20/08/2024

(دعوة السلفيين لقراءة مسوَّدات=(بروتوكولات) حكماء صهيون ليست طريقة سلفية)! [المقالة الرابعة]

 

بيَّنت فيما سبق من المقالات أن هذه المسوَّدات قد حُشيت بأمور قائمة على إشعال الفتنة وترسيخ نظرية تبعية الحُكام لليهود ومن ذلك:

1-تقريرها أن اليهود أحكموا السيطرة على الحُكام وأنهم معنيُّون بتعيينهم وجعلهم أداةً تُنفذ مخططاتهم وترعى مصالحهم بجبروت وتسلط على شعوبهم مع كونهم -أي الحُكام- حثالة وأراذل يسومون الناس الظلم والقهر والمهالك ويبيعون البلاد ويسلمونها لليهود وغيرهم.

وهذه النقطة أساسية عند الأحزاب بكل أنواعها سواءٌ أولئك ممن يُناهض السلطات الحاكمة بتوجهاتها اليسارية والعلمانية والثورية، أم تلك التي تتخذ من الإسلام والدعوة إليه وإلى إقامة تعاليمه في الناس على غير طريقة السلف القائمة على السمع والطاعة بالمعروف، فنحن نعلم اليوم أن هذه الأحزاب قد رسَّخت في عقول أبناء الأمة أن الحُكام صنيعة اليهود وأنهم وكلاء الاستعمار الغربي مع أن هذه التهمة لا يُسعفها دليل ولا واقع، وإن زعم زاعم أن الحكام يُحاربون الدين والإسلام والمُصلحين، فإننا نُشاهد انغماس الأمة بالمقابل في الشهوات والضلالات مع كونهم -أي الشعوب- يعلمون ويتداولون في نواديهم ومجالسهم الخاصة أن هذه الحكومات صنيعة الغرب ويحميها الغرب ويضعها على رقاب الأمة، فهل الأمة مجبرة على هذا الانغماس في المعاصي والرذائل أم أنها هي صنيعة الغرب كذلك؟!

فلو كانت الأمة صادقة في دعواها أنها عالمة بعمالة الحُكام فما الذي يجعلها تتهافت كما الفراش في السراج على مخططات هؤلاء؟!

والصحيح أن الدعاية الحزبية بأنواعها هي من جعلت عامة الناس تُصدق هذه الأساطير وتنفي عن نفسها الانحطاط والرذائل التي تمارسها جهارًا وتقارفها إسرارًا!

ولأبين لك أن ما هو موجود في هذه البروتوكولات المنصوح بقراءتها للتوسل إلى فهم الواقع! يتطابق تمامًا مع طروحات هذه الأحزاب المتدثرة بالإسلام، فلنأخذ بعضًا من هذه النصوص التي تناثرت في هذه البروتوكولات الصهيونية ليتضح للقارئ أن النصيحة بقراءتها ليست حصيفة ولا هي مستمدة من طريقة سلفية سُنية ترنو إلى تحصين الشباب عامة وطلبة العلم خاصة وأنها ستزيد الطين بِلَّة وستخلط الحق بالباطل حتى يتشوَّه وجهه ويخفى على الناس بهاؤه، بل أزعمُ أنها ستكون وسيلة -لا قدر الله- في تشرب وتسرُّب هذه التقريرات إلى القلوب لتكون النتيجة الانحرافَ والانزلاقَ في مهاوي الخروج والتكفير!

إنَّ رأس الدولة وسادة الحكم لدى الشعوب غير اليهودية في نظر حكماء صهيون صمام أمان عظيم القدر شديد المنعة من السقوط والفشل وهو الحِصن الحصين الذي يجب أن تُنتزع هيبته من قلوب الناس، فكيف الطريق إلى ذلك؟

يجيبك النص التالي من البروتوكول الأول (ص115) وبكل وضوح وصراحة أنَّ:

«أي دولة يُساء تنظيم قوَّتها، وتنتكس فيها (هيبة القانون) وتصير (شخصية ‌الحاكم بتراء عقيمة) من جراء الاعتداءات التحررية».

فهذا أُسُّ المؤامرة التي ترويها البنود فمتى =ما استطاعت (الاعتداءات التحررية) التي يمارسها الجمهور الأعمى بمحض إرادته ضد هيبة الدولة وضد (شخصية الحاكم) حتى تعود (بتراء عقيمة) =يأتي الفصل بين القوتين كما يصفه النص التالي (ص116) بدقة متناهية إذ يقول:

«إذا قاد الأعمى أعمًى مثله فيسقطان معًا في الهاوية».

ولفهم نوع العمى المذكور لا بُد من ربطه بنص آخر في «البروتوكول الثالث (ص125)» والذي يبين نتيجة (الاعتداءات التحررية) على (هيبة القانون) و(شخصية الحاكم):

«وقد فَصَلْنَا القوة المراقِبة=[يعني قوة الحاكم] عن قوة الجمهور العمياء، فقدت القوتان معًا أهميتهما، لأنهما حين انفصلتا صارتا كأعمًى فقدَ عصاه.

ولكي نغري الطامحين إلى القوة بأن يُسيئوا استعمال حقوقهم ـ وضعنا القوى: كل واحدة منها ضد غيرها، بأن شجعنا ميولهم التحررية نحو الاستقلال، وقد شجعنا كل مشروع في هذا الاتجاه ووضعنا أسلحة في أيدي كل الأحزاب وجعلنا السلطة هدف كل طموح إلى الرفعة. وقد أقمنا ميادين تشتجر فوقها الحروب».

قال أبو موسى:

وهذه الميادين وهذه الأسلحة التي في أيدي الأحزاب التي هدفها السلطة وكرسي الحكم لا يُنازل أحدًا فيها تلك الجماعات المنتمية إلى الإسلام وعلى رأسها جماعة الإخوان المسلمين فهُم سادة في نشر الأكاذيب ونشر القلاقل وتثوير العامة ثم إذا ما وقعت الفوضى تمكنوا وبكل براعة من ركوب موجتها والاستفادة منها ولو على حساب خراب البلد وسفك دماء الشعوب. وقد رأى كل ذي بصر ما فعله هذا الحزب وتفرعاته في مصر واليمن وتونس وليبيا وغيرها من البلدان السُّنية!

وهم ليسوا وحيدين في ذلك ولا هُم منطلقون من مبادئهم التي يتفردون بها بل يصلون إلى هذه الفوضى بمساعدة الغرب الذي يُهاجمون حُكامهم لتعاملهم معه، وليس أدل على هذا التعاون الغربي لتنفيذ هذه المعاني من نصِّ البروتوكول السابع إذ يقرر في (ص140) ما فحواه:

«وبمساعدة أوروبا ـ يجب أن ننشر في سائر الأقطار (الفتنة والمنازعات والعداوات المتبادلة).

فإنَّ في هذا فائدة مزدوجة: فأما أولاً فبهذه الوسائل سنتحكم في أقدار كل الأقطار التي تعرف حق المعرفة أن لنا القدرة على خلق الاضطرابات كما نريد، مع قدرتنا على إعادة النظام» انتهى.

إذن يترسخ في عقل القارئ أن هذه المنظمات الصهيونية قادرة على التلاعب في الحُكومات والحُكام وهي المتحكمة في أقدارها فيعيش المتأثر بهذه النصوص حالة من الوهم والحيرة، مع أن هذا الكلام كتبه عدوها اللدود وهو إن لم يكن كذبًا فهو ذرٌّ للرماد في العيون. والواقع يبين أن الحكومات تقاوم كل أشكال هذه الفوضى والتي تبرَّع الإخوان المسلمون وأذرعهم ليكونوا أدواتها وعُمَّالها، فتأمل أخي القارئ الكريم في واقعنا العربي قبل وبعد ما أسمَوه لك (الربيع العربي)!

ثمَّ:

«ولكي نعزز خطتنا العالمية الواسعة التي تقترب من نهايتها المشتهاة؛ يجب علينا أن نتسلط على حكومات الأمميين بما يقال له (الآراء العامة) التي دبرناها نحن في الحقيقة من قبل!».

الآن وبعد عرض هذه النصوص يمكن لطالب العلم أن يتساءل بجدية:

ما هو مراد الناصح بقراءة هذه البروتوكولات والذي أصبح لا يستطيع أن يصل إليه؟

وكيف يمكن أن تؤدي قراءة ورقات منسوبة لبني صهيون إلى فهم الذي يجري خصوصًا إذا علمتَ أخي القارئ الكريم أن البروتوكولات تقوم على المحاور التي ذكرتها لك سابقًا وعلى رأسها (إسقاط هيبة الحاكم) وأن (الحُكام أدوات بيد الصهيونية العالمية)؟

وكيف لطالب العلم المنصوح بقراءتها أن يُكذِّبَ دعاوى الإخوان المسلمين وتفرعاتهم حينما يكتبون ويقولون في لقاءاتهم إن حكامنا اليوم هم صنيعة اليهود وهم حُماة الصهيونية وأعداء الإسلام؟!

يتبع..

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق