلطاته الثلاث: التشريعية والتنفيذية والقضائية" ، "انظر الموسوعة الميسرة" (ص1145-1146).
فبؤساً لهذا المذهب وأهله، وبرأ الله الإسلام منه ومن أهله.
فهذا موجز عن الليبرالية أنها دين كافر، يضاد الإسلام ويواجهه على عدة جبهات.
فما هو رأي علماء الإسلام حقاً فيمن يقول: إن الليبراليين فصيل إسلامي مثل الإخوان والسلفيين؟، وهل من يحمل هذه الأفكار التي تضمنها هذا المقال يعد من شيوخ السلفية؟؟.
عن أبي هريرة –رضي الله عنه- قال: قال رسول الله –صلى الله عليه وسلم-: " يكون في آخر الزمان دجالون كذابون يأتونكم من الأحاديث بما لم تسمعوا أنتم ولا آباؤكم فإياكم وإياهم لا يضلونكم ولا يفتنونكم" ، أخرجه مسلم في "مقدمة صحيحه" (1/12).
فهؤلاء والله في غاية الخطورة على الإسلام والمسلمين.
حيث يأتون المسلمين بما لم يسمعوا هم ولا آباؤهم من الضلالات والمبادئ الهدامة التي تهدم الإسلام، وتضل من ينخدع بهم وبدعواتهم ودعاواهم ضلالاً بعيداً.
وقال فيهم رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: " غير الدجال أخوفني عليكم " أخرجه مسلم في "صحيحه" حديث (2937) من حديث النواس بن سمعان.
ألا فليحذر شباب الإسلام في كل مكان من هذه الأصناف من الدعاة، الذين وصفهم رسول الله –صلى الله عليه وسلم- بأنهم " دُعَاةٌ إِلَى أَبْوَابِ جَهَنَّمَ مَنْ أَجَابَهُمْ إِلَيْهَا قَذَفُوهُ فِيهَا" أخرجه البخاري في صحيحه حديث (3606)، ومسلم في "صحيحه" حديث (1846) من حديث حذيفة بن اليمان –رضي الله عنه-.
وعَنْ حُذَيْفَةَ –رضي الله عنه- قَالَ: ذُكِرَ الدَّجَّالُ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ: "لَأَنَا لِفِتْنةِ بَعْضِكُمْ أَخْوَفُ عِنْدِي مِنْ فِتْنَةِ الدَّجَّالِ، وَلَنْ يَنْجُوَ أَحَدٌ مِمَّا قَبْلَهَا إِلَّا نَجَا مِنْهَا، وَمَا صُنِعَتْ فِتْنَةٌ مُنْذُ كَانَتْ الدُّنْيَا صَغِيرَةٌ وَلَا كَبِيرَةٌ إِلَّا لِفِتْنَةِ الدَّجَّالِ" أخرجه أحمد في "مسنده" (5/389).
وبعد تعليقي على كلام محمد عبد المقصود السالف الذكر، وقفتُ على ما نشرته صحيفة (المصريون) بتأريخ (11/12/2011م) من تصريحات لمحمد عبد المقصود، وفيها ما يؤكد ما نقله عبد الرحمن الراشد عن هذا الرجل، ومن تلك التصريحات:
"استنكاره الهجمة الإعلامية الشرسة على التيارات الإسلامية لكونها حققت نجاحا كبيرا في البرلمان، وقال: إن كل التجاوزات حدثت من جميع الأحزاب، وهذا لا يعني الطعن على الانتخابات.
وأكد أن الليبراليين فصيل إسلامى في المجتمع المصري مثل الإخوان والسلفيين، وينبغي على الناس فهم ذلك جيدًا، والقرآن يقول: (وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعانوا على الإثم والعدوان)، فحتى لو حدث تجاوز من أحد الطرفين ينبغي على الطرف الآخر أن يصبر على هذا التجاوز ولا يقابله بتجاوز.
ودعا إلى ضرورة التآلف بين كل التيارات كي لا يتسبب هذا الانفصال في خسارة فادحة للإسلام والمسلمين، مشدداً أنه لا يوجد إسلام سلفي ولا إخواني، بل السلفية منهج والإخوان منهج، وليس هناك هذه التفرقة، ولكن هو مسلك واحد يضم جميع الأطراف".
أقول: يطلب محمد عبد المقصود من الناس أن يفهموا جيداً أن الليبراليين فصيل إسلامي في المجتمع المصري.
ويحتج على شهادته لليبراليين بأنهم فصيل إسلامي بقول الله تعالى: (وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعانوا على الإثم والعدوان).
وهذا الاستشهاد بالآية الكريمة يبلغ نهاية التحريف لكلام الله تعالى.
فليُبيِّن لنا قضايا البر والتقوى التي يتعاونون عليها مع الليبراليين، وقضايا الإثم والعدوان التي يتعاونون على إنكارها.
ومن اضطرابه وتناقضه بعد استشهاده بالآية الكريمة في غير موضعها، بل بما هو مضاد لدلالتها.
قوله: " فحتى لو حدث تجاوز من أحد الطرفين ينبغي على الطرف الآخر أن يصبر على هذا التجاوز ولا يقابله بتجاوز".
وفي هذا الكلام حث على الصبر على تجاوز الليبراليين للإسلام وعقائده وتشريعاته، فلا ينكر عليهم هذه التجاوزات الهدامة للإسلام، فهل هذا من التعاون على البر والتقوى أيها الملبِّس؟ كلا، بل هذا من التعاون على أشد أنواع الإثم والعدوان، وكأنه يعتبر إنكار ضلالات الليبراليين من التجاوزات للإسلام.
وقد عرف القارئ الكريم ما هي الليبرالية عند المسلمين الناصحين، وأنها مضادة للإسلام.
يقول الناشر عن محمد عبد المقصود:
" ودعا إلى ضرورة التآلف بين كل التيارات كي لا يتسبب هذا الانفصال في خسارة فادحة للإسلام والمسلمين".
هكذا يدعو إلى التآلف بين كل التيارات الموجودة في مصر من إسلاميين وليبراليين وعلمانيين ونصارى وغيرهم.
أقول: وهذه الدعوة تشبه الدعوة إلى وحدة الأديان وأخوة الأديان، على حد قول القائل في النبيذ:
فإلا يكنها أو تكنه فإنه أخوها غذته أمه بلبانها
أي إنْ لم يكن النبيذ هو الخمرة، فإنه أخوها، غذته أمه بلبانها.
أي خسارة تلحق الإسلام دين الله الحق إذا فرَّق المسلمون بين الإيمان والكفر، والهدى والضلال، والحق والباطل، والسنة والبدعة.
وقد فرَّق الله ورسوله والمؤمنون بين الإسلام وهذه التيارات كلها التي يدعو محمد عبد المقصود وأمثاله إلى التآلف بينها، في الوقت الذي يحارب فيه هو وأمثاله أهلَ السنة والحق الذين يدعون إلى الله على بصيرة، ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر، أخذاً بتوجيهات الله ورسوله وبذم الله ورسوله للأهواء كلها، وتحذير الله ورسوله من التآلف معهم والركون إليهم.
قال تعالى: (لَا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ أُولَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمَانَ وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ وَيُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ أُولَئِكَ حِزْبُ اللَّهِ أَلَا إِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ).
وقال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا بِطَانَةً مِنْ دُونِكُمْ لَا يَأْلُونَكُمْ خَبَالًا وَدُّوا مَا عَنِتُّمْ قَدْ بَدَتِ الْبَغْضَاءُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الْآيَاتِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْقِلُونَ).
وقال تعالى: (وَلَا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ وَمَا لَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ أَوْلِيَاءَ ثُمَّ لَا تُنْصَرُونَ).
إلى غير ذلك من الآيات.
ولقد لعن الله اليهود؛ لأنهم كانوا لا يتناهون عن منكر فعلوه.
قال تعالى: (لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُودَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ كَانُوا لَا يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُنْكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ).
وحذَّر رسول الله -صلى الله عليه وسلم- من أهل الأهواء، فقال -صلى الله عليه وسلم-: " إذا رأيتم الذين يتبعون ما تشابه منه فأولئك الذين سمى الله فاحذروهم".
وذمَّ الخوارج، وقال فيهم: " يَمْرُقُونَ مِنْ الدِّينِ مُرُوقَ السَّهْمِ مِنْ الرَّمِيَّةِ، يَقْتُلُونَ أَهْلَ الْإِسْلَامِ، وَيَدَعُونَ أَهْلَ الْأَوْثَانِ، لَئِنْ أَنَا أَدْرَكْتُهُمْ لَأَقْتُلَنَّهُمْ قَتْلَ عَادٍ".
ووصفهم بأنهم شر الخلق والخليقة، وأمر بقتلهم، فقاتلهم أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فقتلوا الكثير منهم، وشردوا الآخرين.
وأطبق السلف الصالح على ذم أهل البدع وهجرانهم، والتحذير من مجالستهم، وألّفوا في ذلك المؤلفات الكثيرة.
فمنهج محمد عبد المقصود مضاد لكتاب الله وسنة رسوله -صلى الله عليه وسلم- ومنهج الصحابة العظام والسلف الصالح والأئمة العظام.
لأن منهج هذا الرجل يقوم على الجهل المطبق والهوى الجامح، وبرأ الله منه الإسلام، وبرأ الله منهج السلف منه.
موقف د/ محمد عبد المقصود المصري من
استماع الموسيقى
ثم بعد كتابة ما سلف اطلعتُ على كلام
للدكتور محمد عبد المقصود المصري حول الموسيقى، نشرته جريدة المدينة في ملحقها
المسمى بالرسالة، وذلك في يوم الجمعة الموافق (4 من شهر ربيع الأول من عام
1433هـ).
وهذا نص الكلام المشار إليه:
" أكد الشيخ الدكتور محمد عبد المقصود أبرز الدعاة في مصر أن الاستماع إلى الموسيقى «مسألة خلافية بين أهل العلم»، مضيفا أنه «لا يستطيع أحد تحريمها أو إباحتها».
وقال الشيخ محمد عبد المقصود: "إنه كان لا يستطيع النوم إلا على صوت الموسيقى الهادئة".
وقال الشيخ محمد عبد المقصود: «لا بد أن نعترف أن موضوع المعازف عليه خلاف، ومن يريد أن يتأكد من ذلك عليه مراجعة كتاب «نيل الأوطار» للشوكاني، وكتاب «الفتح الرباني لفتاوى الشوكاني»، حيث أورد رحمه الله مبحثاً كاملاً لأناس من السلف كانوا يقولون بجواز الاستماع إلى الموسيقى، وفي نفس الوقت فإن الأئمة الأربعة أفتوا بتحريمها، واستشهدوا بحديث النبي الذي رواه الإمام البخاري: «ليكونن من أمتي أناس يستحلون الحر والحرائر([1]) والخمر والمعازف».
وأشار عبد المقصود إلى أنه طالما الموضوع فيه خلاف فمن أراد أن يستمع إلى الموسيقى فليستمع طالما أنه مقتنع بأنها حلال، ومن أراد أن يعرض عنها فليعرض، طالما اقتنع بحرمتها، وفي كل الأحوال يجب ألا تفرض رأيك عليّ، وتسمعني ما لا أريد سماعه".
وعلى هذا البيان أو الفتوى ملاحظات:
الأولى- على قوله:
"إن الاستماع إلى الموسيقى مسألة خلافية بين أهل العلم»، وأنه "لا يستطيع أحد تحريمها أو إباحتها".
وهذا قول غريب:
أ- فأين ذهب الدكتور محمد عبد المقصود عن قول الله تعالى في المسائل الخلافية: (فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا) (سورة النساء:59)، وقوله تعالى: (وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِنْ شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى اللَّهِ) (سورة الشورى: 10).
ب- إذا كانت هذه المسألة لا يستطيع أحد تحريمها أو إباحتها فما حكمها إذن؟ هذا كلام عجيب جداً.
جـ- قد حرَّمها الله ورسوله -صلى الله عليه وسلم-، وحرَّمها جمهور علماء الإسلام بالأدلة والبراهين عن الله -عزَّ وجل- ورسوله -صلى الله عليه وسلم-؛ لأنها من أخطر وأشد آلات اللهو والطرب، وأباحها من لا دليل له إلا الشبهات والحكايات والدعاوى الباطلة.
فكيف يسوي من يدَّعي العلم بين أمرين متفاوتين سلباً وإيجابا؟
الثانية- على قوله: " إنه كان لا يستطيع النوم إلا على صوت الموسيقى الهادئة".
أقول: ما هو الداعي إلى هذا القول؟
فإذا كان قد تاب من ذلك فكان عليه أن يُبيِّن أسباب توبته، وأن يُبيِّن مفاسد الموسيقى وآثارها السيئة، وأن يُحذِّر من فتنتها وشرها نصحاً للإسلام والمسلمين، ولكني أخشى أن توبته كانت غير نصوح، وأنها توبة هزيلة، ومن آثار هذه التوبة الهزيلة أنه لم يستطع الجزم بتحريمها.
الثالثة- على قول محمد عبد المقصود:
"لا بد أن نعترف أن موضوع المعازف عليه خلاف، ومن يريد أن يتأكد من ذلك عليه مراجعة كتاب «نيل الأوطار» للشوكاني، وكتاب «الفتح الرباني لفتاوى الشوكاني»، حيث أورد رحمه الله مبحثاً كاملاً لأناس من السلف كانوا يقولون بجواز الاستماع إلى الموسيقى، وفي نفس الوقت فإن الأئمة الأربعة أفتوا بتحريمها، واستشهدوا بحديث النبي الذي رواه الإمام البخاري: «ليكونن من أمتي أناس يستحلون الحر والحرير والخمر والمعازف".
وعلى هذا الكلام ملاحظات:
أ- أن الاحتجاج بالخلاف في الأمور المهمة الواضحة والمنصوص على أحكامها من كتاب الله وسنة رسوله -صلى الله عليه وسلم- ليس من منهج أهل السنة والجماعة، وإنما هو من مناهج أهل الأهواء، ولا سيما الإخوان المسلمين، الذين يهونون من خلاف الروافض لأهل السنة في العقائد والمناهج وخلافهم في الصحابة إلى درجة تكفير الروافض لهم.
ومع ذلك فالإخوان المسلمون يهونون من هذه الخلافات الجسيمة التي يصل كثير منها إلى درجة الكفر، ويقولون: إن أصولنا وأصولهم واحدة، كما يهونون من خلاف الخوارج وغلاة الصوفية، ويدخلونهم في تنظيمهم، بل يتوسعون إلى أبعد من ذلك.
ب- أحلتَ من يريد أن يتأكد من الخلاف في حكم المعازف على كتابين للشوكاني، فلماذا اخترت الشوكاني من بين من تكلم من العلماء كابن تيمية وابن القيم والألباني وغيرهم ممن تكلم في مسألة الغناء وآلات الطرب بجد وحزم في ضوء الكتاب والسنة.
قال العلامة الألباني عن بحث الشوكاني في هذه المسألة:
"ثم نقل عن بعضهم أنه حكى أقوالا عن بعض السلف بالإباحة، وتوسع في ذلك توسعاً لا فائدة منه؛ لأنها أقوال غالبها معلقة لا سنام لها ولا خطام، وبعضها قد صحَّ عن بعضهم خلافه، وبعضُها مشكوك في لفظه كما يأتي تحقيقه".
والأمر كما قال العلامة الألباني.
وأضيف أن الشوكاني سار في هذا البحث على غير عادته في ردِّ الباطل ونصرة الحق بالأدلة، فكم من الفروق بينه وبين غيره في نصرة السنة هنا وتوضيح الأدلة وشد بعضها ببعض؛ بجمع الطرق الكثيرة للأحاديث المصرحة بالتحريم والذم والوعيد.
ولعله لأجل هذا الضعف أحال محمد عبد المقصود إلى كتابي الشوكاني، وليس هذا منه من النصيحة.
ومن تلك الفروق:
أنه أجاب على تضعيف المبيحين للنصوص النبوية الدالة على تحريم المعازف، بقوله:
"ويجاب بأنها تنتهض بمجموعها ولا سيما وقد حسن بعضها فأقل أحوالها أن تكون من قسم الحسن لغيره" "نيل الأوطار" (8/107).
فهذا القول فيه ضعف إذ كان المنتظر منه أن يصحح عدداً منها ويضعها في المرتبة اللائقة بها، بدل أن يجعل مجموعها في مرتبة الحسن لغيره، وإن كان الحسن لغيره مما يحتج به، ولكن كان الوصول بها إلى درجة الصحة أقوى.
ومع ذلك فالفارق كبير بينه وبين محمد عبد المقصود.
والسر في ذلك أن محمد عبد المقصود ليس من أهل هذا الشأن لا علماً ولا منهجاً.
ومن الفروق بين محمد عبد المقصود وبين الشوكاني على تساهله:
قول الشوكاني: "وإذا تقرر جميع ما حررناه من حجج الفريقين فلا يخفى على الناظر أن محل النـزاع إذا خرج عن دائرة الحرام لم يخرج عن دائرة الاشتباه، والمؤمنون وقافون عند الشبهات كما صرّح به الحديث الصحيح "ومن تركها فقد استبرأ لعرضه ودينه، ومن حام حول الحمى يوشك أن يقع فيه"، ولا سيما إذا كان مشتملا على ذكر القدود والخدود والجمال والدلال والهجر والوصال ومعاقرة العقار وخلع العذار والوقار، فإن سامع ما كان كذلك لا يخلو عن بلية وإن كان من التصلب في ذات الله على حد يقصر عنه الوصف.
وكم لهذه الوسيلة الشيطانية من قتيل دمه مطلول، وأسير بهموم غرامه وهيامه مكبول، نسأل الله السداد والثبات. ومن أراد الاستيفاء للبحث في هذه المسألة فعليه بالرسالة التي سميتها: "إبطال دعوى الإجماع على تحريم مطلق السماع" "نيل الأوطار" (8/109).
وهذا القول على ضعفه لم يشر إلى مثله محمد عبد المقصود.
الرابعة- وحكاية محمد عبد المقصود عن أناس من السلف أنهم "يقولون بجواز الاستماع إلى الموسيقى، وفي نفس الوقت فإن الأئمة الأربعة أفتوا بتحريمها، واستشهدوا بحديث النبي -صلى الله عليه وسلم- الذي رواه الإمام البخاري: «ليكونن من أمتي أناس يستحلون الحر والحرير والخمر والمعازف".
أقول: إن في هذا الكلام نظراً:
أ- فلقد اطلع محمد عبد المقصود على قول الشوكاني إن الجمهور من العلماء قد قالوا بتحريم آلات الطرب، فما السر في اقتصار محمد عبد المقصود على الأئمة الأربعة، لا سيما وكثير من العلماء قد ذهبوا إلى ادعاء الإجماع على التحريم، ولعل هؤلاء لم يعتدوا بخلاف الصوفية والظاهرية.
ب- وما ذكره الشوكاني عن أناس من السلف أنهم يرون جواز الاستماع إلى آلات الطرب، فيقال: إن نسبة ذلك إلى بعض السلف لا تثبت على محك النقد والبحث العلميين؛ لأنها كما قال العلامة الألباني:
" أقوال غالبها معلقة لا سنام لها ولا خطام وبعضها قد صح عن بعضهم خلافه وبعضها مشكوك في لفظه".
أقول: بل له لمحات خفيفة مع إكثاره من نقل الحكايات في الإباحة عن الصوفية والظاهرية ومن دار في فلكهم.
ومع ذلك فهناك فرق كبير بينه وبين الدكتور محمد عبد المقصود.
فقد ذكر أن الجمهور من العلماء قد ذهبوا إلى التحريم لآلات الطرب كما في "النيل" (8/104).
فسقط تعلق الدكتور محمد بمثل هذه الحكايات.
وأقول: ألا يكفي استدلال الجمهور بهذا الحديث الصحيح في البخاري، فكيف إذا انضم إليه النص القرآني وعدد من الأحاديث الثابتة؟
الخامسة- قال الصحفي:
" وأشار عبد المقصود إلى أنه طالما الموضوع فيه خلاف فمن أراد أن يستمع إلى الموسيقى فليستمع طالما أنه مقتنع بأنها حلال، ومن أراد أن يعرض عنها فليعرض، طالما اقتنع بحرمتها، وفي كل الأحوال يجب ألا تفرض رأيك عليّ، وتسمعني ما لا أريد سماعه".
أقول: فأين تضع آيات وأحاديث الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر اللذين هما مناط خيرية هذه الأمة؟ أين تضعها إذا كنت تكره وتأنف أن تسمع ما لا تريد وترى أنه من فرض الرأي؟
ثم هل هذه الحرية مستمدة من كتاب الله وسنة رسوله -صلى الله عليه وسلم- ومن منهج السلف؟ أو هي مستمدة من الديمقراطية المحاربة للإسلام؟ ومن دعوات التحرر الأوربية، ولا سيما من العقائد والأصول والقيم الإسلامية؟ هذه الحرية التي تسيطر على كثير من المنتسبين إلى الإسلام الذين أسلموا أنفسهم وعقولهم إلى الأفكار والمبادئ الغربية المحاربة للإسلام.
فعلى سياق قول محمد عبد المقصود هذا قد يقول من يسير على هذا المنهج: فطالما في موضوع المتعة خلاف فمن أراد أن يستمتع بمن شاء من النساء فليستمتع، ومن شاء أن لا يستمتع فله ذلك.
وطالما أن في صفات الله تعالى اختلافاً فمن أراد أن يعطل فليعطل طالما وهو مقتنع بالتعطيل، ومن أراد أن يشبه صفات الله بصفات خلقه فليشبه طالما وهو مقتنع بالتشبيه، ولا يجوز لمن يثبت صفات الله على الوجه اللائق به من غير تحريف ولا تعطيل ولا تشبيه ولا تمثيل لا يجوز لمن هذا حاله من هؤلاء المثبتين أن يعترضوا على أولئك المعطلين والمشبهين، ولا يجوز لهم أن يسمعوا هؤلاء المعطلين والمشبهين ما لا يريدون أن يسمعوه من الآيات القرآنية الكثيرة والأحاديث النبوية الكثيرة الصريحة الدلالة في إثبات صفات الكمال والجلال لله ذي العظمة والجلال.
وقل مثل ذلك في مسائل دعاء غير الله والذبح لغير الله، وتشييد القبور على الأولياء وغيرهم؛ لأن هذه مسائل خلافية، مشهورة الخلافات فيها، فلا يجوز -على هذا الأصل- لدعاة التوحيد أن يعترضوا على القبوريين ولا أن يُسمعوهم ما لا يريدون من الآيات القرآنية والأحاديث النبوية التي تدين هذه الشركيات والخرافات.
لأن هذه الاعتراضات والاستدلالات تنافي هذه الحريات الشخصية التي تنادي بها الديمقراطية، وينادي بها دعاة التحرر من الأوربيين والليبراليين والعلمانيين.
وعلى كل فالقناعة الشخصية هي الأصل والميزان لقبول الأقوال ورفضها، يسير عليها كثير ممن يلبس لباس السلفية إلى جانب أصول أخرى هي بدورها موازين للقبول والرفض في كثير من الميادين.
أما أهل الحق فميزانهم كتاب الله وسنة رسوله -صلى الله عليه وسلم-، فبنصوصهما يأخذون ويقبلون، وبنصوصهما يردون وينكرون.
ولهذا الصنف ولمن يريد الحق أسوق مختصراً من كلام العلامة الألباني جبل السنة والتوحيد، الذي تكلم في تحريم آلات الطرب كلام العالم المحقق والباحث المدقق، حيث درس الأحاديث النبوية دراسة واسعة يجمع الأحاديث من مصادرها ويحشد طرقها ويصدر الأحكام الصائبة عليها، بناء على قواعد المحدثين التي يتقنها ويحسن تطبيقها، فتوصل إلى تصحيح أربعة منها وتحسين ثلاثة، بناء على أسس صحيحة ودراسة أمينة، هذا عدا الطرق التي تعضدها، كما أورد كلام فحول العلماء في تحريم آلات الطرب القائم على البراهين، وردَّ على المخالفين المبيحين لها.
قال –رحمه الله- ضمن كتابه "تحريم آلات الطرب" (ص38-68):
" الحديث الأول : عن أبي عامر أو أبي مالك الأشعري قال :
" ليكونن من أمتي أقوام يستحلون الحر والحرير والخمر والمعازف.
ولينـزلن أقوام إلى جنب علم يروح عليهم بسارحة لهم يأتيهم لحاجة فيقولون : ارجع إلينا غدا فيبيتهم الله ويضع العلم ويمسخ آخرين قردة وخنازير إلى يوم القيامة".
رواه البخاري قال: وقال هِشَامُ بن عَمَّارٍ حدثنا صَدَقَةُ بن خَالِدٍ حدثنا عبد الرحمن بن يَزِيدَ بن جَابِرٍ حدثنا عَطِيَّةُ بن قَيْسٍ الْكِلَابِيُّ حدثنا عبد الرحمن بن غَنْمٍ الْأَشْعَرِيُّ قال: حدثني أبو عَامِرٍ أو أبو مَالِكٍ الْأَشْعَرِيُّ والله ما كَذَبَنِي سمع النبي -صلى الله عليه وسلم- يقول : لَيَكُونَنَّ من أُمَّتِي أَقْوَامٌ يَسْتَحِلُّونَ الْحِرَ وَالْحَرِيرَ وَالْخَمْرَ وَالْمَعَازِفَ وَلَيَنْزِلَنَّ أَقْوَامٌ إلى جَنْبِ عَلَمٍ يَرُوحُ عليهم بِسَارِحَةٍ لهم يَأْتِيهِمْ يَعْنِي الْفَقِيرَ لِحَاجَةٍ فيقولوا ارْجِعْ إِلَيْنَا غَدًا فَيُبَيِّتُهُمْ الله وَيَضَعُ الْعَلَمَ وَيَمْسَخُ آخَرِينَ قِرَدَةً وَخَنَازِيرَ إلى يَوْمِ الْقِيَامَةِ".
ورواه ابن حبان في صحيحه (8/265) حديث (6719) قال:
"أَخْبَرَنَا الْحُسَيْنُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْقَطَّانُ( ) قَالَ: حَدَّثَنَا هِشَامُ بْنُ عَمَّارٍ قَالَ: حَدَّثَنَا صَدَقَةُ ابْنُ خَالِدٍ قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ جَابِرٍ قَالَ: حَدَّثَنَا عَطِيَّةُ بْنُ قَيْسٍ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ غَنْمٍ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو عَامِرٍ وَأَبُو مَالِكٍ الأَشْعَرِيَّانَ: سَمِعَا رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- يَقُولُ لَيَكُونَنَّ فِي أُمَّتِي أَقْوَامٌ يَسْتَحِلُّونَ الْحَرِيرَ وَالْخَمْرَ وَالْمَعَازِفَ".
ورواه الطبراني في المعجم الكبير حديث (3417) قال: حدثنا مُوسَى بن سَهْلٍ الْجَوْنِيُّ الْبَصْرِيُّ ثنا هِشَامُ بن عَمَّارٍ به مثل رواية البخاري، وموسى بن سهل هذا ثقة حافظ.
ورواه الإسماعيلي في "المستخرج على الصحيح" ومن طريقه البيهقي في "سننه" (10/221): حدثنا الحسن ابن سفيان حدثنا هشام بن عمار به.
وهناك أربعة آخرون رووه عن هشام بن عمار، لم يتفرد به هو ولا شيخه صدقة بن خالد، بل إنهما قد تُوبِعا، وساق الألباني هذه المتابعة وصححها.
الحديث الثاني: عن أنس بن مالك -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "صوتان ملعونان في الدنيا والآخرة: مزمار عند نعمة، ورنَّة عند مصيبة".
أخرجه البزار في "مسنده"، انظر "كشف الأستار" (1/377/795)، والضياء المقدسي في "الأحاديث المختارة" (6/188/2200، 2201).
حسّنه الألباني من هذا الوجه، وذكر له شاهداً من حديث عبد الرحمن بن عوف، حسّنه لغيره.
الحديث الثالث: عن ابن عباس –رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "إِنَّ اللَّهَ حَرَّمَ عَلَيَّ أو حُرِّمَ الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْكُوبَةُ وَكُلُّ مُسْكِرٍ حَرَامٌ".
أخرجه أبو داود ( 3696 )، والبيهقي ( 10 / 221 )، وأحمد في " المسند " ( 1 / 274 ) وفي " الأشربة " رقم ( 193 )، وأبو يعلى في " مسنده " ( 2729 )، وعنه ابن حبان في " صحيحه " ( 5341 ) وغيرهم.
وساق له الألباني إسناداً آخر.
وقال: أخرجه أحمد (1/289)، وفي "الأشربة" (14)، والطبراني (12601) والبيهقي (10/213-221).
ثم قال: وهذا إسناد صحيح من طريقيه، وذكر أن الشيخ أحمد شاكر صححه.
الحديث الرابع: عن عبد الله بن عمرو بن العاص –رضي الله عنهما- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "إن الله عزّ وجل حرّم الخمر، والميسر، والكوبة، والغبيراء، وكل مسكر حرام".
قال العلامة الألباني: وله ثلاث طرق، ضعّفه من طريقين وحسّنه من الثالثة.
الحديث الخامس: عن قيس بن سعد –رضي الله عنهما- أن رسول الله –صلى الله عليه وسلم- قال: "إن ربي حرّم عليّ الخمر والميسر والقنين والكوبة".
أخرجه البيهقي (10/222)، والطبراني في "الكبير" (13/15/20)، وحسّن إسناده، وساقه من طريق أخرى ثم ضعّفها.
الحديث السادس: عن عمران بن حصين قال: قال رسول الله –صلى الله عليه وسلم-: "في هذه الْأُمَّةِ خَسْفٌ وَمَسْخٌ وَقَذْفٌ فقال رَجُلٌ من الْمُسْلِمِينَ: يا رَسُولَ اللَّهِ وَمَتَى ذَاكَ قال إذا ظَهَرَتْ الْقَيْنَاتُ وَالْمَعَازِفُ وَشُرِبَتْ الْخُمُورُ ".
خرّجه الألباني من سنن الترمذي "كتاب الفتن" حديث (2212).
ثم خرّجه من مصادر أخرى، وذكر له متابعتين، وانتهى إلى تصحيحه.
ثم قال: "ويزداد قوّة بما له من الشواهد".
وساق شواهده من عدة مصادر من حديث أبي هريرة وعلي وأبي أمامة وأنس بن مالك -رضي الله عنهم-.
الحديث السابع: عن أبي أمامة قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: " لا يَحِلُّ بَيْعُ الْمُغَنِّيَاتِ، وَلا شِرَاؤُهُنَّ، وَلا تِجَارَةٌ فِيهِنَّ، وَثَمَنُهُنَّ حَرَامٌ، وقال: إنما نَزَلَتْ هذه الآيَةُ في ذلك: (وَمَنَ الناس من يَشْتَرِي لَهْوَ الحديث) حتى فَرَغَ مِنَ الآيَةِ.."، صحح منه العلامة الألباني ما يتعلق بنـزول الآية لشواهده.
ثم ذكر الفصل الثاني في "شرح مفردات "غريب الحديث"" من (ص75-79).
ثم عقد الفصل الثالث في "الرد على ابن حزم وغيره ممن أعلَّ شيئاً من الأحاديث المتقدمة" من (ص80-91).
قال في طليعته: "قلت : سبق أن رددت على ابن حزم وغيره من الطاعنين في الأحاديث الصحيحة في المقدمة، وفي أثناء تخريج الأحاديث الستة الصحيحة المتقدمة، والذي أُريد بيانه الآن، أنَّ أحاديث التحريم بالنسبة لابن حزم ونظرتنا إليها تنقسم إلى ثلاثة أقسام :
الأول : ما ضعفه منها، وهو مخطئ.
الثاني : ما لم يقف عليه منها، أو وقف على بعض طرقها دون بعض، ولو وقف عليها وثبتت عنده لأخذ به، فهو معذور - خلافا لمقلديه! -، ولا سيما وقد عقب على ما ضعّف منها بقوله حالفًا غير حانث إن شاء الله ( 9 / 59 ) :
"ووالله لو أُسنِد جميعه، أو واحدٌ منه فأَكثر من طريق الثقات إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لما ترددنا في الأخذ به".
هذا هو الذي نظنّه فيه، والله حسيبه، وأمّا المقلدون له بعد أن قامت عليهم الحجّة وتبينت لهم المحجّة، فلا عذر لهم ولا كرامة، بل مثلهم كمثل ناس في الجاهليّة كانوا يعبدون الجنّ، فأسلم هؤلاء، واستمر أولئك في عبادتهم وضلالهم، كما قال تعالى : ( أولئك الذين يدعون يبتغون إلى ربهم الوسيلة أيهم أقرب ويرجون رحمته ويخافون عذابه إن عذاب ربك كان محذورا ).
الثالث : ما ضعّفه منها، ولم يبدُ لنا اعتراض عليه، فلا شأن لنا به، فسيكون ردي عليه إذن في القسم الأول والثاني".
ثم ناقش ابن حزم في تعليله لحديث هشام بن عمار عن صدقة بن خالد بإسناده مرفوعاً: " لَيَكُونَنَّ من أُمَّتِي أَقْوَامٌ يَسْتَحِلُّونَ الْحِرَ وَالْحَرِيرَ وَالْخَمْرَ وَالْمَعَازِفَ...".
ونقل ردود العلماء على ابن حزم من مثل الحافظ ابن القيم والحافظ ابن حجر، ثم ذكر أسماء العلماء الذين صححوا هذا الحديث في (ص89) وهُم:
"1 - البخاري 2 - ابن حبان 3 – الإسماعيلي
4 - ابن الصلاح 5 - النووي 6 - ابن تيمية
7 - ابن القيّم 8 - ابن كثير 9 - العسقلاني
10 - ابن الوزير الصنعاني 11 - السخاوي 12 - الأمير الصنعاني
ثم قال: "( انظر كتابي الجديد " ضعيف الأدب المفرد "، في أثناء الرد على ابن عبد المنان في المقدمة ) إلى غير هؤلاء ممن لا يحضرني، فهل يدخل في عقل مسلم أن يكون المخالفون كابن حزم ومن جرى خلفه - وليس فيهم مختص في علم الحديث - هل يعقل أن يكون هؤلاء على صواب، وأولئك الأئمّة على خطأ ؟! ( هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون )، ( إن في ذلك لذكرى لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد )"اهـ.
ثم عقد الفصل الرابع "في دلالة الأحاديث على تحريم الملاهي بجميع أشكالها" من (ص92-97).
ثم قال في طليعته:
"اعلم أخي المسلم أنَّ الأحاديث المتقدمة صريحة الدلالة على تحريم آلات الطرب بجميع أشكالها وأنواعها، نصّاً على بعضها كالمزمار والطبل والبربط، وإلحاقاً لغيرها بها، وذلك لأمرين :
الأول : شمول لفظ ( المعازف ) لها في اللغة كما تقدم بيانه في ( الفصل الثاني )، وكما سيأتي أيضاً عن ابن القيم.
والآخر : أنها مثلها في المعنى من حيث التطريب والإلهاء، ويؤيد ذلك قول عبد الله ابن عباس -رضي الله عنهما- :
"الدّف حرام، والمعازف حرام، والكوبة حرام، والمزمار حرام".
أخرجه البيهقي ( 10 / 222 ) من طريق عبد الكريم الجزري عن أبي هاشم الكوفي عنه"اهـ.
ثم عقد الفصل الخامس "مذاهب العلماء في تحريم آلات الطرب" من (ص98-105).
ثم عقد الفصل السادس "شبهات المبيحين (للغناء) وجوابها" من (ص106-125) أجاد فيه وأفاد مدعماً ذلك بردود العلماء كابن تيمية وابن القيم وابن الجوزي وابن حجر والخطابي -رحمهم الله-.
ثم قسّم هذا النوع إلى قسمين، محرّم ومباح، والمباح هو إنشاد الشعر النافع.
ثم عقد الفصل السابع "في الغناء بدون آلة" من (ص126-136)، وذكر ما يجوز منه وهو ما يعرف عند العرب بالنصْب.
ثم قال في (ص129):
"وقال (أي البيهقي): "و ( النصب ) ضرب من أغاني الأعراب، وهو يشبه الحداء . قاله أبو عبيد الهروي".
وفي " القاموس " : " نصب العرب : ضرب من مغانيها أَرقّ من الحداء "".
ثم قال: "فأقول : وفي هذه الأحاديث والآثار دلالة ظاهرة على جواز الغناء بدون آلة في بعض المناسبات، كالتذكير بالموت، أو الشوق إلى الأهل والوطن، أو للترويح عن النفس، والالتهاء عن وعثاء السفر ومشاقه، ونحو ذلك مما لا يُتخذ مهنة، ولا يُخرج به عن حدِّ الاعتدال، فلا يقترن به الاضطراب والتثنِّي والضرب بالرِّجل مما يخلُّ بالمروءة"اهـ.
ثم عقد الفصل الثامن من (ص137) إلى آخر الكتاب (ص182) أجاد فيه وأفاد، وأورد فيه كلام ابن عباس وابن مسعود وعكرمة ومجاهد في سبب نزول قول الله تعالى: (وَمِنَ النَّاسِ مَن يَشْتَرِى لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَن سَبِيلِ اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَيَتَّخِذَهَا هُزُواً أُوْلَائِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مُّهِينٌ)، وذكر مصادر أقوالهم، ونقل قول الواحدي في تفسيره: " أكثر المفسرين على أن المراد بلهو الحديث: الغناء"، ثم ذكر الآثار السلفية الدالة على حكمة التحريم:
أولها- قول ابن مسعود: "الغناء ينبت النفاق في القلب " وصححه وقال: له حكم الحديث المرفوع إذ مثله لا يقال من قبل الرأي.
ونقل عن الشعبي مثل قول ابن مسعود وحسّنه.
ونقل كلاماً رائعاً عن ابن القيم في بيان وجه كون الغناء ينبت النفاق في القلب.
وبيَّنَ في هذا الباب هو وابن القيم المفاسد الخطيرة للغناء وآلات الطرب، ووجوب سد الذرائع إليها، بياناً شافياً.
ثم تكلم في هذا الفصل عن الغناء الصوفي والأناشيد الإسلامية، وساق حججاً عظيمة في بيان بطلانهما وضلال متعاطيهما مدعماً بيانه بنصوص الكتاب والسنة، وبالنقول عن أعلام العلماء وفحولهم مثل شيخ الإسلام ابن تيمية وابن القيم والشاطبي والطرطوشي والقرطبي والآلوسي، رحمه الله، ورحم علماء الإسلام الناصحين للإسلام والمسلمين والذابين عن الدين.
ثم قال العلامة الألباني –رحمه الله-:
"ومنهم العلامة المحقق الأديب الأريب ابن قيم الجوزية وقد بلغ الغاية في الاحتجاج لتحريم الغناء والملاهي والغناء الصوفي في كتابه الكبير " الكلام في مسألة السماع " وقد توسع جدا في الاستدلال على ذلك بالكتاب والسنة والآثار السلفية وبيان مذاهب العلماء والمراجحة بينها والرد على المستحلين لما حرم الله ومن طرائفه أنه عقد مجلس مناظرة بين صاحب غناء وصاحب قرآن في فصول رائعة ممتعة الحجة فيها ساطعة على المستحلين والمبتدعة جزاه الله خيرا وقد قال في رده المجمل على الغناء الصوفي ما مختصره ( ص 106 - 108 ) :
إن هذا السماع على هذا الوجه حرام قبيح لا يبيحه أحد من المسلمين ولا يستحسنه إلا من خلع جلباب الحياء والدين عن وجهه وجاهر الله ورسوله ودينه وعباده بالقبيح، وسماع مشتمل على مثل هذه الأمور قبحه مستقر في فطر الناس حتى إن الكفار ليعيرون به المسلمين ودينهم
نعم خواص المسلمين ودين الإسلام براء من هذا السماع الذي كم حصل به من مفسدة في العقل والدين والحريم والصبيان فكم أفسد من دين وأمات من سنة وأحيا من فجور وبدعة
ولو لم يكن فيه من المفاسد إلا ثقل استماع القرآن على قلوب أهله واستطالته إذا قرئ بين يدي سماعهم ومرورهم على آياته صما وعميا لم يحصل لهم من ذوق ولا وجد ولا حلاوة بل ولا يصغي أكثر الحاضرين أو كثير منهم إليه ولا يقومون معانيه ولا يغضون أصواتهم عند تلاوته
تلي الكتاب فأطرقوا لا خيفة لكنه إطراق ساه لاهي
وإلى الغناء فكالذباب تراقصوا والله ما رقصوا لأجل الله
دف ومزمار ونغمة شادن فمتى رأيت عبادة بملاهي
ثقل الكتاب عليهم لما رأوا تقييده بأوامر ونواهي
والرقص خف عليهم بعد الغنا يا باطلا قد لاق بالأشباه
يا أمة ما خان دين محمد وجنى عليه ومله إلا هي
وبالجملة فمفاسد هذا السماع في القلوب والنفوس والأديان أكثر من أن يحيط به العدُّ" انظر "تحريم آلات الطرب" (ص172-174).
وأخيراً أقول: إن على محمد عبد المقصود وغيره ممن يسمون أنفسهم بالسلفيين، ويقعون في مخالفات جسيمة مضادة لمنهج السلف وأصوله الراسخة عليهم أن يتوبوا إلى الله من هذه المخالفات توبة نصوحاً، وأن يلتزموا منهج السلف الصالح التزاماً صادقاً ظاهراً وباطناً، وأن يكون لهم ممن يخالف هذا المنهج مواقف سلفية على غرار مواقف السلف التي لا يخافون فيها لومة لائم.
وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
كتبه ربيع بن هادي عمير المدخلي
14/3/1433هـ
[1] - والصواب: "والحرير".
وهذا نص الكلام المشار إليه:
" أكد الشيخ الدكتور محمد عبد المقصود أبرز الدعاة في مصر أن الاستماع إلى الموسيقى «مسألة خلافية بين أهل العلم»، مضيفا أنه «لا يستطيع أحد تحريمها أو إباحتها».
وقال الشيخ محمد عبد المقصود: "إنه كان لا يستطيع النوم إلا على صوت الموسيقى الهادئة".
وقال الشيخ محمد عبد المقصود: «لا بد أن نعترف أن موضوع المعازف عليه خلاف، ومن يريد أن يتأكد من ذلك عليه مراجعة كتاب «نيل الأوطار» للشوكاني، وكتاب «الفتح الرباني لفتاوى الشوكاني»، حيث أورد رحمه الله مبحثاً كاملاً لأناس من السلف كانوا يقولون بجواز الاستماع إلى الموسيقى، وفي نفس الوقت فإن الأئمة الأربعة أفتوا بتحريمها، واستشهدوا بحديث النبي الذي رواه الإمام البخاري: «ليكونن من أمتي أناس يستحلون الحر والحرائر([1]) والخمر والمعازف».
وأشار عبد المقصود إلى أنه طالما الموضوع فيه خلاف فمن أراد أن يستمع إلى الموسيقى فليستمع طالما أنه مقتنع بأنها حلال، ومن أراد أن يعرض عنها فليعرض، طالما اقتنع بحرمتها، وفي كل الأحوال يجب ألا تفرض رأيك عليّ، وتسمعني ما لا أريد سماعه".
وعلى هذا البيان أو الفتوى ملاحظات:
الأولى- على قوله:
"إن الاستماع إلى الموسيقى مسألة خلافية بين أهل العلم»، وأنه "لا يستطيع أحد تحريمها أو إباحتها".
وهذا قول غريب:
أ- فأين ذهب الدكتور محمد عبد المقصود عن قول الله تعالى في المسائل الخلافية: (فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا) (سورة النساء:59)، وقوله تعالى: (وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِنْ شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى اللَّهِ) (سورة الشورى: 10).
ب- إذا كانت هذه المسألة لا يستطيع أحد تحريمها أو إباحتها فما حكمها إذن؟ هذا كلام عجيب جداً.
جـ- قد حرَّمها الله ورسوله -صلى الله عليه وسلم-، وحرَّمها جمهور علماء الإسلام بالأدلة والبراهين عن الله -عزَّ وجل- ورسوله -صلى الله عليه وسلم-؛ لأنها من أخطر وأشد آلات اللهو والطرب، وأباحها من لا دليل له إلا الشبهات والحكايات والدعاوى الباطلة.
فكيف يسوي من يدَّعي العلم بين أمرين متفاوتين سلباً وإيجابا؟
الثانية- على قوله: " إنه كان لا يستطيع النوم إلا على صوت الموسيقى الهادئة".
أقول: ما هو الداعي إلى هذا القول؟
فإذا كان قد تاب من ذلك فكان عليه أن يُبيِّن أسباب توبته، وأن يُبيِّن مفاسد الموسيقى وآثارها السيئة، وأن يُحذِّر من فتنتها وشرها نصحاً للإسلام والمسلمين، ولكني أخشى أن توبته كانت غير نصوح، وأنها توبة هزيلة، ومن آثار هذه التوبة الهزيلة أنه لم يستطع الجزم بتحريمها.
الثالثة- على قول محمد عبد المقصود:
"لا بد أن نعترف أن موضوع المعازف عليه خلاف، ومن يريد أن يتأكد من ذلك عليه مراجعة كتاب «نيل الأوطار» للشوكاني، وكتاب «الفتح الرباني لفتاوى الشوكاني»، حيث أورد رحمه الله مبحثاً كاملاً لأناس من السلف كانوا يقولون بجواز الاستماع إلى الموسيقى، وفي نفس الوقت فإن الأئمة الأربعة أفتوا بتحريمها، واستشهدوا بحديث النبي الذي رواه الإمام البخاري: «ليكونن من أمتي أناس يستحلون الحر والحرير والخمر والمعازف".
وعلى هذا الكلام ملاحظات:
أ- أن الاحتجاج بالخلاف في الأمور المهمة الواضحة والمنصوص على أحكامها من كتاب الله وسنة رسوله -صلى الله عليه وسلم- ليس من منهج أهل السنة والجماعة، وإنما هو من مناهج أهل الأهواء، ولا سيما الإخوان المسلمين، الذين يهونون من خلاف الروافض لأهل السنة في العقائد والمناهج وخلافهم في الصحابة إلى درجة تكفير الروافض لهم.
ومع ذلك فالإخوان المسلمون يهونون من هذه الخلافات الجسيمة التي يصل كثير منها إلى درجة الكفر، ويقولون: إن أصولنا وأصولهم واحدة، كما يهونون من خلاف الخوارج وغلاة الصوفية، ويدخلونهم في تنظيمهم، بل يتوسعون إلى أبعد من ذلك.
ب- أحلتَ من يريد أن يتأكد من الخلاف في حكم المعازف على كتابين للشوكاني، فلماذا اخترت الشوكاني من بين من تكلم من العلماء كابن تيمية وابن القيم والألباني وغيرهم ممن تكلم في مسألة الغناء وآلات الطرب بجد وحزم في ضوء الكتاب والسنة.
قال العلامة الألباني عن بحث الشوكاني في هذه المسألة:
"ثم نقل عن بعضهم أنه حكى أقوالا عن بعض السلف بالإباحة، وتوسع في ذلك توسعاً لا فائدة منه؛ لأنها أقوال غالبها معلقة لا سنام لها ولا خطام، وبعضها قد صحَّ عن بعضهم خلافه، وبعضُها مشكوك في لفظه كما يأتي تحقيقه".
والأمر كما قال العلامة الألباني.
وأضيف أن الشوكاني سار في هذا البحث على غير عادته في ردِّ الباطل ونصرة الحق بالأدلة، فكم من الفروق بينه وبين غيره في نصرة السنة هنا وتوضيح الأدلة وشد بعضها ببعض؛ بجمع الطرق الكثيرة للأحاديث المصرحة بالتحريم والذم والوعيد.
ولعله لأجل هذا الضعف أحال محمد عبد المقصود إلى كتابي الشوكاني، وليس هذا منه من النصيحة.
ومن تلك الفروق:
أنه أجاب على تضعيف المبيحين للنصوص النبوية الدالة على تحريم المعازف، بقوله:
"ويجاب بأنها تنتهض بمجموعها ولا سيما وقد حسن بعضها فأقل أحوالها أن تكون من قسم الحسن لغيره" "نيل الأوطار" (8/107).
فهذا القول فيه ضعف إذ كان المنتظر منه أن يصحح عدداً منها ويضعها في المرتبة اللائقة بها، بدل أن يجعل مجموعها في مرتبة الحسن لغيره، وإن كان الحسن لغيره مما يحتج به، ولكن كان الوصول بها إلى درجة الصحة أقوى.
ومع ذلك فالفارق كبير بينه وبين محمد عبد المقصود.
والسر في ذلك أن محمد عبد المقصود ليس من أهل هذا الشأن لا علماً ولا منهجاً.
ومن الفروق بين محمد عبد المقصود وبين الشوكاني على تساهله:
قول الشوكاني: "وإذا تقرر جميع ما حررناه من حجج الفريقين فلا يخفى على الناظر أن محل النـزاع إذا خرج عن دائرة الحرام لم يخرج عن دائرة الاشتباه، والمؤمنون وقافون عند الشبهات كما صرّح به الحديث الصحيح "ومن تركها فقد استبرأ لعرضه ودينه، ومن حام حول الحمى يوشك أن يقع فيه"، ولا سيما إذا كان مشتملا على ذكر القدود والخدود والجمال والدلال والهجر والوصال ومعاقرة العقار وخلع العذار والوقار، فإن سامع ما كان كذلك لا يخلو عن بلية وإن كان من التصلب في ذات الله على حد يقصر عنه الوصف.
وكم لهذه الوسيلة الشيطانية من قتيل دمه مطلول، وأسير بهموم غرامه وهيامه مكبول، نسأل الله السداد والثبات. ومن أراد الاستيفاء للبحث في هذه المسألة فعليه بالرسالة التي سميتها: "إبطال دعوى الإجماع على تحريم مطلق السماع" "نيل الأوطار" (8/109).
وهذا القول على ضعفه لم يشر إلى مثله محمد عبد المقصود.
الرابعة- وحكاية محمد عبد المقصود عن أناس من السلف أنهم "يقولون بجواز الاستماع إلى الموسيقى، وفي نفس الوقت فإن الأئمة الأربعة أفتوا بتحريمها، واستشهدوا بحديث النبي -صلى الله عليه وسلم- الذي رواه الإمام البخاري: «ليكونن من أمتي أناس يستحلون الحر والحرير والخمر والمعازف".
أقول: إن في هذا الكلام نظراً:
أ- فلقد اطلع محمد عبد المقصود على قول الشوكاني إن الجمهور من العلماء قد قالوا بتحريم آلات الطرب، فما السر في اقتصار محمد عبد المقصود على الأئمة الأربعة، لا سيما وكثير من العلماء قد ذهبوا إلى ادعاء الإجماع على التحريم، ولعل هؤلاء لم يعتدوا بخلاف الصوفية والظاهرية.
ب- وما ذكره الشوكاني عن أناس من السلف أنهم يرون جواز الاستماع إلى آلات الطرب، فيقال: إن نسبة ذلك إلى بعض السلف لا تثبت على محك النقد والبحث العلميين؛ لأنها كما قال العلامة الألباني:
" أقوال غالبها معلقة لا سنام لها ولا خطام وبعضها قد صح عن بعضهم خلافه وبعضها مشكوك في لفظه".
أقول: بل له لمحات خفيفة مع إكثاره من نقل الحكايات في الإباحة عن الصوفية والظاهرية ومن دار في فلكهم.
ومع ذلك فهناك فرق كبير بينه وبين الدكتور محمد عبد المقصود.
فقد ذكر أن الجمهور من العلماء قد ذهبوا إلى التحريم لآلات الطرب كما في "النيل" (8/104).
فسقط تعلق الدكتور محمد بمثل هذه الحكايات.
وأقول: ألا يكفي استدلال الجمهور بهذا الحديث الصحيح في البخاري، فكيف إذا انضم إليه النص القرآني وعدد من الأحاديث الثابتة؟
الخامسة- قال الصحفي:
" وأشار عبد المقصود إلى أنه طالما الموضوع فيه خلاف فمن أراد أن يستمع إلى الموسيقى فليستمع طالما أنه مقتنع بأنها حلال، ومن أراد أن يعرض عنها فليعرض، طالما اقتنع بحرمتها، وفي كل الأحوال يجب ألا تفرض رأيك عليّ، وتسمعني ما لا أريد سماعه".
أقول: فأين تضع آيات وأحاديث الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر اللذين هما مناط خيرية هذه الأمة؟ أين تضعها إذا كنت تكره وتأنف أن تسمع ما لا تريد وترى أنه من فرض الرأي؟
ثم هل هذه الحرية مستمدة من كتاب الله وسنة رسوله -صلى الله عليه وسلم- ومن منهج السلف؟ أو هي مستمدة من الديمقراطية المحاربة للإسلام؟ ومن دعوات التحرر الأوربية، ولا سيما من العقائد والأصول والقيم الإسلامية؟ هذه الحرية التي تسيطر على كثير من المنتسبين إلى الإسلام الذين أسلموا أنفسهم وعقولهم إلى الأفكار والمبادئ الغربية المحاربة للإسلام.
فعلى سياق قول محمد عبد المقصود هذا قد يقول من يسير على هذا المنهج: فطالما في موضوع المتعة خلاف فمن أراد أن يستمتع بمن شاء من النساء فليستمتع، ومن شاء أن لا يستمتع فله ذلك.
وطالما أن في صفات الله تعالى اختلافاً فمن أراد أن يعطل فليعطل طالما وهو مقتنع بالتعطيل، ومن أراد أن يشبه صفات الله بصفات خلقه فليشبه طالما وهو مقتنع بالتشبيه، ولا يجوز لمن يثبت صفات الله على الوجه اللائق به من غير تحريف ولا تعطيل ولا تشبيه ولا تمثيل لا يجوز لمن هذا حاله من هؤلاء المثبتين أن يعترضوا على أولئك المعطلين والمشبهين، ولا يجوز لهم أن يسمعوا هؤلاء المعطلين والمشبهين ما لا يريدون أن يسمعوه من الآيات القرآنية الكثيرة والأحاديث النبوية الكثيرة الصريحة الدلالة في إثبات صفات الكمال والجلال لله ذي العظمة والجلال.
وقل مثل ذلك في مسائل دعاء غير الله والذبح لغير الله، وتشييد القبور على الأولياء وغيرهم؛ لأن هذه مسائل خلافية، مشهورة الخلافات فيها، فلا يجوز -على هذا الأصل- لدعاة التوحيد أن يعترضوا على القبوريين ولا أن يُسمعوهم ما لا يريدون من الآيات القرآنية والأحاديث النبوية التي تدين هذه الشركيات والخرافات.
لأن هذه الاعتراضات والاستدلالات تنافي هذه الحريات الشخصية التي تنادي بها الديمقراطية، وينادي بها دعاة التحرر من الأوربيين والليبراليين والعلمانيين.
وعلى كل فالقناعة الشخصية هي الأصل والميزان لقبول الأقوال ورفضها، يسير عليها كثير ممن يلبس لباس السلفية إلى جانب أصول أخرى هي بدورها موازين للقبول والرفض في كثير من الميادين.
أما أهل الحق فميزانهم كتاب الله وسنة رسوله -صلى الله عليه وسلم-، فبنصوصهما يأخذون ويقبلون، وبنصوصهما يردون وينكرون.
ولهذا الصنف ولمن يريد الحق أسوق مختصراً من كلام العلامة الألباني جبل السنة والتوحيد، الذي تكلم في تحريم آلات الطرب كلام العالم المحقق والباحث المدقق، حيث درس الأحاديث النبوية دراسة واسعة يجمع الأحاديث من مصادرها ويحشد طرقها ويصدر الأحكام الصائبة عليها، بناء على قواعد المحدثين التي يتقنها ويحسن تطبيقها، فتوصل إلى تصحيح أربعة منها وتحسين ثلاثة، بناء على أسس صحيحة ودراسة أمينة، هذا عدا الطرق التي تعضدها، كما أورد كلام فحول العلماء في تحريم آلات الطرب القائم على البراهين، وردَّ على المخالفين المبيحين لها.
قال –رحمه الله- ضمن كتابه "تحريم آلات الطرب" (ص38-68):
" الحديث الأول : عن أبي عامر أو أبي مالك الأشعري قال :
" ليكونن من أمتي أقوام يستحلون الحر والحرير والخمر والمعازف.
ولينـزلن أقوام إلى جنب علم يروح عليهم بسارحة لهم يأتيهم لحاجة فيقولون : ارجع إلينا غدا فيبيتهم الله ويضع العلم ويمسخ آخرين قردة وخنازير إلى يوم القيامة".
رواه البخاري قال: وقال هِشَامُ بن عَمَّارٍ حدثنا صَدَقَةُ بن خَالِدٍ حدثنا عبد الرحمن بن يَزِيدَ بن جَابِرٍ حدثنا عَطِيَّةُ بن قَيْسٍ الْكِلَابِيُّ حدثنا عبد الرحمن بن غَنْمٍ الْأَشْعَرِيُّ قال: حدثني أبو عَامِرٍ أو أبو مَالِكٍ الْأَشْعَرِيُّ والله ما كَذَبَنِي سمع النبي -صلى الله عليه وسلم- يقول : لَيَكُونَنَّ من أُمَّتِي أَقْوَامٌ يَسْتَحِلُّونَ الْحِرَ وَالْحَرِيرَ وَالْخَمْرَ وَالْمَعَازِفَ وَلَيَنْزِلَنَّ أَقْوَامٌ إلى جَنْبِ عَلَمٍ يَرُوحُ عليهم بِسَارِحَةٍ لهم يَأْتِيهِمْ يَعْنِي الْفَقِيرَ لِحَاجَةٍ فيقولوا ارْجِعْ إِلَيْنَا غَدًا فَيُبَيِّتُهُمْ الله وَيَضَعُ الْعَلَمَ وَيَمْسَخُ آخَرِينَ قِرَدَةً وَخَنَازِيرَ إلى يَوْمِ الْقِيَامَةِ".
ورواه ابن حبان في صحيحه (8/265) حديث (6719) قال:
"أَخْبَرَنَا الْحُسَيْنُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْقَطَّانُ( ) قَالَ: حَدَّثَنَا هِشَامُ بْنُ عَمَّارٍ قَالَ: حَدَّثَنَا صَدَقَةُ ابْنُ خَالِدٍ قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ جَابِرٍ قَالَ: حَدَّثَنَا عَطِيَّةُ بْنُ قَيْسٍ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ غَنْمٍ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو عَامِرٍ وَأَبُو مَالِكٍ الأَشْعَرِيَّانَ: سَمِعَا رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- يَقُولُ لَيَكُونَنَّ فِي أُمَّتِي أَقْوَامٌ يَسْتَحِلُّونَ الْحَرِيرَ وَالْخَمْرَ وَالْمَعَازِفَ".
ورواه الطبراني في المعجم الكبير حديث (3417) قال: حدثنا مُوسَى بن سَهْلٍ الْجَوْنِيُّ الْبَصْرِيُّ ثنا هِشَامُ بن عَمَّارٍ به مثل رواية البخاري، وموسى بن سهل هذا ثقة حافظ.
ورواه الإسماعيلي في "المستخرج على الصحيح" ومن طريقه البيهقي في "سننه" (10/221): حدثنا الحسن ابن سفيان حدثنا هشام بن عمار به.
وهناك أربعة آخرون رووه عن هشام بن عمار، لم يتفرد به هو ولا شيخه صدقة بن خالد، بل إنهما قد تُوبِعا، وساق الألباني هذه المتابعة وصححها.
الحديث الثاني: عن أنس بن مالك -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "صوتان ملعونان في الدنيا والآخرة: مزمار عند نعمة، ورنَّة عند مصيبة".
أخرجه البزار في "مسنده"، انظر "كشف الأستار" (1/377/795)، والضياء المقدسي في "الأحاديث المختارة" (6/188/2200، 2201).
حسّنه الألباني من هذا الوجه، وذكر له شاهداً من حديث عبد الرحمن بن عوف، حسّنه لغيره.
الحديث الثالث: عن ابن عباس –رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "إِنَّ اللَّهَ حَرَّمَ عَلَيَّ أو حُرِّمَ الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْكُوبَةُ وَكُلُّ مُسْكِرٍ حَرَامٌ".
أخرجه أبو داود ( 3696 )، والبيهقي ( 10 / 221 )، وأحمد في " المسند " ( 1 / 274 ) وفي " الأشربة " رقم ( 193 )، وأبو يعلى في " مسنده " ( 2729 )، وعنه ابن حبان في " صحيحه " ( 5341 ) وغيرهم.
وساق له الألباني إسناداً آخر.
وقال: أخرجه أحمد (1/289)، وفي "الأشربة" (14)، والطبراني (12601) والبيهقي (10/213-221).
ثم قال: وهذا إسناد صحيح من طريقيه، وذكر أن الشيخ أحمد شاكر صححه.
الحديث الرابع: عن عبد الله بن عمرو بن العاص –رضي الله عنهما- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "إن الله عزّ وجل حرّم الخمر، والميسر، والكوبة، والغبيراء، وكل مسكر حرام".
قال العلامة الألباني: وله ثلاث طرق، ضعّفه من طريقين وحسّنه من الثالثة.
الحديث الخامس: عن قيس بن سعد –رضي الله عنهما- أن رسول الله –صلى الله عليه وسلم- قال: "إن ربي حرّم عليّ الخمر والميسر والقنين والكوبة".
أخرجه البيهقي (10/222)، والطبراني في "الكبير" (13/15/20)، وحسّن إسناده، وساقه من طريق أخرى ثم ضعّفها.
الحديث السادس: عن عمران بن حصين قال: قال رسول الله –صلى الله عليه وسلم-: "في هذه الْأُمَّةِ خَسْفٌ وَمَسْخٌ وَقَذْفٌ فقال رَجُلٌ من الْمُسْلِمِينَ: يا رَسُولَ اللَّهِ وَمَتَى ذَاكَ قال إذا ظَهَرَتْ الْقَيْنَاتُ وَالْمَعَازِفُ وَشُرِبَتْ الْخُمُورُ ".
خرّجه الألباني من سنن الترمذي "كتاب الفتن" حديث (2212).
ثم خرّجه من مصادر أخرى، وذكر له متابعتين، وانتهى إلى تصحيحه.
ثم قال: "ويزداد قوّة بما له من الشواهد".
وساق شواهده من عدة مصادر من حديث أبي هريرة وعلي وأبي أمامة وأنس بن مالك -رضي الله عنهم-.
الحديث السابع: عن أبي أمامة قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: " لا يَحِلُّ بَيْعُ الْمُغَنِّيَاتِ، وَلا شِرَاؤُهُنَّ، وَلا تِجَارَةٌ فِيهِنَّ، وَثَمَنُهُنَّ حَرَامٌ، وقال: إنما نَزَلَتْ هذه الآيَةُ في ذلك: (وَمَنَ الناس من يَشْتَرِي لَهْوَ الحديث) حتى فَرَغَ مِنَ الآيَةِ.."، صحح منه العلامة الألباني ما يتعلق بنـزول الآية لشواهده.
ثم ذكر الفصل الثاني في "شرح مفردات "غريب الحديث"" من (ص75-79).
ثم عقد الفصل الثالث في "الرد على ابن حزم وغيره ممن أعلَّ شيئاً من الأحاديث المتقدمة" من (ص80-91).
قال في طليعته: "قلت : سبق أن رددت على ابن حزم وغيره من الطاعنين في الأحاديث الصحيحة في المقدمة، وفي أثناء تخريج الأحاديث الستة الصحيحة المتقدمة، والذي أُريد بيانه الآن، أنَّ أحاديث التحريم بالنسبة لابن حزم ونظرتنا إليها تنقسم إلى ثلاثة أقسام :
الأول : ما ضعفه منها، وهو مخطئ.
الثاني : ما لم يقف عليه منها، أو وقف على بعض طرقها دون بعض، ولو وقف عليها وثبتت عنده لأخذ به، فهو معذور - خلافا لمقلديه! -، ولا سيما وقد عقب على ما ضعّف منها بقوله حالفًا غير حانث إن شاء الله ( 9 / 59 ) :
"ووالله لو أُسنِد جميعه، أو واحدٌ منه فأَكثر من طريق الثقات إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لما ترددنا في الأخذ به".
هذا هو الذي نظنّه فيه، والله حسيبه، وأمّا المقلدون له بعد أن قامت عليهم الحجّة وتبينت لهم المحجّة، فلا عذر لهم ولا كرامة، بل مثلهم كمثل ناس في الجاهليّة كانوا يعبدون الجنّ، فأسلم هؤلاء، واستمر أولئك في عبادتهم وضلالهم، كما قال تعالى : ( أولئك الذين يدعون يبتغون إلى ربهم الوسيلة أيهم أقرب ويرجون رحمته ويخافون عذابه إن عذاب ربك كان محذورا ).
الثالث : ما ضعّفه منها، ولم يبدُ لنا اعتراض عليه، فلا شأن لنا به، فسيكون ردي عليه إذن في القسم الأول والثاني".
ثم ناقش ابن حزم في تعليله لحديث هشام بن عمار عن صدقة بن خالد بإسناده مرفوعاً: " لَيَكُونَنَّ من أُمَّتِي أَقْوَامٌ يَسْتَحِلُّونَ الْحِرَ وَالْحَرِيرَ وَالْخَمْرَ وَالْمَعَازِفَ...".
ونقل ردود العلماء على ابن حزم من مثل الحافظ ابن القيم والحافظ ابن حجر، ثم ذكر أسماء العلماء الذين صححوا هذا الحديث في (ص89) وهُم:
"1 - البخاري 2 - ابن حبان 3 – الإسماعيلي
4 - ابن الصلاح 5 - النووي 6 - ابن تيمية
7 - ابن القيّم 8 - ابن كثير 9 - العسقلاني
10 - ابن الوزير الصنعاني 11 - السخاوي 12 - الأمير الصنعاني
ثم قال: "( انظر كتابي الجديد " ضعيف الأدب المفرد "، في أثناء الرد على ابن عبد المنان في المقدمة ) إلى غير هؤلاء ممن لا يحضرني، فهل يدخل في عقل مسلم أن يكون المخالفون كابن حزم ومن جرى خلفه - وليس فيهم مختص في علم الحديث - هل يعقل أن يكون هؤلاء على صواب، وأولئك الأئمّة على خطأ ؟! ( هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون )، ( إن في ذلك لذكرى لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد )"اهـ.
ثم عقد الفصل الرابع "في دلالة الأحاديث على تحريم الملاهي بجميع أشكالها" من (ص92-97).
ثم قال في طليعته:
"اعلم أخي المسلم أنَّ الأحاديث المتقدمة صريحة الدلالة على تحريم آلات الطرب بجميع أشكالها وأنواعها، نصّاً على بعضها كالمزمار والطبل والبربط، وإلحاقاً لغيرها بها، وذلك لأمرين :
الأول : شمول لفظ ( المعازف ) لها في اللغة كما تقدم بيانه في ( الفصل الثاني )، وكما سيأتي أيضاً عن ابن القيم.
والآخر : أنها مثلها في المعنى من حيث التطريب والإلهاء، ويؤيد ذلك قول عبد الله ابن عباس -رضي الله عنهما- :
"الدّف حرام، والمعازف حرام، والكوبة حرام، والمزمار حرام".
أخرجه البيهقي ( 10 / 222 ) من طريق عبد الكريم الجزري عن أبي هاشم الكوفي عنه"اهـ.
ثم عقد الفصل الخامس "مذاهب العلماء في تحريم آلات الطرب" من (ص98-105).
ثم عقد الفصل السادس "شبهات المبيحين (للغناء) وجوابها" من (ص106-125) أجاد فيه وأفاد مدعماً ذلك بردود العلماء كابن تيمية وابن القيم وابن الجوزي وابن حجر والخطابي -رحمهم الله-.
ثم قسّم هذا النوع إلى قسمين، محرّم ومباح، والمباح هو إنشاد الشعر النافع.
ثم عقد الفصل السابع "في الغناء بدون آلة" من (ص126-136)، وذكر ما يجوز منه وهو ما يعرف عند العرب بالنصْب.
ثم قال في (ص129):
"وقال (أي البيهقي): "و ( النصب ) ضرب من أغاني الأعراب، وهو يشبه الحداء . قاله أبو عبيد الهروي".
وفي " القاموس " : " نصب العرب : ضرب من مغانيها أَرقّ من الحداء "".
ثم قال: "فأقول : وفي هذه الأحاديث والآثار دلالة ظاهرة على جواز الغناء بدون آلة في بعض المناسبات، كالتذكير بالموت، أو الشوق إلى الأهل والوطن، أو للترويح عن النفس، والالتهاء عن وعثاء السفر ومشاقه، ونحو ذلك مما لا يُتخذ مهنة، ولا يُخرج به عن حدِّ الاعتدال، فلا يقترن به الاضطراب والتثنِّي والضرب بالرِّجل مما يخلُّ بالمروءة"اهـ.
ثم عقد الفصل الثامن من (ص137) إلى آخر الكتاب (ص182) أجاد فيه وأفاد، وأورد فيه كلام ابن عباس وابن مسعود وعكرمة ومجاهد في سبب نزول قول الله تعالى: (وَمِنَ النَّاسِ مَن يَشْتَرِى لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَن سَبِيلِ اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَيَتَّخِذَهَا هُزُواً أُوْلَائِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مُّهِينٌ)، وذكر مصادر أقوالهم، ونقل قول الواحدي في تفسيره: " أكثر المفسرين على أن المراد بلهو الحديث: الغناء"، ثم ذكر الآثار السلفية الدالة على حكمة التحريم:
أولها- قول ابن مسعود: "الغناء ينبت النفاق في القلب " وصححه وقال: له حكم الحديث المرفوع إذ مثله لا يقال من قبل الرأي.
ونقل عن الشعبي مثل قول ابن مسعود وحسّنه.
ونقل كلاماً رائعاً عن ابن القيم في بيان وجه كون الغناء ينبت النفاق في القلب.
وبيَّنَ في هذا الباب هو وابن القيم المفاسد الخطيرة للغناء وآلات الطرب، ووجوب سد الذرائع إليها، بياناً شافياً.
ثم تكلم في هذا الفصل عن الغناء الصوفي والأناشيد الإسلامية، وساق حججاً عظيمة في بيان بطلانهما وضلال متعاطيهما مدعماً بيانه بنصوص الكتاب والسنة، وبالنقول عن أعلام العلماء وفحولهم مثل شيخ الإسلام ابن تيمية وابن القيم والشاطبي والطرطوشي والقرطبي والآلوسي، رحمه الله، ورحم علماء الإسلام الناصحين للإسلام والمسلمين والذابين عن الدين.
ثم قال العلامة الألباني –رحمه الله-:
"ومنهم العلامة المحقق الأديب الأريب ابن قيم الجوزية وقد بلغ الغاية في الاحتجاج لتحريم الغناء والملاهي والغناء الصوفي في كتابه الكبير " الكلام في مسألة السماع " وقد توسع جدا في الاستدلال على ذلك بالكتاب والسنة والآثار السلفية وبيان مذاهب العلماء والمراجحة بينها والرد على المستحلين لما حرم الله ومن طرائفه أنه عقد مجلس مناظرة بين صاحب غناء وصاحب قرآن في فصول رائعة ممتعة الحجة فيها ساطعة على المستحلين والمبتدعة جزاه الله خيرا وقد قال في رده المجمل على الغناء الصوفي ما مختصره ( ص 106 - 108 ) :
إن هذا السماع على هذا الوجه حرام قبيح لا يبيحه أحد من المسلمين ولا يستحسنه إلا من خلع جلباب الحياء والدين عن وجهه وجاهر الله ورسوله ودينه وعباده بالقبيح، وسماع مشتمل على مثل هذه الأمور قبحه مستقر في فطر الناس حتى إن الكفار ليعيرون به المسلمين ودينهم
نعم خواص المسلمين ودين الإسلام براء من هذا السماع الذي كم حصل به من مفسدة في العقل والدين والحريم والصبيان فكم أفسد من دين وأمات من سنة وأحيا من فجور وبدعة
ولو لم يكن فيه من المفاسد إلا ثقل استماع القرآن على قلوب أهله واستطالته إذا قرئ بين يدي سماعهم ومرورهم على آياته صما وعميا لم يحصل لهم من ذوق ولا وجد ولا حلاوة بل ولا يصغي أكثر الحاضرين أو كثير منهم إليه ولا يقومون معانيه ولا يغضون أصواتهم عند تلاوته
تلي الكتاب فأطرقوا لا خيفة لكنه إطراق ساه لاهي
وإلى الغناء فكالذباب تراقصوا والله ما رقصوا لأجل الله
دف ومزمار ونغمة شادن فمتى رأيت عبادة بملاهي
ثقل الكتاب عليهم لما رأوا تقييده بأوامر ونواهي
والرقص خف عليهم بعد الغنا يا باطلا قد لاق بالأشباه
يا أمة ما خان دين محمد وجنى عليه ومله إلا هي
وبالجملة فمفاسد هذا السماع في القلوب والنفوس والأديان أكثر من أن يحيط به العدُّ" انظر "تحريم آلات الطرب" (ص172-174).
وأخيراً أقول: إن على محمد عبد المقصود وغيره ممن يسمون أنفسهم بالسلفيين، ويقعون في مخالفات جسيمة مضادة لمنهج السلف وأصوله الراسخة عليهم أن يتوبوا إلى الله من هذه المخالفات توبة نصوحاً، وأن يلتزموا منهج السلف الصالح التزاماً صادقاً ظاهراً وباطناً، وأن يكون لهم ممن يخالف هذا المنهج مواقف سلفية على غرار مواقف السلف التي لا يخافون فيها لومة لائم.
وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
كتبه ربيع بن هادي عمير المدخلي
14/3/1433هـ
[1] - والصواب: "والحرير".
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق