04/12/2024

خوارزميو القرن الخامس عشر الهجري!

 

(خوارزميو القرن الخامس عشر الهجري)

بادئ ذي بدءٍ يجب أن يعلم القراء الكرام بشتى أفهامهم ومُنطلقاتهم أن النقد لجماعة معينة سواء كانت جماعة تنتمي إلى تيار ديني –كما يقولون- أو إلى فكر علماني أو إلى توجه قومي أو غيرها من الجماعات مهما كانت أهدافها المعلنة أمرًا يُعجب عامة الناس فإن النقد لها مُنطلقُه ليس الأغراض الشخصية أو الحسد أو البغض النفسي بل ينبغي أن يكون مُنطلقهُ أصول الشريعة الغراء والتي قدمنا –وفي مقالات عدة- أنها إنما جاءت لحفظ ما يسميه الأصوليون بالضرورات الخمس والتي جمعت في (النفس والدين والعرض والعقل والمال) وحفظ هذه الخمس الضرورات لا يُعارضها عقل عاقل ولا يخالفها مسلم أو كافر فهي ضرورة ينبني عليها خلافة الإنسان في الأرض ولا تقوم ولا تستقيم حياة الناس إلا بها.

فنقد أي جهة متسببة في إهدار شيء منها هو نقد شرعي لا نقد هوائي وإن من أشد هذه الضرورات حاجة لحفظها هي تلك المتعلقة بالأرواح والأعراض والأموال، لأن العقل والدين أمرهما معنوي وليس حسيًا فمهما تعرض الإنسان إلى اضطهاد ديني فإن عقيدته في قلبه يتمكن من إخفائها وإظهار خلافها حال الاضطرار فينجو من الفتنة فيهما بالكلام وقد بين الله ذلك في كتابه لما أنزل قوله في مُعَذَّبِي المسلمين المستضعفين من أهل مكة فبيَّن أنَّ ﵟمَن كَفَرَ بِٱللَّهِ مِنۢ بَعۡدِ إِيمَٰنِهِۦٓ إِلَّا مَنۡ أُكۡرِهَ وَقَلۡبُهُۥ مُطۡمَئِنُّۢ بِٱلۡإِيمَٰنِ وَلَٰكِن مَّن شَرَحَ بِٱلۡكُفۡرِ صَدۡرٗا فَعَلَيۡهِمۡ غَضَبٞ مِّنَ ٱللَّهِ وَلَهُمۡ عَذَابٌ عَظِيمٞ 106ﵞ [النحل: 106] .

فهذه الضرورتان لهما مخرج حال وقوع الفتن والله لا يؤاخذ المُكرهين، بخلاف باقي الضرورات فإن الضرر فيهما حاصل ولا يمكن دفعه إلا بالقوة الرادعة ووقوع الإزهاق لشيء منها عند الله عظيم وقد وردت النصوص المتكاثرة في حرمة دم المسلم –والذمي المستأمن والمعاهد كذلك- بأشد عبارات التنفير عن الولوغ في الدماء المعصومة، وكذا في إهدار أموال الناس التي جعلها الله قيامًا لهم، وكذلك في حرمة التعرض للأعراض وهتكها بغير ما تُستحل به من المهور.

ومن هذا المُنطلق الشرعي ينتقد الناقدون من طلبة العلم الأحزاب والجماعات التي تملأ الساحة العربية الإسلامية على وجه الخصوص دون تواجد لها في غيرها من بلدان يُقال إنها أشد البلدان عداوة للإسلام وأهله!

والنقد ليس وليد الحدث العصري في زمن معين ولوقوعه من جبهة معينة أو فصائل منتمية لمخالف في المنهج والعقيدة ولكنه في حقيقة الأمر له منبع ومنزع من التاريخ والوقائع التي حصلت لأهلها أو وقعت من ذات الجماعات العصرية والحاملة لذات الفكر والنهج ومن آثار هذه الأعمال التي أهدرت أصول وضرورات الدين الخمسة وليس واحدًا منها أو أكثر!

فمن لم يتعظ بالتاريخ الماضي والحاضر ومن لم يستعمل القياس الحقيقي للآثار والنتائج التي تترتب على الأفعال فمختل لا عقل له ولو بلغ أكبر درجة من العلم والفهم، فما لم يحفظ ما قرره الشرع من ضرورات لم يُقم الشرع ولم يرفع مناره ويذود عن حياضه بل كان أحد الخوارزميين الذي استعدوا أعظم وحش قاتل مجرم في تاريخ الإسلام وإن حصل ذلك في القرن الخامس عشر الهجري!

فمع قصة تاريخية تُحاكي ما يحصل اليوم لأهل الإسلام الأبرياء العُزل الضعفاء والذين لا يملكون حيلة، فأرعني سمعك وافتح عقلك لتفهم أن الله الذي خلق هذا الخلق لم يتركه مقيدًا بغير قدرته ولا جعله عرضة للمغامرة ولا مقامرة كما تحاول الجماعات العصرية أن تصور المسألة وتجعل من سفك كل هذه الدماء ضرورة لا مفر منها!

دارت أحداث هذه القصة المُفجعة المأساوية في القرن السابع الهجري وهي التي قال عنها مؤرخها ابن الأثير –رحمه الله-: (فلو قال قائل إن العالم منذ خلق الله سبحانه وتعالى آدم وإلى الآن –يعني القرن السابع الهجري- لم يُبتلوا بمثلها لكان صادقًا، فإن التواريخ لم تتضمن ما يُقاربها ولا ما يُدانيها!)، وقال عند ذكر أحداثها: (فيا ليت أمي لم تلدني، ويا ليتني مت قبل حدوثها وكنت نسيًا منسيًا)!

ولقد كان من خبر خوارزم شاه ما ذكره المؤرخون فقد أصبح هذا الملك ذا قوة وسعة ملك ما طارت به الركبان فتوسعت دولته ووصل صيته الشرق والغرب فلما شعر بذلك ملك التتار جنكيز خان خطب وده وطلب هدنته والسماح للتجار بالتجارة في البلاد ليعم الخير سائر الممالك فأجابه خوارزم شاه إلى ذلك فسيَّر جنكيز خان جماعة من التجار معهم الأموال الطائلة إلى سمرقند وبخارى فغدر بهم خوارزم شاه وقتلهم وأخذ أموالهم فتجهز له جنكيز خان وأرسل إليه يهدده: (تقتلون أصحابي وتُجاري وتأخذون مالي منهم، استعدوا للحرب فإني واصل إليكم بجمع لا قبل لكم به)!

فما كان من خوارزم شاه إلا أن تمادى في غيه فقتل رسول جنكيز خان وحلق لحى الذين كانوا معه وأعادهم بهذا الحال إلى جنكيز خان!!

فسار خوارزم شاه إلى جنكيز أربعة أشهر يريد مباغتته فلما وصل ديارهم لم يجد جنود التتر ولم يجد إلا النساء والصبيان والأموال فغنم وسبى النساء والذراري، وقد كان التتر قد غابوا عن ديارهم لقتال ملك من ملوك الترك فلما هزموه وجاءهم خبر فعل خوارزم شاه عجلوا السير إليه والتقوا به قبل أن يفارق ديار التتر وحصلت بينهم مقتلة ذهب من المسلمين بسببها أزيد من عشرين ألفًا، يقول ابن الأثير: (وجرت الدماء غزيرة على الأرض حتى كانت الخيل تزلق فيه من كثرته)!

وبعد انتهاء هذه المعركة رجع المسلمون إلى بخارى ليستعدوا ويتزودوا فعاجلهم التتر إليها وحصلت مقتلة لثلاثة أيام انهزم جند المسلمين فيها والذين كانوا موكلين بحمايتها وتُرك أهل بخارى بلا حامية فلم يكن أمامهم خيار إلا طلب الهدنة والأمان فحصل وفُتحت أبواب بخارى بعد أن أعوهم العهد بالأمان فدخل التتار ودخل جنكيز خان وأذل أهل بخارى بأن جعلهم يحاصرون قوة من العسكر بلغت أربعمئة فارس لم يتمكنوا من الفرار ومن تخلف قتله فخرج أهل بخارى خوفًا من بطش جنكيز خان فقتلهم جميعًا واستباح بخارى فقتل وسبى ونهب هو وجنوده في مأساة لم يشهد مثلها المسلمون في التاريخ حتى قال ابن الأثير: (وكان يومًا عظيمًا من كثرة البكاء من الرجال والنساء والولدان.. وتفرق المسلمون وتمزقوا كل ممزق، وأصبحت بُخارى خاوية على عروشها كأن لم تغنَ بالأمس، وارتكبوا من النساء العظيم والناس ينظرون ولا يقدرون على فعل شيء.. ولم يرحل التتر عن بخارى حتى ألقوا النار في البلد والمدارس والمساجد وعذبوا الناس بأنواع العذاب في طلب المال فإنا لله وإنا إليه راجعون)!

وبعد انقضاء هذه الفاجعة لم يقف التتار عند هذا الحد انتقامًا لما فعله خوارزم شاه من فعلة حمقاء لا عقل فيها ولا حكمة، فتوجهوا بمن بقي معهم من أهل بخارى إلى سمرقند وقد ساقوا أهل بخارى كقطعان الأغنام فمن تعم ولم يقوَ على المسير قتلوه ولما وصلوا إلى سمرقند حصلت مقتلة عظيمة مع جندها ففتك التتار بهم وقتلوا منهم الآلاف فلما رأى أهل سمرقند ذلك طلبوا الأمان واستسلموا وفتحوا أبواب البلد فأعمل التتار فيهم أسلحتهم فقتلوهم عن بكرة أبيهم وأخذوا أموالهم ودوابهم ونساءهم وأحرقوا الجامع واغتصبوا الأبكار وعذبوا الناس بأشد أنواع العذاب فإنا لله وإنا إليه راجعون!

ولم تنتهي القصة في سمرقند بل تمادى جنكيز خان في انتقامه وأصر على أن يظفر بخوارزم شاه حتى قال لجنوده اطلبوه ولو كان متعلقًا بالسماء حتى تظفروا به وتأخذوه، فعاث جنود التتار في بلاد المسلمين قتلًا وتشريدًا وإحراقًا وسبيًا للحرائر الذراري ما لا يستطيع إنسان أن يتصوره وساروا بإفسادهم سريان النار في الهشيم لا تبقي ولا تذر قال ابن الأثير: (وواصل التتر مسيرهم وفسادهم؛ يرحلون من بلد إلى آخر وقل أن تسلم بلدة من شرهم، وعاثوا فسادا في نيسابور، وما زندران، والري وهمذان، وأذربيجان، وإربل وغيرها من بلاد المسلمين. وكان للتتر عوائد سيئة وجبارة، وحيل ماكرة وخبيثة؛ فمن عوائدهم أنهم إذا قصدوا مدينة ورأوا مناعتها عدلوا عنها إلى غيرها، ومنها أنهم إذا قاتلوا مدينة قدموا من معهم من أسارى المسلمين بين أيديهم يزحفون ويقاتلون فإن عادوا قتلوهم فكانوا يقاتلون كرها، وكانوا يتقون بهؤلاء الأسارى من الرمي وغيره، ومن سلم منهم قتلوه بعد انقضاء الحرب).

قال ابن كثير: (وأسوأ من ذلك أنهم يستخدمون الأسارى أداة في استخراج المختفين من بطشهم، فكانوا يقولون للأسرى نادوا في الدروب أن التتر قد رحلوا، فإذا نادى أولئك خرج من اختفى فيؤخذ ويقتل).

وكان من الفواجع في إذلال المسلمين بسبب هذا الفعل الطائش لخوارزم شاه ما ذكره ابن الأثير واصفًا حالة المسلمين المُذلة فقال: (إن رجلا من التتر دخل دربًا فيه مئة رجل، فما زال يقتلهم واحدًا واحدًا حتى أفناهم ولم يمدَّ أحدٌ يده إليه بسوء)، وقال: (إن آخر من التتر أخذ رجلًا ولم يكن مع التتري ما يقتله به فقال له: ضع رأسك على الأرض ولا تبرح، فوضع رأسه على الأرض حتى جاء التتري بسيف وقتله به)!

فيا لله العجب ماذا جر هذا الفعل على المسلمين من الويلات؟!

وحتى لا أطيل سرد هذه الحوادث والتي من أفظعها استباحة التتر لبغداد الرشيد في فاجعة الفواجع وطامة الطامات فقد ذكر الحافظ ابن كثير في البداية والنهاية من هذه الأحداث ما تشيب له الولدان فقال: (ومالوا على البلد فقتلوا جميع من قدروا عليه من الرجال والنساء والولدان والمشايخ والكهول والشبان، ودخل كثير من الناس في الآبار وأماكن الحشوش، وقُني الوسخ، وكمنوا كذلك أيامًا لا يظهرون.

وكان الجماعة من الناس يجتمعون إلى الخانات ويغلقون عليهم الأبواب فتفتحها التتار إما بالكسر وإما بالنار، ثم يدخلون عليهم فيهربون منهم إلى أعالي الأمكنة فيقتلونهم بالأسطحة، حتى تجري الميازيب من الدماء في الأزقة، فإنا لله وإنا إليه راجعون.

وكذلك في المساجد والجوامع والربط، ولم ينج منهم أحد سوى أهل الذمة من اليهود والنصارى ومن التجأ إليهم إلى دار الوزير "ابن العلقمي الرافضي"!، وطائفة من التجار أخذوا لهم أمانًا، بذلوا عليه أموالا جزيلة حتى سلموا وسلمت أموالهم. وعادت بغداد بعد ما كانت أُنس المدن كلها كأنها خراب ليس فيها إلا القليل من الناس، وهم في خوف وجوع وذلة وقلة... ولما انقضى الأمر المقدر وانقضت الأربعون يوما بقيت بغداد خاوية على عروشها ليس بها أحد إلا الشاذ من الناس، والقتلى في الطرقات كأنها التلول، وقد سقط عليهم المطر فتغيرت صورهم، وأنتنت من جيفهم البلد، وتغير الهواء، فحصل بسببه الوباء الشديد حتى تعدى وسرى في الهواء إلى بلاد الشام، فمات خلق كثير من تغير الجو وفساد الريح، فاجتمع على الناس الغلاء والوباء والفناء والطعن والطاعون، فإنا لله وإنا إليه راجعون).

وقد استمرت مأساة استعداء التتار من قبل خوارزم شاه قرابة القرن من الزمان حتى سنة 699هـ ستمئة وتسعة وتسعين في زمان شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله وقد عاثت هذه القوات الغازية بلاد الإسلام شرقًا وغربًا واستباحتها حتى أذن الله بانتهاء ما قدره كونًا على هذه الأمة، وفي التاريخ مواعظ وعبر كثيرة وكبيرة لا يلتقطها إلا من أزاح عن قلبه أهواءً وأغراضًا وتجرد للحق ونظر نظرًا حصيفًا لمآلات الأقوال والأفعال، واليوم وفي القرن الخامس عشر الهجري ابتلي المسلمون بأكثر من خوارزم شاه واحد يفعل من الأعمال الطائشة المتهورة ما يستعدي به من هو أشد من جنكيز خان قوة وبأسًا وأعظم بطشًا وأشرًا ولعمرك فإن خوارزم شاه الأول على ما تذكره السير قد ندم وتحسر على فعلته التي فعل وأبدى ندمه لمن حوله من أهل الحل والعقد وطلب منهم المشورة والرأي بخلاف من ابتلينا بهم اليوم فلا ندم ولا اعتراف بالخطأ ولا قبول لنصيحة ناصح ولا مشورة عاقل، بل ركوب للرأس وتمادٍ في الباطل عجيب يُعينهم عليه أمثالهم من الملبسين على الناس بالعواطف ومن الموهمين لهم بالانتصارات والبطولات، مع فارق أن خوارزم شاه لم يُقرب رافضيًا ولا أثنى عليه، فنحن اليوم في صف الأمة وندافع عن دمائها أن تُسفك بلا فائدة ونقوم في وجه كل من يفعل فعل خوارزم شاه وتحت أي ذريعة كانت، فما أصاب الأمة من مآس لا تحتمل الأمة –وهي في أضعف حالاتها- معه مغامرات ولا مقامرات بمقدراتها وأرواح أبنائها ولذلك وقفنا في وجه فصائل متهورة وحاربناها لا لأنها محسوبة على الجهة الفلانية أو الحزب العلاني بل لأنها لم تحقن دماء المسلمين ولأنها فعلت ما تسبب في هلاك أهلها وإخوانها بلا طائل ولا هدف، فما حصل في غزة لا يخالف ما حصل في بخارى قبل ثمانية قرون حذو القذة بالقذة فالفعل الأحمق ذاته ورد الفعل الإجرامي عينه مع فارق أن هذه الجماعات لم تكتفي بما جرته على أوطانها من ويلات بل ذهبت تحاول وبشتى الوسائل جر باقي البلدان لهذه الحماقات تحت مسمة الجهاد وقتال أعداء الإسلام!

والعجيب أن يقع بعض إخواننا بما وقع به هؤلاء الحزبيون من انجرار خلف العواطف مع أن الشاهد أمامهم فكم صفق العاطفيون وتغنوا بأفعال الفصائل الفلسطينية في غزة وغيرها فكانت النتيجة الإبادة والذل للمدنيين العزل، وكم تخلى الكثيرون عن عقيدة الولاء والبراء وهتف لرأس الرافضة في الشام الهالك اللاحسن؟ والنتيجة هي هي: الاستسلام والذل واليوم يحصل في سورية ذات الأمر ويقع الإخوة في هذه الفتنة كالفراش في السراج فيفعلون فعل الإخوان معنا ومعهم لما انتقدنا فعل حماس وكان الإخوان يقولون لنا إن حماس تقاتل الكفار فالمعركة بين إسلام وكفر فكفوا ألسنتكم عنهم! واليوم يقول لنا إخواننا ما يحصل في سوريا حرب بين إسلام وكفر فكفوا ألسنتكم عن تنظيم القاعدة المسمى بأسماء متحورة في كل مرة ويريدنا بعض من أخذه الهوى أن ننصر الجماعات التكفيرية وندعمها والتي هي بالأمس تكفر دولنا وتهدد أمننا وتتوعدنا بالذبح لمجرد أنها تقاتل النظام النصيري المجرم وكأن أحدهم لم يكن بحاجة إلا لأن يشاهد مقطعًا أو مقطعين على قناة إخبارية فيه سيطرة الفصائل على البلد الفلاني والقرية العلانية ليقف ويكبر ويهلل: ألا إن الإسلام انتصر والكافر اندحر!

يا أيها الإخوة يا أيها العقلاء ألم يكن هؤلاء –بشتى مسمياتهم- هم سبب ما حصل لأهل سوريا والعراق من قتل وتشريد وهتك للأعراض طيلة سنوات، أفأصبحوا لما حركتهم دول بعينها مجاهدين لهم راية واضحة ينبغي على المسلمين نصرهم ومؤازرتهم؟! ما لكم كيف تحكمون.. ثم من الذي قال إن الراية واضحة في سورية أو في غيرها وما دلائل ذلك وإن كانت واضحة كما يزعم البعض فما الذي يمنع المفتين بوجوب النصرة من الذهاب إلى دولة الإسلام التي يزعمون؟ فليذهبوا هم وأبناؤهم إن كانوا صادقين!

ثم قدمت لكم أن العبرة بالتاريخ ولا يُلدغ المؤمن من حجر مرتين أفلا تذكرون الموصل وكيف حصل فيها من استيلاء يشبه تمامًا في سرعته وطريقته ما يحصل اليوم في سورية ثم ماذا؟ الإبادة واستيلاء الذين أخرجوهم ثم الانتقام بأبشع مما كان من المسلمين العُزل!

إن العاقل لا يمكن أن يكيل بمكيالين فينتقد فعل الغزيين ويمدح فعل السوريين مع كوني أعلم أن الواقع الجغرافي في سورية مختلف عنه في القطاع الغزي لكن المقدمات والأسباب ثم الآثار والنتائج واحدة، وقد أعجبني تساؤل أحد الإخوة إذ يقول: (هل يمتلك هؤلاء الثوار غطاءً جويًا يحمون به أنفسهم ويحمون المدنيين من القصف؟)، فماذا هم فاعلون إن استشرى انتقام النظام فتحالف وأغرى الروس أو غيرهم فقصفوا هذه المناطق التي يُقال إنها حُررت فأبادوا أهلها ودمروا ما هو مدمر؟ وقد رأينا اليوم بداية شيء من هذا الأمر فقد قصف النظام مستشفى يعج بالمراجعين رجالًا ونساءً وقد نشرت الفصائل المقاطع وتباكت على القتلى ووصفت النظام بالمجرم! فما الذي تغير وما الذي تبدل؟

ثم ما الضمانات التي تجعل أحدكم يقبل بما يحصل وهل يستبعد أن يحصل التناحر بين هذه الفصائل بعد استيلائهم على البلاد فيما بينهم كما حصل في أفغانستان وغيرها؟

ثم ما موقف هؤلاء المُسكتين لإخوانهم إذا تمكنت هذه التنظيمات من البلاد إن هي أنفذت وعودها وتهديداتها بغزو بلادنا وإزاحة ملوكنا ممن يصفونهم بالطواغيت والعملاء، أكنت تقاتلون تحت راية ولاتكم أم تقفون على الحياد أم ستبايعون أمراء التنظيمات؟!

لا تتعجلوا في أمركم وسلوا الله المعافاة فإن ما يجري اليوم في بلاد المسلمين ما هو إلا صورة من صور التسلط لأعداء الأمة بسبب ما تقارفه الأمة اليوم من المنكرات ليس أكبرها الخروج على الولاء ولا التلبس بالبدع والمنكرات وأنا ما كنت لأكتب ما كتبت إلا إيقاظًا للبعض من غياهب الهوى لكي لا ينزلق بسبب عواطفه وما يضخه الإعلام في رأسه وهو بعيد عن واقع الحال في غياهب جب الضلال بعد الهدى فاستعينوا بالله وتريثوا وانظروا التاريخ والأحداث واعتبروا يا أولي الأبصار!

ولا حول ولا قوة إلا بالله الكبير المتعال.

وكتب ليلة الرابع من جمادى الآخر سنة ست وأربعين

أحمد بن طريف أبو موسى الغرايبة

غفر الله له ولوالديه وللمسلمين

آمين آمين

 

 

03/10/2024

الدعوة السلفية دعوة إلى الأمن والإيمان

 الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده.. أما بعد:

كنت قد كتبت قبل عقد من الزمان مجموعة من التغريدات أتكلم فيها عن #السلفية دعوة ومنهجًا، ورأيت أن أعيد صياغتها على شكل مقالة قصيرة لعل الله أن ينفع بها كاتبها وقارئها وناشرها، والسبب في إعادتها خروج بعض الأغرار يصفها ويصف أهلها بأوصاف هي أليق ما تكون به، فهذه الدعوة -في الحقيقة- تنفي خبثها كما ينفي الكير خبث الحديد، فهي دعوة ثقيلة لا يثبت فيها ولا عليها إلا من وفقه الله وأراد به خيرًا، أما البعض ممن يبحث عن مكاسب شخصية أو دنيوية فإنه يتمرحل فيها طبقة طبقة حتى ينسلخ منها ويصبح كالهُلام والزبد الجافي لا إلى هؤلاء ولا إلى هؤلاء بل وجهته لمن يدفع أكثر أو يصفق أكثر، مع خُواء من مروءة الرجال الأحرار ووقاحة فيها قُحة يريد أن يُضحك بها أقرانه وأخدانه ويُظهر بها نفسه الوضيعة التي بين جنباته بأنه أهلٌ للفهم والمعرفة والنقد وهو في حقيقته -كان ولا زال- سفيهَ العقلِ واللسان ركيك الفهم والبيان، فمثلُ هذا ينكشف أمره عند أول جُعالة تمتد إليه فيسيل لها لُعابه ويهفو إليها قلبه، فتراه ينسلخ بحسب الجُعالة وبحسب توجه أو توجيه صاحبها، ويغدو المسكين بوقًا ناعقًا على الدعوة وأهلها لا يصطف إلا في صف المخالفين والمنابذين لها منتفخة أَوْدَاجُهُ على كل كلمة تخرج من أصحابها، فمثله كثيرون ذهبوا -كما ذهب الذين من قبلهم- أدراج الرياح لم يلتفت إليهم إنسان وإنما كانوا مشهدًا هزليًا مر عليه الناس على دكة التمثيل فضحكوا ملء أفواههم ثم مضوا حيث شاء الله لهم أن يمضوا وبقي هذا المنابذ الساخر شريدًا تائهًا في دياجير الضلالة وعتمة الانحراف!

فله ولمن على شاكلته أعيد تحرير تغريداتي فأقول وبالله وحده أصول وأجول: 

#الدعوة_السلفية دعوة إلى الإيمان والأمن، ونبذٍ للعنف والتكفير، وهي تضع في أول أولوياتها مراعاة المصالح والمفاسد، فهي وسط بين إفراط فرق #الخوارج، وتفريط فرق #الصوفية!

والدعوة #السلفية تريد ربط الناس بالله -عز وجل-، وبسنة رسوله ﷺ وبخير القرون قرون #الصحابة -رضوان الله عليهم-، وهي بهذا المعنى ليست #حزبًا ولا فرقة توالي وتعادي أحدًا إلا على #الكتاب و #السنة.

فليس لها علاقة بالسياسة العصرية -وإن اتُّهمَت بذلك- ولكن لها علاقة بالسياسة الشرعية والتي تقوم في أساسها على القاعدة الكلية: "جلب المصالح وتكثيرها ودرء المفاسد وتقليلها"، صيانةً للعقل والدين والعرض والمال والنفس والتي يسميها الأصوليون: (الضرورات الخمس)!

قد تبدوا ردود طلاب العلم من المنتسبين إلى #الدعوة_السلفية قاسية ومُسقطة لكثيرين من المتصدرين لتعليم الناس، ولكن ليست الغاية من النقد اللاذع إسقاط هؤلاء –وفيهم أفاضل أحيانًا- وإنما  الغاية صيانة الدين عقيدةً وسلوكًا من شوائب الفرق والعقائد والمناهج الدخيلة ليعود الإسلام صافيًا نقيًا كما كان زمن النبوة.

ومما يكثر الطعن فيه في هذه الدعوة باب الجهاد فيصفون السلفيين بأنهم متخاذلون عنه ولا يعظمون بابه والحق بخلاف هذه الدعاوى العاطلة الباطلة، فالجهاد ذروة سنام الإسلام، إلا أن الجهاد اليوم لا يمكن له أن يقوم في الأمة وهي ليست على قلب رجل واحد في العقائد والسلوك، ولن يؤتي هذا الجهاد ثماره المنشودة في ظل تردي ديانة الناس وسوء أخلاقهم، وخفة عقولهم باتباعهم سنن اليهود والنصارى ومناهج الشرق والغرب. وعليه فالكلام عن الجهاد في هذه الأزمان مجازفة كبيرة وبعد عن حقيقته وإغفال لواقع الأمة المريض فكيف لعاقل أن يجاهد بأناس ضعفاء في دينهم مزعزعةً عقائدهم مختلفةً قلوبهم؟!

وكما هو الحال في الكثير من الدعوات يوجد في الدعوة السلفية من ينتسب إليها وليس هو منها أو لا يفهم مبادئها الحقيقية أو تم التغرير به وإضلاله عمدًا عن حقيقتها القائمة على الكتاب والسنة واتباع سلف الأمة عقيدة ومنهجًا وسلوكًا، لذلك تجد كثيرين يتجاوزون الحد ويعتدون وهذا أمر مقبول في إطار تفاوت العقول واختلاف الأفهام ومثل هذا يُقوَّمُ ويُؤخذ على يده ليعلم ويفهم، وتبقى الدعوة السلفية الحقَّة قائمة بأصولها السنية لا تداهن ولا تُماري أحدًا مهما علا شأنه!

واليوم يستهجن الكثير من الناس ما يقوم به طلبة العلم من تحذير من أعيانٍ منتمين للسلفية ولغيرها ممن يخوض في دين الله مخالفًا خير القرون في العقائد والسلوك والمعاملات ويظنون أنه وقوف في صف الحكومات التي تصد عن دين الله أو الأحزاب العلمانية المحاربة للدين أيًّا كان، أو وقوف في صف الأعداء المحتلين لبلادنا الإسلامية شرقًا وغربًأ أوغيرها ممن يَظهر منه مُعاداة ونفور، وهذا الاستهجان أو هذه النظرة القاصرة ناشئة عن تضليل إعلامي مقصود أو تدليس حزبي مرصود على حد سواء، فالإعلام المنحل يريد تخويف الناس من هذه الدعوة السلفية لأنها تدعوا إلى #العفة و #الطهارة و #صيانة_العقول من الأفكار الهدامة للخلق والدين والإنسان، والمتحزبة وأضرابهم من #المتصوفة و #الخوارج ونحوهم يريدون تخويف الناس من #الدعوة_السلفية لأنها تدعوا إلى طاعة ولي الأمر بالمعروف وترك وسائل الشرك ونبذ الخرافة وهذان الأمران الطاعة والشرك والخرافة إذا تنبه الناس إلى خطرهما على العقائد والأديان وتنبهوا إلى أهمية التوحيد والاتباع انحلت عقد الأمة جميعًا واتحدت في صف واحد لكن هذا سيفوت على المتحزبين والخرافيين وقبلهم أعداء الدين فرصة الاستثمارات العديدة التي يمارسونها باسم الدين والجهاد والنهوض بالأمة، فبضاعة الخارجي المتحزب الطعن في الولاة والعمل علىإثارة الناس عليهم، والصوفي الخرافي بضاعته التوسل بالأولياء والنذر والذبح لهم وملءُ الكروش من قروش المغفلين، فتأمل!

واليوم جميع الأطياف تصف #السلفية بالرجعية والتخلف والتحجر وإسقاط المخالفين والغلو والتفريق بين المسلمين وهو كذب محض ودعوى فارغة مدادها الكذب والتخرصات والتحليلات الحزبية والطعونات الردية وما هذا الهجوم وهذه الشراسة في السعي إلى تحقيقه إلا لتقاطع مصالح هؤلاء جميعًا مع مبادئ الدعوة السلفية..!

وكتب مُنسلخ ربيع الأول سنة 46هـ

أحمد بن طريف أبو موسى الغرايبة

غفر الله له ولوالديه وللمسلمين

وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

15/09/2024

تعيين يوم مولد الرسول ﷺ .. نظرة تاريخية!

 لا يمكن تعيين اليوم الذي ولد فيه النبي ﷺ على التأكيد لأن العرب قبل الإسلام كانت تُنسئُ=(تؤجل) الشهور بحسب أهوائها، قال الله تعالى: {إِنَّمَا النَّسِيءُ زِيَادَةٌ فِي الْكُفْرِ ۖ يُضَلُّ بِهِ الَّذِينَ كَفَرُوا يُحِلُّونَهُ عَامًا وَيُحَرِّمُونَهُ عَامًا لِّيُوَاطِئُوا عِدَّةَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ فَيُحِلُّوا مَا حَرَّمَ اللَّهُ ۚ زُيِّنَ لَهُمْ سُوءُ أَعْمَالِهِمْ ۗ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ} [التوبة: 37].

قال الحافظ ابن حجر في "الفتح": "وقال الخطابي كانوا يخالفون بين أشهر السنة بالتحليل والتحريم والتقديم والتأخير لأسباب تعرض لهم..
فتتحول في ذلك شهور السنة وتتبدل
فإذا أتى على ذلك عدة من السنين استدار الزمان وعاد الأمر إلى أصله فاتفق وقوع حجة النبي ﷺ عند ذلك".
وقد جاء في رجوع الأشهر إلى نظامها الأول ما في الصحيحين أن النبي ﷺ قال في حجة الوداع:
"إن الزمان قد استدار كهيئته يوم خلق الله السماوات والأرض، السنة اثنا عشر شهراً، منها أربعة حرم، ثلاث متواليات ذو القعدة وذو الحجة والمحرم، ورجب مضر الذي بين جمادى وشعبان".
قال النووي: وأما قوله ﷺ: "إن الزمان قد استدار كهيئته يوم خلق الله السماوات والأرض"؛ قال العلماء: معناه: أنهم في الجاهلية يتمسكون بملة إبراهيم ﷺ في تحريم الأشهر الحرم وكان يشق عليهم تأخير القتال ثلاثة أشهر متواليات، فكانوا إذا احتاجوا إلى قتال أخروا تحريم المحرم إلى الشهر الذي بعده وهو صفر ثم يؤخرونه في السنة الأخرى إلى شهر آخر، وهكذا يفعلون في سنة بعد سنة حتى اختلط عليهم الأمر، وصادفت حجة النبي صلى الله عليه وسلم تحريمهم وقد تطابق الشرع، وكانوا في تلك السنة قد حرموا ذا الحجة لموافقة الحساب الذي ذكرناه، فأخبر النبي صلى الله عليه وسلم أن الاستدارة صادفت ما حكم الله تعالى به يوم خلق السماوات والأرض. وقال أبو عبيد كانوا ينسئون أي يؤخرون وهو الذي قال الله تعالى فيه: إنما النسيء زيادة في الكفر. فربما احتاجوا إلى الحرب في المحرم فيؤخرون تحريمه إلى صفر ثم يؤخرون صفر في سنة أخرى فصادف تلك السنة رجوع المحرم إلى موضعه" انتهى.
وقال الحافظ في "الفتح": "ووقع في حديث ابن عمر عند ابن مردويه أن الزمان قد استدار فهو اليوم كهيئته يوم خلق الله السماوات والأرض.. فمعنى الحديث أن الأشهر رجعت إلى ما كانت عليه وبطل النسيء" انتهى.
هذا وقد كتبتُ قديمًا أن أهل السِّير اختلفوا في يوم ولادته ﷺ على عدة أقوال؟!
فمنهم من قال:
ولد لليلتين خلتا من ربيع الأول (2 ربيع الأول).
ومنهم من قال:
ولد لثمانية خلت من ربيع الأول (8 ربيع الأول).
ومنهم من قال:
لتسع خلون من ربيع الأول (9 ربيع الأول).
ومنهم من قال:
لثنتي عشرة ليلة من ربيع الأول (12 ربيع الأول).
قال أبو موسى:
فإذا كانت الشهور تتغير وتتبدل بحسب أهواء الكفار قبل الإسلام فمن الذي يستطيع أن يجزم بيوم ولادته ﷺ بأبي هو وأمي، فالتاريخ غير ثابت ولا موافق للواقع فربيع الأول قد يكون سنة مولده ذا القعدة أو صفر أو غيره من الشهور، وقد تبين لك أن الزمان ما استدار وعاد إلى وضعه الطبيعي إلا في حجة وداع النبي ﷺ السنة العاشرة من الهجرة، ولذلك اتفق العلماء بلا مُخالف في يوم وفاته ﷺ يوم أن أظلمت الدنيا كلها ولا حول ولا قوة إلا بالله وإنا لله وإنا إليه راجعون!
أما اتخاذ يوم مولده ﷺ -الذي لا يمكن لأحد تحديده بالضبط لما تقدم- فقد بين شيخ الإسلام -رحمه الله تعالى- أمره والغرض من اتخاذه فقال في "اقتضاء الصراط المستقيم":
"وإنما الغرض أن اتخاذ هذا اليوم عيدًا محدثٌ لا أصل له، فلم يكن في السلف لا من أهل البيت ولا من غيرهم-مَنِ اتخذ ذلك اليوم عيدًا، حتى يحدث فيه أعمالًا. إذ الأعياد شريعة من الشرائع، فيجب فيها الاتباع، لا الابتداع. وللنبي ﷺ خطب وعهود ووقائع في أيام متعددة: مثل يوم بدر، وحنين، والخندق، وفتح مكة، ووقت هجرته، ودخوله المدينة، وخطب له متعددة يذكر فيها قواعد الدين. ثم لم يوجب ذلك أن يتخذ أمثال تلك الأيام أعيادًا. وإنما يفعل مثل هذا النصارى الذين يتخذون أمثال أيام حوادث عيسى عليه السلام أعيادًا، أو اليهود، وإنما العيد شريعة، فما شرعه الله اتبع. وإلا لم يحدث في الدين ما ليس منه. وكذلك ما يحدثه بعض الناس، إما مضاهاةً للنصارى في ميلاد عيسى عليه السلام، وإما محبةً للنبي ﷺ، وتعظيمًا، والله قد يثيبهم على هذه المحبة والاجتهاد، لا على البدع- من اتخاذ مولد النبي ﷺ عيدًا، مع اختلاف الناس في مولده-".
ثم بيَّن -رحمه الله- أن اتخاذ هذا اليوم مُحدث لا أصل له وأن السلف لم يفعلوه مع قيام المقتضي لذلك وأنهم أحرص منا وأشد تعظيمًا له ﷺ فقال:
"فإن هذا لم يفعله السَّلَفُ، مع قيام المقتضي له وعدم المانع منه لو كان خيرًا. ولو كان هذا خيرًا محضا، أو راجحًا لكان السلف رضي الله عنهم أحق به منا، فإنهم كانوا أشد محبة لرسول الله ﷺ وتعظيمًا له منا، وهم على الخير أحرص. وإنما كمال محبته وتعظيمه في متابعته وطاعته واتباع أمره، وإحياء سنته باطنًا وظاهرًا، ونشر ما بعث به، والجهاد على ذلك بالقلب واليد واللسان. فإن هذه طريقة السابقين الأولين، من المهاجرين والأنصار، والذين اتبعوهم بإحسان".
ومن أراد الاحتفال الحق بمولد سيد الخلق ﷺ فليس هذا طريقه ولا هذه سبيله.
فحب الرسول ﷺ ليس احتفالات مبتدعة في يوم مولده، ولكن حبه ﷺ في اتباع سنته! فمن ادعى حبه وخالف سنته فهو كذّاب!!
أخرج الإمام مسلم -رحمه الله تعالى- في صحيحه عن أبي قتادة الأنصاري -رضي الله عنه- قال: جاء رجل إلى النبي ﷺ فقال: يا رسول الله: ما تقول في صوم يوم الإثنين؟
قال: «ذاك يومٌ وُلِدتُ فيه، وأُنزل القرآن عليَّ فيه».
فهذا هو الاحتفال الحق بمولد سيد الخلق ﷺ، بصوم يوم الإثنين شكرًا لله على أن خلق هذا الرسول الكريم وجعلنا من أمته، وعلى أن أنزل عليه كلامه العظيم ليكون هداية للناس وإمامًا، أما ابتداع احتفالات ما فعلها ﷺ ولا خلفاؤه الأربعة ولا صحابته المرضيون ولا العلماء التابعون، فليس من دين الله في شيء وقد كمَّل الدين وأتم النعمة على المسلمين فقال: ﴿الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْأِسْلامَ دِيناً﴾، فما لم يكن زمانهم دينًا فلن يكون اليوم دينًا كما قال الإمام مالك -رحمه الله-، فخير الهدى هدى محمد ﷺ وشر الأمور محدثاتها وكل بدعة ضلالة!
وكتب تواصيًا بالحق وتواصيًا بالصبر
أحمد بن طريف أبو موسى الغرايبة
غفر الله له ولوالديه وللمسلمين بالصلاة على نبيه محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
12 / 3 / 1446هـ

12/09/2024

نظرات في فوز الإخوان في البرلمان الأردني

 

لم يكن هناك شك عند متابعي السياسة الوطنية والتي تمارسها السلطة الحاكمة في البلاد منذ عقود من أن هذا البرلمان وفي ظل الظروف المحيطة ونازلة غـjة تحديدًا سيكون لحزب الإخوان (المسلمين والمسيحيين) أغلبية تكتسح باقي الكُتل والأحزاب، وهذا الذي حصل فقد حصل الحزب الإخواني على 32 مقعدًا بما فيها مقعد (مسيحي)!

الدولة الأردنية دولة لا تمتلك من الموارد والقوة الشيء الكثير لكنها تمتلك عقليات سياسية غاية في الدهاء تتمكن من إيصال رسالتها إلى جميع الأطياف بسلاسة ولطف مانع من تشكيل العداوات مع أيٍّ كان ومهما تأزمت الأمور فالمخرج له أبوابٌ عند أساطين السياسة فيها ابتداءً من رأس الهرم إلى آخر قنوات الحكم في الدولة.

يواجه الأردن اليوم على المستوى الوطني والإقليمي ثلاث تحديات كبرى:

1-الاقتصاد المتهالك مع مديونية ضخمة.

2-التيار الإخواني المرتبط بإيران ومشروعها التصديري للثورة عدو العرب عامة والأردن خاصة.

3-السياسة الأمريكية المتمثلة بإرخاء (الرسن) لبغال الصهيونية في فلسطين متمثلة بمشروع اليمين المتطرف التوسعي والساعي لإنهاء حل الدولتين.

طبعًا التيار المسمى (إسلاميًا) تتوافق رؤاه مع الطرفين:

-مع الثورة الخمينية التي يحبون أن يُظهروها على أنها القوة الداعمة للقضية الفلسطينية ومشروع ما يسمى المـقـ|ومة هذا من جانب.

-مع المشروع الصـهـيوني المتمثل في السعي لوأد حل الدولتين من جهة أخرى.

فقد صرح الإخوان في أكثر من مناسبة= وعلى رأس المصرحين مجنون غـjة قائد الذراع المُغامر الذي تسبب في إبادة واحتلال القطاع عن بكرة أبيه =بأن طوفان الإجرام الذي قاموا به إنما هو لمنع عمليات التطبيع التي يبتغي القيام بها بعض الدول في مقابل الاعتراف بدولة فلسطينية على حدود الرابع من حزيران 1967م وهي المبادرة العربية المشتركة.

هذه المقاربات التي ذكرتها آنفًا جعلت من صانع القرار الأردني في موقف يحتاج فيه لأوراق قوية يمكنه الضغط بها على الطرف الأقوى في هذه المرحلة وهي السياسة الأمريكية إذ بيدها زمام طفلها المدلل الذي يمكن أن يستجيب لضغوطاتها بوقف هذه لمجزرة الجبانة والمشروع الأحمق، فكانت الأداة بيد الدولة هي اكتساح الإخوان للمجلس وهو ما سيكون له أصداء ننتظر باكورتها بعد الخطابات الافتتاحية للبرلمان!

على المستوى الداخلي مارس الإخوان كعادتهم أسلوب التثوير والتنفير والتخوين والوصف بالصهينة والنفاق لكل من خالفهم في حماقتهم التي ارتكبوها، فكان من نصيب الحكومة والجيش والنظام ككل نصيب وافر من هذه الحملة؛ فبثوا عبر صفحاتهم الكثير من الدعايات الكاذبة (الحقيرة) عن دعم الدولة أو تأييدها أو حماية العدو لإبادة إخواننا في غـjة وتناقلوا كل كذب قناة الخسيرة ومحلليها البُلهاء التي تتماهى في التغرير بالجماهير العاطفية، ونجحوا في استثمار دماء أهلنا في غـjة ليصلوا إلى التأييد الشعبي -وقد كان-!

كل هذا والدولة تتمالك أعصابها وتدير الموقف بحصافة متناهية خشية اندساس حلف المماتعة الإيراني في الداخل أو أحد أدواته (وقد صرحوا بأن لهم عشرة آلاف مجند من جماعة الإخوان جاهزون) فيتفجر الوضع وتقع كارثة الفوضى التي ينشدها الإخوان وأولياؤهم.

إذن، وصل الإخوان إلى البرلمان بالتجارة بدماء أهلنا في غـjة ونالوا ما أرادوا باستغلال عواطف الناس ضد الصهاينة وحربهم القذرة ضد المدنيين العُزل، وهذا الوصول سيضع الإخوان في الفخ الذي لطالما سعوا -عن غير قصد- إليه دون إدراك منهم لمآلات الأمور كعادتهم في كل مغامرة تعود بالخراب عليهم أولًا ثم على الأمة ككل، وآخر معاقل الإخوان اليوم هي الأردن وبها يجدون بعض المتنفس وأستشرف أن هذا المجلس هو الضربة القاضية لهذا الحزب الذي سينتهي شعبيًا عما قريب.

فاليوم تواجه الدولة الأردنية التطرف اليميني الليكودي في حكومة المسخ (نتنياهو) بحزب الإخوان صاحب الشعارات الرنانة والمطالبات ذات السقوف العالية وتُعطي (إشارة واضحة) لعل الحكومة الأمريكية -والتي تبتغي المحافظة على مصالحها في الشرق الأوسط- أن تلتقطها بأن التطرف الليكودي يمكن أن يُجابه بمثله فهذا الحزب -أعني الإخوان- الذي دعمته أمريكا في مرات كثيرة يمكن أن يكون الفتيل الذي تضيع بسببه مصالح القوم، ووجود هذا الحزب في البرلمان يُعطيه الفرصة ليُشَرِّعَ ما من شأنه الإضرار بمصالح الجميع على قاعدة: (عليَّ وعلى أعدائي)!

من جانب آخر سيواجه هذا الحزب بجميع أطيافه (الإسلامية والمسيحية!) مشكلات اقتصادية وسياسية وأمورًا لطالما اتخذوها ذريعة لتخوين النظام واتهامه ببيع مُقدرات الوطن فهل سيتمكنون من إبطالها أم سيمشون مع التيار ويطأطئون الرأس ويأخذون بالمناداة (مصالح عليا ومفاسد دنيا) ونحو ذلك من العبارات التي يضحكون فيها على عقول السُّذج؟

هذا المجلس مدته لن تزيد عن السنتين ولن يكون له إلا الانتهاء قريبًا في تقديري الشخصي فتعسر العملية السياسة (وتعسيرها) سمة كبرى لدى حزب الإخوان لأن حدهم الذي لا يتجاوزونه لا يعدو التثوير وإقامة المهرجانات والفعاليات وتشغيل الأناشيد وتوزيع (الملبس) في صلاة العيد مع بطاقة تهنئة بالعيد من الجماعة فهم أبعد ما يكونون عن السياسة وعن وسائلها وعن تطبيقاتها الواقعية وما إن يصلون إلى السلطة إلا ويظهر تخلفهم وغباؤهم فيخر السقف من فوقهم!

إن عادة الساسة في الأردن ومنذ ما يزيد على قرن من الزمان هي عدم خلق عدو دائم يجلب وجع الرأس للدولة والنظام، فيأخذونه بالدهاء والحنكة فيعطونه أسباب هلاكه ليستعملها بيده فيجهز على نفسه بيده دون أن تتلطخ أيدي السلطة بدماء هذا العدو مهما كان توجهه وانتماؤه؛ لأن الغاية التي تسمو في أدبيات الدولة الأردنية هي الحفاظ على الوطن من الأعداء وأدواتهم ولو كانت هذه الأدوات تلبس لباس الدين والتقوى أو لباس الوطنية والعشائرية، فجميع أعداء هذا الوطن ذهبوا إلى مزابل التاريخ وبقي الأردن بقيادته الهاشمية المُحنَّكة قائمًا صامدًا في وجه التحديات عزيزًا منيعًا لا يضره عداوة عدو خارجي ولا منافق داخلي، والله يحفظ الأردن وقيادته وجيشه وأبناءه الصادقين من الشرور والفتن ما ظهر منها وما بطن!

وكتب:

أحمد بن طريف أبو موسى الغرايبة

غفر الله له ولوالديه

آمين

8 / 3 / 1446هـ

20/08/2024

(دعوة السلفيين لقراءة مسوَّدات=(بروتوكولات) حكماء صهيون ليست طريقة سلفية)! [المقالة الرابعة]

 

بيَّنت فيما سبق من المقالات أن هذه المسوَّدات قد حُشيت بأمور قائمة على إشعال الفتنة وترسيخ نظرية تبعية الحُكام لليهود ومن ذلك:

1-تقريرها أن اليهود أحكموا السيطرة على الحُكام وأنهم معنيُّون بتعيينهم وجعلهم أداةً تُنفذ مخططاتهم وترعى مصالحهم بجبروت وتسلط على شعوبهم مع كونهم -أي الحُكام- حثالة وأراذل يسومون الناس الظلم والقهر والمهالك ويبيعون البلاد ويسلمونها لليهود وغيرهم.

وهذه النقطة أساسية عند الأحزاب بكل أنواعها سواءٌ أولئك ممن يُناهض السلطات الحاكمة بتوجهاتها اليسارية والعلمانية والثورية، أم تلك التي تتخذ من الإسلام والدعوة إليه وإلى إقامة تعاليمه في الناس على غير طريقة السلف القائمة على السمع والطاعة بالمعروف، فنحن نعلم اليوم أن هذه الأحزاب قد رسَّخت في عقول أبناء الأمة أن الحُكام صنيعة اليهود وأنهم وكلاء الاستعمار الغربي مع أن هذه التهمة لا يُسعفها دليل ولا واقع، وإن زعم زاعم أن الحكام يُحاربون الدين والإسلام والمُصلحين، فإننا نُشاهد انغماس الأمة بالمقابل في الشهوات والضلالات مع كونهم -أي الشعوب- يعلمون ويتداولون في نواديهم ومجالسهم الخاصة أن هذه الحكومات صنيعة الغرب ويحميها الغرب ويضعها على رقاب الأمة، فهل الأمة مجبرة على هذا الانغماس في المعاصي والرذائل أم أنها هي صنيعة الغرب كذلك؟!

فلو كانت الأمة صادقة في دعواها أنها عالمة بعمالة الحُكام فما الذي يجعلها تتهافت كما الفراش في السراج على مخططات هؤلاء؟!

والصحيح أن الدعاية الحزبية بأنواعها هي من جعلت عامة الناس تُصدق هذه الأساطير وتنفي عن نفسها الانحطاط والرذائل التي تمارسها جهارًا وتقارفها إسرارًا!

ولأبين لك أن ما هو موجود في هذه البروتوكولات المنصوح بقراءتها للتوسل إلى فهم الواقع! يتطابق تمامًا مع طروحات هذه الأحزاب المتدثرة بالإسلام، فلنأخذ بعضًا من هذه النصوص التي تناثرت في هذه البروتوكولات الصهيونية ليتضح للقارئ أن النصيحة بقراءتها ليست حصيفة ولا هي مستمدة من طريقة سلفية سُنية ترنو إلى تحصين الشباب عامة وطلبة العلم خاصة وأنها ستزيد الطين بِلَّة وستخلط الحق بالباطل حتى يتشوَّه وجهه ويخفى على الناس بهاؤه، بل أزعمُ أنها ستكون وسيلة -لا قدر الله- في تشرب وتسرُّب هذه التقريرات إلى القلوب لتكون النتيجة الانحرافَ والانزلاقَ في مهاوي الخروج والتكفير!

إنَّ رأس الدولة وسادة الحكم لدى الشعوب غير اليهودية في نظر حكماء صهيون صمام أمان عظيم القدر شديد المنعة من السقوط والفشل وهو الحِصن الحصين الذي يجب أن تُنتزع هيبته من قلوب الناس، فكيف الطريق إلى ذلك؟

يجيبك النص التالي من البروتوكول الأول (ص115) وبكل وضوح وصراحة أنَّ:

«أي دولة يُساء تنظيم قوَّتها، وتنتكس فيها (هيبة القانون) وتصير (شخصية ‌الحاكم بتراء عقيمة) من جراء الاعتداءات التحررية».

فهذا أُسُّ المؤامرة التي ترويها البنود فمتى =ما استطاعت (الاعتداءات التحررية) التي يمارسها الجمهور الأعمى بمحض إرادته ضد هيبة الدولة وضد (شخصية الحاكم) حتى تعود (بتراء عقيمة) =يأتي الفصل بين القوتين كما يصفه النص التالي (ص116) بدقة متناهية إذ يقول:

«إذا قاد الأعمى أعمًى مثله فيسقطان معًا في الهاوية».

ولفهم نوع العمى المذكور لا بُد من ربطه بنص آخر في «البروتوكول الثالث (ص125)» والذي يبين نتيجة (الاعتداءات التحررية) على (هيبة القانون) و(شخصية الحاكم):

«وقد فَصَلْنَا القوة المراقِبة=[يعني قوة الحاكم] عن قوة الجمهور العمياء، فقدت القوتان معًا أهميتهما، لأنهما حين انفصلتا صارتا كأعمًى فقدَ عصاه.

ولكي نغري الطامحين إلى القوة بأن يُسيئوا استعمال حقوقهم ـ وضعنا القوى: كل واحدة منها ضد غيرها، بأن شجعنا ميولهم التحررية نحو الاستقلال، وقد شجعنا كل مشروع في هذا الاتجاه ووضعنا أسلحة في أيدي كل الأحزاب وجعلنا السلطة هدف كل طموح إلى الرفعة. وقد أقمنا ميادين تشتجر فوقها الحروب».

قال أبو موسى:

وهذه الميادين وهذه الأسلحة التي في أيدي الأحزاب التي هدفها السلطة وكرسي الحكم لا يُنازل أحدًا فيها تلك الجماعات المنتمية إلى الإسلام وعلى رأسها جماعة الإخوان المسلمين فهُم سادة في نشر الأكاذيب ونشر القلاقل وتثوير العامة ثم إذا ما وقعت الفوضى تمكنوا وبكل براعة من ركوب موجتها والاستفادة منها ولو على حساب خراب البلد وسفك دماء الشعوب. وقد رأى كل ذي بصر ما فعله هذا الحزب وتفرعاته في مصر واليمن وتونس وليبيا وغيرها من البلدان السُّنية!

وهم ليسوا وحيدين في ذلك ولا هُم منطلقون من مبادئهم التي يتفردون بها بل يصلون إلى هذه الفوضى بمساعدة الغرب الذي يُهاجمون حُكامهم لتعاملهم معه، وليس أدل على هذا التعاون الغربي لتنفيذ هذه المعاني من نصِّ البروتوكول السابع إذ يقرر في (ص140) ما فحواه:

«وبمساعدة أوروبا ـ يجب أن ننشر في سائر الأقطار (الفتنة والمنازعات والعداوات المتبادلة).

فإنَّ في هذا فائدة مزدوجة: فأما أولاً فبهذه الوسائل سنتحكم في أقدار كل الأقطار التي تعرف حق المعرفة أن لنا القدرة على خلق الاضطرابات كما نريد، مع قدرتنا على إعادة النظام» انتهى.

إذن يترسخ في عقل القارئ أن هذه المنظمات الصهيونية قادرة على التلاعب في الحُكومات والحُكام وهي المتحكمة في أقدارها فيعيش المتأثر بهذه النصوص حالة من الوهم والحيرة، مع أن هذا الكلام كتبه عدوها اللدود وهو إن لم يكن كذبًا فهو ذرٌّ للرماد في العيون. والواقع يبين أن الحكومات تقاوم كل أشكال هذه الفوضى والتي تبرَّع الإخوان المسلمون وأذرعهم ليكونوا أدواتها وعُمَّالها، فتأمل أخي القارئ الكريم في واقعنا العربي قبل وبعد ما أسمَوه لك (الربيع العربي)!

ثمَّ:

«ولكي نعزز خطتنا العالمية الواسعة التي تقترب من نهايتها المشتهاة؛ يجب علينا أن نتسلط على حكومات الأمميين بما يقال له (الآراء العامة) التي دبرناها نحن في الحقيقة من قبل!».

الآن وبعد عرض هذه النصوص يمكن لطالب العلم أن يتساءل بجدية:

ما هو مراد الناصح بقراءة هذه البروتوكولات والذي أصبح لا يستطيع أن يصل إليه؟

وكيف يمكن أن تؤدي قراءة ورقات منسوبة لبني صهيون إلى فهم الذي يجري خصوصًا إذا علمتَ أخي القارئ الكريم أن البروتوكولات تقوم على المحاور التي ذكرتها لك سابقًا وعلى رأسها (إسقاط هيبة الحاكم) وأن (الحُكام أدوات بيد الصهيونية العالمية)؟

وكيف لطالب العلم المنصوح بقراءتها أن يُكذِّبَ دعاوى الإخوان المسلمين وتفرعاتهم حينما يكتبون ويقولون في لقاءاتهم إن حكامنا اليوم هم صنيعة اليهود وهم حُماة الصهيونية وأعداء الإسلام؟!

يتبع..

18/08/2024

(دعوة السلفيين لقراءة مسوَّدات=(بروتوكولات) حكماء صهيون ليست طريقة سلفية)! [المقالة الثالثة]

 

أنا أعرف أن الكثيرين ممن سمع بمسوَّدات=(بروتوكولات) حكماء صهيون لم يقرأْها ومَن قرأَها قِلَّة قليلة لطولها، ولعل أحدهم يَعَافُها لتكرار الكلام والمعاني في بنودها الأربعة والعشرين، وهذا عندي مما يطعن في صحتها أو حتى وجودها بهذه الظروف والأحداث التي ارتبطت بها بين السياسيين والمفكرين وأصحاب نظرية المؤامرة التي تستحكم في كثير من عقول العرب ودراويش طلبة العلم، فنحن المسلمينَ عندنا كتاب ربنا وسنة نبينا ﷺ والتي فيها من النصوص العاصمة من مكر اليهود وغيرهم الكثير الكثير، فكيف يستسيغ منسوبٌ إلى العلم والتحقيق أن يدُلَّ طلابه إلى قراءتها ليفهموا ما يُحاك لهم؟!

العجيب أن هذه المسوَّدات ينتشر الكلام فيها عند العرب خاصة -وبكثرة أحيانًا- مع كل تفجُّرٍ للأحداث وحصولٍ للتغييرات في المنطقة، وقد أنكر صحَّة هذه المسوَّدات غير واحد منهم الدكتور المتخصص في اليهود وتاريخهم عبدالوهاب المسيري المصري وكان ذلك منذ العام 1977م، وكذلك بلديُّه محمود عباس العقاد= في تصديره للطبعة الرابعة منها الصادرة عن دار الكتاب العربي في بيروت -وهي نسخة مصورة عندي-  =لم يجزم بصحة نسبتها بل نقل الخلاف الشديد على ذلك بين الأوروبيين أنفسهم. ورأيي الشخصي في هذه الأطروحات أنها من قبيل الخيال وأن أيَّ كاتب أو أديب يمكنه أن يتمسك بتلابيب الأدب والعبارات الصارخة ومعاني التآمر فينسج على منوالها وأشد منها، وأيًّا كان الأمر فثبوتها من عدمه لا يعني المسلمين شيئًا فقد كفيناهم -أعني اليهود- المؤونة؛ فقد برعنا في اتباع سُننهم حذو القُذَّة بالقُذَّة من قبلِ أن تصدر هذه الخُطط أو المسوَّدات، وحاضر المسلمين منذ قرون يُنبي بذلك ويؤكده، والله المستعان!

وبالعودة إلى نصيحة الشيخ مشهور -هداه الله- طلابه بأن يقرؤوا هذه البروتوكولات الصهيونية أطرح سؤالًا مُهمًا وهو:

هل يتمكن طالب العلم بعد قراءتها أن يفهم الواقع والمؤامرة التي تُحاك ضد المسلمين؟

فإذا كان الجواب: نعم؛ فما هي دلالات هذه القراءة لطالب علم سلفي يتبع الكتاب والسنة، حيث يقرأ فيهما نصوص السمع والطاعة لولاة الأمور وإن جاروا وظلموا، ويقرأ فيها أن الخروج على الولاة ولو بالكلمة -فضلًا عن المُظاهرات والمسيرات- هو دعوى جاهلية وسيماءُ حزبية وخارجية عصرية كما أسماها الشيخ الألباني -رحمة الله عليه-؟!

فما هي الأقلام العريضة لهذه المسوَّدات -على فرض صحتها- وإلى ماذا تُشير؟

والجواب:

إن مسوَّدات=(بروتوكولات) حكماء صهيون تؤسس لأصلين اثنين لا ثالث لهما وتطمح بذلك إلى الوصول لنتيجة حتمية للسير على تعاليمها لا ثاني لها، فأما الأصلان فهما:

1-تقرير أن اليهود أحكموا السيطرة على الحُكام وتعيينهم وجعلهم أداة تُنفذ مخططاتهم وترعى مصالحهم بجبروت وتسلط على شعوبهم مع كونهم حثالة وأراذل يسومون الناس الظلم والقهر والمهالك ويبيعون البلاد ويسلمونها لليهود وغيرهم.

2-اعتبار الشعوب رعاعًا غوغائيين ورعايا بلا تمييز وأنهم يمثلون قوة الجمهور العمياء الخالية من العقل المميز، وأن الجماهير تُعير سمعها ذات اليمين وذات الشمال.

أما النتيجة الحتمية فهي سيطرة اليهود على الأمم وسحقها وجعلها تابعة ذليلة مُسخَّرة لخدمتم وسعادتهم.

هذه الثلاثة الأمور التي تُمثل أصل هذه البنود الأربعة والعشرين وبينها كلمات في السياسة والاقتصاد والسيطرة على الذهب واستعمال كل وسيلة وشخص في زلزلة عروش الملوك والسلاطين متوسلين لذلك بقوة الشعب الثائر الساخط على حاكمه والساعي في تحصيل الحرية والعدالة والمال الذي تحرمه منه السلطة!

وطالب العلم يعصمه من هذه الثلاثة ثلاثة تُقابلها:

1- الدعوة إلى التوحيد الخالص فهو أصل الشجاعة وأصل العصمة من خوفِ أو محبةِ غير الله، وهو دين الأنبياء والمرسلين وبه سادت الصحابة الدنيا فأزالوا فارس والروم وكسروا شوكة يهود وأذلوهم حتى غدَوْ شراذم متفرقة في الأرض لا يُعبأ بهم.

2-التمسك بنصوص الكتاب والسنة الآمرة بعصمة دماء المسلمين وحمايتها والحرص على صونها بالسمع والطاعة بالمعروف وبذل النُصح للمسلمين حُكامًا ومحكومين، وبها يتخلص من أن يصير أداة في يد هؤلاء سواء كانوا يهودًا أم كانوا (خوارج) يمشون على سُننهم.

3- فإذا صاروا إلى هذه المرتبة من الحصانة تمكنوا من نشر دينهم الحق للراعي والرعية وأصلحوا البلاد والعباد -بإذن ربهم- وبينوا للناس أن أشد المؤامرات على المسلم إنما هي انقياده بلا عقل أو فهم لسُنن اليهود والنصارى سواءٌ في الحكم أو العبادات أو المعاملات وغيرها، فتحصل حصانة الدولة وحصانة المجتمع وحصانة الدِّين من أن يُخترق بمثل هذه المكائد.

وعند التأمل في بنود هذه المسوَّدات المسماة =(بروتوكولات) حكماء صهيون نجد أن الذي يحصل في بلادنا ومنذ قرن من الزمان أو يزيد هو قيام جماعات وأحزاب بتنفيذ هذه الخطط بحذافيرها من حيث يعلمون أو لا يعلمون، وعلى رأس هذه الأحزاب تلك الجماعة التي قال فيها الشيخ أحمد شاكر -رحمه الله-: "حركة الشيخ حسن البنا وإخوانه المسلمين الذين قلبوا الدعوة الإسلامية إلى دعوة إجرامية هدامة، ينفق عليها الشيوعيون واليهود كما نعلم ذلك علم اليقين" اهـ. انظر: كتاب "شؤون التعليم والقضاء (ص48)"!

فكيف يمكن لطالب العلم السلفي (المنصوح)! بقراءة هذه البنود أن يتبين ما يُحاك له وكيف يمكن الربط بين هذه النصيحة وبين العمل بالكتاب والسنة وفقَ المنهج السلفي؟

إن الناصح بهذا إما أن يكون لم يقرأ هذه الكتابات المنسوبة إلى أصحابها فقال شيئًا تلقنه من هُنا وهناك فقال به.

أو أن يكون عاجزًا عن الربط بينها وبين ما يحصل حقيقة في واقعنا المُعاصر من جماعات خارجية أو سياسية تُقامر بمقدرات وحياة الشعوب والدول وتنشر القلاقل والفتن وتتحالف مع الأعداء الظاهرين وصولًا إلى امتطاء ظهور الجماهير التي شحنوها وثوَّروها على بلدانها ليتسنموا كراسي الحكم في البلاد.

أو أن العواطف جرَّته إلى تصديق ما فيها من جهة ما يتعلق بالحُكام خاصَّة وقرينة ذلك عندي قول هذا الناصح بقراءتها والذي نقلت بعضه في المقالات السابقة وفيه: "أن لا تكون ضدًا لليهود جريمة لا تُغتفر.. لن يغفرها لكم أحد"، وقوله: "أطعموا أهاليهم احفظوا أهاليهم ليس حُبًّا فيهم ولكن حبًا في بلادكم...إلخ" والكلام كما مر سابقًا لا يمكن أن يكون موجهًا إلا للحُكام أصالة!

بينما تجده ومن حوله ممن يُتابعه على باطله يُطالبون بالكف عن انتقاد أفعال هذه الفصائل الإجرامية التي فعلت الأفاعيل في دماء وأموال وعقائد الناس والمُنتَقِدونَ هم السلفيون الذين يُنكرون كل ذلك ويقولون بقول العلماء قديمًا وحديثًا، فهل يُراد ترسيخ معنى معينٍ في عقول الطلبة بنصيحتهم أن يقرؤوا هذه المُسَّوَّدات الصهيونية؟!

يتبع...

(دعوة السلفيين لقراءة مسوَّدات=(بروتوكولات) حكماء صهيون ليست طريقة سلفية)! [المقالة الثانية]

 

اعترف الشيخ مشهور بأن الأحداث الحاصلة لا تبشر بخير يلوح في الأفق القريب، فقال:

"الذي يلوح في الأفق -لا قدر الله- سيطرة الرافضة، وزاد الطين بلَّة (ولاء) خمااش للرافضة وهذه مصيبة كبيرة من مصائب الدنيا أيضًا".

وهذا البيان منه لحالة هذا الفصيل المغامر يتماهى مع ما كان يقرره في قديم قوله، ولعله بدأ -إن شاء الله- يكتشف الضرر الذي تسبب به لما أخذ يصف كل من انتقد خمااش ونقل كلام الألباني وغيره من أهل العلم فيهم وفي أمثالهم بأوصاف قال فيها إن ناقل هذا عن الألباني: [واهمٌ، ومخطئ، ودجَّال، وكذاب]!!

وقد  أردف بعدها بقوله:

"أن تتنازل على أن (لا تكون ضدًا لليهود) جريمة لا تُغتفر. لن يغفرها لكم أحد. وكذلك أن يميل القلب لإيران".

والسؤال هنا: من هو الذي تنازل بحيث لا يكون ضدًّا لليهود؟

أطلبة العلم؟ أم الحُكام؟ أم غيرهم؟

لم يحدد مشهور هذا الصنف وترك بيانه مع الحاجة الماسة لبيانه لنحذر نحن، وهو، ومن معه، والناس كذلك من هذا الصنف الذي فعل هذه الجريمة التي لا ولن تُغتفر من أحد.

وإذا ما تم ربط الكلام السابق مع قوله في بداية المقطع والذي يقول فيه:

"أطعموا أهاليهم، احفظوا أهاليهم، ليس حُبًّا فيهم وإنما حُبًّا في بلادكم. تفادوا الخطر الذي سيأتيكم بعد خمسين عامًا أجلوه لمئتي عام قوموا مع إخوانكم" .

علمتَ أنَّ المعني بهذا الكلام وبالذي قبله هم (الحُكام) لأنه يُعلم بداهة أن الشعوب غير قادرة على إيصال شيء إلى أهلنا في غزة، ومشهور يقول هذا الكلام مع كون الدول العربية لم تُقصِّر في إرسال ما (تستطيعه) من الطعام والشراب والمأوى بل وأُرسلت المستشفيات ونحوها مما يمكن أن يُخفف عن أهلنا بعضَ الذي تسببت به هذه الفصائل جرَّاء مغامرتها الإجرامية، فهل معنى قوله: "قوموا مع إخوانكم" أنه يريد من الدول والحكومات أن تخوض الحرب وتدخل عُنوة في مواجهة -خاسرة- مع العالم أجمع؟!

واضح أن العاطفة قد أخذت منه كل مأخذ ولذلك يقول مثل هذا الكلام المتناقض والذي لا يدل على فهم للواقع ولا حتى للسياسة العصرية فضلًا عن الشرعية، وليس هذا عيبًا فالعالم فمن دونه قد يقع في مثل هذا فهو بشر، ولا يَستغربُ أحدٌ من قولي هذا فقد قرر مشهور في ذات المقطع هذا الجهل الحاصل له فقال:

"وأنا لست سياسيًا ولا أُحب السياسة ولا أصرف شيئًا من وقتي في متابعة الأخبار"!

فيا لله العجب! يستمر بعد هذا الإقرار في تناقضه فيقول:

"لكن الأخبار التي (أقولها) هي أحكام شرعية موجودة في كتاب ربنا وسنة نبينا ﷺ".

ومعلوم لأصغر طالب علم أن قوله هذا مخالف للأحكام الشرعية القائمة على جلب المصالح وتكثيرها ودرء المفاسد وتقليلها وأن مطالبة الدول بالوقوف إلى جانب هؤلاء المغامرين هو الانتحار بعينه، وأنه ليس بين هذه الدول السُّنية وبين الانزلاق في الفوضى والدمار والقتل إلا خطوة واحدة (عاطفية) تخطوها؛ فنحمد الله أنّ حكوماتنا لم تتخذها فتُهلكنا كما أهلكت هذه الفصائل أهلها ودمرت بلادها!

وبالعودة إلى دعوة مشهور إلى قراءة مسوَّدات=(بروتوكولات) حكماء صهيون يمكن أن يقول قائل إنها دعوة لترسيخ هذه المعاني التي طرحها (هرتزل) في مؤتمره الذي تمخض عن هذه المسوَّدات والتي أساسها وغالبية محتوياتها أن اليهود يسيطرون على (حكومات العالم أجمع) في جميع المناحي، وأن الحُكَّام مجرد أدوات بيدهم يُنفِّذون أوامرهم ويعملون على رعاية مصالحهم. وهذا كثير في البروتوكولات الأربعة والعشرين والتي تبلغ صفحاتها المئة صفحة وهي محشوة بهذا الكلام الساقط والخبيث. مع كونه قد يصدُق بعضه في بعض الحكومات التي جاءت على متن (الطائرات الفرنسية) أو تلك التي جاءت على (الدبابات الأمريكية) أو بعض (الحكومات الثورية) التي أنهكت بلدانها بالانقلابات والاستبداد والظلم باسم (الحرية والمساواة والإخاء)!، ولكنه لا ينطبق على الجميع بكل تأكيد.

فبيان التفصيل في هذا الأمر مطلوب ضرورة وإلا لحصل التحاق بعض طلبة العلم الضعفاء وغيرهم من العامة الدهماء ممن سمع هذه النصيحة ممن لا يتمكن من دفع الشبهات عن نفسه =مع احتمال وقوعه في الاقتناع التام بسبب نصيحة متبوع يُشار له بالبنان كمشهور =بركب المتحزبة من الإخوان ومن لف لفهم ممن يبث ومنذ مئة عام = وهي مدة قريبة من صدور هذه البروتوكولات= أن هذه الحكومات -والملكية منها على وجه الخصوص- هي حكومات عميلة وخائنة وموالية أشد الولاء لأعداء الإسلام!

 فإذا عرفت أخي القارئ الكريم أن مسوَّدات=(بروتوكولات) حكماء صهيون قائمة على أن الحكومات العالمية -كلها- مُتصرَّف في رؤوسها من قبل هذه المنظمة السرية وأنهم يُنفذون مخططاتها بإخلاص وتفانٍ فهل يمكن أن يَقبل سلفي ينتهج منهج الصحابة مستنيرًا بهديهم وهدي علمائهم ومن تبعهم في هذا الزمان من الكبار بهذه النصيحة التي أطلقها الشيخ مشهور بهذه الصورة؟

وأنا قرأت هذه البروتوكولات قديمًا أو بعضًا من بنودها واضررت بعد سماعي لقوله أن أعيد النظر فيها مرتين الأولى على عُحالة والثانية بقراءة متمحصة وهي تبلغ أربعًا وعشرين بندًا تقع في مئة صفحة لأرى ما هي الفائدة لطالب علم سلفي أن يقرأها وعنده كتاب ربه وسنة نبيه ﷺ وكلام أهل العلم الراسخين الذين يُحذرون ليل نهار من اتباع سنن اليهود والنصارى؟!

وسأسرد لك أخي القارئ الكريم بعض أهم محاورها وأقوم بربطها بما يجري وبهذه الفصائل التي تختلق الحروب الخاسرة وبحواضنها الرئيسة وعلى قمتها جماعة الإخوان المسلمين والذين ومنذ تأسيسهم ارتبط بعض مرشديهم بالماسون تلك المنظمة السرية التي يمتطي جوادها حُكماء صهيون لتنفيذ مخططاتهم وتحكمهم في العالم سرًّا وجهرًا.

وسأشير -وبالنَّصِّ- من هذه المسوَّدات إلى تنفيذ الإخوان المسلمين لهذه البروتوكولات والسير على خُطى واضعيها من حيث يعلمون أو لا يعلمون، وأن السلفيين الذين اتهمهم مشهور بأنهم ينفذون هذه البروتوكولات الصهيونية هم أبعد ما يكونون عن ذلك. وهم بُرآء من هذه الفرية العظيمة، بل هُم أشد الطوائف محاربة لهذه البروتوكولات الصهيونية بدعوتهم للتحذير من كل ما من شأنه زعزعة الأمن أو نشر الفوضى أو إضلال الناس بالأقوال أو الأفعال الصادرة عن كل من تصدَّر للعامة ولبس لبوس العلم والوعظ والإرشاد باسم الدين فضلًا عن اسم السلفية الصافية النقية دعوة الأمن والإيمان ودعوة التوحيد الخالص لله رب العالمين، وأنا أنصح إخواني الكرام بأن لا يقرؤوها ولا ينظروا فيها عملًا بما عليه السلف الصالح؛ فإن الشُّبه خطافة وإن القلوب ضعيفة، والسلامة لا يعدلها شيء، وأنا أكتب لكم هذا وقد قرأتها من قديم ولكن الله عصمني من تصديق ما فيها أو العمل على نشره بين الناس، والقصد من نشر هذه المقالات بيان أن الأحزاب التي فرقت الأمة هي أولى بالنقد وبيان انحرافها عن جادة السلف بدعوتها إلى أفكار الشرق والغرب باسم (الحرية والمساواة والإخاء وحرية الاعتقاد ومناهضة الحُكام، و.. و..) وأن هذه العناوين الرئيسة هي ذاتها التي تنادي بها هذه البروتوكولات بل وتنص عليها بنصها وينادي بها من وضعها منذ ما يزيد عن مئة عام!

فالله أسأل أن يعصمنا وإياكم من الفتن ما ظهر منها وما بطن.

يتبع...

(دعوة السلفيين لقراءة مسوَّدات=(بروتوكولات) حكماء صهيون ليست طريقة سلفية)! [المقالة الأولى]

 

الحمد لله والصلاة السلام على رسول الله، أما بعد:

فقد سمعت مقطعًا مصورًا لمشهور حسن نقل فيه عن أحد طلابه أنه قال إن مسوَّدات=(بروتوكولات) حُكماء صهيون كانت تُدرس في مقرر (القضية الفلسطينية) في بلدنا الأردن عام 1962م، وذكر كلامًا -وهو يتلوَّع حسرةً- عن مطامع اليهود في المنطقة العربية، وعن مُخططاتهم الخفية والظاهرة.

وقد نصح في أثناء الكلام وفي نهايته طلبةَ العلم بقوله:

"أنصح الإخوة أن يقرؤوا [مسوَّدات=]*(بروتوكولات) حكماء صهيون حتى يفهموا ماذا يجري حولهم وحتى ينتبهوا انتباهًا زائدًا".

فهل نصيحة الإخوة بقراءة مسوَّدات اليهود طريقة سلفية أثرية، وهل إذا قيل إن هذا خاص بطلبة العلم فهل هم على وتيرة واحدة من الحصانة والفهم؟

إن النصيحة بقراءة كتب اليهود هي غِشٌّ للطلبة في حقيقتها، فالسلف مُجمعون على النهي عن قراءة كتب أهل البدع من المنسوبين لأمة الإسلام فكيف بقراءة كتب الملاحدة والفلاسفة من اليهود والنصارى؟!

وعلى كل حال فقد علل الشيخ مشهور -بصره الله- نصيحته هذه بقوله:

"اقرؤوا إخواني بروتوكولات حكماء صهيون، أقول لكم اقرؤوها حتى أصل لمرادي فإني أصبحتُ لا أستطيع أن أصل لمرادي. حتى تأخذوا ثوابتكم من الكتاب والسنة فلا تتأثرون بالإعلام".

فما هو مراد الشيخ من النصيحة بقراءة هذه المسوَّدات اليهودية والذي أصبح عاجزًا أن يصل إليه؟!

إن التناقض الصارخ في كلامه واضح لكل عاقل فكيف يجتمع النصح بقراءة هذه الكتب وبين أخذ الثوابت من الكتاب والسنة؟

إن عدم التأثر بمكائد الإعلام إنما يكون بالتمسك بالكتاب والسنة بفهم سلف الأمة والالتزام بمنهجهم ولا يكون بقراءة كتب اليهود والنصارى التي لا دليل على صحة نسبتها لهم -أولًا- ولا خير في محتواها -ثانيًا-، فأي ثوابت يمكننا المحافظة عليها بدلالة الطلبة على قراءتها والنظر في بنودها؟

ثم يزعم الشيخ -هداه الله- أن طلبة العلم يُنفذون هذه البروتوكولات ويستجيبون لها ولذلك هم متفرقون!

قال: "طلبة العلم متفرقين لأنهم استجابوا لبروتوكولات حكماء صهيون"!

أيُّ فرية هذه؟ ومن أطلعك عليها؟

إن مجرد ذكر اليهود بأنهم يستخدمون بثَّ الفرقة والخصومة والعداوة بين فئات المجتمع لِيَصلُوا إلى مرادهم كما ورد في البند الثالث من مسوَّداتهم (ص127):

«ونحن نحكم الطوائف باستغلال مشاعر الحسد والبغضاء التي يؤججها الضيق والفقر، وهذه المشاعر هي وسائلنا التي نكتسح بها بعيدًا كل من يصدوننا عن سبيلنا».

إن هذا ليس دليلًا يُتهم به طلبة العلم بأنهم يُنفِّذون مخططات يهود، ولَعَمْرِي إنها لفرية عظيمة -حتى لو قيلت على سبيل التجوُّز- أن تُذاع على الملإ ليسمعها عوام الناس الذين أفقدهم= تمييع بعض المنتسبين إلى السلفية للقضايا المنهجية بحجة الاتفاق والائتلاف وعدم تفريق الأمة= تمييز الغث من السمين ممن يتصدر لتدريس الناس وتعليمها أمر دينها!

كيف يُقال هذا وما المقصود من ورائه في خضم حرب يقودها هو نفسه على السلفيين الذين يُحذرون من التحزبات والجماعات التي هي سبب نَكَساتِ الأمة المتتالية وسببٌ رئيسٌ في سفك دمائها واستعداء وحوش أعدائها عليها، ويساعده على حربه هذه بعض (الزعران) وبعض المندسين في صفوف الدعوة السلفية ممن ليسوا من أبنائها!

فما سرُّ حرص الشيخ مشهور على قراءة طلبة العلم لمسوَّدات حُكماء صهيون، وماذا في ثناياها من معاني وما علاقة ذلك بالهجمة الشرسة على طلبة العلم الذين يُحذرون من حماقات الفصائل المرتبطة بإيران ووصف بعض المتعلقين بإزاره للسلفيين بأنهم غُلاة ومداخلة وصهاينة؟ ولماذا لم ينصح مشهور حسن بقراءة هذه المسوَّدات في النازلة العراقية والشامية؟

في حين كان الشيخ -هداه ربه- يُجرِّم كل أنواع المقاومة في العراق وسوريا ويرد بالتسفيه لآراء العلماء الذين أفتوا بالجهاد والمقاومة ويكتب في ذلك المُقدمات ويؤلف المؤلفات التي يقرر فيها عبثية هذه الجهاديات غير القائمة على أصل الكتاب والسنة ولا على الفقه ومقاصد الشريعة الغراء؛ فما الذي تغير وهل بنود هذه المسوَّدات=(البروتوكولات) غير مؤثرة في نازلة العراق وسوريا بينما لها كل الأثر فيما يجري في فلسطين تحديدًا!

يتبع....

----------------------------------

* مسودات، هي إحدى ترجمات كلمة (بروتوكول) لذلك أستخدمها لا على سبيل وصف البروتوكولات ولكن على سبيل ترجمة الكلمة.