07/08/2011

(( مختصر زاد المعاد )) ..::[14]::..

«مختصر زاد المعاد»


..::[14]::..


[فَصْلٌ فِي هديه -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في صَلاةِ الضُّحَى]


روى البخاري في صحيحه عن عائشة قَالَتْ: «مَا رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يُصَلِّي سُبْحَةَ الضُّحَى وَإِنِّي لَأُسَبِّحُهَا».
وفي الصحيحين عن أبي هريرة قال: «أوصاني خليلي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِصِيَامِ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ مِنْ كُلِّ شَهْرٍ، وَرَكْعَتَيِ الضُّحَى، وَأَنْ أُوتِرَ قبل أن أرقد»، ولمسلم عن زيد ابن أرقم مرفوعًا: «صلاة الأوابين حين تَرْمَضُ الْفِصَالُ» أَيْ: يَشْتَدُّ حَرُّ النَّهَارِ، فَتَجِدُ الفصال حر الرمضاء، فقد أوصى بها، وكان يستغني عنها بقيام الليل.
قال مسروق: كنا نصلي فِي الْمَسْجِدِ، فَنَبْقَى بَعْدَ قِيَامِ ابْنِ مَسْعُودٍ، ثم نقوم فنلي الضحى، فبلغه، فَقَالَ: لِمَ تُحَمِّلُونَ عِبَادَ اللهِ مَا لَمْ يُحَمِّلْهُمُ اللهُ؟ إِنْ كُنْتُمْ لَا بُدَّ فَاعِلِينَ ففي بيوتكم.
وقال سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ: إِنِّي لَأَدَعُ صَلَاةَ الضُّحَى وأنا أشتهيها، مخافة أن أراها حتمًا عليَّ.
«وكان من هديه -صلى الله عليه وسلم- وَهَدْيِ أَصْحَابِهِ، سُجُودُ الشُّكْرِ عِنْدَ تَجَدُّدِ نِعْمَةٍ تسر، أو اندفاع نقمة» ، «وكان -صلى الله عليه وسلم- إذا مر بآية سجدة - كَبَّرَ وَسَجَدَ، وَرُبَّمَا قَالَ فِي سُجُودِهِ: «سَجَدَ وَجْهِي لِلَّذِي خَلَقَهُ وَصَوَّرَهُ، وَشَقَّ سَمْعَهُ وَبَصَرَهُ بحوله وقوته» ولم ينقل عَنْهُ أَنَّهُ كَانَ يُكَبِّرُ لِلرَّفْعِ مِنْ هَذَا السجود، ولا تشهد، ولا سلم ألبتة.
وصح عنه أَنَّهُ سَجَدَ فِي ﴿الم تَنْزِيلُ﴾ وَفِي ﴿ص﴾ وفي ﴿اقرأ﴾ وَفِي ﴿النَّجْمِ﴾ وَفِي ﴿إِذَا السَّمَاءُ انْشَقَّتْ﴾ [الانشقاق:1] وَذَكَرَ أبو داود، عَنْ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أَقْرَأَهُ خَمْسَ عَشْرَةَ سَجْدَةً، مِنْهَا ثَلَاثٌ فِي المفصل، وفي (سورة الحج) سجدتين (1).
وأما حديث ابن عباس، أنه -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لَمْ يَسْجُدْ فِي المفصل منذ تحول إلى المدينة، فَهُوَ حَدِيثٌ ضَعِيفٌ (2)، فِي إِسْنَادِهِ أبو قدامة الحارث بن عبيد، ولا يحتج بحديثه، وأعله ابن القطان بمطر الوراق، وقال: كان يشبه فِي سُوءِ الْحِفْظِ، مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى، وَعِيبَ عَلَى مسلم إِخْرَاجُ حديثه. انتهى.
وَلَا عَيْبَ عَلَى مسلم فِي إِخْرَاجِ حَدِيثِهِ لِأَنَّهُ يَنْتَقِي مِنْ أَحَادِيثِ هَذَا الضَّرْبِ مَا يَعْلَمُ أَنَّهُ حَفِظَهُ، كَمَا يَطْرَحُ مِنْ أَحَادِيثِ اليقظة ما يعلم أنه غلط فيه، فمن الناس من صحح جميع أحاديث هؤلاء الثقات، ومنهم من ضعف جميع حديث السيئ الْحِفْظِ، فَالْأُولَى طَرِيقَةُ الحاكم وَأَمْثَالِهِ، وَالثَّانِيَةُ طَرِيقَةُ ابن حزم وَأَشْكَالِهِ، وَطَرِيقَةُ مسلم هِيَ طَرِيقَةُ أئمة هذا الشأن.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) هذا الأثر ضعيف وقد قال الشيخ الألباني رحمه الله- في «تمام المنة» (ص: 269):
قوله: «مواضع السجود في القرآن خمسة عشر موضعا فعن عمرو بن العاص أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قرأ خمس عشرة سجدة في القرآن منها ثلاث في المفصل وفي الحج سجدتان. رواه أبو داود و ... و ... و ... وحسنه المنذري والنووي».
قلت: كلا ليس بحسن لأن فيه مجهولين فقد قال الحافظ في «التلخيص» بعد أن نقل تحسين المنذري والنووي للحديث:
«وضعفه عبد الحق وابن قطان وفيه عبد الله بن منين وهو مجهول والراوي عنه الحارث بن سعيد العتقي وهو لا يعرف أيضًا. وقال ابن ماكولا: ليس له غير هذا الحديث».
ولذلك اختار الطحاوي أن ليس في (الحج) سجدة ثانية قرب آخرها وهو مذهب ابن حزم في «المحلى» قال:
«لأنه لم يصح فيها سنة عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ولا أجمع عليها وصح عن عمر ابن الخطاب وابنه عبد الله وأبي الدرداء السجود فيها».... إلى أن قال: «وبالجملة فالحديث مع ضعف إسناده قد شهد له اتفاق الأمة على العمل بغالبه ومجيء الأحاديث الصحيحة شاهدة لبقيته إلا سجدة الحج الثانية فلم يوجد ما يشهد لها من السنة والاتفاق إلا أن عمل بعض الصحابة على السجود فيها قد يستأنس بذلك على مشروعيتها ولا سيما ولا يعرف لهم مخالف. والله أعلم» ا.هـ.
(2) وهو كما قال، وراجع «مشكاة المصابيح» (1034)، و«ضعيف أبي داود الأم» (251).

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق