24/06/2011

.:: الاجتماع ::.


بسم الله الرحمن الرحيم



.::  الاجْتِمَاعُ  ::.

            الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده..

            أمَّا بعد:

            فإنّه لا يخفى على ذي لبٍّ أهمية الاجتماع، وفوائده الجمَّة الغفيرة، والتي تعود على الفرد والجماعة بتوطين أواصر الألفة والمحبة، والخير العميم على المسلمين، وقد أمر الله تبارك وتعالى- بالاجتماع ونهى عن الفرقة والتَّفرق؛ لما في ذلك من المساوئ التي تعود على الفرد والجماعة بالتدابر، والتحاسد، والقطيعة، وسوء الظنِّ .. إلخ من الأخلاق المصاحبة للفرقة والتَفرق..

            قال الله تعالى-: { يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ * وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعاً وَلا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْداءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْواناً وَكُنْتُمْ عَلى شَفا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْها كَذلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آياتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ * وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ *} [آل عمران: 102-104].

            فالاجتماع لغة: من جمع الشّيء: ألّف متفرّقه، وأصل المعنى الضّمُّ، قال ابن فارس: الجيم والميم والعين، أصل واحد يدلّ على تضامّ الشّيء، يقال: جمعت الشّيء جمعًا، وتجمّع القوم، اجتمعوا من هنا وهنا، واجتمع القوم: انضمّوا، وهو ضدّ تفرّقوا.

            وأمَّا الاجتماع اصطلاحًا:

فلا يختلف معنى الاجتماع في الشّرع عن المعنى الّذي يفيده في أصل اللّغة. وهو أن يلتقي المسلمون وينضمّ بعضهم إلى بعض ولا يتفرّقوا، أمّا الأمر الّذي يجتمعون حوله فهو كتاب الله وسنّة رسوله -صلّى الله عليه وسلّم- بفهم سلف الأمةالكرام رضي الله عنهم-.

قال الإمام القرطبيّ رحمه الله- في تفسير قوله تعالى:

{وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعاً وَلا تَفَرَّقُوا...} الآية: إنّ الله تعالى يأمر بالألفة وينهى عن الفرقة لأنّ الفرقة هلكة والجماعة نجاة..

وقد روي عن عبد الله بن مسعود- رضي الله عنه- في معنى {حبل الله} الوارد في الآية الكريمة أنّه: الجماعة.

قال القرطبيّ رحمه الله-: ويجوز أن يكون المعنى: ولا تفرّقوا متابعين الهوى والأغراض المختلفة بدليل قوله تعالى بعد ذلك: {وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْداءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْواناً}. وليس في الآية دليل على تحريم الاختلاف في الفروع؛ لأنّ الاختلاف ما يتعذّر معه الائتلاف والجمع، وليست كذلك مسائل الاجتهاد؛ لأنّ الاختلاف فيها يسبّب استخراج الفرائض ودقائق معاني الشّرع، وما زالت الصّحابة- رضوان الله عليهم- يختلفون في أحكام الحوادث وهم مع ذلك متآلفون. [انظر: تفسير القرطبي].

وقد بين الإمام ابن كثير رحمه الله- أن الله أمر الناس في هذه الآية بالجماعة ونهاهم عن الفرقة فقال رحمه الله-:

أمرهم الله- عزّ وجلّ- في الآية الكريمة بالجماعة ونهاهم عن الفرقة، وقد وردت الأحاديث المتعدّدة بالنّهي عن التّفرّق والأمر بالاجتماع والائتلاف، وقد ضمن الله لهم العصمة من الخطأ عند اتّفاقهم، وخيف عليهم الخطأ- عند الافتراق والاختلاف، فقد وقع ذلك في هذه الأمّة فافترقوا على ثلاث وسبعين فرقة، منها فرقة ناجية إلى الجنّة ومسلّمة من النّار، وهم الّذين على ما كان عليه محمّد -صلّى الله عليه وسلّم- وأصحابه.

وقال أبو حيّان: نُهي المسلمون عن التّفرّق في الدّين والاختلاف فيه كما اختلف اليهود والنّصارى، وقيل: عن إحداث ما يوجب التّفرّق ويزول معه الاجتماع .[انظر: البحر المحيط].

ولأهمية الاجتماع حث الإسلام عليه فقال الله تعالى- في محكم تنزيله:

{ يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ * وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعاً وَلا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْداءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْواناً وَكُنْتُمْ عَلى شَفا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْها كَذلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آياتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ * وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ *} [آل عمران: 102-104].

وقال عز وجل-: {إِنَّ هذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً واحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ}[الأنبياء:92].

وقال جل وعلا-: {وَإِنَّ هذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً واحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاتَّقُونِ [المؤمنون:52].

وقال-سبحانه وتعالى-: {مُنِيبِينَ إِلَيْهِ وَاتَّقُوهُ وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَلا تَكُونُوا مِنَ الْمُشْرِكِينَ * مِنَ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكانُوا شِيَعاً كُلُّ حِزْبٍ بِما لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ *}[الروم:31-32].

ولا تخلو السنة المشرفة من أحاديث تحث على الاجتماع إما تصريحًا وإما ضمنًا ومن ذلك:

عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم-: «من نفّس عن مؤمن كربة من كرب الدّنيا نفّس الله عنه كربة من كرب يوم القيامة، ومن يسّر على معسر يسّر الله عليه في الدّنيا والآخرة، ومن ستر مسلما ستره الله في الدّنيا والآخرة، والله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه، ومن سلك طريقا يلتمس فيه علما سهّل الله له به طريقا إلى الجنّة، وما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله تعالى، ويتدارسونه بينهم، إلّا نزلت عليهم السّكينة، وغشيتهم الرّحمة، وحفّتهم الملائكة، وذكرهم الله فيمن عنده، ومن بطّأ به عمله لم يسرع به نسبه» أخرجه مسلم.

وعنه - رضي الله عنه- عن النّبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- قال: «سبعة يظلّهم الله في ظلّه يوم لا ظلّ إلّا ظلّه: الإمام العادل، وشابّ نشأ في عبادة ربّه، ورجل قلبه معلّق في المساجد، ورجلان تحابّا في الله اجتمعا عليه وتفرّقا عليه، ورجل طلبته امرأة ذات منصب وجمال فقال: إنّي أخاف الله، ورجل تصدّق أخفى حتّى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه، ورجل ذكر الله خاليا ففاضت عيناه»، أخرجه البخاري ومسلم.

وعن وحشيّ بن حرب، أنّهم قالوا: يا رسول الله! إنّا نأكل ولا نشبع. قال: «فلعلّكم تأكلون متفرّقين؟» ، قالوا: نعم، قال: «فاجتمعوا على طعامكم، واذكروا اسم الله عليه يبارك لكم فيه» رواه ابن ماجه وأبو داود، وحسنه الشيخ الألباني رحمه الله-.

وعن أبي موسى الأشعري- رضي الله عنه- عن النّبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- قال: «رأيت في المنام أنّي أهاجر من مكّة إلى أرض بها نخل، فذهب وهلي إلى أنّها اليمامة، أو هجر. فإذا هي المدينة يثرب، ورأيت في رؤياي هذه أنّي هززت سيفا فانقطع صدره، فإذا هو ما أصيب من المؤمنين يوم أحد، ثمّ هززته أخرى، فعاد أحسن ما كان، فإذا هو ما جاء الله به من الفتح واجتماع المؤمنين. ورأيت فيها بقرًا، والله خير، فإذا هم المؤمنون يوم أحد، وإذا الخير ما جاء الله به من الخير، وثواب الصّدق الّذي آتانا الله بعد يوم بدر» أخرجه البخاري ومسلم.

وعن حذيفة بن اليمان- رضي الله عنهما- قال: كان النّاس يسألون رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- عن الخير، وكنت أسأله عن الشّرّ، مخافة أن يدركني، فقلت: يا رسول الله! إنّا كنّا في جاهليّة وشرّ فجاءنا الله بهذا الخير، فهل بعد هذا الخير شرّ؟، قال: «نعم» .فقلت: هل بعد ذلك الشّرّ من خير؟. قال: «نعم، وفيه دخن» . قلت: وما دخنه؟. قال: «قوم يستنّون بغير سنّتي، ويهدون بغير هديي، تعرف منهم وتنكر» . فقلت: هل بعد ذلك الخير من شرّ؟. قال: «نعم، دعاة على أبواب جهنّم [قلت: ما أكثرهم في زماننا هذا]، من أجابهم إليها قذفوه فيها» . فقلت: يا رسول الله! صفهم لنا.قال: «نعم، قوم من جلدتنا ويتكلّمون بألسنتنا» ، فقلت: يا رسول الله! فما ترى إن أدركني ذلك؟. قال:«تلزم جماعة المسلمين وإمامهم» ، فقلت: فإن لم تكن لهم جماعة، ولا إمام؟، قال: «فاعتزل تلك الفرق كلّها، ولو أن تعضّ على أصل شجرة حتّى يدركك الموت وأنت على ذلك» أخرجه مسلم.

ومن الآثار وأقوال العلماء والمفسرين الواردة في (الاجتماع):

            عن عليّ- رضي الله عنه- قال: «اقضوا كما كنتم تقضون، فإنّي أكره الاختلاف، حتّى يكون النّاس جماعة، أو أموت كما مات أصحابي» .

فكان ابن سيرين يرى أنّ عامّة ما يروى عن عليّ الكذب) البخاري.

            وعن سماك بن الوليد الحنفيّ، أنّه لقي ابن عبّاس، فقال: «ما تقول في سلاطين علينا يظلموننا، يشتموننا ويعتدون علينا في صدقاتنا، ألا نمنعهم؟، قال: لا. أعطهم. الجماعة الجماعة، إنّما هلكت الأمم الخالية بتفرّقها، أما سمعت قول الله: {وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعاً وَلا تَفَرَّقُوا}» الدر المنثور للسيوطي .



« تأبى الرّماح إذا اجتمعن تكسُّرًا ... وإذا افترقن تكسَّرت أفرادًا »

            نسأل الله العلي الأعلى أن يؤلف بين قلوب المسلمين وأن يجمعها على البر والتقوى، وأن ينزع جذر الغل والفُرقة من بينهم، وأن يبدِّل الأحوال إلى خير مآل، إنه ولي ذلك والقادر عليه.

وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليمًا كثيرًا

والحمد لله أولًا وآخرًا وظاهرًا وباطنًا.



وكتب:

أبو موسى الأردني

أحمد بن عيَّاش بن موسى الغرايبة

-غفر الله له ولوالديه-

آمين

5 / 6 / 1432هـ




هناك تعليقان (2):