24/06/2011

(بعض أمراض القلوب)

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد:

       أمراض قلوب أعاذنا الله منها، أصيب بجملة منها الكثير ممن ينتسبون إلى العلم هذه الأيام، وهذا أمر خطير -وجد خطير- على المسلم –والسلفيِّ خاصة- أن يتنبه له؛ حتى لا يقع في شَرَكِها فيُردي نفسه ويُضيع أجره..

      ولا بأس من أن يتَّهم المرء نفسه ويحاسبها – بل هو أمر مطلوب شرعًا- كي يبادر نفسه بالتوبة النصوح من الذنوب –صغيرها وكبيرها- قبل يوم المعاد –يوم الحساب والقصاص- ولأن النفس أمارة بالسوء إلا ما رحم ربي؛ أحببت أن أنقل كلامًا نفيسًا لشيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله تعالى- وكأنه يحاكي فيه بعض واقعنا !

      ولأنه قد يكون أحدنا مُصابًا بما ذكره الشيخ وهو لا يدري فهي دعوة –لنفسي أولًا – وقد لا تخلو - فإن المرء لا تؤمن عليه الفتنة، أعاذنا الله من مضلاتها، وإليك أخي السلفي الكريم كلام هذا العالم الجليل عليه رحمة الله:

      قَالَ شَيْخُ الإِسْلامِ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى – فِي مَجْمُوْعِ الْفَتَاوَى ( 28/236-238) :

       « فَمِنْ النَّاسِ مَنْ يَغْتَابُ مُوَافَقَةً لِجُلَسَائِهِ وَأَصْحَابِهِ وَعَشَائِرِهِ مَعَ عِلْمِهِ أَنَّ الْمُغْتَابَ بَرِيءٌ مِمَّا يَقُولُونَ أَوْ فِيهِ بَعْضُ مَا يَقُولُونَ ؛ لَكِنْ يَرَى أَنَّهُ لَوْ أَنْكَرَ عَلَيْهِمْ قَطَعَ الْمَجْلِسَ وَاسْتَثْقَلَهُ أَهْلُ الْمَجْلِسِ وَنَفَرُوا عَنْهُ فَيَرَى مُوَافَقَتَهُمْ مِنْ حُسْنِ الْمُعَاشَرَةِ وَطِيبِ الْمُصَاحَبَةِ وَقَدْ يَغْضَبُونَ فَيَغْضَبُ لِغَضَبِهِمْ فَيَخُوضُ مَعَهُمْ.

وَمِنْهُمْ مَنْ يُخْرِجُ الْغِيبَةَ فِي قَوَالِبَ شَتَّى .
      
تَارَةً فِي قَالِبِ دِيَانَةٍ وَصَلَاحٍ فَيَقُولُ : لَيْسَ لِي عَادَةً أَنْ أَذْكُرَ أَحَدًا إلَّا بِخَيْرِ وَلَا أُحِبُّ الْغِيبَةَ وَلَا الْكَذِبَ ؛ وَإِنَّمَا أُخْبِرُكُمْ بِأَحْوَالِهِ .

وَيَقُولُ : وَاَللَّهِ إنَّهُ مِسْكِينٌ أَوْ رَجُلٌ جَيِّدٌ ؛ وَلَكِنْ فِيهِ كَيْت وَكَيْت .

وَرُبَّمَا يَقُولُ : دَعُونَا مِنْهُ اللَّهُ يَغْفِرُ لَنَا وَلَهُ ؛ وَإِنَّمَا قَصْدُهُ اسْتِنْقَاصُهُ وَهَضْمٌ لِجَانِبِهِ .

وَيُخْرِجُونَ الْغِيبَةَ فِي قَوَالِبَ صَلَاحٍ وَدِيَانَةٍ يُخَادِعُونَ الله بِذَلِكَ كَمَا يُخَادِعُونَ مَخْلُوقًا ؛ وَقَدْ رَأَيْنَا مِنْهُمْ أَلْوَانًا كَثِيرَةً مِنْ هَذَا وَأَشْبَاهِهِ .

وَمِنْهُمْ مَنْ يَرْفَعُ غَيْرَهُ رِيَاءً فَيَرْفَعُ نَفْسَهُ فَيَقُولُ : لَوْ دَعَوْت الْبَارِحَةَ فِي صَلَاتِي لِفُلَانِ ؛ لَمَا بَلَغَنِي عَنْهُ كَيْت وَكَيْت لِيَرْفَعَ نَفْسَهُ وَيَضَعَهُ عِنْدَ مَنْ يَعْتَقِدُهُ .

أَوْ يَقُولُ : فُلَانٌ بَلِيدُ الذِّهْنِ قَلِيلُ الْفَهْمِ ؛ وَقَصْدُهُ مَدْحُ نَفْسِهِ وَإِثْبَاتُ مَعْرِفَتِهِ وَأَنَّهُ أَفْضَلُ مِنْهُ .

وَمِنْهُمْ مَنْ يَحْمِلُهُ الْحَسَدُ عَلَى الْغِيبَةِ فَيَجْمَعُ بَيْنَ أَمْرَيْنِ قَبِيحَيْنِ :

الْغِيبَةِ وَالْحَسَدِ .

وَإِذَا أَثْنَى عَلَى شَخْصٍ أَزَالَ ذَلِكَ عَنْهُ بِمَا اسْتَطَاعَ مِنْ تَنَقُّصِهِ فِي قَالِبِ دِينٍ وَصَلَاحٍ، أَوْ فِي قَالِبِ حَسَدٍ وَفُجُورٍ وَقَدْحٍ لِيُسْقِطَ ذَلِكَ عَنْهُ .

وَمِنْهُمْ مَنْ يُخْرِجُ الْغِيبَةَ فِي قَالِبِ تمسخر وَلَعِبٍ لَيُضْحِكَ غَيْرَهُ بِاسْتِهْزَائِهِ وَمُحَاكَاتِهِ وَاسْتِصْغَارِ الْمُسْتَهْزَأِ بِهِ .

وَمِنْهُمْ مَنْ يُخْرِجُ الْغِيبَةَ فِي قَالِبِ التَّعَجُّبِ فَيَقُولُ: تَعَجَّبْت مِنْ فُلَانٍ كَيْفَ لَا يَفْعَلُ كَيْت وَكَيْت، وَمِنْ فُلَانٍ كَيْفَ وَقَعَ مِنْهُ كَيْت وَكَيْت وَكَيْفَ فَعَلَ كَيْت وَكَيْت؛ فَيُخْرِجُ اسْمَهُ فِي مَعْرِضِ تَعَجُّبِهِ .

وَمِنْهُمْ مَنْ يُخْرِجُ الِاغْتِمَامَ فَيَقُولُ مِسْكِينٌ فُلَانٌ غَمَّنِي مَا جَرَى لَهُ وَمَا تَمَّ لَهُ، فَيَظُنُّ مَنْ يَسْمَعُهُ أَنَّهُ يَغْتَمُّ لَهُ وَيَتَأَسَّفُ وَقَلْبُهُ مُنْطَوٍ عَلَى التَّشَفِّي بِهِ وَلَوْ قَدَرَ لَزَادَ عَلَى مَا بِهِ وَرُبَّمَا يَذْكُرُهُ عِنْدَ أَعْدَائِهِ لِيَشْتَفُوا بِهِ .

وَهَذَا وَغَيْرُهُ مِنْ أَعْظَمِ أَمْرَاضِ الْقُلُوبِ وَالْمُخَادَعَاتِ لِلَّهِ وَلِخَلْقِهِ .

وَمِنْهُمْ مَنْ يُظْهِرُ الْغِيبَةَ فِي قَالِبِ غَضَبٍ وَإِنْكَارِ مُنْكَرٍ فَيُظْهِرُ فِي هَذَا الْبَابِ أَشْيَاءَ مِنْ زَخَارِفِ الْقَوْلِ وَقَصْدُهُ غَيْرُ مَا أَظْهَرَ . وَاَللَّهُ الْمُسْتَعَانُ ».

انتهى كلامه – رحمه الله تعالى- أرجو الله أن ينفع به ...

وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.

وكتب :
أبو موسى الأردني
أحمد بن عيَّاش بن موسى الغرايبة
-غفر الله له ولوالديه-
آمين10/شوال/1430هـ

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق