21/07/2024

قراءة في المحرقة الغزِّية!

الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده..

أما بعد:
مشكلتنا اليوم مع المناصرين للجماعات المُقاتلة ذات الارتباطات الإقليمية وتحديدًا تلك المرتبطة مع محور إيران الطائفي والتي تكيل المدائح ليل نهار له بمناسبة وبغير مناسبة أن هؤلاء لا يستطيعون تخطي عقبة (غسيل الدماغ) التي حصلت لهم، ولا يرون مع ذلك (أيًّا كان هذا الرائي ودرجته) أن لدماء أهل غزَّة (المدنيين العُزَّل معدومي وسائل الحماية) أيَّ قيمة تُذكر، بل يتماهى الكثيرون من مُغيبي العقل والفكر -بلهَ- والإنسانية في مباركة أي أعمال من شأنها أن تزيد من وحشية هذا العدو الغاشم (الجبان الذي يملك القوة والدعم العسكري والمالي) بل يرون كثرة القتل دليل خير!! وأن هذا هو اصطفاء الله لأهل غزَّة فقدرهم (كذا يزعم المُصفقون) أن يكونوا شُهداء وهم اليوم شرف الأمة وكرامتها في زمن (انكشفت!) فيه الأقنعة عن من خذلهم ولم يدخل معهم في حربهم التي أتت على الأخضر واليابس (كما صرَّح بذلك حبيس الأنفاق!).
فهل ما تم القيام به من هذه الجماعات المُقاتلة يوافق شرع الله وسنة نبيه في المعارك والحروب؟
وهل يجوز لعاقل أن يبتدئ معركة من دون تأمين من يلي أمرهم من النساء والأطفال والشيوخ؟
وهل يُعقل في منطق الحرب أن يُترك الناس بلا ملجأ ولا طعام ولا شراب يكفيهم إذا ما امتد أمد هذه الحرب؟
وهل يدخل إنسان له فهم في الميدان العسكري حربًا من دون أن يتأكد من وجود الدعم العسكري والمالي له؟
وعلى فرض أن البعض قد غرر بكم ووعدكم فأخلف وعده فهل من العقل والدين أن تستمروا في هذه العملية التي بدت ثمارها المُدمرة بعد أقل من أسبوع من فعلتكم؟
كل هذه الأسئلة يجيب عنها المناصرون لمغامرة فصيل يتبع إيران بأجوبة تضحك منها الثكلى، كنحو قولهم غزَّة كشفت المنافقين، وغزَّة أظهرت المُرجفين، وغزَّة شرف وعزة الأمة، في أجوبة (عاطفية جارفة) كثيرة ليس فيها أي فهم لواقع الأمة اليوم ولو فُرض أنها مجتمعة وتحت قيادة واحدة فكيف بها وهي متفرقة ممزقة لا تمتلك أسباب قوَّتها ومَنَعَتها بل ولا تمتلك الاكتفاء بغذائها على أقل تعديل؟!
أما (المتفيقهون) ولاوي ألسنتهم فيرددون دون شعور (كالببغاوات) كلمات قالها بعض جلاوزة الإخوان المفسدين= (سببُ ضياع الإنسان والدين في هذا العصر) أن غزَّة أرجعت القضية الفلسطينية على الساحة بقوة وصارت حديث (الصالونات) السياسية وأصبحت دماء الفلسطينين وجراحاتهم ودمار بلدتهم المُحركَ للعالم الغربي (الحقير)، ويزعم هذا الفريق أن هذه المحرقة أُولى خطوات تحرير القدس وسائر ثرى فلسطين المباركة، ويذكرون غيرها من الأهداف التي تحققت والتي يختلقها أولئك النفر ممن ارتضى أن يضع عقله جانبًا ويُحارب من خلف الشاشات كل مُخالف لرأيه داعٍ إلى وقف سفك دماء الغزيين !
ولو نظر هؤلاء لحقيقة ما زعموه من تحقيق أهداف (هي سراب في حقيقتها) لرأى أن وضع القضية على طاولات ساسة العالم ما هو إلا ذرٌّ للرماد في العيون بل الواقع أن الدعم العسكري للكيان اللقيط يزداد والتمويل الهائل يفيض عليهم فيضًا بل أصبح تعنت العدو الغاشم وإصراره على الاستمرار في هذه المحرقة سبيلًا لفرض حلول على الأرض هي في صالحه وليست في صالح أهل فلسطين ولا مشروعهم التحرري فالعالم يعتبر الكيان دولة موجودة ولها كيانها المُعترف به من القوى الكبرى في العالم ويعتبر المقابل وهم أهل فلسطين أناسًا لهم حق في بعض أرضهم ولكن عليهم أن يحصلوا على هذا الحق بالطرق التي يقررها (الغرب الطاغي) وبما يتوافق مع مصالح الكيان اللقيط ويحفظ أمنه!
فهل تحتمل القواعد الشرعية والآراء الحكيمة العقلانية مثل هذا الدمار الحاصل وهل يمكن تحت أي ظرف أن يُسمى انتصارًا وإرغامًا لأنف العدو المحتل، بل هل يُجيز أي نبي لقومه مثل هذا العمل تحت مسمى الجهاد الشرعي فضلًا عن قبول نبينا ﷺ لأن يقوم أصحابه بعمل يكون فيه هلاك أهليهم وأطفالهم وشيوخهم؟
إنَّ الواقع المرير الذي يعيشه أهلنا في القطاع يستلزم من الجميع أن يُعيدوا النظر في آرائهم وفي نظرتهم لواقع الأمة الحقيقي والذي لا يبشر بخير لانتشار كبائر الذنوب ولانتشار البدع والخرافات ولتعلق الأمة بسنن المغضوب عليهم وسنن الضالين حذو القُذَّة بالقُذَّة مع أكل للربا وأخذ لأموال الناس بالباطل ولإضاعة الحقوق وقطيعة الرحم ولاقتراف الذنوب التي لم تُعهد حتى من أشد الناس بُعدًا عن الدين فأي أمة توافرت فيها هذه البلايا مع تفرقها وتشرذمها وطُغيان عدوها فلا جَرَمَ يحصل لها من الإذلال والتكالب ما يراه أبناء الأمة اليوم بأم أعينهم، وسبيلهم إلى الخلاص من هذا كله معروف ومحفوظ في عقول وصدور غالبية أبناء الأمة بل يستظهرون الحديث المذكور في ذلك عن ظهر قلب.
فالأمة اليوم ليست بحاجة لمقاطعة مأكل ومشرب حلال بقدر ما تحتاج لترك أكلها وشربها للربا والمُسكرات (مع أن دُعاة المُقاطعة لم يدعو أحدهم لمقاطعتها!) وبمقدار حاجتها لترك سُنن اليهود والنصارى حتى ذاب الكثيرون من أبناء الأمة في العادات الغربية حتى فقدوا هويتهم الإسلامية إلا من رحم ربك، أقول هذه الكلمات ويعتصرني الألم من حال بعض من كنا نُحسن الظن بهم من إخواننا الذين طغت العاطفة على عقولهم ووجدانهم فلم يعودوا ينكرون مُنكرًا ولا يعرفون معروفًا، بل غاية مرادهم الانتصار لرأيهم ولفكرتهم ولولاءاتهم الشخصية أو لرغبتهم في ركوب الموجة إما طلبًا لرضى من حوله وإما لخبيئة في نفسه، وإما رغبة في المخالفة ومنابذة الحق الواضح!
هدانا الله سبل الرشاد ووقانا طرق الضلالا، وعافانا من جميع الأهواء، وتوفانا على الكتاب والسنة موحدين متبعين على نهج الأولى السالفين، إنه ولي ذلك والقادر عليه.
وكتب في 15 من محرم سنة 1446 من هجرة المُصطفى ﷺ
أبو موسى أحمد بن عياش الغرايبة
غفر الله له ولوالديه وللمسلمين
آمين .. آمين!
وسلام على المرسلين والحمد لله رب العالمين.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق