13/11/2013

من كمال مروءة سعد بن الربيع تنازله عن إحدى زوجاته لعبدالرحمن بن عوف رضي الله عنهما ليتزوجها!


بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا رسول بعده..
أما بعد:
فلقد رأيت كلامًا لأحدهم على صفحات أحد المواقع التواصلية يقول فيه:
«هل يجوز شرعا وعقلا وعرفا ورجولة ...أن يعرض المسلم إحدى زوجاته... لأحد أصحابه...لكي يختار من تعجبه..... لكي يطلقها من أجله...ويتزوجها صاحبه....؟!!!!!!»!!
ثم ذكر بعده حديث أنس –رضي الله عنه- والذي أخرجه البخاري في «صحيحه» باب (قول الرجل لأخيه انظر أي زوجتي شئت حتى أنزل لك عنها)، وفيه قول سعد بن الربيع لعبدالرحمن بن عوف –رضي الله عنهما-: «ولي امرأتان فانظر أعجبهما إليك فأطلقها حتى إذا حلت تزوجتها. فقال عبد الرحمن: بارك الله لك في أهلك».
فأقول مستعينًا بالله تبارك وتعالى:
يفهم من هذا السؤال المطروح أن صاحب المقال يرى أنه ليس من الشرع ولا العقل ولا العرف ولا الرجولة أن يفعل المسلم ما فعله سعد -رضي الله عنه-، بدليل سؤاله الاستنكاري الذي ملأه بعلامات التعجب!
وحقيقة لا أدري هل تخرُج مثل هذه الأسئلة ممن ينتسب إلى السنة –بله- إلى السلفية؟!
لقد تعودنا قديمًا وحديثًا على إصدار أمثال هذه الشبهات والتساؤلات والتي لا تصدر غالبًا إلا عن أهل الضلال من الرافضة الطاعنين بأصحاب النبي –صلى الله عليه وسلم- أو من المستشرقين الذين يرومون هدم قواعد الدين بطعنهم بحملته ونقَلَتِه، وهذا الأمر ليس هو بالمستغرب إن صدر عن أمثال هؤلاء القوم فإنَّه دينهم وديدنهم!
أمّا أن يصدر مثل هذا الكلام عمّن يلبس لبوس السنة، ومسوح العلم، ويجعل من نفسه مُعلمًا للناس؛ فإن هذا غاية في الخطورة .
ماذا يريد الكاتب من هذا السؤال، وما هي الذريعة التي سيتذرع بها إن اتهمه أحدهم بالطعن في أخلاق ومروءة الصحابة الكرام ومنهم المبشرون بالجنة؟!
هل يريد بالفعل أن يشحذ عقول أصحابه لتوجيه هذا الحديث؟!
أم هي شبهة ألقيت ويريد الجواب عليها ممن يتابعه من العوام وغيرهم؟!
إنه وعلى مدار الخمسة عشر قرنًا الماضية لم يكن من طريقة أهل العلم السلفيين أن يسألوا مثل هذا السؤال الاستنكاري، ولا طرق هذا الباب أحد ممن يُعرف بالعلم والتقوى وتعليم الناس، فلماذا يقوم الكاتب في زماننا –هذا- بطرح مثل هذا السؤال؟!
فأقول إن الله –عز وجل- هو وحده العالم بما في الصدور وهو حسيبك أيها الكاتب فيما كتبت وبين يديه ستقف فأعدَّ جوابًا..
إنَّ أصحاب محمد –صلى الله عليه وسلم- أشدُّ الناس غيرة على أعراضهم وهم عرب أقحاح لا تشوب أخلاقهم ومروءتهم وغيرتهم أدنى شائبة، فكيف يُظن أنهم فعلوا ما لم يصح عندهم في شرعتهم ورجولتهم؟!
 إن النبي –صلى الله عليه وسلم- لمّا آخى بين المهاجرين والأنصار قام الأنصار على الفور بالاستجابة لأمر النبي –صلى الله عليه وسلم- فضربوا أعلى وأسمى وأرقى صور الإيثار والتضحية ولو كان هذا على حساب أنفسهم وأهليهم –رضي الله عنهم وأرضاهم-.
وهذا لعمري ليس بمستغرب ممن تربى في مدرسة محمد بن عبدالله –صلى الله عليه وسلم- ونهل من معينها الصافي الذي لا ينضب أخلاقًا ومروءة وتقوى وعلمًا ونخوة ورجولة، فبالغ من بالغ منهم بهذا الفعل الذي لم يُطلب منه أصلًا حتى أمعن في ذلك سعد –رضي الله عن سعد- وعرض على أخيه عبدالرحمن إحدى زوجتيه ليطلقها له فيتزوجها إذا انقضت عدَّتها..
هذا الذي فعله سعد مستنكر عند الكاتب ويتساءل مستنكرًا هل هو من الرجولة أم لا!
ذكر العلماء عدَّة فوائد من حديث أنس –رضي الله عنه- ومنها أن الغيرة تسقط في مثل هذه المواقف لفعل سعد -رضي الله عنه-، ولكن هذا العرض من سعد -الطاهر القلب الكامل المروءة- قوبل بأحسن منه؛ فقد ردّ عبدالرحمن بن عوف على أخيه سعد بالدعاء بالبركة له في ماله وأهله ولم يقبل من سعد ما عرضه عليه، فعرض سعد بمروءته ورفض ابن عوف بمروءته، فرضي الله عنهما وعن سائر الصحب الكرام.
واسمع ما قاله الصحابي الجليل عبدالله بن مسعود –رضي الله عنه- واصفًا به أصحاب النبي –صلى الله عليه وسلم- قال:
«أُولَئِكَ أَصْحَابُ مُحَمَّدٍ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، كَانُوا خَيْرَ هَذِهِ الأُمَّةِ، أَبَرَّهَا قُلُوبًا، وَأَعْمَقَهَا عِلْمًا، وَأَقَلَّهَا تَكَلُّفًا، قَوْمٌ اخْتَارَهُمُ اللَّهُ لِصُحْبَةِ نَبِيِّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وَنَقْلِ دِينِهِ، فَتَشَبَّهُوا بِأَخْلاقِهِمْ وَطَرَائِقِهِمْ، فَهُمْ كَانُوا عَلَى الْهَدْيِ الْمُسْتَقِيمِ».
إذن: أبرُّ الأمَّة قلوبًا، وأعمقها علمًا، وأقلها تكلفًا، هذه هي أخلاق سعد وعبدالرحمن لم يكن في قلب أحدهما ما يكون في قلوب أرباب المعاصي والذنوب ممن غلف الران قلوبهم فصارت تنكر ما كانت تعرف، وتعرف ما كانت تنكر!
إنّ الذي يريد أن يعلم الناس لا يقوم بإلقاء ما يفسد عليهم قلوبهم من الشبه والتساؤلات المحتملة للأوجه القبيحة فيما يتعلق بأصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم-، وإنما يربي الناس على صغار العلم قبل كباره {ولكن كونوا ربَّانيين}، وليس فيما طرحه الكاتب –هداه الله- أي فائدة تُرجى للمتعلم ولا للعالم حتى يطرحه بهذه الصورة، اللهم إلا إن كان وراء الأكمة ما وراءها !
خصوصًا وأن الكاتب بدأت تظهر عليه في الآونة الأخيرة طريقة غريبة في طرح المسائل وإلقاء الشبهات متعللًا بالعلم وأنه لا يريد إلا تحقيق المسألة الفلانية واستبيان الوجه الصحيح فيها، حتى بدأ يصف من كان ينتسب إليهم وينتسبون إليه: بالأدعياء، فلعلّه اطلع على أمر دعاه إلى وصفهم بهذا الوصف!!
فنسأل الله لنا وللكاتب الهداية، ونتضرع إليه أن يثبتنا على الإيمان والسنة وأن يميتنا وليس في رقابنا أي مطعن في أصحاب النبي –صلى الله عليه وسلم ورضي عنهم-.
وكتب:
ليلة العاشر من محرم 1435 هـ
أبو موسى أحمد بن عيَّاش بن موسى الغرايبة
غفر الله له ولوالديه ولمشايخه آمين






هناك تعليقان (2):

  1. بيّض الله وجهك أخي أبا موسى والله لقد أثلجت صدري بدفاعك عن أصحاب خير البرية بأبي هو وأمي عليه الصلاة والسلام ورضي الله عنهم أجمعين .

    أخوك المحب لك في الله الحنبلي .

    ردحذف
  2. وجهك ابيض أخي الحنبلي، وبارك الله فيك على حسن خلقك وطيب أصلك.. وهذا أقل ما يقال فيمن يتكلم في جناب الصحابة الكرام رضي الله عنهم أجمعين.
    وأحبك الله الذي أحببتني ﻷجله.

    ردحذف