26/06/2011

(( مختصر زاد المعاد )) ..::[2]::..


«مختصر زاد المعاد»

..::[2]::..
[فصل اختص الله نفسه بالطيب]

اختص الله نفسه بالطيب والمقصود أن الله سبحانه اختار من كل جنس أطيبه، فاختصهم لنفسه، فإنه سبحانه وتعالى طَيِّبٌ لَا يُحِبُّ إِلَّا الطَّيِّبَ، وَلَا يَقْبَلُ من القول والعمل والصدقة إلا الطيب.

وَبِهَذَا يُعْلَمُ عُنْوَانُ سَعَادَةِ الْعَبْدِ وَشَقَاوَتِهِ، فَإِنَّ الطَّيِّبَ لَا يُنَاسِبُهُ إِلَّا الطَّيِّبُ وَلَا يَرْضَى إِلَّا بِهِ، وَلَا يَسْكُنُ إِلَّا إِلَيْهِ، وَلَا يَطْمَئِنُّ قَلْبُهُ إِلَّا بِهِ.

فَلَهُ مِنَ الْكَلَامِ الكلام الطيب الذي لا يصعد إلى الله إلا هو، وهو أشد نفرة عن الفحش في المقال وَالْكَذِبِ وَالْغِيبَةِ وَالنَّمِيمَةِ وَالْبُهْتِ وَقَوْلِ الزُّورِ وَكُلِّ كَلَامٍ خَبِيثٍ.

وَكَذَلِكَ لَا يَأْلَفُ مِنَ الْأَعْمَالِ إلا أطيبها، وهي التي أجمعت عَلَى حُسْنِهَا الْفِطَرُ السَّلِيمَةُ مَعَ الشَّرَائِعِ النَّبَوِيَّةِ، وزكتها العقول الصحيحة، مثل أن يعبد الله وحده لا شريك له، ويؤثر مرضاته على هواه، ويتحبب إليه بجهده، وَيُحْسِنَ إِلَى خَلْقِهِ مَا اسْتَطَاعَ، فَيَفْعَلَ بِهِمْ ما يحب أن يفعلوه به.

وله من الأخلاق أطيبها، كالحلم والوقار، والصبر والرحمة، والوفاء والصدق، وسلامة الصدر، والتواضع، وصيانة الوجه عن بذل وتذلله لغير الله.

وَكَذَلِكَ لَا يَخْتَارُ مِنَ الْمَطَاعِمِ إِلَّا أَطْيَبَهَا، وهو الحلال الهنيء الَّذِي يُغَذِّي الْبَدَنَ وَالرُّوحَ أَحْسَنَ تَغْذِيَةٍ مَعَ سَلَامَةِ الْعَبْدِ مِنْ تَبِعَتِهِ.

وَكَذَلِكَ لَا يَخْتَارُ من المناكح إلا أطيبها، ومن الأصحاب إلا الطيبين. فهذا ممن قال الله فيهم: ﴿الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ طَيِّبِينَ يَقُولُونَ سَلَامٌ عَلَيْكُمُ ادْخُلُوا الْجَنَّةَ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ﴾ [النحل: 32] ومن الذين تقول لَهُمْ خَزَنَةُ الْجَنَّةِ: ﴿سَلَامٌ عَلَيْكُمْ طِبْتُمْ فَادْخُلُوهَا خَالِدِينَ﴾ [الزُّمَرِ: 73] وَهَذِهِ الْفَاءُ تَقْتَضِي السَّبَبِيَّةَ، أَيْ: بِسَبَبِ طيبكم فادخلوها. وَقَالَ تَعَالَى: ﴿الْخَبِيثَاتُ لِلْخَبِيثِينَ وَالْخَبِيثُونَ لِلْخَبِيثَاتِ وَالطَّيِّبَاتُ لِلطَّيِّبِينَ وَالطَّيِّبُونَ لِلطَّيِّبَاتِ أُولَئِكَ مُبَرَّءُونَ مِمَّا يَقُولُونَ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ﴾ [النور: 26].

ففسرت بالكلمات الخبيثات للرجال الخبيثين، والكلمات الطيبات للرجال الطيبين.

وفسرت بالنساء الطيبات للرجال الطيبين وبالعكس، وهي تعم ذلك وغيره.

والله سبحانه جَعَلَ الطَّيِّبَ بِحَذَافِيرِهِ فِي الْجَنَّةِ، وَجَعَلَ الْخَبِيثَ بحذافيره في النار، فدار أخلصت للطيب، ودار أخلصت للخبيث، ودار مزج فيها الخبيث بالطيب، وهي هذه الدار، فإذا كان يوم المعاد، ميز الله الخبيث من الطيب، فعاد الأمر إلى دارين فقط.

والمقصود أن الله جعل للشقاوة والسعادة عنوانا يعرفان به، وقد يكون في الرجل مادتان، فأيهما غلبت عَلَيْهِ كَانَ مِنْ أَهْلِهَا، فَإِنْ أَرَادَ اللهُ بعبده خيرًا طهره قبل الموافاة فلا يحتاج إلى تطهيره بالنار. وحكمته تعالى تأبى أن يجاوره العبد في داره بخبائثه، فيدخله النار طهرة له، وإقامة هذا النوع فيها على حسب سرعة زوال الخبائث وبطئها.

ولما كان المشرك خبيث الذات، لم تطهره النار، كالكلب إذا دخل البحر.

ولما كان المؤمن الطيب بريئًا مِنَ الْخَبَائِثِ، كَانَتِ النَّارُ حَرَامًا عَلَيْهِ، إِذْ ليس فيه ما يقتضي تطهيره، فسبحان من بهرت حكمته العقول.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق