24/06/2011

..::: أصناف المغرورين :::..


بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله وكفى وسلام على عباده الذين اصطفى..

أمَّا بعدُ:

إنَّ الأخلاق (الذَّميمة) كثيرة أوصافها، عديدة خصالها، وتعود كثرتها إلى كثرة الطرق الموصلة إليها مما يفتحه شياطين الإنس والجن- من الأبواب ليلج مَن يلجُ إليها، وهو في دركات من الانحطاط والرذالة، المفضية إلى سيئ الأخلاق أعاذنا الله منها-، ولمَّا كان على المنتمي للمنهج الحق = (المنهج السلفي) أنْ يربِّيَ نفسه ويزكيها- بالتخلق بالأخلاق الحسنة والفاضلة، كان لزامًا عليه أن يعرف ويَحذر- ممَّا يبعده عنها، ويلحقه بركب أهل الأخلاق الذميمة..

            ومن هذه الأخلاق الذميمة- خُلُقٌ لطالما أصيب به الكثيرون بقصدٍ أو بغير قصد- ممن ينتسبون إلى (طلب العلم)، ألا وهو : (الغرور)..

            والغرور من الأخلاق التي تصيب الطالب أيَّ طالبٍ كان- في مقتل، وتودي به إلى المهالك، وقد عرف العقلاء ما يؤدِّي إليه هذا الخلق من الأمور على صاحبه وعلى غيره فذمُّوه وحذَّروا منه، وأنا ناقل لك ما كتبه الإمام الغزالي رحمه الله تعالى- في هذا الشأن؛ فقد ألف كتابًا خاصًّا بهذا الخُلُق أسماه : «أصناف المغرورين»، ذكر فيه أنواع الخَلْقِ، وأصناف المغرورين منهم على اختلاف طبقاتهم وأصنافهم، وأنا أختار منها شيئًا يسيرًا مُذكِّرًا نفسي أوَّلًا- وإخواني ثانيا-، لعل الله تبارك وتعالى- يجعل في ذلك خيرًا لي ولهم إنه وليُّ ذلك والقادر عليه .. آمين.

*.*.*.*.*.*



قال أبو حامد غفر الله له-:

«الصنف الأول من المغرورين: (العلماء):

والمغرورون منهم فِرق:

الفرقة الأولى:

فرقة منهم لما أَحكمت العلوم الشرعية والعقلية؛ تعمَّقوا فيها واشتغلوا بها، وأهملوا تفقد الجوارح وحفظها عن المعاصى، وإلزامها الطاعات فاغتروا بعلمهم وظنوا أنهم عند الله بمكان.. وأنهم قد بلغوا من العلم مبلغًا لا يُعذب الله تعالى مثلهم(!)، بل يُقبل عليهم ويَقبل في الخلق شفاعتهم، ولا يُطالبهم بذنوبهم، وخطاياهم(!!) وهم مغرورون ... ومثالهم:

 مثال طبيب طَبَّ غيره وهو عليل قادر على طِبِّ نفسه ولم يفعل!.. وهل ينفع الدواء بالوصف؟!..

هيهات لا ينفع الدواء إلا من شربه بعد الحمية.. وغفلوا عن قوله سبحانه وتعالى: ﴿قد أفلح من زكاها وقد خاب من دسها﴾ ولم يقل من يعلم تزكيتها، وأهمل علمها وعَلَّمها الناس..

وغفلوا عن قوله -صلّى الله عليه وسلّم-: «إن أشد الناس عذاباً يوم القيامة عالم لم ينفعه الله بعلمه» [لم أجده بهذا اللفظ].

وغير ذلك كثير..

وهؤلاء المغرورن - نعوذ بالله منهم - وإنما غلب عليهم حب الدنيا وحب الآخرة وحب الراحة.. وظنوا أن علمهم ينجيهم في الآخرة من غير عمل(!!).



الفرقة الثانية:

وفرقة أخرى أحكموا العلم والعمل الظاهر، وتركوا المعاصي الظاهرة، وغفلوا عن قلوبهم فلم يمحو منها الصفات المذمومة عند الله؛ كـ (الكبر، والرياء، والحسد، وطلب الرياسة والعلا، وإرادة الثناء على الأقران والشركاء، وطلب الشهرة في البلاد والعباد)، وذلك غرور سببه غفلتهم عن قوله -عليه الصلاة والسلام-:

«الرياء الشرك الأصغر» [أخرجه الحاكم في المستدرك برقم: (7937 وصححه ووافقه الذهبي].

وقوله: «الحسد يأكل الحسنات كما تأكل النار الحطب» [أخرجه أبو داود برقم: (4903)، وقال الشيخ الألباني : «ضعيف»].

وقوله: «حب المال والشرف ينبتان النفاق في القلب كما ينبت الماء البقل» [لم أجده بهذا اللفظ بل يوجد بلفظ : «الْغِنَاءُ يُنْبِتُ النِّفَاقَ فِي الْقَلْبِ كَمَا يُنْبِتُ الْمَاءُ الْبَقْلَ» وهو ضعيف أيضًا- كما قال الشيخ الألباني رحمه الله-] .

إلى غير ذلك من الأخبار..

وغفلوا عن قوله تعالى: ﴿إلا من أتى الله بقلب سليم﴾ .

فغفلوا عن قلوبهم واشتغلوا بظواهرهم.. ومن لا يصفى قلبه لا تصح طاعته.. ويكون كمريض ظهر به (الجرب) فأمره الطبيب بالطلاء وشرب الدواء.. فاشتغل بالطلاء وترك شرب الدواء.. فأزال ما (بظاهره).. ولم يزل ما (بباطنه)!.. وأصل ما على ظاهره مما في باطنه!.. فلا يَزال (جربه) يزداد أبدًا مما في باطنه!!..

فكذلك (الخبائث) إذا كانت كامنة في القلب يظهر أثرها على الجوارح، فلو زال ما في باطنه استراح الظاهر.



الفرقة الثالثة:

وفرقة أخرى علموا هذه الأخلاق.. وعلموا أنها مذمومة من وجه الشرع إلا أنهم (لعجبهم بأنفسهم) يظنون أنهم منفكون.. وأنهم أرفع عند الله من أن يبتليهم بذلك(!).. وإنما يبتلى به العوام دون من بلغ مبلغهم في العلم(!).. فأما هُم فإنهم أعظم عند الله من أن يبتليهم(!).. فظهرت عليهم مخايل (الكبر) و(الرياسة).. وطلبوا (العلو) و(الشرف).. وغرورهم أنهم ظنُّوا ذلك ليس (تكبرًا) (!).. وإنما هو عِزُّ الدين، وإظهار لشرف العلم(!).. ونصرة الدين(!).. وغفلوا عن فرح إبليس به..

ونصرةُ النبي -صلّى الله عليه وسلّم- لماذا كانت؟..

وبماذا أرغم الكافرين؟

وغفلوا عن تواضع الصحابة رضوان الله عليهم أجمعين .. وتذللهم وفقرهم ومسكنتهم؛ حتى عوتب عمر -رضى الله عنه- في بذاذته عند قدومه إلى الشام فقال: «إنا قوم أعزنا الله بالإسلام.. ولا نطلب العزة في غيره»..

ثم هذا المغرور يطلب العز للدين بالثياب الرفيعة.. ويزعم أنه يطلب عز الدين وشرفه.. ومهما أطلق اللسان في (الحسد) في أقرانه أو فيمن رد عليه شيئا من كلامه لم يظن بنفسه أن ذلك حسد(!)..

ويقول: إنما هو غضب للحق(!) ورد على المبطل في عدوانه وظلمه(!).. وهذا مغرور..

فإنه لو طعن في غيره من العلماء من أقرانه ربما لم يغضب(!)، بل ربما يفرح - وإن أظهر الغضب عند الناس بأنه يحبه-..

وربما يظهر العلم ويقول: غرضي به أن أفيد الخلق(!).. وهو هراء؛ لأنه لو كان غرضه صلاح الخلق؛ لأحب صلاحهم على يد غيره ممن هو مثله أو فوقه!.

وربما يدخل على السلطان ويتودد إليه ويثنى عليه.. فإذا سئل عن ذلك قال:

إنما غرضى أن أنفع المسلمين(!)..

وأن أرفع عنهم الضرر(!)..

وهو مغرور. ولو كان غرضه ذلك فرح به إذا جرى على يد غيره، ولو رأى من هو مثله عند السلطان يشفع في أحد يغضب..

وربما أخذ من (أموالهم)، فإن خطر بباله أنه (حرام) قال له الشيطان:

 هذا مال لا مالِكَ له، وهو (لمصالح المسلمين)، وأنت (إمام المسلمين وعالمهم)، وبك قوام الدين.. وهذه ثلاثة تلبيسات.

أحدها: أنه مَالٌ لا مَالِكَ لَهُ.

والثانى: أنه لمصالح المسلمين.

والثالث: أنه إمام..

وهل يكون إماما إلا من أعرض عن الدنيا كالأنبياء والصحابة(!)..

ومثله: قول عيسى -عليه السلام-: «العالم السوء كصخرة وقعت في الوادى فلا هى تشرب الماء ولا هى تترك الماء يخلص إلى الزرع»..

وأصناف غرور أهل العلم كثيرة..

وما يفسدُ هؤلاءِ أكثرُ ممَّا يُصلحونه..».ا.هـ ، (بتصرف يسير)..



قال أبو موسى غفر الله له ولوالديه-:

وقد توجد بعض هذه الصفات في الواحد منَّا نسأل الله السلامة- فالواجب حينئذٍ؛ مُجاهدة النفس للخلاص منها قدر الطاقة، فإن النفوس مجبولة على الغرور..

            «اللهم اقسم لنا من خشيتك ما يحول بيننا وبين معاصيك، ومن طاعتك ما تبلغنا به جنتك، ومن اليقين ما تهون به علينا مصائب الدنيا، ومتعنا بأسماعنا وأبصارنا وقوتنا ما أحييتنا، واجعله الوارث منا، واجعل ثأرنا على من ظلمنا، وانصرنا على من عادانا ولا تجعل مصيبتنا في ديننا، ولا تجعل الدنيا أكبر همنا، ولا مبلغ علمنا، ولا تسلط علينا من لا يرحمنا»..



وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه والتابعين

والحمد لله ربِّ العالمين



وكتب:

أبو موسى الأردني

أحمد بن عيَّاش بن موسى الغرايبة

-غفر الله له ولوالديه-

آمين

21 / رجب / 1432 هـ

الزرقاء - الأردن

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق