06/06/2024

ردٌّ على مُعترضٍ على انتقاد ما يسمى المقاومة الإسلامية!

 

(ردٌّ على مُعترضٍ)

الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده..

أمَّا بعدُ:

فما زلنا نسمع من إخوان لنا اعتراضات عديدة واستفهامات كثيرة الحادي لها في الدّرجة الأولى (العواطفُ) التي تتملكهمْ لا الشرعُ الحنيف الذي ينبغي أن يحكمَهُم، ونحن نُجيب ونكتب منذ سنوات لعلنا نستطيع أن نوصل للجميع أن هذا الدين ليس دينًا مبنيًا على الآراء والأفكار والعواطف الإنسانية وإنما بُني على الوحي والحكمة الإلهية والسنن النبوية فكان من أُسُسِهِ العظيمة وقواعده الرصينة الأمر بالمصالح والنهي عن المفاسد، فمهما قام إنسان بعملٍ منَ الأعمالِ ممَّا لا نصَّ عليه في الشريعة يوضِّحُهُ ويبيِّنُهُ يجبُ المصيرُ إليه والوقوف عنده؛ فإن هذه الأعمال مَنُوطةٌ بالمصالح والمفاسد، فإنْ ترجحت المصلحةُ وتحققت أو غلب على الظن حصولها فإن الأخذ بها جائز لا إشكال فيه بل قد يكون الأخذُ بها واجبًا ومصلحةً كُبرى ينبغي العمل بها وسلوكُ طريقِها، والعكسُ بالعكسِ في حال ترجُّحِ المفاسد، وأما في حال تساوي المصلحة مع المفسدة في أي أمر كان فهُنا تعمل هذه القاعدة عملها فيكون درء المفسدة هو المقدم لما يتحقق بسببها من ضرر على الأمة والفرد، وقد بين هذه المسألة أئمة الإسلام من فقهاء وعلماء نجباء فذكروا هذه القاعدة في ثنايا كتبهم ومثلوا عليها بالأمثلة الكثيرة بيانًا لما تقتضيه المصلحة، وحتى تكون هذه الأمةُ أُمَّةً حيَّةً غيرَ جامدةٍ تتوقف عند أدنى إشكال يواجهها على مر العصور، فدرءُ المفاسد إذا ترجحت أمرٌ لا مفرَّ منه فهو الأُس الذي تُحفظ به الضرورات الخمس، ومن النقولات المهمة في تعريف هذه القاعدة وبيانها ما ذكره العز بن عبدالسلام -رحمه الله- في (قواعد الأحكام- 1/98) حيث قال:

«فإن كانت المفسدة أعظم من المصلحة: درأنا المفسدة، ولا نبالي بفوات المصلحة، قال الله تعالى: {يسألونك عن الخمر والميسر قل فيهما إثم كبير ومنافع للناس وإثمهما أكبر من نفعهما} [البقرة: 219]، حرمهما لأن مفسدتهما أكبر من منفعتهما».

ويقول السبكي -رحمه الله- في (الأشباه والنظائر -1/105):

«درء المفاسد أولى من جلب المصالح. ويستثنى مسائل، يرجع حاصل مجموعها إلى أن المصلحة إذا عظم وقوعها، وكان وقع المفسدة أخف: كانت المصلحة أولى بالاعتبار. ويظهر بذلك أن درء المفاسد؛ إنما يترجح على جلب المصالح إذا استويا».

ويقول الأمير الصنعاني -رحمه الله- في (إجابة السائل -ص198):

«دفع المفاسد أهم من جلب المصالح عند المساواة».

ويقول الشيخ السعدي -رحمه الله- في (رسالة لطيفة جامعة في أصول الفقه المهمة- ص104):

«عند التكافؤ فدرء المفاسد أولى من جلب المصالح».

ومن علمائنا المعاصرين قول الفقيه الأصولي محمد الصالح بن عثيمين -رحمه الله- في (شرح رياض الصالحين -2/618) حيث قال مبينًا أنه إذا اجتمع في الشيء مفسدة ومصلحة؛ غُلِّب الأقوى منها والأكثر:

«فهذه الأوامر التي أمر بها النبي ﷺ كلها خير، والنواهي التي نهى عنها كلها شر؛ لأن قاعدة شريعته ﷺ تأمر بالمصالح وتنهى عن المفاسد، وإذا اجتمع في الشيء مفسدة ومصلحة؛ غُلب الأقوى منها والأكثر، فإن كان الأكثر المصلحة غُلبت، وإن كانت المفسدة غُلبت، وإن تساوى الأمران غلبت المفسدة؛ لأن درء المفاسد أولى من جلب المصالح، الله الموفق».

وقال -رحمه الله- في (الشرح الممتع على زاد المستقنع-9/ 50):

«والمحظور الشرعي إذا قابلته مصلحة راجحة أرجح منه أصبح جائزًا بمقتضى ترجح المصلحة، وإذا كان الشرع يحرم الشيء؛ لأن إثمه أكبر، فإنه يبيح الشيء إذا كانت مصلحته أكبر، ولهذا العبارة المشهورة: (درء المفاسد أولى من جلب المصالح) هذه يجب أن تكون مقيدة بما إذا تساوت المفاسد والمصالح، أو غلب جانب المفاسد، وإلا فإنه قد يكون في بعض الأشياء مصلحة ومضرة فترجح المصلحة، فيحلل من أجل هذا الرجحان».

وقال -رحمه الله- في (مجموع فتاواه-5/ 209) في باب: طريقة أهل السنة والجماعة في إصلاح المجتمع:

«ثالثًا: أن لا يترتب على فعل المعروف ما هو منكر أعظم مفسدة من منفعة المعروف، فإن ترتب على فعل المعروف منكر هو أشد ضررًا من المنفعة الحاصلة بهذا المعروف فإن درء المفاسد أولى من جلب المصالح، وهذه الكلمة المعروفة هي القاعدة التي دل عليها القرآن ليست أيضًا على إطلاقها، أي أنه ليست كل مفسدة درؤها أولى من جلب مصلحة، بل إذا تكافأت مع المصلحة فدرء المفسدة أولى، وإذا كانت أعظم من المصلحة فدرء المفسدة أولى، والله سبحانه وتعالى يقول: {وَلَا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ فَيَسُبُّوا اللَّهَ عَدْوًا بِغَيْرِ عِلْمٍ}، فسب آلهة المشركين كل يعلم أنه مصلحة وأن فيه خيرًا، لكن إذا تضمنت هذه المصلحة ما هو أنكر -وأنكر من باب التفاضل الذي ليس في الطرف الآخر منه شيء- إذا تضمن مفسدة عظيمة فإنها تترك؛ لأننا إذا سببنا آلهتهم ونحن نسبها بحق سبوا الله عدوا بغير علم». انتهى.

ومثل هذه النصوص والتقريرات كثير جدًا في كُتب الفقه والفتوى ونُعرض عن نقلها صفحًا خشية الإطالة، والله الموفق.

وعودًا على بَدءٍ فقد اعترض أحد إخواننا على مقال لي بعنوان: (استهتارٌ وإهدارٌ للدماءِ المعصومةِ) كتبته مُنسلخ شهر ذي القعدة من هذا العام أقتبس منه -أي ردُّ الأخ- فقراته واحدة واحدة وأرد عليها لعل أخانا هذا أو قارئًا كريمًا يجد حقًّا فيتبعه أو باطلًا فينبهني عليه فكل إنسان يؤخذ من قوله ويُرد إلا النبي ﷺ. ونحن إنما نجتهد في تعليم الناس أصول الشريعة الغراء ونتقرب إلى الله بذلك ليس لنا في ذلك حظ من الدنيا إن شاء الله تعالى، وإنما الغاية البيان والنصيحة والله وحده بيده الهداية، ونسأله التوفيق والإعانة.

قال المعترض: «يا سبحان الله، السلفيون يؤيدون حل الدولتين!».

فالجواب: نعم نؤيد حل الدولتين وكلَّ حلٍّ من شأنه أن يُنهي حالة المُعاناة التي يعانيها أهلنا في فلسطين السليبة، فإذا كان حل الدولتين ممكنًا فما الذي يمنع من قبوله إن تحققت فيه مصلحة للناس ولعل أقل مصلحة يمكن أن تتحقق هي تلك المتعلقة بعصمة دمائهم وحريتهم في السفر والعمل بدل هذا التضييق والذل الذي يعانيه الناس في شتى أرض فلسطين، وحل الدولتين -اليوم- هو الخيار المُتاح للجميع فليس بإمكان العرب -وأقول العرب لأن الكثيرين لا يُطالبون إلا العرب بحل القضية!- خوض حرب مع أمم الشرق والغرب وهذه حقيقة يأبى الكثيرون الاعتراف بها فإنك اليوم إذا أردت أن تُدين دولة صهيون فإنك لا تتمكن من ذلك بل لا تتمكن الدول الغربية من انتقادها إلا على استحياء، وما تهديدهم للمحكمة الدولية عنا ببعيد بل إنني قرأت أن الكونجرس الأمريكي قدم مشروع قرار بفرض عقوبات على المحكمة الدولية!!

إذن فليس لدى العرب اليوم القدرة على الحل العسكري لما تعانيه الأمة من التفرق والضعف والتفاوت في القوة، ولكونها لا تمتلك السلاح الذي يمكنها به دفع المُحتل عن بلادها، فليس ثمَّة إلا الحلول السياسية والتي على رأسها قبول حل الدولتين، وهو مصلحة كبيرة في هذه الفترة الحرجة يمنع العدو من الإمعان في القتل والدمار وزيادة رقعة الاحتلال، فلماذا لا نقبل بهذا الحل الذي تطرحه قيادات الأمة ويقبله كثير من الدول الغربية التي بدأت تعترف بفلسطين كدولة مستقلة ولا تُمانع من ذلك بل بدأت بعض الدول بالتصريح بذلك.

ولا يجعلنا نرفض هذا الحل قول المُعترض أن «منظمة التحرير اعترفت ووافقت على حل الدولتين ولم تحصل إلا مزيدًا من الاستيطان والحصار للضفة الغربية والاعتداء على الأقصى الذي تحت الوصاية!». فإن منظمة التحرير قد بينت أن التصرفات الفردية من الفصائل المتعددة في الضفة والقطاع هيَ مَنْ تسببت في خرق الاتفاق الذي كان من أساسياته وقف الاعتداء على اليهود بشتى الوسائل، ولكن هذه الفصائل ما انفكت تقوم بالعمليات وترمي بالمفرقعات من هنا وهناك تظن أنها بهذا الفعل تحرر المقدسات، والواقع أنهم يُعطون الذريعة تلو الأخرى لهذا العدو المتمكن أن يعيث في الأرض فسادًا!

وأما تهكم المعترض على مسألة «الوصاية الهاشمية» على المقدسات فمما سأضرب عنه صفحًا وأعتبره من جملة الكلام العاطفي الذي لا يُلتفت إليه، فالوصاية الهاشمية على المقدسات كما هو معلوم نوع من حماية القدس من الوقوع في الفراغ ولمنع تسلل الاحتلال لها وقد اتخذت بذلك قرارات وافقت عليها الدول، وأبواب الوصاية الهاشمية المباركة تشمل الرعاية للمسجد الأقصى وإدارة شؤونه وترميمه وصيانة مرافقه، وإبراز طابعه الإسلامي ونشر قضيته في المحافل السياسية الدولية ورعاية أوقافه ولجانه وربطها بوزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية في المملكة، وغير ذلك من أشكال الوصاية، وليس منها أن يهجم الجيش العربي الأردني على اليهود إن خالفوا وتعدو ما تقرر في المحافل الدولية!!

فالقدس فلسطينية وهي جزء من دولة فلسطين القادمة إن شاء الله، وتبقى الرعاية الهاشمية للأقصى شامة عز وفخار في تاريخ الهاشميين الأشراف يُضاف إلى مآثرهم وسجاياهم، وفقهم الله ونصر بهم الإسلام والمسلمين.

ويتساءل المُعترض: «ماذا استفاد الفلسطينيون من تطبيع الإمارات وقطر المجاني، حتى دون أي شرط يتعلق بفلسطين؟».

والجواب على ذلك أن التطبيع=(الصلح) الذي قامت به بعض الدول العربية لا يُشترط فيه أن يكون فيه مصلحة لأهل فلسطين على وجه الخصوص، بل إذا رأى ولي الأمر -في أي بلدٍ- مصلحة لمن هم تحت إمرته بإبرام الصلح مع اليهود وغيرهم فإن له ذلك، والدول المذكورة أدرى بما تقتضيه مصلحتها في هذا الشأن سياسيًا واقتصاديًا وهم وحدهم من يقررون إن كان هذا الصلح بالمجان أم لا، ولعل المعترض لو تفكر قليلًا لوجد شيئًا، والسؤال الذي يمكنه أن يطرحه على نفسه هل كان صُلح الحديبية بالمجان؟! أم كان ضعف المسلمين -والنبيُّ ﷺ بين ظهرانيهم- أحد أسباب قبولهم بالشروط المُجحفة في حقهم حتى قال عمر -رضي الله عنه-: «علام نقبل الدنية في ديننا!!».

والخلاصة أن ولي الأمر قد يتخذ من القرارات ما يظنها عامة الرعية غير صائبة ولا موفَّقَةً ويكون -رغم ذلك- فيها الخير والمصلحة، فإن ولي الأمر يطَّلع على ما لا تطَّلع عليه الرعية فليس كل ما يُعرف يُقال ولا كل ما يظهر للناس يكون واضحًا لا لُبس فيه بل قد يتخذ الإنسان قرارًا يُظهره للناس ليمرر شيئًا آخر فيه مصلحتهم. والعرب ليسوا أغبياء كما يظن البعض بل لهم طرائقهم في سياسة الأمور قد تخفى على الكثيرين ممن تتملكهم العاطفة، فالعبرة بالخواتيم والله الموفق.

قال المعترض: «ما دام ولي الأمر يؤيد حل الدولتين فيجب عليكم ذلك؟».

لم يقل أحد أنه يجب علينا أن نؤيد ذلك، بل لا توجد دولة اتخذت قرار الصلح مع أيٍّ كان وألزمت أفرادها بالتعامل مع مَنْ عَقدَتْ معه هذا الصلح، فبلادنا أقامت الصلح مع اليهود منذ عقود ونحن ما زلنا نسأل في الدكاكين ومحال الخُضر عن البضائع التي يورِّدها العدو المحتل إلى أسواقنا -حسب بنود الصلح- ونتجنب شراءها، والكثيرون أصبحوا يميزونها ويتركون التعامل معها ولم نسمع أن الدولة يومًا قامت بمحاسبة من امتنع عن التعامل مع السياح اليهود أو مع الصحفيين اليهود أو مع المنتجات اليهودية بل وجدنا -رغم الصلح- أن بعض المسؤولين يمتنع عن التصريح للصحف اليهودية ويرفض الحديث أو التعامل مع هذه الشرذمة الحقيرة الوقحة؛ فلماذا هذا التجني؟!

إن تأييد ولي الأمر لحل الدولتين لا يعتمد على رأيي ولا رأيكَ ولا رأي أحدٍ من الناس بل هو قرار تتخذه مؤسسة الحكم في أي دولة كانت وفقَ معطيات تراها هي قراءة للواقع السياسي في العالم والمنطقة، وليس الأمر متعلقًا بالعواطف ولا بإرادات الأفراد فكل إنسان ينظر من ناحيته فقط، فمن هو الآن خارج قطاع غزة ولا يتعرض للقتل والتشريد والحرب الغاشمة وهو يجلس تحت المكيفات ممتلئًا بعواطف النصر والبطولة من خلف الشاشات يرفض أن تتوقف الحرب ويقول بكل برود عن آلاف القتلى أنهم ضرورة لاستمرار المقاومة وأنهم شهداء -كما صرَّح بذلك من أشعل هذه الحرب-، ويطالب بفتح الحدود وتسليح الشعوب وإشعال الحروب ومن هذا الكلام الذي ليس له زمام ولا خِطام! أما من يرزحُ تحت القصف ويتجرع مرارة القتل فله منظور آخر مختلف فآماله وطموحاته واقعية وليست عاطفية كما يفعل البعض، فتأمل يا رعاك الله ولا تتعجل!

وأما قول المُعترض: «لو أنك تنتقد كل من يستحق لفهمت موقفك وأنك مع الحق أينما كان، أين موقفك من المعبد الهندوسي في الإمارات، والقواعد الأمريكية في قطر وتركيا، والملاهي فيها وفي الرياض وحتى مهرجان جرش؟»، فجوابه:

ليس من شرط المنتقِدِ أن ينتقد كل حادثة وكل شخص على وجه الأرض ليثبت للقارئ أنه مع الحق أينما كان، وهذا أمر لا يستطيعه جهابذة العلماء والكُتاب فكيف بمغمور مثلي لا قيمة لما يكتبه في العالمين!!

وأما بعض الأمور التي ذكرها المعترض في هذه الفقرة فجزء منها عائد إلى ولي الأمر وما يراه من المصلحة لوطنه وأمته وشعبه وهو خاضع لقاعدة المصالح والمفاسد السابقة الذكر، وبعضه الآخر مما يُنكره كل مسلم سواء صدر من الدولة الفلانية أم من الدولة العلانية، مع أنني كتبت عن المعبد الهندوسي ونقلت فتوى القرضاوي بشأن بناء الكنائس والمعابد للجالية المقيمة في أرض الإسلام والتي لم أرَ اعتراضًا لأخينا وفقه الله عليها، وأنقلها له هنا لعله يتبين له أن الأمر أكبر مما يظن وأعقد من أن يتكلم إنسان بكلمات يلقيها على عواهنها فالدول لا تسمع رأيي ورأيك وإنما تأخذ ما تجد فيه مصلحتها من كلام المنسوبين إلى العلم فكيف بمن يصفونه بالإمام والعلامة ونحوها من الأوصاف؟

 قال القرضاوي مجيبًا على سؤال حول مساهمة المسلم في بناء كنيسة، نشر يوم الاثنين، 05/19/2008 بعد أن استرسل في ذكر أدلة المانعين وأدلة المُجيزين فقال مُرجحًا:

(والذي أراه: أن إقامة الكنيسة لغير المسلمين من أهل الذمَّة، أو بعبارة أخرى: للمواطنين من المسيحيين وغيرهم، ممَّن يعتبرهم الفقهاء من «أهل دار الإسلام»: لا حرج فيه إذا كان لهم حاجة حقيقية إليها، بأن تكاثر عددهم، وافتقروا إلى مكان للتعبُّد، وأذن لهم ولي الأمر الشرعي بذلك.

وهو من لوازم إقرارهم على دينهم.

ومثل ذلك غير المسلمين من غير المواطنين الذين دخلوا دار الإسلام بأمان، أي بتأشيرات دخول وإقامة، للعمل في بلاد المسلمين، وتكاثرت أعدادهم، واستمرَّ وجودهم، بحيث أصبحوا في حاجة إلى كنائس يعبدون ربهم فيها، فأجاز لهم ولي الأمر ذلك في حدود الحاجة، معاملة بالمثل، أي كما يسمحون هم للمسلمين في ديارهم بإنشاء المساجد لإقامة الصلوات.

وأعتقد أن السماح للنصارى بإقامة كنيسة في قطر يدخل في هذا الباب، وهو من حقِّ ولي أمر، بناء على فقه السياسية الشرعية التي تقوم على رعاية مقاصد الشرع، ومصالح الخلق، وتوازن بين المصالح بعضها وبعض، والمفاسد بعضها وبعض، والمصالح والمفاسد إذا تعارضتا، ويجب على وليِّ الأمر الرجوع إلى فتوى العلماء الراسخين، حتى لا يقع فيما لا يحبُّه الله ولا يرضاه.

وإذا أجزنا لهم إقامة هذه الكنائس في دار الإسلام، فما سُمِح لهم به، وأجازه علماء الشرع، يجوز المشاركة في بناءه وإقامته، وإن كان كثير من العلماء يكرهون ذلك للمسلم؛ لأنه يعين على أمر يعتقده في دينه باطلا وضلالا، فالمعاونة فيه داخله بوجه في قوله تعالى: {وَلاَ تَعَاوَنُواْ عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ} [المائدة:2].  وبالله التوفيق).

انتهى من موقع القرضاوي الرسمي.

فما رأيك أنت وغيرك إذا أخذت دولة الإمارات أو غيرها بفتوى هذا وأمثاله على اعتبار أنه عالم جليل وكبير ومجتهد وله فتاوى منتشرة في أصقاع الدنيا ؟!

وأما المهرجانات وما يحدث من منكرات فيها فلا نرتضيه ونسأل الله أن يعين الدول وحكوماتها على تجنبه ومنعه، وليس مجال نقده على المنابر وصفحات التواصل الاجتماعي وإنما سبيله التناصح مع الولاة بالطرق الشرعية لمن كان له كلمة عند السلطان يؤديها بحقها وبالطريقة الشرعية، فالمعاصي منتشرة في كل الأرض بما فيها فلسطين السليبة فعلى المعترض أن يعترض على ما يكون من معاصي ورقص وفجور في بلاده أولًا لأنها أولى بترك تلك المعاصي مع ما ابتليت به من احتلال وتسلط للعدو يتلازم معه إظهار التوبة والخضوع والتنسك لينظر الله إليها نظرة الرحمة فيزيل عنها بعض ما أصابها فلا يكوننَّ أخي المعترضُ على حد وصف النبي ﷺ أن أحدكم «يبصر القذَاةَ في عين أخيه ولا يُبصر الجذع في عينه»، فالتقصير موجود في كل بلاد المسلمين وينكره المؤمنون ولا يرتضونه، ولكن الفرق بين المُنكرين هو في طريقة الإنكار وأسلوبه، والله الموفق.

وختامًا قال أخونا المُعترض -سلمه الله-: «موقفك فقط ضد المقاومة في غزة ! وموقفك فقط ضد النظام اذا كان إخوان يجوز الخروج عليه، لقد خرجوا على البشير في السودان وانتهى، ما موقفك من الدعم السريع والجيش السوداني الذين يقتلون السودانيين ويغتصبون السودانيات ويعيثون فسادًا في السودان؟ ليس لك موقف، لأنهم ضد الإخوان فمهما أفسدوا في السودان لا أرى لا اسمع لا أتكلم!».

فجوابه: أنني ضد أفعال هؤلاء المقاومين أيًّا كانوا وليس ضد مقاومة العدو المحتل، بل موقفي مبني على الواقع الفعلي وعلى النتائج المتحصلة فنحن نتابع أفعال هذه المقاومة المزعومة منذ أن تولت إدارة القطاع وسيطرت عليه بالكامل، ولم نر -ألبتَّة- أيَّة نتائج في مصلحة المسلمين بل الذي تحصل من جراء أفعالهم هو القتل والتدمير في كل عامين مرة! وفي كل مرة يزداد الخراب والدمار وتزداد النفوس التي تُزهق والبنيان الذي يُهدم، ولا يوجد أيُّ أثر على واقع التحرير للمقدسات الذي تتغنى به المقاومة كل يوم وتخرج علينا قياداتهم -مجاهيل ومعلومين- ليصدِّعوا رؤوس الأمة بوعود النصر والتمكين والتحرير واسترداد الأرض المغتصبة، وأمَّا الواقع فهو عكس ذلك تمامًا فسطوة العدو في تزايد وهو يجد الذرائع تلو الذرائع ليُمعن في التنكيل والتقتيل والتدمير!

فهل أنت مع هذا النوع من المقاومة بهذه النتائج الكارثية؟

وهل ترى أنهم يسيرون سيرًا صحيحًا يمكن أن يُحقق النصر المزعوم؟

وهل فِعلهم هذا يتماشى مع القواعد الشرعية وعلى رأسها درء المفاسد مقدم على جلب المصالح؟

وما هي المصلحة التي يمكن أن تساوي أرواح الآلاف من المسلمين من نساء وأطفال وشيوخ؟

وما هي المصلحة التي يمكن تحقيقها من إطلاق مفرقعات لا تأثير لها ولا توقع النكاية بالعدو بل النكاية بالمسلمين هو الذي يحصل؟

وأنا لست ضد الإخوان لأنهم إخوان وإنما لما لهم من انحرافاتٍ عن العقيدة والدين، ولما حصل بسببهم من الخراب والقتل والدمار -والحمساويون منهم وتحت عباءتهم- وأنا كتبت منذ سنوات مقالات إبَّان حُكم الإخوان في مصر بيَّنت فيها حُرمة الخروج على (محمد مرسي) لمَّا قامت الثورة عليه مُنطلقًا من ذات المبدأ الذي أنهى فيه عن الخروج على غيره، فلسنا متلونين ولسنا ثعالب ماكرين وقد كان مقالي بعنوان: (يا إخواننا في مصر العزيزة لا تفتنوا أنفسكم مرتين!!) وكان هذا قبل اثنتي عشرة سنة!

فأنا وغيري من طلبة العلم إنما ننطلق من مُنطلق الشرع في هذه القضايا لا العواطف العواصف، ولذلك أتحداك وأتحدى غيرك أن تجد لنا تناقضًا في هذه المسائل بل قول علمائنا ثابت وراسخ لا يتغير بتغير الحكام ولا بتغير الظروف والأحوال كما يفعله البعض من التلون والتبديل والتغيير بحسب مصلحة الحزب أو الجماعة، أو الظروف السياسية، أو خوف انفضاض الأتباع من حوله؛ فتنبه!

أما السودان فلا تختلف عن باقي بلادنا والأصل واحد في السودان وفي عمَّان وفي تطوان وهو عصمة الدماء المسلمة ولا يرتضي مسلمٌ هذه الأفعال التي ليست من الإسلام في شيء سواء قام بها الإخوان أم خصومهم ويذهب ضحيتها النساء والأطفال والشيوخ، ولعل السودان من أقوى الأدلة على ما يقرره السلفيون من أهمية الحفاظ على الأمن والأمان وترك الاقتتال على السلطة ضمن المصالح الحزبية الضيقة إسلامية كانت وغير إسلامية، وقد كتبت في أحد مقالاتي: «ودونكم السودان واليمن فهذه الدول ما زالت تُعاني منذ أن حشد أبواق الإخوان الجماهير وشحنوهم بأحلام النصر وإقامة دولة الخلافة، فما وجدوا إلا الحروب والدمار والقتل والتشريد وضيق العيش وذُل الحاجة»، فنسأل الله أن يُبرم لأهلنا في السودان أمر رشد يحقن به دماءهم ويحفظ أعراضهم إنه ولي ذلك والقادر عليه.

وختامًا أقول لأخينا المُعترض ولغيره ممن يُعجبه قوله واعتراضه:

إن الشريعة الإسلامية الغراء لم تكن يومًا لتقرر أحكامًا متهورة مبنية على العواطف، وإنما جاءت بالخير للأمة وللناس، وأناطت أمر القرارات العامة بيد أولي الأمر منها ومنعت العامة من التدخل في شؤون الحكم، كما ورد في حديث أنس -رضي الله عنه- في الصحيح: «وأن لا ننازع الأمر أهله»، فمنازعة الولاة الأمرَ هو سبب كل فساد يحصل في الدول وعلى الرعية أن تدعوَ بالسداد والتوفيق لمن ولاهُ الله أمرها، وعليهم أن ينشغلوا بأنفسهم فيقوِّمُوها ويتركوا أسباب انحرافها وضلالها عن الحق، وعليها أن تسعى لتعلم أصول الشريعة وأن تتفقه بالفقه الذي يعصمها من الوقوع في الخلل والخطأ لا أن تصب جام غضبها على حُكَّامها -لا لأنهم معصومين- ولكن لأن الرعية غارقة بما يُغضب الله -عز وجل-، ففي حين أنها تطالب الحُكام بالحُكم بالشريعة تراها لا تحكم نفسها بها ولا تمشي في فلكها، وفي حين تُنكر المعاصي الظاهرة برعاية الدولة وغيرها تجدها غارقة في هذه المعاصي نفسها وتمارسها وتُعين عليها، إلى غير ذلك من الأمور التي أشدها انحراف الأمة عن عقيدتها التوحيدية التي جاء بها محمد ﷺ وحملها الصحابة الكرام والسلف من بعدهم، فمتى أخذت الأمة بأسباب صلاحها هداها ربُّها إلى أسباب نصرها وتمكينها في الأرض ودون ذلك ليس إلا تسليط الذل وتسلط الأعداء والخذلان والنسيان!

هذا ما يسره الله من جواب جاء عفو الخاطر لأخينا المُعترض ولمن يوافقه، أسأل الله أن يكون فيه من الهداية ما يرفع عنه وعن غيره الغبش والغشاوة وأن يبصره وغيره بالحق والخير والهداية، إنه ولي ذلك والقادر عليه.

وكتب مُصليًا ومسلمًا على نبي الهدى والمرحمة

أبو موسى أحمد بن عياش الغرايبة

غفر الله له ولوالديه وللمسلمين

28 / 11 / 1445هـ

5 / 6 / 2024م

 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق