06/05/2024

أشد مزالق الأمة بعد انهيار دولة الخلافة!

 

إن أشدَّ المزالقِ انحطاطًا مما أصاب أمتنا العربية على وجه الخصوص بعد انهيار دولة الخرافة العثمانية -في رأيي- هو انقسام الأمة بالمجمل إلى فريقين:

الأول: فريق اتخذ من العلمانية الغربية طريقًا يقضي به على كل ما له تعلق بالدين الحنيف، حربًا لا هوادة فيها لطمس كل فضيلة وكل عروة وثقى يعتقدها الناس أو يتدينون بها في مناحي حياتهم يدل عليها الكتاب والسنة وإجماع الأمة بحجَّة مُحاربة التطرف!

والثاني: فريقٌ اتخذ من السوداوية والعنف والتكفير والتطرف في الآراء والقضاء على كل رحمة في الإسلام وتصوير الإسلام كدين لا يعرف إلا السيف والدماء والأشلاء بحجة محاربة الفريق الأول: العلماني!

فمحاربة الأفكار الإلحادية التي يروج لها أهلها باسم التنوير والحداثة وإعادة قراءة التاريخ وتجديد الخطاب الإسلامي، لا تقل أهمية عن محاربة الإسلاميين الذين تشبعوا بأفكار القتل والتكفير والخروج على الأمة، وقتلوا أبناءها، ومعركتنا اليوم فيها من الخلط والاختلاط بما هو شرعي مقبول وبما هو تغريبي مرفوض الشيء الكثير الذي لا يتمكن معه عامة الناس ممن لا علم لهم بالشريعة ولا بدلائل الاستنباط من النصوص ولا بكيفية إنزالها على الوقائع والواقع، فالواجب على العارفين بالعلوم الشرعية أن يبينوا للناس خطر الفرقتين ووسطية الإسلام الحق الذي جاء به نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، والذي لا يرفض الخير الذي في علوم الغرب بل ويحثُّ على الاستفادة منها وقبولها في إطارٍ شرعي لا يتعارض مع النصوص الثابتة، ويلبي مع ذلك آمال الأمة بالنصر والتمكين وسيادة العالم -حالهم حال أيِّ أمة أخرى- من غير مجازفة ولا تهور يذهب بزهرة شباب الأمة إلى مهاوي الردى بلا مُقابل. وهذه من وظائف الدولة التي يجب أن تضطلع بها لأن بيدها السلطة وهي القادرة على إيصال الحق أو الباطل لامتلاكها عناصر ووسائل هذا الأمر.

ولمؤرِّخٍ أن يؤرخ انتشار المواقع ووسائل الإعلام الإلحادية والتكفيرية في مجتمعاتنا العربية وانتشارها في مواقع التواصل والسماح لأربابها من المتردية والنطيحة وما أكل السَّبُع ليبثوا ما يشاؤون لمن يريدون من شباب الأمة، أن يجعل ثورات ما يسمونه ربيعًا عربيًا هي النقطة الفيصل في هذا الانتشار ولجماعة الإخوان المفسدين اليدُ الطولى في السماح بهذا الإلحاد أن ينتشر، وقد تفننوا في مصر خاصَّة في تقديم أنفسهم على أنهم لا يُعارضون مثل هذه الأمور إمعانًا في إقناء الغرب وأمريكا تحديدًا بأنهم ليسوا مختلفين عنهم لا في الفكر ولا في التطبيق بل هُم دُعاة ديموقراطية كما الأمريكان، وهم دُعاة حرية اعتقاد كما الأمريكان، وهم لا يخرجون على إرادة الشعب لأن الشعب مصدر السلطات!

ولمن لا يدري بهذا الأمر فعليه أن يعود إلى الشبكة العنكبوتية ويسمع ويرى تصريحات الإخوان ورؤوسهم لما قاموا بثورات الربيع المزعوم الذي بسبب لم نرى ربيعًا في بلادنا منذ ذلك الوقت، ويكفيك أن تعرف أن الإخوان سبب رئيس في هذا أن تسمع صفوت حجازي وهو يقول على قناة يسمعها ملايين المسلمين أنه لا مشكلة في أن يحكم البلاد -يعني مصر- رجل علماني أو بوذي أو غيره إذا حصلت انتخابات حرة نزيهة واختار الناس هذا!!

وكذلك رئيسهم الذي بلغ السلطة محمد مرسي لما قال على الهواء وأمام الملايين كذلك أنه لا اختلاف بين العقيدة النصرانية والعقيدة الإسلامية حتى تعجب المُذيع العلماني من هذه الكذبة فاضر إلى أن يستشهد بالقرآن! وبقول الله تعالى: {لقد كفر الذين قالوا إن الله ثالث ثلاثة}، وازداد عجبه ودهشته عندما أنكر مرسي مرة أخرى أن يكون مسيحيو مصر يقولون بعقيدة التثليث!!

إذن، لما أهملت الدولة العثمانية تثقيف الناس بدينهم وعقيدتهم الصحيحة وتركتهم فريسة لمشايخ الطرق الصوفية الخرافية ولمذاهب الفلسفة الإلحادية سهُل على أتباع الفكر الإلحادي العلماني أن يفترسوا الناس ويرهبونهم من الدين والتدين، ويصوروا لهم أن الإغراق في الشهوات والملذات هو التحرر وهو ما يقتضيه واجب الوقت، ولم يأخذ الأمر مدة طويلة حتى انتشر هذا الأمر في أصقاع المعمورة، وبدأ الفرق المتطرف يهجم هجومًا دمويًا أعطى الذريعة لكل موتور أن يحارب الدين، ولقد كان المُصلحون الحقيقيون الذين لا تعارض عندهم بين التدين الصحيح والتطور الغربي الصريح، فدعوا إلى تصحيح العقائد وإلى الأخذ بما أنتجته علوم الغرب في شتى المجالات ولم تمنع إلا مِن كل ما يُصادم نصًا أو يعارض إجماعًا، بيد أن بعض المتعصبين للعلمانية والانحلال لم يقبلوا إلا أن يكون الباب مفتوحًا على الغارب بلا قيد ولا شرط، ولم يقبل الطرف الآخر إلى إيصاد كل باب في وجه التطور الغربي مطلقًا، واعتبروا أن أي اقتباس فيه تبعية وولاء لهذا الغرب العلماني ومن يتولهم منك فإنه منهم!

وعلى كل حال فإن الأمر يزداد سوءًا والفتنة تشتد على أهل الاستقامة الإيمان الوسطي وما خروج وإنشاء محافل ما يُسمى الفكر والتنوير والحداثة والنقد للموروث إلا نتيجة حتمية لتنكب ما كان عليه الرعيل الأول من أهل الإسلام من اعتقاد وتدين وسطي لا يغلو ولا يجفو، والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون!

وكتب متواصيًا بالحق ومتواصيًا بالصبر

أبو موسى أحمد بن طريف الغرايبة

27 / 10 / 1445هـ

6 / 5 / 2024م.

والحمد لله رب العالمين

أشد مزالق الأمة بعد انهيار دولة الخلافة!

  إن أشدَّ المزالقِ انحطاطًا مما أصاب أمتنا العربية على وجه الخصوص بعد انهيار دولة الخرافة العثمانية -في رأيي- هو انقسام الأمة بالمجمل إلى ف...