12/09/2024

نظرات في فوز الإخوان في البرلمان الأردني

 

لم يكن هناك شك عند متابعي السياسة الوطنية والتي تمارسها السلطة الحاكمة في البلاد منذ عقود من أن هذا البرلمان وفي ظل الظروف المحيطة ونازلة غـjة تحديدًا سيكون لحزب الإخوان (المسلمين والمسيحيين) أغلبية تكتسح باقي الكُتل والأحزاب، وهذا الذي حصل فقد حصل الحزب الإخواني على 32 مقعدًا بما فيها مقعد (مسيحي)!

الدولة الأردنية دولة لا تمتلك من الموارد والقوة الشيء الكثير لكنها تمتلك عقليات سياسية غاية في الدهاء تتمكن من إيصال رسالتها إلى جميع الأطياف بسلاسة ولطف مانع من تشكيل العداوات مع أيٍّ كان ومهما تأزمت الأمور فالمخرج له أبوابٌ عند أساطين السياسة فيها ابتداءً من رأس الهرم إلى آخر قنوات الحكم في الدولة.

يواجه الأردن اليوم على المستوى الوطني والإقليمي ثلاث تحديات كبرى:

1-الاقتصاد المتهالك مع مديونية ضخمة.

2-التيار الإخواني المرتبط بإيران ومشروعها التصديري للثورة عدو العرب عامة والأردن خاصة.

3-السياسة الأمريكية المتمثلة بإرخاء (الرسن) لبغال الصهيونية في فلسطين متمثلة بمشروع اليمين المتطرف التوسعي والساعي لإنهاء حل الدولتين.

طبعًا التيار المسمى (إسلاميًا) تتوافق رؤاه مع الطرفين:

-مع الثورة الخمينية التي يحبون أن يُظهروها على أنها القوة الداعمة للقضية الفلسطينية ومشروع ما يسمى المـقـ|ومة هذا من جانب.

-مع المشروع الصـهـيوني المتمثل في السعي لوأد حل الدولتين من جهة أخرى.

فقد صرح الإخوان في أكثر من مناسبة= وعلى رأس المصرحين مجنون غـjة قائد الذراع المُغامر الذي تسبب في إبادة واحتلال القطاع عن بكرة أبيه =بأن طوفان الإجرام الذي قاموا به إنما هو لمنع عمليات التطبيع التي يبتغي القيام بها بعض الدول في مقابل الاعتراف بدولة فلسطينية على حدود الرابع من حزيران 1967م وهي المبادرة العربية المشتركة.

هذه المقاربات التي ذكرتها آنفًا جعلت من صانع القرار الأردني في موقف يحتاج فيه لأوراق قوية يمكنه الضغط بها على الطرف الأقوى في هذه المرحلة وهي السياسة الأمريكية إذ بيدها زمام طفلها المدلل الذي يمكن أن يستجيب لضغوطاتها بوقف هذه لمجزرة الجبانة والمشروع الأحمق، فكانت الأداة بيد الدولة هي اكتساح الإخوان للمجلس وهو ما سيكون له أصداء ننتظر باكورتها بعد الخطابات الافتتاحية للبرلمان!

على المستوى الداخلي مارس الإخوان كعادتهم أسلوب التثوير والتنفير والتخوين والوصف بالصهينة والنفاق لكل من خالفهم في حماقتهم التي ارتكبوها، فكان من نصيب الحكومة والجيش والنظام ككل نصيب وافر من هذه الحملة؛ فبثوا عبر صفحاتهم الكثير من الدعايات الكاذبة (الحقيرة) عن دعم الدولة أو تأييدها أو حماية العدو لإبادة إخواننا في غـjة وتناقلوا كل كذب قناة الخسيرة ومحلليها البُلهاء التي تتماهى في التغرير بالجماهير العاطفية، ونجحوا في استثمار دماء أهلنا في غـjة ليصلوا إلى التأييد الشعبي -وقد كان-!

كل هذا والدولة تتمالك أعصابها وتدير الموقف بحصافة متناهية خشية اندساس حلف المماتعة الإيراني في الداخل أو أحد أدواته (وقد صرحوا بأن لهم عشرة آلاف مجند من جماعة الإخوان جاهزون) فيتفجر الوضع وتقع كارثة الفوضى التي ينشدها الإخوان وأولياؤهم.

إذن، وصل الإخوان إلى البرلمان بالتجارة بدماء أهلنا في غـjة ونالوا ما أرادوا باستغلال عواطف الناس ضد الصهاينة وحربهم القذرة ضد المدنيين العُزل، وهذا الوصول سيضع الإخوان في الفخ الذي لطالما سعوا -عن غير قصد- إليه دون إدراك منهم لمآلات الأمور كعادتهم في كل مغامرة تعود بالخراب عليهم أولًا ثم على الأمة ككل، وآخر معاقل الإخوان اليوم هي الأردن وبها يجدون بعض المتنفس وأستشرف أن هذا المجلس هو الضربة القاضية لهذا الحزب الذي سينتهي شعبيًا عما قريب.

فاليوم تواجه الدولة الأردنية التطرف اليميني الليكودي في حكومة المسخ (نتنياهو) بحزب الإخوان صاحب الشعارات الرنانة والمطالبات ذات السقوف العالية وتُعطي (إشارة واضحة) لعل الحكومة الأمريكية -والتي تبتغي المحافظة على مصالحها في الشرق الأوسط- أن تلتقطها بأن التطرف الليكودي يمكن أن يُجابه بمثله فهذا الحزب -أعني الإخوان- الذي دعمته أمريكا في مرات كثيرة يمكن أن يكون الفتيل الذي تضيع بسببه مصالح القوم، ووجود هذا الحزب في البرلمان يُعطيه الفرصة ليُشَرِّعَ ما من شأنه الإضرار بمصالح الجميع على قاعدة: (عليَّ وعلى أعدائي)!

من جانب آخر سيواجه هذا الحزب بجميع أطيافه (الإسلامية والمسيحية!) مشكلات اقتصادية وسياسية وأمورًا لطالما اتخذوها ذريعة لتخوين النظام واتهامه ببيع مُقدرات الوطن فهل سيتمكنون من إبطالها أم سيمشون مع التيار ويطأطئون الرأس ويأخذون بالمناداة (مصالح عليا ومفاسد دنيا) ونحو ذلك من العبارات التي يضحكون فيها على عقول السُّذج؟

هذا المجلس مدته لن تزيد عن السنتين ولن يكون له إلا الانتهاء قريبًا في تقديري الشخصي فتعسر العملية السياسة (وتعسيرها) سمة كبرى لدى حزب الإخوان لأن حدهم الذي لا يتجاوزونه لا يعدو التثوير وإقامة المهرجانات والفعاليات وتشغيل الأناشيد وتوزيع (الملبس) في صلاة العيد مع بطاقة تهنئة بالعيد من الجماعة فهم أبعد ما يكونون عن السياسة وعن وسائلها وعن تطبيقاتها الواقعية وما إن يصلون إلى السلطة إلا ويظهر تخلفهم وغباؤهم فيخر السقف من فوقهم!

إن عادة الساسة في الأردن ومنذ ما يزيد على قرن من الزمان هي عدم خلق عدو دائم يجلب وجع الرأس للدولة والنظام، فيأخذونه بالدهاء والحنكة فيعطونه أسباب هلاكه ليستعملها بيده فيجهز على نفسه بيده دون أن تتلطخ أيدي السلطة بدماء هذا العدو مهما كان توجهه وانتماؤه؛ لأن الغاية التي تسمو في أدبيات الدولة الأردنية هي الحفاظ على الوطن من الأعداء وأدواتهم ولو كانت هذه الأدوات تلبس لباس الدين والتقوى أو لباس الوطنية والعشائرية، فجميع أعداء هذا الوطن ذهبوا إلى مزابل التاريخ وبقي الأردن بقيادته الهاشمية المُحنَّكة قائمًا صامدًا في وجه التحديات عزيزًا منيعًا لا يضره عداوة عدو خارجي ولا منافق داخلي، والله يحفظ الأردن وقيادته وجيشه وأبناءه الصادقين من الشرور والفتن ما ظهر منها وما بطن!

وكتب:

أحمد بن طريف أبو موسى الغرايبة

غفر الله له ولوالديه

آمين

8 / 3 / 1446هـ

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق