18/08/2024

(دعوة السلفيين لقراءة مسوَّدات=(بروتوكولات) حكماء صهيون ليست طريقة سلفية)! [المقالة الثالثة]

 

أنا أعرف أن الكثيرين ممن سمع بمسوَّدات=(بروتوكولات) حكماء صهيون لم يقرأْها ومَن قرأَها قِلَّة قليلة لطولها، ولعل أحدهم يَعَافُها لتكرار الكلام والمعاني في بنودها الأربعة والعشرين، وهذا عندي مما يطعن في صحتها أو حتى وجودها بهذه الظروف والأحداث التي ارتبطت بها بين السياسيين والمفكرين وأصحاب نظرية المؤامرة التي تستحكم في كثير من عقول العرب ودراويش طلبة العلم، فنحن المسلمينَ عندنا كتاب ربنا وسنة نبينا ﷺ والتي فيها من النصوص العاصمة من مكر اليهود وغيرهم الكثير الكثير، فكيف يستسيغ منسوبٌ إلى العلم والتحقيق أن يدُلَّ طلابه إلى قراءتها ليفهموا ما يُحاك لهم؟!

العجيب أن هذه المسوَّدات ينتشر الكلام فيها عند العرب خاصة -وبكثرة أحيانًا- مع كل تفجُّرٍ للأحداث وحصولٍ للتغييرات في المنطقة، وقد أنكر صحَّة هذه المسوَّدات غير واحد منهم الدكتور المتخصص في اليهود وتاريخهم عبدالوهاب المسيري المصري وكان ذلك منذ العام 1977م، وكذلك بلديُّه محمود عباس العقاد= في تصديره للطبعة الرابعة منها الصادرة عن دار الكتاب العربي في بيروت -وهي نسخة مصورة عندي-  =لم يجزم بصحة نسبتها بل نقل الخلاف الشديد على ذلك بين الأوروبيين أنفسهم. ورأيي الشخصي في هذه الأطروحات أنها من قبيل الخيال وأن أيَّ كاتب أو أديب يمكنه أن يتمسك بتلابيب الأدب والعبارات الصارخة ومعاني التآمر فينسج على منوالها وأشد منها، وأيًّا كان الأمر فثبوتها من عدمه لا يعني المسلمين شيئًا فقد كفيناهم -أعني اليهود- المؤونة؛ فقد برعنا في اتباع سُننهم حذو القُذَّة بالقُذَّة من قبلِ أن تصدر هذه الخُطط أو المسوَّدات، وحاضر المسلمين منذ قرون يُنبي بذلك ويؤكده، والله المستعان!

وبالعودة إلى نصيحة الشيخ مشهور -هداه الله- طلابه بأن يقرؤوا هذه البروتوكولات الصهيونية أطرح سؤالًا مُهمًا وهو:

هل يتمكن طالب العلم بعد قراءتها أن يفهم الواقع والمؤامرة التي تُحاك ضد المسلمين؟

فإذا كان الجواب: نعم؛ فما هي دلالات هذه القراءة لطالب علم سلفي يتبع الكتاب والسنة، حيث يقرأ فيهما نصوص السمع والطاعة لولاة الأمور وإن جاروا وظلموا، ويقرأ فيها أن الخروج على الولاة ولو بالكلمة -فضلًا عن المُظاهرات والمسيرات- هو دعوى جاهلية وسيماءُ حزبية وخارجية عصرية كما أسماها الشيخ الألباني -رحمة الله عليه-؟!

فما هي الأقلام العريضة لهذه المسوَّدات -على فرض صحتها- وإلى ماذا تُشير؟

والجواب:

إن مسوَّدات=(بروتوكولات) حكماء صهيون تؤسس لأصلين اثنين لا ثالث لهما وتطمح بذلك إلى الوصول لنتيجة حتمية للسير على تعاليمها لا ثاني لها، فأما الأصلان فهما:

1-تقرير أن اليهود أحكموا السيطرة على الحُكام وتعيينهم وجعلهم أداة تُنفذ مخططاتهم وترعى مصالحهم بجبروت وتسلط على شعوبهم مع كونهم حثالة وأراذل يسومون الناس الظلم والقهر والمهالك ويبيعون البلاد ويسلمونها لليهود وغيرهم.

2-اعتبار الشعوب رعاعًا غوغائيين ورعايا بلا تمييز وأنهم يمثلون قوة الجمهور العمياء الخالية من العقل المميز، وأن الجماهير تُعير سمعها ذات اليمين وذات الشمال.

أما النتيجة الحتمية فهي سيطرة اليهود على الأمم وسحقها وجعلها تابعة ذليلة مُسخَّرة لخدمتم وسعادتهم.

هذه الثلاثة الأمور التي تُمثل أصل هذه البنود الأربعة والعشرين وبينها كلمات في السياسة والاقتصاد والسيطرة على الذهب واستعمال كل وسيلة وشخص في زلزلة عروش الملوك والسلاطين متوسلين لذلك بقوة الشعب الثائر الساخط على حاكمه والساعي في تحصيل الحرية والعدالة والمال الذي تحرمه منه السلطة!

وطالب العلم يعصمه من هذه الثلاثة ثلاثة تُقابلها:

1- الدعوة إلى التوحيد الخالص فهو أصل الشجاعة وأصل العصمة من خوفِ أو محبةِ غير الله، وهو دين الأنبياء والمرسلين وبه سادت الصحابة الدنيا فأزالوا فارس والروم وكسروا شوكة يهود وأذلوهم حتى غدَوْ شراذم متفرقة في الأرض لا يُعبأ بهم.

2-التمسك بنصوص الكتاب والسنة الآمرة بعصمة دماء المسلمين وحمايتها والحرص على صونها بالسمع والطاعة بالمعروف وبذل النُصح للمسلمين حُكامًا ومحكومين، وبها يتخلص من أن يصير أداة في يد هؤلاء سواء كانوا يهودًا أم كانوا (خوارج) يمشون على سُننهم.

3- فإذا صاروا إلى هذه المرتبة من الحصانة تمكنوا من نشر دينهم الحق للراعي والرعية وأصلحوا البلاد والعباد -بإذن ربهم- وبينوا للناس أن أشد المؤامرات على المسلم إنما هي انقياده بلا عقل أو فهم لسُنن اليهود والنصارى سواءٌ في الحكم أو العبادات أو المعاملات وغيرها، فتحصل حصانة الدولة وحصانة المجتمع وحصانة الدِّين من أن يُخترق بمثل هذه المكائد.

وعند التأمل في بنود هذه المسوَّدات المسماة =(بروتوكولات) حكماء صهيون نجد أن الذي يحصل في بلادنا ومنذ قرن من الزمان أو يزيد هو قيام جماعات وأحزاب بتنفيذ هذه الخطط بحذافيرها من حيث يعلمون أو لا يعلمون، وعلى رأس هذه الأحزاب تلك الجماعة التي قال فيها الشيخ أحمد شاكر -رحمه الله-: "حركة الشيخ حسن البنا وإخوانه المسلمين الذين قلبوا الدعوة الإسلامية إلى دعوة إجرامية هدامة، ينفق عليها الشيوعيون واليهود كما نعلم ذلك علم اليقين" اهـ. انظر: كتاب "شؤون التعليم والقضاء (ص48)"!

فكيف يمكن لطالب العلم السلفي (المنصوح)! بقراءة هذه البنود أن يتبين ما يُحاك له وكيف يمكن الربط بين هذه النصيحة وبين العمل بالكتاب والسنة وفقَ المنهج السلفي؟

إن الناصح بهذا إما أن يكون لم يقرأ هذه الكتابات المنسوبة إلى أصحابها فقال شيئًا تلقنه من هُنا وهناك فقال به.

أو أن يكون عاجزًا عن الربط بينها وبين ما يحصل حقيقة في واقعنا المُعاصر من جماعات خارجية أو سياسية تُقامر بمقدرات وحياة الشعوب والدول وتنشر القلاقل والفتن وتتحالف مع الأعداء الظاهرين وصولًا إلى امتطاء ظهور الجماهير التي شحنوها وثوَّروها على بلدانها ليتسنموا كراسي الحكم في البلاد.

أو أن العواطف جرَّته إلى تصديق ما فيها من جهة ما يتعلق بالحُكام خاصَّة وقرينة ذلك عندي قول هذا الناصح بقراءتها والذي نقلت بعضه في المقالات السابقة وفيه: "أن لا تكون ضدًا لليهود جريمة لا تُغتفر.. لن يغفرها لكم أحد"، وقوله: "أطعموا أهاليهم احفظوا أهاليهم ليس حُبًّا فيهم ولكن حبًا في بلادكم...إلخ" والكلام كما مر سابقًا لا يمكن أن يكون موجهًا إلا للحُكام أصالة!

بينما تجده ومن حوله ممن يُتابعه على باطله يُطالبون بالكف عن انتقاد أفعال هذه الفصائل الإجرامية التي فعلت الأفاعيل في دماء وأموال وعقائد الناس والمُنتَقِدونَ هم السلفيون الذين يُنكرون كل ذلك ويقولون بقول العلماء قديمًا وحديثًا، فهل يُراد ترسيخ معنى معينٍ في عقول الطلبة بنصيحتهم أن يقرؤوا هذه المُسَّوَّدات الصهيونية؟!

يتبع...

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق