09/08/2011

(( مختصر زاد المعاد )) ..:: [15]::..

«مختصر زاد المعاد»



..::[15]::..



[فَصْلٌ فِي هديه -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في الْجُمُعَةِ، وذِكْرِ خَصائِصِ يَومِها]

صَحَّ عَنْهُ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَنَّهُ قَالَ: «أَضَلَّ اللهُ عَنِ الْجُمُعَةِ مَنْ كَانَ قَبْلَنَا وكان لِلْيَهُودِ يَوْمُ السَّبْتِ، وَكَانَ لِلنَّصَارَى يَوْمُ الْأَحَدِ، فَجَاءَ اللهُ بِنَا فَهَدَانَا لِيَوْمِ الْجُمُعَةِ، فَجَعَلَ الجمعة والسبت والأحد، وكذلك هم لنا تبع يَوْمَ الْقِيَامَةِ، نَحْنُ الْآخِرُونَ مِنْ أَهْلِ الدُّنْيَا وَالْأَوَّلُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، الْمَقْضِيُّ لَهُمْ قَبْلَ الْخَلَائِقِ» (1).
وللترمذي وصححه عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا: «خَيْرُ يَوْمٍ طَلَعَتْ فِيهِ الشَّمْسُ يَوْمُ الْجُمُعَةِ، فِيهِ خُلِقَ آدَمُ، وَفِيهِ أُدْخِلَ الْجَنَّةَ، وَفِيهِ أُخْرِجَ مِنْهَا، وَلَا تقوم الساعة إلا في يوم الجمعة» (2).
ورواه في الموطأ وصححه الترمذي أيضا بلفظ: «خير يوم طلعت فيه الشمس، فيه خلق آدم، وفيه أهبط، وفيه تيب عَلَيْهِ، وَفِيهِ مَاتَ، وَفِيهِ تَقُومُ السَّاعَةُ، وَمَا مِنْ دَابَّةٍ إِلَّا وَهِيَ مُصِيخَةٌ يَوْمَ الْجُمُعَةِ مِنْ حِينِ تُصْبِحُ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ شَفَقًا من الساعة، إلا الجن والإنس، وفيها سَاعَةٌ لَا يُصَادِفُهَا عَبْدٌ مُسْلِمٌ، وَهُوَ يُصَلِّي يسأل الله شيئا إلا أعطاه الله إِيَّاهُ»، قَالَ كعب: ذَلِكَ فِي كُلِّ سَنَةٍ يوم. فقلت: بل كل جمعة. فقرأ التَّوْرَاةَ فَقَالَ: صَدَقَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. قال أبو هريرة: ثم لقيت عَبْدَ اللَّهِ بْنَ سَلَامٍ فَحَدَّثْتُهُ بِمَجْلِسِي مَعَ كعب، فقال: لقد علمت أي سَاعَةٍ هِيَ قُلْتُ: فَأَخْبِرْنِي بِهَا. قَالَ: هِيَ آخِرُ سَاعَةٍ فِي يَوْمِ الْجُمُعَةِ. فَقُلْتُ: كَيْفَ؟ وَقَدْ قَالَ رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «لَا يُصَادِفُهَا عَبْدٌ مُسْلِمٌ وَهُوَ يُصَلِّي» وَتِلْكَ السَّاعَةُ لَا يُصَلَّى فِيهَا. فَقَالَ ابن سلام: ألم يَقُلْ رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «مَنْ جَلَسَ مَجْلِسًا يَنْتَظِرُ الصَّلَاةَ فهو في صلاة حتى يصلي؟» (3) .
وفي لفظ في مسند أحمد في حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: «قِيلَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لِأَيِّ شَيْءٍ سُمِّيَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ؟ قَالَ: «لِأَنَّ فِيهَا طُبِعَتْ طِينَةُ أَبِيكَ آدَمَ، وَفِيهَا الصَّعْقَةُ وَالْبَعْثَةُ، وَفِيهَا الْبَطْشَةُ، وَفِي آخِرِهِ ثَلَاثُ سَاعَاتٍ، مِنْهَا سَاعَةٌ مَنْ دَعَا الله فيها استجيب له»(4).
وذكر ابن إسحاق عَنْ عبد الرحمن بن كعب بن مالك قَالَ: كُنْتُ قَائِدَ أَبِي حِينَ كُفَّ بَصَرُهُ، فَإِذَا خرجت به إلى الجمعة، فسمع الأذان لها، استغفر لأبي أمامة أسعد بن زرارة، فكنت حيا أسمع ذلك منه، فقلت: إن عجزا أن لا أسأله. فَقُلْتُ: يَا أَبَتَاهُ أَرَأَيْتَ اسْتِغْفَارَكَ لِأَسْعَدَ بْنِ زرارة كلما سمعت الأذان بالجمعة؟ قَالَ: أَيْ بُنَيَّ كَانَ أسعد أَوَّلَ مَنْ جَمَّعَ بِنَا بِالْمَدِينَةِ قَبْلَ مَقْدَمِ رَسُولِ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فِي هَزْمِ النَّبِيتِ مِنْ حَرَّةِ بَنِي بَيَاضَةَ، فِي نَقِيعٍ يُقَالُ له نقيع الخضمات. قلت: وكم أنتم يومئذ؟ قال: أربعون رجلا. قال البيهقي هذا حسن صحيح الإسناد. انتهى (5).
ثُمَّ قَدِمَ رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- المدينة، فأقام بقباء يوم الاثنين والثلاثاء والأربعاء والخميس، وَأَسَّسَ مَسْجِدَهُمْ، ثُمَّ خَرَجَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ، فَأَدْرَكَتْهُ الْجُمُعَةُ فِي بَنِي سَالِمِ بْنِ عَوْفٍ فَصَلَّاهَا في المسجد الذي في بطن الوادي قبل تأسيس مسجده.
قال ابن إسحاق: وكانت أول خطبة خطبها فِيمَا بَلَغَنِي عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرحمن - وأعوذ بالله أن أقول على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ما لم يقل- «أنه قام فيهم، فحمد الله، وأثنى عليه، ثُمَّ قَالَ: «أَمَّا بَعْدُ أَيُّهَا النَّاسُ، فَقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ، تَعْلَمُنَّ وَاللَّهِ لَيُصْعَقَنَّ أَحَدُكُمْ، ثُمَّ لَيَدَعَنَّ غَنَمَهُ، لَيْسَ لَهَا رَاعٍ، ثُمَّ لَيَقُولَنَّ لَهُ ربه ليس بينه وبينه تُرْجُمَانٌ، وَلَا حَاجِبٌ يَحْجُبُهُ دُونَهُ، أَلَمْ يَأْتِكَ رَسُولِي فَبَلَّغَكَ، وَآتَيْتُكَ مَالًا، وَأَفْضَلْتُ عَلَيْكَ فَمَا قَدَّمْتَ لِنَفْسِكَ؟ فَلَيَنْظُرَنَّ يَمِينًا وَشِمَالًا، فَلَا يَرَى شَيْئًا، ثُمَّ لَيَنْظُرَنَّ قُدَّامَهُ فَلَا يَرَى غَيْرَ جَهَنَّمَ، فَمَنِ اسْتَطَاعَ أَنْ يَقِيَ وَجْهَهُ مِنَ النار ولو بشق تَمْرَةٍ فَلْيَفْعَلْ، وَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَبِكَلِمَةٍ طَيِّبَةٍ، فَإِنَّ بِهَا تُجْزَى الْحَسَنَةُ بِعَشْرِ أَمْثَالِهَا إِلَى سَبْعِمِائَةِ ضِعْفٍ، وَالسَّلَامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ».
قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: ثُمَّ خَطَبَ رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مَرَّةً أُخْرَى، فَقَالَ: «إِنَّ الْحَمْدَ لِلَّهِ أَحْمَدُهُ وَأَسْتَعِينُهُ، نَعُوذُ باللهِ من شرور أنفسنا، ومن سيئات أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللهُ، فَلَا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ، فَلَا هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شريك لَهُ. إِنَّ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابُ اللهِ، قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَيَّنَهُ اللهُ فِي قَلْبِهِ، وَأَدْخَلَهُ فِي الْإِسْلَامِ بَعْدَ الْكُفْرِ، فَاخْتَارَهُ عَلَى مَا سِوَاهُ مِنْ أَحَادِيثِ النَّاسِ، إِنَّهُ أَحْسَنُ الْحَدِيثِ وَأَبْلَغُهُ، أَحِبُّوا مَا أَحَبَّ اللهُ، أَحِبُّوا اللهَ مِنْ كُلِّ قُلُوبِكُمْ، وَلَا تَمَلُّوا كَلَامَ اللهِ وَذِكْرَهُ، وَلَا تَقْسُ عَنْهُ قُلُوبُكُمْ، فَإِنَّهُ مِنْ كُلِّ مَا يَخْلُقُ اللهُ يَخْتَارُ وَيَصْطَفِي، قَدْ سَمَّاهُ اللهُ خِيرَتَهُ مِنَ الْأَعْمَالِ، وَمُصْطَفَاهُ مِنَ الْعِبَادِ، وَالصَّالِحَ مِنَ الْحَدِيثِ، وَمِنْ كُلِّ مَا أُوتِيَ النَّاسُ مِنَ الْحَلَالِ وَالْحَرَامِ، فَاعْبُدُوا اللهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا، وَاتَّقُوهُ حَقَّ تُقَاتِهِ، وَاصْدُقُوا اللهَ صَالِحَ مَا تَقُولُونَ بِأَفْوَاهِكُمْ، وَتَحَابُّوا بروح الله بينكم، إن الله يبغض أَنْ يُنْكَثَ عَهْدُهُ، وَالسَّلَامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللهِ وبركاته»(6).
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) قال الشيخ الألباني رحمه الله- في «صحيح الجامع الصغير وزيادته» (1/ 234): (صحيح) ... [م ن هـ] عن حذيفة وأبي هريرة. التعليق على بداية السول: (17)، وصحيح الترغيب: (701).
(2) قال الشيخ الألباني رحمه الله- في «صحيح الجامع الصغير وزيادته» (1/629): (صحيح) ... [حم م ت] عن أبي هريرة. مختصر مسلم: (400)، الصحيحة: (1502): ك.
(3) قال أبو موسى: وتتمته كما في : «صحيح أبي داود - الأم» (4/212): «قال: فقلت: بلى. قال: هو ذاك»، قال الشيخ الألباني رحمه الله-: «قلت: إسناده صحيح على شرط الشيخين، وكذلك صححه الحاكم ووافقه الذهبي، وصححه الترمذي أيضًا. وطرفه الأول عند مسلم. وبعضه صححه ابن جان. وروى الشيخان منه ساعة الإجابة»، وقال رحمه الله- في «صحيح الجامع» (3334): (صحيح) ... [مالك حم 3 حب ك] عن أبي هريرة. صحيح أبي داود: (961، 1024)، الإرواء: (773).
(4) ضعيف كما في «مشكاة المصابيح» (1/431)، ح: (1365)، و«ضعيف الترغيب والترهيب» (1/109)، ح: (430).
(5) قال الشيخ الألباني رحمه الله- في: «الإرواء» (3/67): « قلت: وهذا إسناد حسن كما قال الحافظ في «التلخيص» (ص:133)؛ فإن رجاله ثقات وإنما يخشى من عنعنة ابن إسحاق وقد صرح بالتحديث فى رواية الدارقطني والحاكم وقال: «صحيح على شرط مسلم». ووافقه الذهبي!!، وقال البيهقي: «ومحمد بن إسحاق إذا ذكر سماعه في الرواية وكان الراوي ثقة استقام الإسناد وهذا حديث حسن الإسناد صحيح» ا.هـ.
(6) قال أبو موسى: وإسناد ما رواه ابن إسحاق -فيما نقله من خطبة رسول الله صلى الله عليه وسلم- كما ذكره البيهقي في : «دلائل النبوة» (2/524)، بَابُ أَوَّلُ خُطْبَةٍ خَطَبَهَا رَسُولُ اللهِ -صَلَّى الله عليه وآله وَسَلَّمَ- حِينَ قَدِمَ الْمَدِينَةَ- هو: أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ: مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الْجَبَّارِ، قَالَ: حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ بُكَيْرٍ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ، قَالَ: حَدَّثَنِي الْمُغِيرَةُ بْنُ عُثْمَانَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عثمان بن الأخنس ابن شَرِيقٍ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ، قَالَ: «فذكر الخطبة»، وهذا إسناد مرسل كما ذكر الحافظ ابن كثير في : «البداية والنهاية» ط: إحياء التراث (3/260)، حيث قال: « وَهَذِهِ الطَّرِيقُ أَيْضًا مُرْسَلَةٌ إِلَّا أَنَّهَا مُقَوِّيَةً لِمَا قَبْلَهَا وَإِنِ اخْتَلَفَتِ الألفاظ» ا.هـ.
وهو كما قال؛ فإن أبا سلمة بن عبد الرحمن بن عوف تابعي ولم يذكر الواسطة، والمغيرة بن شعبة إن كان هو عثمان بن محمد بن المغيرة الأخنس فقد قال عنه الحافظ في «التقريب»: «(4515)- عثمان ابن محمد ابن المغيرة ابن الأخنس الثقفي الأخنسي حجازي صدوق له أوهام من السادسة 4».ا.هـ.
ويونس ابن بكير، قال ابن معين صدوق، وقال عنه أبو داود : ليس بحجة يوصل كلام ابن إسحاق بالأحاديث، وقال النسائي: ليس بالقوي وقال مرة ضعيف وذكره ابن حبان في الثقات، ووثقه آخرون.
وقد استشكلت جملة في الخطبة وهي قوله : « وَلَا تَمَلُّوا كَلَامَ اللهِ وَذِكْرَهُ، وَلَا تَقْسُ عَنْهُ قُلُوبُكُمْ، فَإِنَّهُ مِنْ كُلِّ مَا يَخْلُقُ اللهُ يَخْتَارُ وَيَصْطَفِي »، فإن كانت الهاء عائدة على كلام الله فيكون أدعى لرد الحديث لأن كلام الله ليس مخلوقًا، ثم وجدت من وجَّه الضمير في قوله: «فإنَّهُ»؛ وهو السهيلي في كتابه : «الروض الأنف» (4/170) إذ قال: « الْهَاءُ فِي قَوْلِهِ «فَإِنّهُ» لَا يَجُوزُ أَنْ تَكُونَ عَائِدَةً عَلَى كَلَامِ اللهِ سُبْحَانَهُ وَلَكِنّهَا ضَمِيرُ الْأَمْرِ وَالْحَدِيثِ فَكَأَنّهُ قَالَ إنّ الْحَدِيثَ مِنْ كُلّ مَا يَخْلُقُ اللهُ يَخْتَارُ فَالْأَعْمَالُ إِذًا كُلّهَا مِنْ خَلْقِ اللهِ قَدْ اخْتَارَ مِنْهَا مَا شَاءَ قَالَ سُبْحَانَهُ ﴿وَرَبّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَيَخْتَارُ﴾ [الْقَصَصُ 68] ، وَقَوْلُهُ قَدْ سَمّاهُ خِيرَتَهُ من الْأَعْمَال عني: الذّكْرَ وَتِلَاوَةَ الْقُرْآنِ لِقَوْلِهِ سُبْحَانَهُ {وَيَخْتَارُ} فَقَدْ اخْتَارَهُ مِنْ الْأَعْمَالِ. ا.هـ .
والله أعلم.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق