«مختصر زاد المعاد»
..::[8]::..
[فَصْلٌ فِي ركوعه -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-]
فإذا فرغ من القراءة، رفع يديه وَكَبَّرَ رَاكِعًا.
وَوَضَعَ كَفَّيْهِ عَلَى رُكْبَتَيْهِ كَالْقَابِضِ عَلَيْهِمَا، وَوَتَّرَ يَدَيْهِ، فَنَحَّاهُمَا عَنْ جَنْبَيْهِ، وَبَسَطَ ظهره ومده، واعتدل فلم ينصب رأسه ولم يخفضه، بل حيال ظهره.
فلم ينصب رأسه ولم يخفضه، بل حيال ظهره. وَكَانَ يَقُولُ: «سُبْحَانَ رَبِّيَ الْعَظِيمِ».
وَتَارَةً يَقُولُ مَعَ ذَلِكَ، أَوْ مُقْتَصِرًا عَلَيْهِ: «سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ رَبَّنَا وَبِحَمْدِكَ، اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي».
وَكَانَ رُكُوعُهُ المعتاد مقدار عشر تسبيحات، وسجوده كذلك، وَتَارَةً يَجْعَلُ الرُّكُوعَ وَالسُّجُودَ بِقَدْرِ الْقِيَامِ، وَلَكِنْ كان يفعله أحيانا في صلاة الليل وحده.
فهديه الغالب تَعْدِيلُ الصَّلَاةِ وَتَنَاسُبُهَا.
وَكَانَ يَقُولُ أَيْضًا فِي رُكُوعِهِ: «سُبُّوحٌ قُدُّوسٌ رَبُّ الْمَلَائِكَةِ وَالرُّوحِ».
وَتَارَةً يَقُولُ: «اللَّهُمَّ لَكَ رَكَعْتُ، وَبِكَ آمَنْتُ، وَلَكَ أَسْلَمْتُ، خَشَعَ لَكَ سَمْعِي، وَبَصَرِي وَمُخِّي، وَعَظْمِي، وَعَصَبِي»، وَهَذَا إِنَّمَا حُفِظَ عَنْهُ فِي قِيَامِ الليل.
ثم يرفع رأسه قَائِلًا: «سَمِعَ اللهُ لِمَنْ حَمِدَهُ» وَيَرْفَعُ يَدَيْهِ، وَكَانَ دَائِمًا يُقِيمُ صُلْبَهُ، إِذَا رَفَعَ مِنَ الرُّكُوعِ، وَبَيْنَ السَّجْدَتَيْنِ، وَيَقُولُ: «لَا تُجْزِئُ صَلَاةٌ لا يقيم الرجل فيها صلبه في الركوع والسجود».
وكان إذا استوى قال: «ربنا ولك الحمد» وربما قال: «اللهم ربنا لك الحمد» وأما الجمع بين اللهم والواو، فَلَمْ يَصِحَّ [قال أبو موسى: يعني -رحمه الله- لفظة: «اللهم ربنا ولك الحمد»، قال الشيخ الألباني –رحمه الله- في :« أصل صفة صلاة النبي -صلى الله عليه وسلم-»، (2/681): «وأخرجه أحمد: (2/417) من طريق سُهيل عن أبيه به نحوه، وفيه: «اللهم ربنا! ولك الحمد». بزيادة الواو.وإسناده صحيح على شرط مسلم»اهـ. وقال –رحمه الله- في: «أصل صفة صلاة النبي -صلى الله عليه وسلم-»، (2/ 683): «إن إنكار ابن القيم في «الزاد» (1/78)، لصحة هذه الرواية الجامعة بين: (اللهم!) و: (الواو) ؛ ذهولٌ منه لا يجوز أن يُغتر به؛ لثبوتها في «البخاري» وغيره؛ ولذلك تعجب منه الزرقاني في «شرح المواهب» (7/318)، ورد عليه الحافظ في «الفتح»، (2/225)، وقد أخرجها البخاري (2/224) ، وأحمد أيضاً (2/452) من طرق عن ابن أبي ذئب عن سعيد المقبري عن أبي هريرة قال: كان النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إذا قال: «سمع الله لمن حمده»؛ قال: «اللهم ربنا! ولك الحمد». وقد وجدت له طريقاً أخرى أخرجها النسائي (1/162)، وأحمد (2/270) عن عبد الرزاق قال: ثنا معمر عن الزهري عن أبي سلمة عن أبي هريرة قال: كان رسول الله -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إذا رفع رأسه من الركوع؛ قال: «اللهم ربنا! ولك الحمد». وهذا سند صحيح على شرط الشيخين» اهـ.].
وَكَانَ مِنْ هَدْيِهِ إِطَالَةُ هَذَا الركن بقدر الركوع، فصح عنه أنه كان يقول فيه: «اللهم ربنا لك الْحَمْدُ مِلْءَ السَّمَوَاتِ وَمِلْءَ الْأَرْضِ، وَمِلْءَ مَا بينهما، وَمِلْءَ مَا شِئْتَ مِنْ شَيْءٍ بَعْدُ، أَهْلَ الثَّنَاءِ وَالْمَجْدِ، أَحَقُّ مَا قَالَ الْعَبْدُ، وَكُلُّنَا لَكَ عَبْدٌ، لَا مَانِعَ لِمَا أَعْطَيْتَ، وَلَا مُعْطِيَ لِمَا مَنَعْتَ، وَلَا يَنْفَعُ ذَا الْجَدِّ مِنْكَ الْجَدُّ».
وَصَحَّ عَنْهُ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ فِيهِ: «اللَّهُمَّ اغْسِلْنِي مِنْ خَطَايَايَ بِالْمَاءِ وَالثَّلْجِ وَالْبَرَدِ، وَنَقِّنِي مِنَ الذُّنُوبِ وَالْخَطَايَا كَمَا يُنَقَّى الثَّوْبُ الْأَبْيَضُ مِنَ الدَّنَسِ، وَبَاعِدْ بَيْنِي وَبَيْنَ خَطَايَايَ كَمَا بَاعَدْتَ بَيْنَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ».
وَصَحَّ عَنْهُ أَنَّهُ كَرَّرَ فِيهِ قَوْلَهُ: «لِرَبِّيَ الْحَمْدُ، لربي الحمد».
حتى كان بقدر ركوعه.
وذكر مسلم عَنْ أنس: كَانَ رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إِذَا قَالَ: «سَمِعَ اللهُ لِمَنْ حَمِدَهُ» قَامَ حَتَّى نَقُولَ: قَدْ أَوْهَمَ. ثُمَّ يَسْجُدُ ويقعد بين السجدتين حتى نقول: قد أوهم فهذا هديه المعلوم، وَتَقْصِيرُ هَذَيْنِ الرُّكْنَيْنِ مِمَّا تَصَرَّفَ فِيهِ أُمَرَاءُ بني أمية حَتَّى ظَنَّ أَنَّهُ مِنَ السُّنَّةِ.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق