20/08/2024

(دعوة السلفيين لقراءة مسوَّدات=(بروتوكولات) حكماء صهيون ليست طريقة سلفية)! [المقالة الرابعة]

 

بيَّنت فيما سبق من المقالات أن هذه المسوَّدات قد حُشيت بأمور قائمة على إشعال الفتنة وترسيخ نظرية تبعية الحُكام لليهود ومن ذلك:

1-تقريرها أن اليهود أحكموا السيطرة على الحُكام وأنهم معنيُّون بتعيينهم وجعلهم أداةً تُنفذ مخططاتهم وترعى مصالحهم بجبروت وتسلط على شعوبهم مع كونهم -أي الحُكام- حثالة وأراذل يسومون الناس الظلم والقهر والمهالك ويبيعون البلاد ويسلمونها لليهود وغيرهم.

وهذه النقطة أساسية عند الأحزاب بكل أنواعها سواءٌ أولئك ممن يُناهض السلطات الحاكمة بتوجهاتها اليسارية والعلمانية والثورية، أم تلك التي تتخذ من الإسلام والدعوة إليه وإلى إقامة تعاليمه في الناس على غير طريقة السلف القائمة على السمع والطاعة بالمعروف، فنحن نعلم اليوم أن هذه الأحزاب قد رسَّخت في عقول أبناء الأمة أن الحُكام صنيعة اليهود وأنهم وكلاء الاستعمار الغربي مع أن هذه التهمة لا يُسعفها دليل ولا واقع، وإن زعم زاعم أن الحكام يُحاربون الدين والإسلام والمُصلحين، فإننا نُشاهد انغماس الأمة بالمقابل في الشهوات والضلالات مع كونهم -أي الشعوب- يعلمون ويتداولون في نواديهم ومجالسهم الخاصة أن هذه الحكومات صنيعة الغرب ويحميها الغرب ويضعها على رقاب الأمة، فهل الأمة مجبرة على هذا الانغماس في المعاصي والرذائل أم أنها هي صنيعة الغرب كذلك؟!

فلو كانت الأمة صادقة في دعواها أنها عالمة بعمالة الحُكام فما الذي يجعلها تتهافت كما الفراش في السراج على مخططات هؤلاء؟!

والصحيح أن الدعاية الحزبية بأنواعها هي من جعلت عامة الناس تُصدق هذه الأساطير وتنفي عن نفسها الانحطاط والرذائل التي تمارسها جهارًا وتقارفها إسرارًا!

ولأبين لك أن ما هو موجود في هذه البروتوكولات المنصوح بقراءتها للتوسل إلى فهم الواقع! يتطابق تمامًا مع طروحات هذه الأحزاب المتدثرة بالإسلام، فلنأخذ بعضًا من هذه النصوص التي تناثرت في هذه البروتوكولات الصهيونية ليتضح للقارئ أن النصيحة بقراءتها ليست حصيفة ولا هي مستمدة من طريقة سلفية سُنية ترنو إلى تحصين الشباب عامة وطلبة العلم خاصة وأنها ستزيد الطين بِلَّة وستخلط الحق بالباطل حتى يتشوَّه وجهه ويخفى على الناس بهاؤه، بل أزعمُ أنها ستكون وسيلة -لا قدر الله- في تشرب وتسرُّب هذه التقريرات إلى القلوب لتكون النتيجة الانحرافَ والانزلاقَ في مهاوي الخروج والتكفير!

إنَّ رأس الدولة وسادة الحكم لدى الشعوب غير اليهودية في نظر حكماء صهيون صمام أمان عظيم القدر شديد المنعة من السقوط والفشل وهو الحِصن الحصين الذي يجب أن تُنتزع هيبته من قلوب الناس، فكيف الطريق إلى ذلك؟

يجيبك النص التالي من البروتوكول الأول (ص115) وبكل وضوح وصراحة أنَّ:

«أي دولة يُساء تنظيم قوَّتها، وتنتكس فيها (هيبة القانون) وتصير (شخصية ‌الحاكم بتراء عقيمة) من جراء الاعتداءات التحررية».

فهذا أُسُّ المؤامرة التي ترويها البنود فمتى =ما استطاعت (الاعتداءات التحررية) التي يمارسها الجمهور الأعمى بمحض إرادته ضد هيبة الدولة وضد (شخصية الحاكم) حتى تعود (بتراء عقيمة) =يأتي الفصل بين القوتين كما يصفه النص التالي (ص116) بدقة متناهية إذ يقول:

«إذا قاد الأعمى أعمًى مثله فيسقطان معًا في الهاوية».

ولفهم نوع العمى المذكور لا بُد من ربطه بنص آخر في «البروتوكول الثالث (ص125)» والذي يبين نتيجة (الاعتداءات التحررية) على (هيبة القانون) و(شخصية الحاكم):

«وقد فَصَلْنَا القوة المراقِبة=[يعني قوة الحاكم] عن قوة الجمهور العمياء، فقدت القوتان معًا أهميتهما، لأنهما حين انفصلتا صارتا كأعمًى فقدَ عصاه.

ولكي نغري الطامحين إلى القوة بأن يُسيئوا استعمال حقوقهم ـ وضعنا القوى: كل واحدة منها ضد غيرها، بأن شجعنا ميولهم التحررية نحو الاستقلال، وقد شجعنا كل مشروع في هذا الاتجاه ووضعنا أسلحة في أيدي كل الأحزاب وجعلنا السلطة هدف كل طموح إلى الرفعة. وقد أقمنا ميادين تشتجر فوقها الحروب».

قال أبو موسى:

وهذه الميادين وهذه الأسلحة التي في أيدي الأحزاب التي هدفها السلطة وكرسي الحكم لا يُنازل أحدًا فيها تلك الجماعات المنتمية إلى الإسلام وعلى رأسها جماعة الإخوان المسلمين فهُم سادة في نشر الأكاذيب ونشر القلاقل وتثوير العامة ثم إذا ما وقعت الفوضى تمكنوا وبكل براعة من ركوب موجتها والاستفادة منها ولو على حساب خراب البلد وسفك دماء الشعوب. وقد رأى كل ذي بصر ما فعله هذا الحزب وتفرعاته في مصر واليمن وتونس وليبيا وغيرها من البلدان السُّنية!

وهم ليسوا وحيدين في ذلك ولا هُم منطلقون من مبادئهم التي يتفردون بها بل يصلون إلى هذه الفوضى بمساعدة الغرب الذي يُهاجمون حُكامهم لتعاملهم معه، وليس أدل على هذا التعاون الغربي لتنفيذ هذه المعاني من نصِّ البروتوكول السابع إذ يقرر في (ص140) ما فحواه:

«وبمساعدة أوروبا ـ يجب أن ننشر في سائر الأقطار (الفتنة والمنازعات والعداوات المتبادلة).

فإنَّ في هذا فائدة مزدوجة: فأما أولاً فبهذه الوسائل سنتحكم في أقدار كل الأقطار التي تعرف حق المعرفة أن لنا القدرة على خلق الاضطرابات كما نريد، مع قدرتنا على إعادة النظام» انتهى.

إذن يترسخ في عقل القارئ أن هذه المنظمات الصهيونية قادرة على التلاعب في الحُكومات والحُكام وهي المتحكمة في أقدارها فيعيش المتأثر بهذه النصوص حالة من الوهم والحيرة، مع أن هذا الكلام كتبه عدوها اللدود وهو إن لم يكن كذبًا فهو ذرٌّ للرماد في العيون. والواقع يبين أن الحكومات تقاوم كل أشكال هذه الفوضى والتي تبرَّع الإخوان المسلمون وأذرعهم ليكونوا أدواتها وعُمَّالها، فتأمل أخي القارئ الكريم في واقعنا العربي قبل وبعد ما أسمَوه لك (الربيع العربي)!

ثمَّ:

«ولكي نعزز خطتنا العالمية الواسعة التي تقترب من نهايتها المشتهاة؛ يجب علينا أن نتسلط على حكومات الأمميين بما يقال له (الآراء العامة) التي دبرناها نحن في الحقيقة من قبل!».

الآن وبعد عرض هذه النصوص يمكن لطالب العلم أن يتساءل بجدية:

ما هو مراد الناصح بقراءة هذه البروتوكولات والذي أصبح لا يستطيع أن يصل إليه؟

وكيف يمكن أن تؤدي قراءة ورقات منسوبة لبني صهيون إلى فهم الذي يجري خصوصًا إذا علمتَ أخي القارئ الكريم أن البروتوكولات تقوم على المحاور التي ذكرتها لك سابقًا وعلى رأسها (إسقاط هيبة الحاكم) وأن (الحُكام أدوات بيد الصهيونية العالمية)؟

وكيف لطالب العلم المنصوح بقراءتها أن يُكذِّبَ دعاوى الإخوان المسلمين وتفرعاتهم حينما يكتبون ويقولون في لقاءاتهم إن حكامنا اليوم هم صنيعة اليهود وهم حُماة الصهيونية وأعداء الإسلام؟!

يتبع..

18/08/2024

(دعوة السلفيين لقراءة مسوَّدات=(بروتوكولات) حكماء صهيون ليست طريقة سلفية)! [المقالة الثالثة]

 

أنا أعرف أن الكثيرين ممن سمع بمسوَّدات=(بروتوكولات) حكماء صهيون لم يقرأْها ومَن قرأَها قِلَّة قليلة لطولها، ولعل أحدهم يَعَافُها لتكرار الكلام والمعاني في بنودها الأربعة والعشرين، وهذا عندي مما يطعن في صحتها أو حتى وجودها بهذه الظروف والأحداث التي ارتبطت بها بين السياسيين والمفكرين وأصحاب نظرية المؤامرة التي تستحكم في كثير من عقول العرب ودراويش طلبة العلم، فنحن المسلمينَ عندنا كتاب ربنا وسنة نبينا ﷺ والتي فيها من النصوص العاصمة من مكر اليهود وغيرهم الكثير الكثير، فكيف يستسيغ منسوبٌ إلى العلم والتحقيق أن يدُلَّ طلابه إلى قراءتها ليفهموا ما يُحاك لهم؟!

العجيب أن هذه المسوَّدات ينتشر الكلام فيها عند العرب خاصة -وبكثرة أحيانًا- مع كل تفجُّرٍ للأحداث وحصولٍ للتغييرات في المنطقة، وقد أنكر صحَّة هذه المسوَّدات غير واحد منهم الدكتور المتخصص في اليهود وتاريخهم عبدالوهاب المسيري المصري وكان ذلك منذ العام 1977م، وكذلك بلديُّه محمود عباس العقاد= في تصديره للطبعة الرابعة منها الصادرة عن دار الكتاب العربي في بيروت -وهي نسخة مصورة عندي-  =لم يجزم بصحة نسبتها بل نقل الخلاف الشديد على ذلك بين الأوروبيين أنفسهم. ورأيي الشخصي في هذه الأطروحات أنها من قبيل الخيال وأن أيَّ كاتب أو أديب يمكنه أن يتمسك بتلابيب الأدب والعبارات الصارخة ومعاني التآمر فينسج على منوالها وأشد منها، وأيًّا كان الأمر فثبوتها من عدمه لا يعني المسلمين شيئًا فقد كفيناهم -أعني اليهود- المؤونة؛ فقد برعنا في اتباع سُننهم حذو القُذَّة بالقُذَّة من قبلِ أن تصدر هذه الخُطط أو المسوَّدات، وحاضر المسلمين منذ قرون يُنبي بذلك ويؤكده، والله المستعان!

وبالعودة إلى نصيحة الشيخ مشهور -هداه الله- طلابه بأن يقرؤوا هذه البروتوكولات الصهيونية أطرح سؤالًا مُهمًا وهو:

هل يتمكن طالب العلم بعد قراءتها أن يفهم الواقع والمؤامرة التي تُحاك ضد المسلمين؟

فإذا كان الجواب: نعم؛ فما هي دلالات هذه القراءة لطالب علم سلفي يتبع الكتاب والسنة، حيث يقرأ فيهما نصوص السمع والطاعة لولاة الأمور وإن جاروا وظلموا، ويقرأ فيها أن الخروج على الولاة ولو بالكلمة -فضلًا عن المُظاهرات والمسيرات- هو دعوى جاهلية وسيماءُ حزبية وخارجية عصرية كما أسماها الشيخ الألباني -رحمة الله عليه-؟!

فما هي الأقلام العريضة لهذه المسوَّدات -على فرض صحتها- وإلى ماذا تُشير؟

والجواب:

إن مسوَّدات=(بروتوكولات) حكماء صهيون تؤسس لأصلين اثنين لا ثالث لهما وتطمح بذلك إلى الوصول لنتيجة حتمية للسير على تعاليمها لا ثاني لها، فأما الأصلان فهما:

1-تقرير أن اليهود أحكموا السيطرة على الحُكام وتعيينهم وجعلهم أداة تُنفذ مخططاتهم وترعى مصالحهم بجبروت وتسلط على شعوبهم مع كونهم حثالة وأراذل يسومون الناس الظلم والقهر والمهالك ويبيعون البلاد ويسلمونها لليهود وغيرهم.

2-اعتبار الشعوب رعاعًا غوغائيين ورعايا بلا تمييز وأنهم يمثلون قوة الجمهور العمياء الخالية من العقل المميز، وأن الجماهير تُعير سمعها ذات اليمين وذات الشمال.

أما النتيجة الحتمية فهي سيطرة اليهود على الأمم وسحقها وجعلها تابعة ذليلة مُسخَّرة لخدمتم وسعادتهم.

هذه الثلاثة الأمور التي تُمثل أصل هذه البنود الأربعة والعشرين وبينها كلمات في السياسة والاقتصاد والسيطرة على الذهب واستعمال كل وسيلة وشخص في زلزلة عروش الملوك والسلاطين متوسلين لذلك بقوة الشعب الثائر الساخط على حاكمه والساعي في تحصيل الحرية والعدالة والمال الذي تحرمه منه السلطة!

وطالب العلم يعصمه من هذه الثلاثة ثلاثة تُقابلها:

1- الدعوة إلى التوحيد الخالص فهو أصل الشجاعة وأصل العصمة من خوفِ أو محبةِ غير الله، وهو دين الأنبياء والمرسلين وبه سادت الصحابة الدنيا فأزالوا فارس والروم وكسروا شوكة يهود وأذلوهم حتى غدَوْ شراذم متفرقة في الأرض لا يُعبأ بهم.

2-التمسك بنصوص الكتاب والسنة الآمرة بعصمة دماء المسلمين وحمايتها والحرص على صونها بالسمع والطاعة بالمعروف وبذل النُصح للمسلمين حُكامًا ومحكومين، وبها يتخلص من أن يصير أداة في يد هؤلاء سواء كانوا يهودًا أم كانوا (خوارج) يمشون على سُننهم.

3- فإذا صاروا إلى هذه المرتبة من الحصانة تمكنوا من نشر دينهم الحق للراعي والرعية وأصلحوا البلاد والعباد -بإذن ربهم- وبينوا للناس أن أشد المؤامرات على المسلم إنما هي انقياده بلا عقل أو فهم لسُنن اليهود والنصارى سواءٌ في الحكم أو العبادات أو المعاملات وغيرها، فتحصل حصانة الدولة وحصانة المجتمع وحصانة الدِّين من أن يُخترق بمثل هذه المكائد.

وعند التأمل في بنود هذه المسوَّدات المسماة =(بروتوكولات) حكماء صهيون نجد أن الذي يحصل في بلادنا ومنذ قرن من الزمان أو يزيد هو قيام جماعات وأحزاب بتنفيذ هذه الخطط بحذافيرها من حيث يعلمون أو لا يعلمون، وعلى رأس هذه الأحزاب تلك الجماعة التي قال فيها الشيخ أحمد شاكر -رحمه الله-: "حركة الشيخ حسن البنا وإخوانه المسلمين الذين قلبوا الدعوة الإسلامية إلى دعوة إجرامية هدامة، ينفق عليها الشيوعيون واليهود كما نعلم ذلك علم اليقين" اهـ. انظر: كتاب "شؤون التعليم والقضاء (ص48)"!

فكيف يمكن لطالب العلم السلفي (المنصوح)! بقراءة هذه البنود أن يتبين ما يُحاك له وكيف يمكن الربط بين هذه النصيحة وبين العمل بالكتاب والسنة وفقَ المنهج السلفي؟

إن الناصح بهذا إما أن يكون لم يقرأ هذه الكتابات المنسوبة إلى أصحابها فقال شيئًا تلقنه من هُنا وهناك فقال به.

أو أن يكون عاجزًا عن الربط بينها وبين ما يحصل حقيقة في واقعنا المُعاصر من جماعات خارجية أو سياسية تُقامر بمقدرات وحياة الشعوب والدول وتنشر القلاقل والفتن وتتحالف مع الأعداء الظاهرين وصولًا إلى امتطاء ظهور الجماهير التي شحنوها وثوَّروها على بلدانها ليتسنموا كراسي الحكم في البلاد.

أو أن العواطف جرَّته إلى تصديق ما فيها من جهة ما يتعلق بالحُكام خاصَّة وقرينة ذلك عندي قول هذا الناصح بقراءتها والذي نقلت بعضه في المقالات السابقة وفيه: "أن لا تكون ضدًا لليهود جريمة لا تُغتفر.. لن يغفرها لكم أحد"، وقوله: "أطعموا أهاليهم احفظوا أهاليهم ليس حُبًّا فيهم ولكن حبًا في بلادكم...إلخ" والكلام كما مر سابقًا لا يمكن أن يكون موجهًا إلا للحُكام أصالة!

بينما تجده ومن حوله ممن يُتابعه على باطله يُطالبون بالكف عن انتقاد أفعال هذه الفصائل الإجرامية التي فعلت الأفاعيل في دماء وأموال وعقائد الناس والمُنتَقِدونَ هم السلفيون الذين يُنكرون كل ذلك ويقولون بقول العلماء قديمًا وحديثًا، فهل يُراد ترسيخ معنى معينٍ في عقول الطلبة بنصيحتهم أن يقرؤوا هذه المُسَّوَّدات الصهيونية؟!

يتبع...

(دعوة السلفيين لقراءة مسوَّدات=(بروتوكولات) حكماء صهيون ليست طريقة سلفية)! [المقالة الثانية]

 

اعترف الشيخ مشهور بأن الأحداث الحاصلة لا تبشر بخير يلوح في الأفق القريب، فقال:

"الذي يلوح في الأفق -لا قدر الله- سيطرة الرافضة، وزاد الطين بلَّة (ولاء) خمااش للرافضة وهذه مصيبة كبيرة من مصائب الدنيا أيضًا".

وهذا البيان منه لحالة هذا الفصيل المغامر يتماهى مع ما كان يقرره في قديم قوله، ولعله بدأ -إن شاء الله- يكتشف الضرر الذي تسبب به لما أخذ يصف كل من انتقد خمااش ونقل كلام الألباني وغيره من أهل العلم فيهم وفي أمثالهم بأوصاف قال فيها إن ناقل هذا عن الألباني: [واهمٌ، ومخطئ، ودجَّال، وكذاب]!!

وقد  أردف بعدها بقوله:

"أن تتنازل على أن (لا تكون ضدًا لليهود) جريمة لا تُغتفر. لن يغفرها لكم أحد. وكذلك أن يميل القلب لإيران".

والسؤال هنا: من هو الذي تنازل بحيث لا يكون ضدًّا لليهود؟

أطلبة العلم؟ أم الحُكام؟ أم غيرهم؟

لم يحدد مشهور هذا الصنف وترك بيانه مع الحاجة الماسة لبيانه لنحذر نحن، وهو، ومن معه، والناس كذلك من هذا الصنف الذي فعل هذه الجريمة التي لا ولن تُغتفر من أحد.

وإذا ما تم ربط الكلام السابق مع قوله في بداية المقطع والذي يقول فيه:

"أطعموا أهاليهم، احفظوا أهاليهم، ليس حُبًّا فيهم وإنما حُبًّا في بلادكم. تفادوا الخطر الذي سيأتيكم بعد خمسين عامًا أجلوه لمئتي عام قوموا مع إخوانكم" .

علمتَ أنَّ المعني بهذا الكلام وبالذي قبله هم (الحُكام) لأنه يُعلم بداهة أن الشعوب غير قادرة على إيصال شيء إلى أهلنا في غزة، ومشهور يقول هذا الكلام مع كون الدول العربية لم تُقصِّر في إرسال ما (تستطيعه) من الطعام والشراب والمأوى بل وأُرسلت المستشفيات ونحوها مما يمكن أن يُخفف عن أهلنا بعضَ الذي تسببت به هذه الفصائل جرَّاء مغامرتها الإجرامية، فهل معنى قوله: "قوموا مع إخوانكم" أنه يريد من الدول والحكومات أن تخوض الحرب وتدخل عُنوة في مواجهة -خاسرة- مع العالم أجمع؟!

واضح أن العاطفة قد أخذت منه كل مأخذ ولذلك يقول مثل هذا الكلام المتناقض والذي لا يدل على فهم للواقع ولا حتى للسياسة العصرية فضلًا عن الشرعية، وليس هذا عيبًا فالعالم فمن دونه قد يقع في مثل هذا فهو بشر، ولا يَستغربُ أحدٌ من قولي هذا فقد قرر مشهور في ذات المقطع هذا الجهل الحاصل له فقال:

"وأنا لست سياسيًا ولا أُحب السياسة ولا أصرف شيئًا من وقتي في متابعة الأخبار"!

فيا لله العجب! يستمر بعد هذا الإقرار في تناقضه فيقول:

"لكن الأخبار التي (أقولها) هي أحكام شرعية موجودة في كتاب ربنا وسنة نبينا ﷺ".

ومعلوم لأصغر طالب علم أن قوله هذا مخالف للأحكام الشرعية القائمة على جلب المصالح وتكثيرها ودرء المفاسد وتقليلها وأن مطالبة الدول بالوقوف إلى جانب هؤلاء المغامرين هو الانتحار بعينه، وأنه ليس بين هذه الدول السُّنية وبين الانزلاق في الفوضى والدمار والقتل إلا خطوة واحدة (عاطفية) تخطوها؛ فنحمد الله أنّ حكوماتنا لم تتخذها فتُهلكنا كما أهلكت هذه الفصائل أهلها ودمرت بلادها!

وبالعودة إلى دعوة مشهور إلى قراءة مسوَّدات=(بروتوكولات) حكماء صهيون يمكن أن يقول قائل إنها دعوة لترسيخ هذه المعاني التي طرحها (هرتزل) في مؤتمره الذي تمخض عن هذه المسوَّدات والتي أساسها وغالبية محتوياتها أن اليهود يسيطرون على (حكومات العالم أجمع) في جميع المناحي، وأن الحُكَّام مجرد أدوات بيدهم يُنفِّذون أوامرهم ويعملون على رعاية مصالحهم. وهذا كثير في البروتوكولات الأربعة والعشرين والتي تبلغ صفحاتها المئة صفحة وهي محشوة بهذا الكلام الساقط والخبيث. مع كونه قد يصدُق بعضه في بعض الحكومات التي جاءت على متن (الطائرات الفرنسية) أو تلك التي جاءت على (الدبابات الأمريكية) أو بعض (الحكومات الثورية) التي أنهكت بلدانها بالانقلابات والاستبداد والظلم باسم (الحرية والمساواة والإخاء)!، ولكنه لا ينطبق على الجميع بكل تأكيد.

فبيان التفصيل في هذا الأمر مطلوب ضرورة وإلا لحصل التحاق بعض طلبة العلم الضعفاء وغيرهم من العامة الدهماء ممن سمع هذه النصيحة ممن لا يتمكن من دفع الشبهات عن نفسه =مع احتمال وقوعه في الاقتناع التام بسبب نصيحة متبوع يُشار له بالبنان كمشهور =بركب المتحزبة من الإخوان ومن لف لفهم ممن يبث ومنذ مئة عام = وهي مدة قريبة من صدور هذه البروتوكولات= أن هذه الحكومات -والملكية منها على وجه الخصوص- هي حكومات عميلة وخائنة وموالية أشد الولاء لأعداء الإسلام!

 فإذا عرفت أخي القارئ الكريم أن مسوَّدات=(بروتوكولات) حكماء صهيون قائمة على أن الحكومات العالمية -كلها- مُتصرَّف في رؤوسها من قبل هذه المنظمة السرية وأنهم يُنفذون مخططاتها بإخلاص وتفانٍ فهل يمكن أن يَقبل سلفي ينتهج منهج الصحابة مستنيرًا بهديهم وهدي علمائهم ومن تبعهم في هذا الزمان من الكبار بهذه النصيحة التي أطلقها الشيخ مشهور بهذه الصورة؟

وأنا قرأت هذه البروتوكولات قديمًا أو بعضًا من بنودها واضررت بعد سماعي لقوله أن أعيد النظر فيها مرتين الأولى على عُحالة والثانية بقراءة متمحصة وهي تبلغ أربعًا وعشرين بندًا تقع في مئة صفحة لأرى ما هي الفائدة لطالب علم سلفي أن يقرأها وعنده كتاب ربه وسنة نبيه ﷺ وكلام أهل العلم الراسخين الذين يُحذرون ليل نهار من اتباع سنن اليهود والنصارى؟!

وسأسرد لك أخي القارئ الكريم بعض أهم محاورها وأقوم بربطها بما يجري وبهذه الفصائل التي تختلق الحروب الخاسرة وبحواضنها الرئيسة وعلى قمتها جماعة الإخوان المسلمين والذين ومنذ تأسيسهم ارتبط بعض مرشديهم بالماسون تلك المنظمة السرية التي يمتطي جوادها حُكماء صهيون لتنفيذ مخططاتهم وتحكمهم في العالم سرًّا وجهرًا.

وسأشير -وبالنَّصِّ- من هذه المسوَّدات إلى تنفيذ الإخوان المسلمين لهذه البروتوكولات والسير على خُطى واضعيها من حيث يعلمون أو لا يعلمون، وأن السلفيين الذين اتهمهم مشهور بأنهم ينفذون هذه البروتوكولات الصهيونية هم أبعد ما يكونون عن ذلك. وهم بُرآء من هذه الفرية العظيمة، بل هُم أشد الطوائف محاربة لهذه البروتوكولات الصهيونية بدعوتهم للتحذير من كل ما من شأنه زعزعة الأمن أو نشر الفوضى أو إضلال الناس بالأقوال أو الأفعال الصادرة عن كل من تصدَّر للعامة ولبس لبوس العلم والوعظ والإرشاد باسم الدين فضلًا عن اسم السلفية الصافية النقية دعوة الأمن والإيمان ودعوة التوحيد الخالص لله رب العالمين، وأنا أنصح إخواني الكرام بأن لا يقرؤوها ولا ينظروا فيها عملًا بما عليه السلف الصالح؛ فإن الشُّبه خطافة وإن القلوب ضعيفة، والسلامة لا يعدلها شيء، وأنا أكتب لكم هذا وقد قرأتها من قديم ولكن الله عصمني من تصديق ما فيها أو العمل على نشره بين الناس، والقصد من نشر هذه المقالات بيان أن الأحزاب التي فرقت الأمة هي أولى بالنقد وبيان انحرافها عن جادة السلف بدعوتها إلى أفكار الشرق والغرب باسم (الحرية والمساواة والإخاء وحرية الاعتقاد ومناهضة الحُكام، و.. و..) وأن هذه العناوين الرئيسة هي ذاتها التي تنادي بها هذه البروتوكولات بل وتنص عليها بنصها وينادي بها من وضعها منذ ما يزيد عن مئة عام!

فالله أسأل أن يعصمنا وإياكم من الفتن ما ظهر منها وما بطن.

يتبع...

(دعوة السلفيين لقراءة مسوَّدات=(بروتوكولات) حكماء صهيون ليست طريقة سلفية)! [المقالة الأولى]

 

الحمد لله والصلاة السلام على رسول الله، أما بعد:

فقد سمعت مقطعًا مصورًا لمشهور حسن نقل فيه عن أحد طلابه أنه قال إن مسوَّدات=(بروتوكولات) حُكماء صهيون كانت تُدرس في مقرر (القضية الفلسطينية) في بلدنا الأردن عام 1962م، وذكر كلامًا -وهو يتلوَّع حسرةً- عن مطامع اليهود في المنطقة العربية، وعن مُخططاتهم الخفية والظاهرة.

وقد نصح في أثناء الكلام وفي نهايته طلبةَ العلم بقوله:

"أنصح الإخوة أن يقرؤوا [مسوَّدات=]*(بروتوكولات) حكماء صهيون حتى يفهموا ماذا يجري حولهم وحتى ينتبهوا انتباهًا زائدًا".

فهل نصيحة الإخوة بقراءة مسوَّدات اليهود طريقة سلفية أثرية، وهل إذا قيل إن هذا خاص بطلبة العلم فهل هم على وتيرة واحدة من الحصانة والفهم؟

إن النصيحة بقراءة كتب اليهود هي غِشٌّ للطلبة في حقيقتها، فالسلف مُجمعون على النهي عن قراءة كتب أهل البدع من المنسوبين لأمة الإسلام فكيف بقراءة كتب الملاحدة والفلاسفة من اليهود والنصارى؟!

وعلى كل حال فقد علل الشيخ مشهور -بصره الله- نصيحته هذه بقوله:

"اقرؤوا إخواني بروتوكولات حكماء صهيون، أقول لكم اقرؤوها حتى أصل لمرادي فإني أصبحتُ لا أستطيع أن أصل لمرادي. حتى تأخذوا ثوابتكم من الكتاب والسنة فلا تتأثرون بالإعلام".

فما هو مراد الشيخ من النصيحة بقراءة هذه المسوَّدات اليهودية والذي أصبح عاجزًا أن يصل إليه؟!

إن التناقض الصارخ في كلامه واضح لكل عاقل فكيف يجتمع النصح بقراءة هذه الكتب وبين أخذ الثوابت من الكتاب والسنة؟

إن عدم التأثر بمكائد الإعلام إنما يكون بالتمسك بالكتاب والسنة بفهم سلف الأمة والالتزام بمنهجهم ولا يكون بقراءة كتب اليهود والنصارى التي لا دليل على صحة نسبتها لهم -أولًا- ولا خير في محتواها -ثانيًا-، فأي ثوابت يمكننا المحافظة عليها بدلالة الطلبة على قراءتها والنظر في بنودها؟

ثم يزعم الشيخ -هداه الله- أن طلبة العلم يُنفذون هذه البروتوكولات ويستجيبون لها ولذلك هم متفرقون!

قال: "طلبة العلم متفرقين لأنهم استجابوا لبروتوكولات حكماء صهيون"!

أيُّ فرية هذه؟ ومن أطلعك عليها؟

إن مجرد ذكر اليهود بأنهم يستخدمون بثَّ الفرقة والخصومة والعداوة بين فئات المجتمع لِيَصلُوا إلى مرادهم كما ورد في البند الثالث من مسوَّداتهم (ص127):

«ونحن نحكم الطوائف باستغلال مشاعر الحسد والبغضاء التي يؤججها الضيق والفقر، وهذه المشاعر هي وسائلنا التي نكتسح بها بعيدًا كل من يصدوننا عن سبيلنا».

إن هذا ليس دليلًا يُتهم به طلبة العلم بأنهم يُنفِّذون مخططات يهود، ولَعَمْرِي إنها لفرية عظيمة -حتى لو قيلت على سبيل التجوُّز- أن تُذاع على الملإ ليسمعها عوام الناس الذين أفقدهم= تمييع بعض المنتسبين إلى السلفية للقضايا المنهجية بحجة الاتفاق والائتلاف وعدم تفريق الأمة= تمييز الغث من السمين ممن يتصدر لتدريس الناس وتعليمها أمر دينها!

كيف يُقال هذا وما المقصود من ورائه في خضم حرب يقودها هو نفسه على السلفيين الذين يُحذرون من التحزبات والجماعات التي هي سبب نَكَساتِ الأمة المتتالية وسببٌ رئيسٌ في سفك دمائها واستعداء وحوش أعدائها عليها، ويساعده على حربه هذه بعض (الزعران) وبعض المندسين في صفوف الدعوة السلفية ممن ليسوا من أبنائها!

فما سرُّ حرص الشيخ مشهور على قراءة طلبة العلم لمسوَّدات حُكماء صهيون، وماذا في ثناياها من معاني وما علاقة ذلك بالهجمة الشرسة على طلبة العلم الذين يُحذرون من حماقات الفصائل المرتبطة بإيران ووصف بعض المتعلقين بإزاره للسلفيين بأنهم غُلاة ومداخلة وصهاينة؟ ولماذا لم ينصح مشهور حسن بقراءة هذه المسوَّدات في النازلة العراقية والشامية؟

في حين كان الشيخ -هداه ربه- يُجرِّم كل أنواع المقاومة في العراق وسوريا ويرد بالتسفيه لآراء العلماء الذين أفتوا بالجهاد والمقاومة ويكتب في ذلك المُقدمات ويؤلف المؤلفات التي يقرر فيها عبثية هذه الجهاديات غير القائمة على أصل الكتاب والسنة ولا على الفقه ومقاصد الشريعة الغراء؛ فما الذي تغير وهل بنود هذه المسوَّدات=(البروتوكولات) غير مؤثرة في نازلة العراق وسوريا بينما لها كل الأثر فيما يجري في فلسطين تحديدًا!

يتبع....

----------------------------------

* مسودات، هي إحدى ترجمات كلمة (بروتوكول) لذلك أستخدمها لا على سبيل وصف البروتوكولات ولكن على سبيل ترجمة الكلمة.

15/08/2024

بحث في صحة أثر منسوب للصحابي الجليل عبدالله بن عمر -رضي الله عنهما-!

 

أرسل إليَّ صديق غزِّيٌّ برسالة نصها:

‏يقول عبدالله بن عمر -رضِي الله عنهما-: شُرِع الجهاد لسفْك دماء المشركين، وشُرِع الرِّباط لصوْن دِماء المسلمين، وصوْنُ دمائِهم أحبُّ إليَّ من سفْك دماءِ أولئك، إنَّ الخطأ في ترْك ألْف كافرٍ في الحياة أهْون من الخطأ في سفْك محجمة دمِ مسلم. [المنتقى شرح الموطأ 3/22].

فبحثت في كون هذا الأثر مرويًا عن عبدالله بن عمر بن الخطاب -رضي الله عنهما- بعد الشك في نسبته إليه فطلبت منه التريث في نشره -عنه- حتى أتثبت من الأثر ونسبته، وبعد بحث طويل وجدت أن أول من ذكره هو: أبو محمد عبدالله بن أبي زيد عبدالرحمن النفزي، القيرواني، المالكي (المتوفى سنة: 386هـ) في كتابه: «النوادر والزيادات على ما في المدونة من غيرها من الأمهات» رواية عن ابن حبيب عبدالملك بن حبيب السلمي فقيه الأندلس (المتوفى سنة: 238هـ) فقال:

«قال ابن حبيب: وهو شعبة من شعب الجهاد -أي الرباط في سبيل الله في الثغور-، وبقدر خوف أهل ذلك الثغر وبقدر جورهم=(جوارهم) من عدوهم يكون كثرة ثوابكم. (قال ابن عمر): فُرض الجهاد ‌لسفك دماء المشركين والرباط لحقن دماء المسلمين ، وحقن دماء المسلمين أحب إلي من سفك دماء المشركين».

فيحتمل أن يكون قوله: (قال ابن عُمر) من قول ابن حبيب أو من قول صاحب الكتاب القيرواني، وقد ذكره هكذا بلا إسناد عنه -رضي الله عنه- وقد تابعه على هذا بعض فقهاء المالكية -عليهم رحمة الله- ولم أجد هذا القول عن ابن عمر إلا في كُتبهم، فممن ذكر هذا الأثر ونسبه إلى ابن عُمر (جازمًا بنسبته إليه):

1- ابن يونس الصقلي (المتوفى سنة: 451 هـ) في كتابه: «الجامع لمسائل المدونة»، فقال: «وقال ابن عمر:..».

2- أبو العباس شهاب الدين أحمد بن إدريس بن عبد الرحمن المالكي الشهير بالقرافي (المتوفى سنة: 684هـ) في كتابه: «الذخيرة»، بقوله: «كما قاله عبدالله بن عمر».

وممن رواه بصيغة التمريض من غير جزم بنسبته إليه:

1- أبو الوليد سليمان بن خلف التجيبي القرطبي الباجي الأندلسي (المتوفى سنة: 474هـ)، في كتابه «المنتقى شرح الموطإ»، بقوله: «وَرُوِيَ عَنْ عَبْدِاللَّهِ بْنِ عُمَرَ..».

2- أبو الوليد محمد بن أحمد بن رشد القرطبي (المتوفى سنة: 520هـ)، في كتابه: «المقدمات الممهدات»، وفي: «البيان والتحصيل»، بقوله: «وقد روي أن عبدالله بن عمر قال..».

ثم وجدت المناوي قد أورده في كتابه: «فيض القدير» عن ابن حبيب إلا أنه قال: «وقال أبو عمرو» ولعله تصحيف ونصه:

«قال ابن حبيب: الرباط شعبة من الجهاد وبقدر خوف ذلك الثغر يكون كثرة الأجر. (وقال أبو عمرو): شرع الجهاد ‌لسفك دماء المشركين وشرع الرباط لصون دماء المسلمين وصون دمائهم أحب إلي من سفك دماء أولئك وهذا يدل على أنه مفضل على الجهاد».

ونقله عنه السيوطي في: «جمع الجوامع المعروف بـ "الجامع الكبير"».

فإن كان هذا الأثر عن ابن عمر -رضي الله عنه- مرويًا من جهة ابن حبيب فإنه لا يصح من جهتين،

الأولى: أن ابن حبيب لم يدرك ابن عمر ولا معروف بالرواية عنه؛ فيكون الحديث منقطعًا في أحسن أحواله.

والثانية: من جهة ضعف ابن حبيب نفسه، فقد ترجم له الذهبي -رحمه الله- في «سير أعلام النبلاء» بقوله:

«الإمام، العلامة، فقيه الأندلس، أبو مروان عبد الملك ‌بن ‌حبيب بن سليمان بن هارون بن جاهمة ابن الصحابي عباس بن مرداس السلمي، العباسي، الأندلسي، القرطبي، المالكي، أحد الأعلام.

ولد: في حياة الإمام مالك، بعد السبعين ومائة.

وكان موصوفا بالحذق في الفقه، كبير الشأن، بعيد الصيت، كثير التصانيف، ((إلا أنه في باب الرواية ليس بمتقن، بل يحمل الحديث تهورًا كيف اتفق، وينقله وِجَادَةً، وإجازة، ولا يتعانى تحرير أصحاب الحديث))».

قال أبو موسى:

فإن كان الأثر مرويًا عن غير ابن حبيب فمن باب أولى أن يثبت ضعفه لجهالة الراوي ولانقطاع السند، ولقد بحثت في الكتب والمسانيد والصحاح وغيرها من كتب الحديث فلم أجد أي أثرٍ له فيها لا عن ابن عمر ولا عن غيره، ولعله قول لبعض أهل العلم من التابعين فنُسب خطأ لابن عمر، ولو كان معروفًا عنه لما تركه جُل الذين كتبوا في ميألة المرابطة في الثغور لأهمية محتواه فإن فيه توجيهًا وحكمة مُهمة افتقر إليها بعض المتهورين من المسلمين اليوم ممن سُفكت دماء المسلمين بسببهم، وصيانة دماء المسلمين أعظم وأحب إلى الله من سفك دماء المشركين و«إنَّ الخطأ في ترْك ألْف كافرٍ في الحياة أهْون من الخطأ في سفْك محجمة دمِ مسلم»!

 وعليه فنسبة هذا الأثر إلى الصحابي الجليل عبدالله بن عمر بن الخطاب -رضي الله عنهما- لا تجوز ولا تصح، وإن كان معناه صحيحًا، والله أعلم.

وكتب:

أبو موسى أحمد الغرايبة

غفر الله له ولوالديه وللمسلمين

آمين

11 / 2 / 1446هـ

08/08/2024

والحق ما شهدت به الأعداء!

 

(المدخلية / المداخلة)

فرية يُطلقها علينا (زعران) الجماعات الإسلامية و(زعران) المنتسبين إلى السلفية في هذه الفتنة الأخيرة، نحن بُرآءُ منها براءة الذئب من دم نبي الله يوسف -عليه السلام- ،وهذه الفرية هي وصفهم لنا بوصف هو بالنسبة لنا (مع كونه شرفًا وفخرًا) انتسابٌ إلى عالم قاربَ المئة من سني عُمره التي قضاها في العلم والتعليم والتحذير من كل مخالف لشريعة الله ومنهج أنبيائه من حزبي متأسلم ومن سلفي متستر بالسلفية ليكون الدينُ كله لله، فلا حزبيات ولا عصبيات ولا مدرسة متبوعة إلا مدرسة محمد ﷺ التي جاء بها على المحجة بيضاء نقية لا يزيغ عنها إلا هالك!

والشيخ ربيع المدخلي -حفظه الله- زكاه العلماء الكبار وزكوا منهجه التحذيري لأنه من النصيحة للمسلمين، والعالم المنصف يعلم أن الجرح لكل مخالفٍ والتعديل لكل موافقٍ هو السور الحامي لأصل الدين والعقيدة، فكما قال ابن عساكر: "لولا الأئمة الأكابر لخطبت الزنادقة على المنابر"!

فإذا كان الناس يستعملون الجرح والتعديل في شراء الخُضَر والفواكه والملابس وغيرها فيقولون: جيد وعاطل، وخيِّرٌ وسيئ؛ فمن باب أولى أن يُستعملَ هذا الجرح والتعديل في كل من تكلم في دين الله تعالى وتصدر لتدريس الناس، لكنْ لزعارة البعض تجده يُشوِّشُ على هذا العلم=(الجرح والتعديل) بحجة أن (المداخلة) يُسقطون الناس وأن فيهم (غِلظة) وأن فيهم (غلوًّا) وهم كذَّابون -والله!- فليس فينا غلظة إلا على المخالف للنصوص -كما كان يغضب الرسول ﷺ- أو المتنكب لطريقة العلماء الكبار الذين شهد لهم أقرانهم بالعلم والفهم وسلامة المُعتقد والمنهج، فهل إذا كان عند البعض من المنتسبين إلى السلفية نوعُ شدَّة؛ فهل يجوز أن يُوصف كلُّ من حذَّر من مخالفة العقيدة والمنهج بهذا الوصف وهل يستحق تنفير الناس عنه؟!

وبينما كنت أتصفح حسابات القوم وجدت أحدهم -وأنا أعرفه منذ سنوات طوال- لكن ما يميزه عن القوم -حقيقة- أنَّ (شوره من راسه) قويُّ النقد لمن يُدافع عنهم -من أخدانه- لكنه لا يكف لسانه عنهم إذا ما وقعوا في التناقض، ومما يميزه -كذلك- أنه لا يُغير مبدأه -فيما علمته عنه من قديم- فإذا انتقد عند أحدٍ خصلة -هو يراها باطلة- أرخى العنان لعباراته اللاذعة لنقد كل مَن يقع فيها دون رحمة أو مواربة أو مُداراة، فهو بهذا الوصف عند (زعران) الإخوان ومن لف لفهم أشد من (المداخلة) والمخارجة عليهم!

كتب المذكور مقالة= أراد أن ينتقد فيها من أسماهم (مداخلة إيران) وهو وصف -أضحكني بشدة- وصف به من يعادون كل من ينتقد خمااش وحماقاتها والبلاء موكل بالمنطق فقد سلط الله على (زعران) الإخوان من يصفهم بما وصفوا به غيرهم -زورًا وبُهتانًا- =أرى أنها من الأهمية بمكان يتبين فيها أن جميع الفرق والأحزاب تُعادي السلفيين الذين يصفونهم بالـ (مداخلة) ويتفقون على حربهم ويسكتون مع ذلك عن من يوالي الرافضة وحزبهم،فقال واصفًا حالهم:

"لعل أكثر الأحزاب والجماعات والاتجاهات الإسلامية قد اتفقت على ذم (المداخلة)،

ورأيت بعضهم يقول إنه مستعد للمصالحة مع جميع الفرق باستثناء هذه الفرقة"!

قلتُ -أبو موسى-:

الحمد لله الذي جعلنا شوكة في حلوق هؤلاء المذكورين فنحن ما خالفنا دين الله -لا والله- ولكن لأننا ضربنا كل مُخالف لدين الله بمنجنيق السنة وآثار السلف، فقلنا  (للأعور) أعور وقلنا (للبصير) بصير، فأي منقبة نُذم بها في هذا الزمان الذي "يؤتمن فيه الخائن ويُخون فيه الأمين"؟!

وقوله -سدده الله- إن بعض هؤلاء مستعدٌ للمصالحة مع أي فرقة إلا مع (المداخلة) دليلٌ آخرُ على أننا على الحق -إن شاء الله- فنحن نجد الإخوان والسرورية وكل المنتمين لهذه الأحزاب ممن يحمل سيفه أو يسلُّ لسانه على الحُكام (أمراء وعلماء) يقبلون في صفوفهم الرافضي والصوفي والتبليغي وكل مُمَخْرَقٍ بل يقبلون قول كل علماني ينتقد السلفيين ولا يقبلون إخوانهم السلفيين الذين يحذرونهم من البدعة وينهونهم عن مخالفة منهج السلف، فتأمل يا رعاك الله حالُ مَنْ هو الموافقُ للحقِّ!

ثم قال -هداه الله مراشد الأمور-:

"وآخرون أعلنوا الحرب عليها (مع صحة معتقدها العلمي) وتركوا الحديث حتى عن الفرق العقائدية الضالة، وهكذا في شبه اتفاق (غير معلن) على الحرب عليها".

يا لله العجب!

قد شهد الكاتب وهو من أشد الناس لسانًا على من يسمونهم (المداخلة) بأن (المداخلة) صحيحو المعتقد (العلمي -كذا-!) وقوله: (العلمي)؛ أنا أعرفه منه فهو يحفظ (خط الرجعة) بذِكرِهِ ليقول إنهم -أي السلفيين- يُخالفون عند (التطبيق العملي) وهي طريقة أهل اللسان من أتباع السرورية أو ممن شاكلهم وليس منهم فيتهمون السلفيين بعدم الفهم أو عدم معرفة الأصول!

وعلى كل حال فشهادة الكاتب بصحة معتقد (المداخلة) يؤسس لسؤال مهم ألا وهو:

إذا كان معتقد (المداخلة) العلمي صحيحًا؛ فما هو الخطأ العملي الذي وقعوا فيه يا تُرى؟

يجيب الكاتب على هذا السؤال بقوله:

"ولو سألت الجميع عن أبرز صفات تلك الفرقة والذي جعلهم يتخذون هذا الموقف العدائي المشترك لقالوا :

أ. تصنيفهم الناس، هذا (حزبي وهذا سروري وهذا مميع) ... الخ.

ب. تعظيم الحكام، والثناء عليهم على ما عندهم من خلل وضلال ومعاص.

وأبرز مثال يذكرونه في هذا السياق مثال قذر فعلا وهو (زنى الحاكم نصف ساعة كل يوم على الهواء مباشرة!)".

إذن! فالمأخذ على من يسمونهم بالـ(مداخلة) وهم السلفيون -حقًّا وصدقًا- أمران اثنان:

الأول: تصنيفهم للناس. وقولهم: هذا حزبي وهذا سروري وهذا مميع.. إلخ.

فجواب هذا أن ينظر المسلمون أجمعون هل يوجد في شرع الله تصنيف؟

ولعل باحثًا مُنصفًا يقولُ الحقَّ بأن دين الله كله تصنيف بلهَ لا يوجد فيه إلا التصنيف، بل التصنيف أسُّ الشريعة التي يُعلم بها الموافق من المخالف، والكاتب ومَن ينتقدهم يمارسون هذا التصنيف الذي يذموننا به فيقولون: (مداخلة!) وهو نفسه جاء بفرع جديد فقال: (مداخلة إيران!) وهو وهُم كذلك يصنفون فرقًا من المسلمين فيقولون: (جهمية، أشاعرة، صوفية، خوارج، باطنية، رافضة، شيعة، زيدية، سهروردية، .... إلخ) في تصنيفات لا تكاد تنتهي، فعلامَ التشنيع على وصف السلفيين=(المداخلة) للبعض بالإخوانية والسرورية والتمييع؟! أليست أوصافًا لها أدلتها -عندهم- كما أن لأوصافٍ توافقونَ عليها أدلتها -عندكم-؟

فإما أن تقبلوا الجميع أو تُسقطوا الجميع، ليقال عندها أنكم أهل إنصاف لا إجحاف!

والتصنيف قديم عند السلف وكتبهم تطفح به بل إنهم قد يصفون رجلًا بالزندقة لمجرد أنه قال كلمة أو عاب طائفة من السلف.

«قال أبو إسماعيل الترمذي: كنت أنا وأحمد بن الحسن الترمذي عند أبي عبداللَّه أحمد بن حنبل، فقال له أحمد بن الحسن: يا أبا عبداللَّه ذكروا لابن أبي قتيلة بمكة أصحاب الحديث.

فقال: أصحاب الحديث قوم سوء.

فقام أبو عبداللَّه، وهو ينفض ثوبه، وقال: ‌زنديق، ‌زنديق، ‌زنديق، ودخل البيت.

انظر: "طبقات الحنابلة".

فهل كان الإمام أحمد (مدخليًا) يُصنف الناس ويصفهم بأوصاف التنفير والتشهير؟!

طبعًا الأدلة على وجود التصنيف عند السلف لو جُمعت لكانت مجلدًا أو أكثر ولسنا بمبتدعين أمرًا لم يكن عليه سلفنا، فهل يُعابُ من اتبع السلف في تصنيف المخالفين يا أيها المؤمنون؟!

الثاني: "تعظيم الحكام، والثناء عليهم على ما عندهم من خلل وضلال ومعاص.

وأبرز مثال يذكرونه في هذا السياق مثال قذر فعلا وهو (زنى الحاكم نصف ساعة كل يوم على الهواء مباشرة!)".

قلت هذه فرية صلعاء -ثانية- فالسلفيون لا يُعظمون الحُكام ولا يثنون على ما عندهم من المعاصي والضلال بل الذي يفعلونه الثناء على ما عندهم من الخير ليكثُر، ويُحذرون مما عندهم من الانحراف العقدي والأخلاقي من غير تثوير للناس أو ذكر للحاكم بالسوء، ونحن في هذا -كذلك- متبعون للسلف، فالدعاء للسلطان وطاعته وتحبيب قلوب الناس له ليس تعظيمًا ولا ثناءً بالباطل، بل هو من دين السلف الذي مارسوه، فإذا كان يجوز مدح رجل من الناس على ما عنده من التلبس بالمعاصي ترغيبًا له بالخير فلمَ الإنكار على مَن مدح السلطان -بالحق-؟ وإن كان لا يجوز مدح رجل متلبس بالمعاصي فهاتوا برهانكم إن كنتم صادقين.

والسلطان الحاكم ليس كغيره من الناس في جميع الأحكام فله خصوصيته وقد أرشد النبي ﷺ الناس إذا رأوا من السلطان شيئًا من معصية الله أو مخالفة شرعه بقول: “وإذا رأيتم من ولاتكم شيئا تكرهونه؛ فاكرهوا عمله، ولا تنزعوا يدًا من طاعة” رواه مسلم في صحيحه.

فالنبي ﷺ هنا لم يقل (أبغضوا سلطانكم) وإن كان السلطان قد يُبغض في القلوم لطغيانه وشرِّه، ولكنه قال: "فاكرهوا عمله" فلو سكِر الحاكم أو زنا أو فعل كل كبيرة فإننا نكره هذه الكبيرة وهذه المعصية منه كما نكرهها من غيره وننكرها بالطرق الشرعية التي بينها العلماء، ولكن إظهار كراهية السلطان -لذاته لا لمعصيته- فيها من إيغار صدور العامة ما يعرفه الكاتب وغيره، فهل خرجت الخوارج على عثمان بن عفان -رضي الله عنه- (وهو خيرٌ مِن كلِّ مَن جاء بعده بلا خلاف) إلا بإظهار كراهيته ومثالبه ونشر ذلك بين عامة الناس حتى خرجوا بالآلاف فقتلوه صائمًا تاليًا لكتاب ربه -رضي الله عنه وأرضاه-؟!

فالسلفيون ممن يُسميهم المخالفون (مداخلة) لم يُعظموا الحُكام ولم يمدحوهم ولم يقبلوا معصيتهم ولم يتَّبعوهم على ضلالهم كما فعلت الأحزاب والجماعات المتدثرة بالإسلام اليوم في كثير من المواقف التي تُخالف كلامهم وعقائدهم.

ولا بُد هنا من ذكر مسألة مهمة وهي أن الثناء على الحاكم وعدم تكريه العامة بشخصه هو مصلحة راجحة اليوم تُدرأ بها مفسدة متحققة من جرَّاء الذم والثلب الذي يطالبنا به أهل الأهواء من تلك الفرق، ولننظر في ثورات الربيع العربي التي تولى الإخوان وتفرعاتهم إما الدعوة إليها عبر وسائل الإعلام وإما بتنفيذها بحمل السلاح على أرض الواقع، فما الذي استعمله الدعاة وقودًا لتأجيجها وإنجاحها؟

لقد اتخذوا من ذم الحُكام وتكفيرهم ووصفهم بالموالاة المُكفرة لليهود والنصارى وجعلهم أعدى أعداء الإسلام في قلوب العوام حتى ثارت ثائرتهم وقامت قيامتهم فشُرِّدُوا وانتُهِكَتْ أعراضهم ودُمرت بلادهم واستشرى القتل فيهم واستباح بلادَهُم الرافضة واليهود والنصارى والهندوس وكل ملة تُعادي الإسلام وأهله وتطمع لأن تكون آكلةً من قصعة أهل الإسلام!

فالمدح في مقابل ذم هذه الأحزاب هو الصواب المتعين على العقلاء، لأن لكل شيء ما يقابله ويدفعه فكيف تُمنع الثورات وكيف يُمنع الخروج والناس تسمع ليل نهار الذم للسلطان وبُغضه علانيةً وفي كل نادٍ؟!

ونحن نتبع مع المُثورين على الحُكام طريقة سلفية فقد صحح السلف ورووا أحاديث -ضعيفة من حيث الصنعة الحديثية- ولكنها تُغيظ أهل البدع من الجهمية وغيرهم فكانوا يروونها ويستحسنونها لما فيها من إرغام لأنوف أهل البدع وتثبيت لعقيدة السلف في وجدان الأمة، ولم يُنكر عليهم أصحاب الورع البارد في زمانهم فالسلفيون= (المداخلة) مُتبعون لا مبتدعون، ولا أعلم سلفيًا واحدًا مدح في الحُكام عدم تحكيم شرع الله في البلاد، ولا مدح فيهم إقامة الموالد البدعية، ولا مدح إقامتهم المهرجانات التي يُعصى الله فيها، فإطلاق القول بهذه الصورة غش ومكر وخديعة للقراء والله يعلم خائنة الأعين وما تُخفي الصدور!

قال شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله-: (والسلطانُ -أيَّدَه الله وسَدَّدَه- هو مِن أحقِّ مَن تَجبُ معاونتُه على مصالح الدنيا والآخرة، لِمَا جَمَعَ الله فيه من الفضائلَ والمناقب.

وكان من أسباب هذه التحية أنَّ فلانًا قَدِمَ، ولكثرةِ شكرِه للسلطانِ وثنائِه عليه ودُعاَئِه له حتى في الأسحارِ وغيرِها يُكثِرُ المفاوضةَ في محاسنِ السلطان، ويُجَدِّدُ بحضورِه للسلطانِ من الثناءِ والدعاءِ ما هو مِن بُشْرَى المؤمن، كما قالوا: يا رسول الله! الرجلُ يَعملُ العملَ لنفسِه فيَحْمَدُه الناسُ عليه، فقال: “تلكَ عَاجِلُ بُشْرَى المؤمنِ”.

فالسلطانُ جَعلَ اللهُ فيه مِن الاشتمالِ على أهلِ الاستحقاقِ ما يَأجُرُه الله عليه. وفلانٌ هذا من خِيارِ الناس وأصدقِهم وأنفعِهم، ومن بيت معروف، وقد جعلَ الله فيه من المحبَّهِ والثناء على السلطان ما هو من نِعَم الله عليه، وهو من أهل الخيرِ والدين معروف، فجَمعَ الله بسببه للسلطان قلوبًا تُحِب السلطانَ وتَدعُو له). [انظر:  كتاب جامع المسائل لابن تيمية – المجموعة الخامسة (ص٢٢٩) ].

فهذا المدح المذكور في كلام شيخ الإسلام هل هو من (المدخلية) أم تطبيقًا للسنة النبوية وهدي السلف في التعامل مع الحُكام وإن كانوا ظلمة فسقة؟!

وقد وصف الكاتب مثالًا ذكره أحد المشايخ بقوله: (مثال قذر فعلا)، وهو زنا الحاكم نصف ساعة.. إلخ، وهذا المثال مع كونه مثالًا صارخًا لأشد ما يمكن أن يقوم به سلطانٌ أمام الناس كشرب الخمر كذلك وجلد الأبرياء كذلك وغيرها من المعاصي والكبائر التي قد تقع من الولاة، فهو -وإن حصل استنكار البعض له- لا إشكال فيه؛ فالزنا ساعتين أو أكثر ليس بموجب نزع يد الطاعة -هذا هو المعنى والمغزى من المثال- فإنَّ زِناهُ على نفسه وطاعتنا له (بالمعروف) قُربة لنا والله يتولى حسابه، وهو بزناه لم يخرج من دائرة الإسلام إلا عند من يُكفر بالكبيرة من فرق الخوارج، وقد حصل ما هو أشد من هذا الزنا في زمن السلف فما ثوروا الناس وما كرهوهم في سلطانهم، فقد كان عبدالله بن مسعود -رضي الله عنه- وغيره يصلون خلف الوليد بن عقبة بن أبي معيط، وكان يشرب الخمر، حتى إنه صلى بهم الصبح مرة أربعًا ثم قال: أزيدكم؟. فقال له ابن مسعود: (ما زلنا معك منذ اليوم في زيادة)!

فأيهما أشد في دين الله؟

الزنا بالفاجرات أم زيادة الركعات عمدًا في الصلوات؟!

وقد سبق وأن ذكر هذا المثال وأشد منه الشيخ العلامة ابن عثيمين -رحمه الله تعالى- حيث قال في شريط (شرح العقيدة الواسطية): ”لو فرضنا أن الأمير فاجر وفاسق كل ليلة مع مومس -والعياذ بالله- فإن أهل السنة يرون الجهاد معه، ولا يعصون الله فيه”. انتهى.

فهل هذا المثال الذي ضربه الشيخ ابن عثيمين (مثال قذر فعلا) عند الكاتب؟!

أم أن ابن عثيمين (مدخليٌّ)؟!

والحاكم حتى لو أتى بالكفر البواح على الملأ فإن الخروج عليه -بعد إقامة الحُجة عليه- مشروط بالقدرة فإذا كانت مفسدة هذا الخروج متحققة وستسبب القتل وانتهاك الحرمات والتشريد والدمار لم يكن جائزًا، فكم من حاكم (قد يكون كافرًا في عقيدته/ نصيري أو شيوعي) إلا أنه لا يصل أذاه لجميع الناس بل قد يصل إلى فئة دون أخرى ومع ذلك يمنع العلماء من الخروج عليه أو تثوير الناس عليه لما يحصل من المفاسد العظيمة بذلك فالصبر مع السلامة خير من المغامرة مع الشر المستطير الذي سيطال الحجر والشجر والدواب!

وقد كان الإمام أحمد يرى كفر من يقول بخلق القرآن وقد امتحَنَ السلطانُ الناسَ بهذا الكفر في زمانه -رحمه الله- وكان المتسرعون والمغامرون يأتون الإمام أحمد يريدون استصدار الفتوى منه بالخروج عليه وسل السيف في وجه السلطان واستبداله، وهو ينهاهم ويزجرهم ويقول: الدماء الدماء، اتقوا الله في الدماء؛ إنما هي فتنة خاصة!

فهذا الإمام أحمد وقع حاكمه في الكفر وحملَ الناس على القول به وإلا ضَرَبَ أعناقهم؛ لكنه لم يأذن بالخروج لما في ذلك من المفاسد العظيمة وأعظمها ضياع الأمن وسفك الدماء المعصومة خاصة وأنَّ القوة مع السلطان!

ونحن اليوم لا نرى من الحكام شيئًا من هذا الذي حصل في عهد السلف بل ولا يراهم الناس يزنون ولا يراهم الناس يسكرون ولا يعلم الناس عنهم عقائدهم، والذي نراه منهم -حتى بعض النصيرية!- الصلاة في مساجدهم والصيام والحج والعمرة معهم وغيرها من الأعمال التي هي من صميم الإسلام مع تفاوتهم في ذلك، والله يتولى سرائرهم!

فبما تقدم من بسط لهاتين الشبهتين اللتين يتخذهما المتحزبة ومن معهم من سقط المتاع يتبين للقارئ الكريم أنهم إنما يذمون السلفيين=(المداخلة) بما ليس ذمًّا في أصله، وإنما يستغلون الظروف الراهنة لتنفير الناس عن السلفيين ممن يريد بالناس الخير اصطيادًا في الماء العكر وتمهيدًا لخلو الساحة لهم ليبيضوا ويفرخوا، وقد سلك طريقهم سلفيون -سطحيون- متأثرون ببعض المتسترين بالسلفية في هذه الفتنة الأخيرة (المحرقة الغزيَّة) فضربونا بسهم من كنانة أهل البدع مستخدمين ذات القوس مشدودًا بوتر من (البغض، والحمق، واللؤم، ودواخل الأنفس)، فالله حسيبنا وحسيبهم!

وكتب:

أبو موسى أحمد الغرايبة

غفر الله له ولوالديه وللمسلمين بالصلاة على النبي الأمين

والحمد لله رب العالمين.

4 / 2 / 1446هـ