«مختصر زاد المعاد»
..::[9]::..
[فَصْلٌ فِي هَدْيِهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي سُجُودِهِ]
ثُمَّ كَانَ يُكَبِّرُ وَيَخِرُّ سَاجِدًا، وَلَا يرفع يديه.
[قال أبو موسى: مسألة رفع اليدين مع كل تكبيرة فيها خلاف بين العلماء وقد فصل القول فيها الشيخ الألباني في «أصل صفة الصلاة»، وحسن الحديث الوارد فيها فليراجعه من أحب التفصيل في باب : (التكبير ورفع اليدين عند الهوي إلى السجود، 2/706، من الكتاب)].
وكان يضع ركبتيه ثُمَّ يَدَيْهِ بَعْدَهُمَا، ثُمَّ جَبْهَتَهُ وَأَنْفَهُ. هذَا هو الصحيح [قلت: من أراد التفصيل فليراجع الإحالة الماضية، والخلاف في هذه المسألة مشهور، وهو عائد إلى أين هي ركبتا البعير فمن قائل في يديه ، ومن قائل في رجليه، وكلُّ بنى حكمه على هذا الاعتبار، ولا إنكار فيها على المخالف، والأصل فيها مخالفة بروك البعير، والله أعلم.]، فكان أَوَّلُ مَا يَقَعُ مِنْهُ عَلَى الْأَرْضِ الْأَقْرَبَ إليها فالأقرب، وأول ما يرتفع الأعلى فالأعلى، فإذا رفع رأسه أول، ثم يديه، ثم ركبتيه، وهكذا عكس فعل البعير.
وهو نهي عن التشبه بالحيوانات في الصلاة،
فَنَهَى عَنْ بُرُوكٍ كَبُرُوكِ الْبَعِيرِ،
وَالْتِفَاتٍ كَالْتِفَاتِ الثَّعْلَبِ،
وَافْتِرَاشٍ كَافْتِرَاشِ السَّبُعِ،
وَإِقْعَاءٍ كَإِقْعَاءِ الْكَلْبِ،
وَنَقْرٍ كَنَقْرِ الْغُرَابِ،
وَرَفْعِ الْأَيْدِي وَقْتَ السَّلَامِ كأذناب الخيل الشمس.
وكان يَسْجُدُ عَلَى جَبْهَتِهِ وَأَنْفِهِ دُونَ كَوْرِ الْعِمَامَةِ، ولم يثبت عنه السجود عليه، وكان يَسْجُدُ عَلَى الْأَرْضِ كَثِيرًا، وَعَلَى الْمَاءِ وَالطِّينِ، وَعَلَى الْخُمْرَةِ الْمُتَّخَذَةِ مِنْ خُوصِ النَّخْلِ[قلت : يقابلها في زماننا السجادة، والله أعلم]، وَعَلَى الْحَصِيرِ الْمُتَّخَذِ مِنْهُ، وَعَلَى الْفَرْوَةِ الْمَدْبُوغَةِ.
وَكَانَ إِذَا سَجَدَ مَكَّنَ جَبْهَتَهُ وَأَنْفَهُ مِنَ الْأَرْضِ، ونحى يديه عن جنبيه، وجافاهما حتى يرى بياض إبطيه، وكان يضع يديه حذو منكبيه وأذنيه، ويعتدل فِي سُجُودِهِ، وَيَسْتَقْبِلُ بِأَطْرَافِ أَصَابِعِ رِجْلَيْهِ الْقِبْلَةَ، ويبسط كفيه وأصابعه، ولا يفرج بينهما، ولا يقبضهما. وَكَانَ يَقُولُ: «سُبْحَانَ رَبِّيَ الْأَعْلَى» وَأَمَرَ بِهِ،
ويقول: «سبحانك اللهم ربنا وبحمدك، اللهم اغفر لي».
ويقول: «سُبُّوحٌ قُدُّوسٌ رَبُّ الْمَلَائِكَةِ وَالرُّوحِ».
وَكَانَ يَقُولُ: «اللَّهُمَّ لَكَ سَجَدْتُ، وَبِكَ آمَنْتَ، وَلَكَ أَسْلَمْتُ، سَجَدَ وَجْهِي لِلَّذِي خَلَقَهُ وَصَوَّرَهُ، وَشَقَّ سَمْعَهُ وَبَصَرَهُ، تَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ».
وَكَانَ يَقُولُ: «اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي ذَنْبِي كُلَّهُ دِقَّهُ وَجِلَّهُ، وَأَوَّلَهُ وَآخِرَهُ، وَعَلَانِيَتَهُ وَسِرَّهُ».
وَكَانَ يَقُولُ: «اللَّهُمَّ اغفر لي خطاياي وَجَهْلِي، وَإِسْرَافِي فِي أَمْرِي، وَمَا أَنْتَ أَعْلَمُ بِهِ مِنِّي، اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي جِدِّي وَهَزْلِي، وخطاياي وَعَمْدِي وَكُلُّ ذَلِكَ عِنْدِي، اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي ما قدمت وما أخرت، وما أسررت وما أَعْلَنْتُ أَنْتَ إِلَهِي لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ».
وَأَمَرَ بِالِاجْتِهَادِ فِي الدُّعَاءِ فِي السُّجُودِ، وَقَالَ: «إنه قمن أن يستجاب لكم».
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق