23/03/2024

لماذا يُحذر السلفيون من كل من يُجيز إثارة القلاقل في البلاد الإسلامية؟

 

#تصحيح_المفاهيم

#زَغَلُ_التَّمييع

لماذا يُحذر السلفيون من كل من يُجيز إثارة القلاقل في البلاد الإسلامية؟

لما جاء هذا الدين بالنور الإلهي التام الذي فيه خير البشرية جمعاء كان لا بُد من قيام منهج قويم يصلُح به علاقتان لازمتان،

الأولى: علاقة الرعية براعيها وولي أمرها.

والثانية: علاقة الراعي برعيته ومَن هُم تحت إمرته.

فنظم الإسلام العلاقتان وجعل لكلٍّ منها ضوابط وأحكامًا وواجبات وحقوقًا تضمن استمرار العلاقة على الوجه الصحيح، وجعل موانع وحواجز بين العلاقتين لا يجوز لأحد اختراقها أو تعديها لأن ذلك يعني انهيار المنظومة برُمَّتها.

وكما هو ظاهر فإن العلاقتان تسيران باتجاهين مختلفين فالأولى من الرعية تُجاه ولي أمرها، والثانية بالعكس، ولمَّا كانت العلاقة الأولى وهي علاقة الرعية بولي أمرها يعتريها مصالح وأطماع شخصية لا تخلو منها النفوس البشرية كانت الضوابط والموانع من خلخلة هذه الرابطة عليها أكثر وأشد، فشُرعت آداب وطرائق لخطاب الطبقة الأعلى تقديرًا لمكانتها وحفظًا لهيبتها أن تتزعزع أو تهون في عيون الرعية؛ لأنه متى ما ذهبت هيبة السلطان حصل الفساد وانتشرت المنكرات وفقد الناس الأمن.

وحتى لا يُفهم أن هذا الأمر بالطاعة لولاة الأمر مُطلقٌ لا يجوز غيره بين الشارع أن هذه الطاعة إنما هي مشروطة بأن يكون أمر ولي الأمر ليس مُنكرًا في الدين، فين النبي -صلى الله عليه وسلم- أن الطاعة بالمعروف، وأسوق هنا حديثًا أصلًا في هذا الباب فقد فهم بعض الصحب الكرام من الأمر بالطاعة أنها طاعة مُطلقة كما يحصل في فهم كثير من الناس، فقد أخرج البخاري ومسلم في صحيحيهما عن عَلِيٍّ رضي الله عنه، قَالَ: بَعَثَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم سَرِيَّةً وَأَمَّرَ عَلَيْهِمْ رَجُلاً مِنَ الأَنْصَارِ وَأَمَرَهُمْ أَنْ يُطِيعُوهُ. فَغَضِبَ عَلَيْهِمْ، وَقَالَ: أَلَيْسَ قَدْ أَمَرَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم أَنْ تُطِيعُونِي قَالُوا: بَلَى قَالَ: عَزَمْتُ عَلَيْكُمْ لَمَا جَمَعْتُمْ حَطَبًا وَأَوْقَدْتُمْ نَارًا ثُمَّ دَخَلْتُمْ فِيهَا فَجَمَعُوا حَطَبًا، فَأَوْقَدُوا فَلَمَّا هَمُّوا بِالدُّخُولِ، فَقَامَ يَنْظُرُ بَعْضُهُمْ إِلى بَعْضٍ، قَالَ بَعْضُهُمْ: إِنَّمَا تَبِعْنَا النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فِرَارًا مِنَ النَّارِ، أَفَنَدْخُلُهَا فَبَيْنَمَا هُمْ كَذلِكَ إِذْ خَمَدَتِ النَّارُ، وَسَكَنَ غَضَبُهُ فَذُكِرَ لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، فَقَالَ: «لَوْ دَخَلُوهَا مَا خَرَجُوا مِنْهَا أَبَدًا، إِنَّمَا الطَّاعَةُ فِي الْمَعْرُوف».

إذن، لما توهم هذا القائد أن الأمر بطاعته يستلزم منه أن يطيعه الناس حتى ولو أمر بما فيه هلاكهم، بيَّن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنهم لو أطاعوه ودخلوا النار التي أوقدها لهم ما خرجوا منها أبدًا؛ لأن هذا الأمرَ أمرٌ بالمعصية بل وأمر بقتل النفس التي حرم الله إلا بالحق، وليس له الحق أن يُزهق أنفسهم بلا سبب يوجب ذلك، فكان هذا الضابط العظيم رادعًا للولاة أن يأمروا رعيتهم بأمر فيه معصية الله ورسوله، وفيه تشريف لنفوس الرعية من أن تنقاد انقياد البهائم لمن ولي أمرها فتفعل كل ما يأمر به ولو كان فيه من المعصية والضلال ما فيه!

هذا فيما يختص بأمر الطاعة وبماهيته وحدِّه الذي وضعه الشارع الحكيم، ولما كان من الغيب الذي أخبر به النبي -صلى الله عليه وسلم- أن هؤلاء الولاة سيغيرون ويبدلون بعده  كان لزامًا أن يبين لأمته ما لها وما عليها تُجاه هذه العلاقة المهمة فأمرهم أن لا يُنازعوا الأمر أهله والأمر هُنا هو الحكم لا شك في ذلك، فأمرهم بالصبر على جور الولاة وطاعتهم بالمعروف وأن لا ينزعوا يد الطاعة ولو بدر من الولاة ما يكرهونه أو استأثروا بالمال دون رعيتهم واستثنى من ذلك حالة واحدة تقع من الحاكم ألا وهي الكفر البواح الذي عندنا من الله فيه برهان، فقد أخرج البخاري ومسلم عن عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ عَنْ جُنَادةَ بْنِ أَبِي أُمَيَّةَ، قَالَ: دَخَلْنَا عَلَى عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ وَهُوَ مَرِيضٌ، قُلْنَا: أَصْلَحَكَ اللهُ، حَدِّثْ بِحَدِيثٍ يَنْفَعُكَ اللهُ بِهِ، سَمِعْتَهُ مِنَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: دَعَانَا النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فَبَايَعْنَاهُ، فَقَالَ فِيمَا أَخَذَ عَلَيْنَا، أَنْ بَايَعَنَا عَلَى السَّمْعِ وَالطَّاعَةِ فِي مَنْشَطِنَا وَمَكْرَهِنَا وَعُسْرِنَا وَيُسْرِنَا وَأُثْرَةٍ عَلَيْنَا، وَأَنْ لَا نُنَازِعَ الأَمْرَ أَهْلَهُ إِلَاّ أَنْ تَرَوْا كُفْرًا بَوَاحًا عِنْدَكُمْ مِنَ اللهِ فِيهِ بُرْهَانٌ.

وعلى ضوء ما تقدم يتبين أن الحد الذي يجوز لولي الأمر أن يُطاعَ به هو أن يأمر رعيته بالمعروف، وأن الحد الذي يجيز للرعية ترك الطاعة هو أن تؤمر بمعصية، وأن لها نزع يد الطاعة بصدور الكفر البواح الذي عندها فيه من الله برهان، وما دون هذين الحدَّين ليس ثمة إلا الطاعة والسياسة الحسنة والعدل والوفاء بالبيعة والدعاء للولاة بالتوفيق والسداد والهداية، وكل ما خالف هذا فضلال وخروج عن السبيل الذي خطَّه الله ورسوله للمؤمنين، ويجب الحذر والتحذير من فاعله أو المحرض عليه أو الراضي به، لأن المنظومة تنهار بحدوث هذا الخلل وتضعف الأمة ويصير أمرها وبالًا عليها.

إذا تقرر هذا المبدأ المتبادل بين الراعي والرعية فمن أين جاءت أفكار الخروج والتحريض على الأمراء وحمل السلاح في وجوه الأمة والخروج عن الجماعة مع ما يكتنف ذلك من التكفير والفجور في الخصومة، وكيف كانت بداية ذلك في الأمة، كل هذا سأقوم بسرده في مقالات متتالية بحول الله منذ بزوغ فجر هذه البدعة المُضلة زمن الصحابة رضي الله عنهم وأرضاهم وإلى أيامنا هذه حيث تبدل وجه الخروج وتنوعت وسائله، وأخذ من قلوب الكثيرين كل مأخذ حتى التبس على الكثيرين بعض وسائله وظنوا أنها لا تؤدي إلى الخروج بالسلاح، ولا إلى تضييع الأمن وترويع الآمنين، فأسأل الله أن ييسر ذلك وأن يعينني على بيان الحق والعمل به إنه ولي ذلك والقادر عليه.

وكتب قُبيل غروب يوم السبت الثاني عشر من رمضان سنة 1445 هـ

أحمد بن طريف أبو موسى الغرايبة

غفر الله له ولوالديه وللمسلمين.

04/03/2024

[التغليظ على أهل الأهواء والانحراف عن منهج السلف سُنَّة إلهية وطريقة نبوية] (المقالة الثالثة)

 [التغليظ على أهل الأهواء والانحراف عن منهج السلف سُنَّة إلهية وطريقة نبوية] (المقالة الثالثة)

أسلفنا القول بأننا سنذكر في هذه المقالة الثالثة أنواع أعداء الدين ومَن هو دائرٌ في فلكهم، وبيان وجوب الرد عليهم وبيان أحوالهم ولو اقتضى الأمر ذكرهم بأعيانهم فإن المصلحة لا تتحقق في كثير من الأحيان إلى بالبيان الواضح الذي لا ينصرف إلا للمردود عليه تعيينًا، وهذا الأسلوب أسلوب إلهي ونبوي فقد ذم الله أقوامًا بأسمائهم لما كان منهم من صدٍّ عن سبيل الله وعن دينه الحق، فذكرهم بأسمائهم كفرعون وهامان وقارون والسامري وأبي لهب وغيرهم وفي الحديث أضعاف ذكر هؤلاء فلا يُنكر هذا المنهج الإلهي إلا جاهل أو صاحب هوًى.

قال شيخ الإسلام ابن تيمية -قدَّس الله روحه- كما في «مجموعة الرسائل والمسائل»:

«وأعداء الدين نوعان: الكفار والمنافقون، وقد أمر الله نبيه بجهاد الطائفتين في قوله: {جاهد الكفار والمنافقين وأغلظ عليهم} في آيتين من القرآن.

فإذاكان أقوامٌ منافقون يبتدعون بدعًا تخالف الكتاب ويلبسونها على الناس ولم تبين للناس فسد أمر الكتاب وبُدِّلَ الدين، كما فسد دين أهل الكتاب قبلنا بما وقع فيه من التبديل الذي لم يُنْكَر على أهله.

وإذا كان أقوام ليسوا منافقين لكنهم سماعون للمنافقين قد التبس عليهم أمرهم حتى ظنوهم قولهم حقًا وهو مخالف للكتاب وصاروا دعاة إلى بدع المنافقين كما قال تعالى: {لو خرجوا فيكم ما زادوكم إلا خبالا ولا وضعوا خلالكم يبغونكم الفتنة وفيكم سماعون لهم} فلا بد أيضًا من بيان حال هؤلاء بل الفتنة بحال هؤلاء أعظم فإن فيهم إيمانًا يوجب موالاتهم».

قال أبو موسى:

أوجب شيخ الإسلام في الفقرتين الآنفتي الذكر بيان حال المنحرفين من المسلمين الذين هم ليسوا بمنافقين في خاصة أنفسهم ولكنهم يُطرقون السمع لأولئك المنافقين فيعتقدون أن ما قالوه حق وصدق، وقد جعل الفتنة في هؤلاء أعظم لأن فيهم إيمانًا يوجب موالاتهم، فتأمل يا رعاك الله!

واليوم قد افتُتن أقوام يتقفرون العلم وينتسبون إليه ويتدثرون بالعلماء الكبار وفتنوا العوام في أمر ظاهر الفساد والإفساد سُفكت بسببه دماء الأمة المحمدية بلا ثمن ولا مصلحة يمكن تحققها، وقام فيهم أقوام يزينون هذه الأفعال غاية التزيين ويهجمون على الناصحين المُصلحين ممن يبتغي حقن دماء أهل الإسلام ويدعو إلى التريث وعدم استعجال ما لم تتحقق أسبابه ولا تحققت ابتداءً وسائله اللهم إلا بعض وسائل لا تُغني ولا تَحمي ولا تمنع اعتداء وُعتدٍ ولا جور جائر؛ فكيف بمن لا يرقُب في مؤمن إلًّا ولا ذِمَّة؟!!

ثم قال شيخ الإسلام -رحمه الله-:

«وقد دخلوا في بدع من بدع المنافقين التي تُفسد الدِّين فلا بد من التحذير من تلك البدع وإن اقتضى ذلك ذكرهم وتعيينهم بل ولو لم يكن قد تلقوا تلك البدعة عن منافق لكن قالوها ظانين أنها هدى وأنها خير وأنها دين ولم يكن كذلك لوجب بيان حالها.

ولهذا وجب بيان حال من يغلط في الحديث والرواية ومن يغلط في الرأي والفتيا ومن يغلط في الزهد والعبادة، وإن كان المخطئ المجتهد مغفورًا له خطؤه، وهو مأجور على اجتهاده، فبيان القول والعمل الذي دل عليه الكتاب والسنة واجب وإن كان في ذلك مخالفة لقوله وعمله».

قال أبو موسى:

فكم من داخل اليوم في بدع من بدع المنافقين التي تُفسد الدين، وهل هناك مُفسد لدين الناس كالثناء على الرافضة وأذنابهم وتعظيم شأنهم وجعلهم أئمة يُقتدى بهم بل ويقول أحدهم إنه يتمنى أن يصلي في المسجد الأقصى -بعد أن يتحرر من براثن يهود- المرشد الأعلى للجمهورية المجوسية؟!

بل وأوجب شيخ الإسلام بيان حالهم وإن اقتضى ذلك ذِكرهم وتعيينهم، فلماذا اليوم يخرج علينا مميعة جُهلاء يمنعون من ذكر وتعيين أمثال هؤلاء ممن كان سببًا في إذعار الصهاينة على أهل غزة -سلمها الله- فقتلوا وشردوا عشرات الألوف من المسلمين الضعفاء الذين لا يملكون سلاحًا يدفعون به عن أنفسهم ولا يملكون ما يصمدون به على حصارهم وتجويعهم، فالرد على هذا العمل الإجرامي من أوجب الواجبات على من آتاه الله علمًا وحكمة، والأخذ على أيدي هذه الزمرة المُغامرة بدماء الناس وعلى أيدي غيرها ممن لا يعرف فقه المآلات ولا يفهم الواقع ولا يستطيع قياس حالة الأمة المحمدية في هذه الأعصار المتأخرة؛ لأن تركهم وما يفعلون لن يجلب للأمة إلا مزيدًا من القتل والدمار ونهب الخيرات؛ فالأمة في مقابل أعدائها في هذا الزمان ضعيفة أشد ما تكون في زمان من الأزمان، وعدوها أقوى ما يكون في زمن من الأزمان، والأمة مع هذا الضعف والخور غارقة في معاصيها ومُجاهرة بها ومنقسمة فرقًا كل حزب بما لديهم فرحون، فكيف يُرجى نصر وعلو على الكافرين ونحن في ركبهم سائرون وعلى سننهم ماضون؟!

فعلى هؤلاء المميعة أن يقبلوا الحق ولا يزيفوه للناس ولا يستكبرون عن قبوله ويلمزون أهل السنة بالمداخلة والجامية والغلاة وغيرها من الأوصاف التي يرومون بها الانتقاص لأهل الحق لمَّا عجزوا عن الرد على أدلتهم، ويُلمح شيخ الإسلام -رحمه الله تعالى- إلى هذا المعنى بقوله: «ومتى كره هذا الحق كان ناقصاً في إيمانه، يُنقص من أُخوَّته بقدر ما نقص من إيمانه».

{والله ورسوله أحق أن يرضوه}.

وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليمًا كثيرًا

وكتب لسبعٍ بقين من شهر شعبان سنة 1445هـ

أحمد بن طريف، أبو موسى الغرايبة

غفر الله له ولوالديه ولمشايخه وللمسلمين

آمين.. والحمد لله رب العالمين.

[التغليظ على أهل الأهواء والانحراف عن منهج السلف سُنَّة إلهية وطريقة نبوية] (المقالة الثانية)

 [التغليظ على أهل الأهواء والانحراف عن منهج السلف سُنَّة إلهية وطريقة نبوية] (المقالة الثانية)

قدمنا في (المقالة الأولى) من الرد على من أنكر التغليظ بالقول على أهل البدع من أهل الانحراف سواءٌ كان انحرافهم في العقائد أم في مناهجهم التي ينسبونها إلى الشريعة المحمدية الغراء أو إلى أفعالهم التي تُخالف أصولًا شرعية مَرعية يقوم الدليل من الكتاب والسنة على عدم مشروعيتها أو جاء النهي عنها.

وقد ذكرنا أن هذا الإغلاظَ في القول ليس بِدعًا من القول أو منهجًا دخيلًا على دين الإسلام بل هو أصيلٌ أصالة الكتاب والسنة وقد نقلنا كلام شيخ الإسلام ابن تيمية -قدَّس الله روحه- واستنباطه هذا الأمر من الكتاب والسنة وتَعداد ألوانٍ ممن لعنهم الله في كتابه وعلى لسان نبيه ﷺ واللعنُ أشد ألفاظ الرد وأعظم غِلظة في حق المخالفين فلا تجد لو أردت أن تُغلظ بالقول على أحد أعظم شِدَّة من لفظ اللعن وهو الطرد من رحمة الله -عز وجل-، فتأمل يا رعاك الله!

وقد رأى بعض السلف شيئًا من الحرج في قدحه في أهل المخالفات فسأل إمام أهل السنة أحمد بن حنبل -رحمه الله تعالى- فقال: إنه يثقل عليَّ أن أقول: فلانٌ كذا وفلانٌ كذا، فقال -أي الإمام أحمد-: «إذا سكتَّ أنتَ وسكتُّ أنا فمتى يعرفُ الجاهلُ الصحيحَ من السقيمَ»؟!

نعم، هذا هو المقصد من هذه الألفاظ التي يُطلقها أهل السنة في حق المخالفين وهو مِن النصيحة الواجبة لله ولكتابه ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم، فليس المقصود ولا الغاية أن يقدح الإنسان بألفاظ غليظة لمجرد القدح وإشفاء الغليل ممَّن خالفه -عياذًا بالله- فإن هذه نية فاسدة تُلحق بفاعلها الخزي في الدنيا والآخرة، وإنما الأمر كما ذكر شيخ الإسلام -رحمه الله- بقوله:

«وإذا كان النصح واجباً في ‌المصالح ‌الدينية ‌الخاصة والعامة مثلُ نَقَلَةِ الحديث الذين يَغلطون أو يَكذبون، كما قال يحيى بن سعيد: سألت مالكًا والثوري والليث بن سعد - أظنه - والأوزاعي عن الرجل يُتَّهم في الحديث أو لا يحفظ؟ فقالوا: بيِّن أمره».

فبيان أمر أهل الأهواء وتحذير الناس منهم هو المقصد والغاية حمايةً للدين من التحريف ومن المُندسين تحت رايته حتى عدَّه السلف من الأعمال التي تفضُل الصيام والصلاة والاعتكاف، لذا قال شيخ الإسلام في معرض بيان الغيبة وما يجوز منها:

«ومثل أئمة البدع من أهل المقالات المخالفة للكتاب والسنة، أو العبادات المخالفة للكتاب والسنة؛ فإنَّ بيان حالهم وتحذير الأمة منهم واجبٌ باتفاق المسلمين حتى قيل لأحمد بن حنبل: الرجل يصوم ويصلي ويعتكف أحب إليك أو يتكلم في أهل البدع؟ فقال: إذا قام وصلى واعتكف فإنما هو لنفسه، وإذا تكلم في أهل البدع فإنما هو للمسلمين، هذا أفضل.

فبيَّن أن نفع هذا -أي الذي يرد على أهل البدع- عام للمسلمين في دينهم من جنس الجهاد في سبيل الله، إذ تطهير سُبل الله ودينه ومناهجه وشرعته ودفع بغي هؤلاء وعدوانهم على ذلك واجب على الكفاية باتفاق المسلمين، ولولا من يُقيمهُ الله لدفع ضرر هؤلاء لفسد الدِّينُ، وكان فساده أعظم من فساد استيلاء العدو من أهل الحرب، فإن هؤلاء -أهل الحرب- إذا استولوا لم يفسدوا القلوب وما فيها من الدِّين إلا تبعًا وأما أولئك -أي أئمة البدع- فهم يُفسدون القلوب ابتداءً».

فنفع الرد على هؤلاء أنفع للمسلمين في دينهم وهو من جنس الجهاد في سبيل الله واليوم يخرج علينا أصناف من أهل التمييع يريدون أن يُسكتوننا عن ضلالات بعض المنتسبين إلى الإسلام والسنة ويقولون عن رد أهل العلم على انحرافاتهم غلوًّا، ويريدون أن يُحرفوا الكلم عن مواضعه فيذهبون إلى الطعن في طلبة العلم بحجج أوهى من بيت العنكبوت بحجة أن الوقت غير مناسب أو أن الأسلوب فيه تنفير أو أن الأمر يحتمل الخلاف ونحوها من الكلمات التي ليس فيها مُزعة من الحياء ولا أثارة من علم! وأدلة الكتاب والسنة وأقوال السلف كثيرة في هذا الباب لأن الرد بالحُسنى إنما يكون على من خطؤه لا يتعداه من مثل أهل المعاصي والكبائر ليكون الردُّ بالحُسنى دافعًا له على الرجوع والإنابة والصلاح والاستقامة، أو قد يُقال أن الرد بالحُسنى يجوز في حق مَن أخطأ ممَّن له أصول سلفية وعلمية سليمة وهو غير مُستكبر ويقبل الحق ويرجع إليه وليس هو حربًا على أهل السنة بمجرد أنهم يُحذرون من حزبه أو طائفته أو شيوخه.

قد يُقال هذان الصنفان يُرد عليهما باللين من القول أو بالمعاريض، ولكن لا يمكن اتخاذ هذا الطريق في الرد على من تمرس بالبدعة ونافح عنها وألف فيها الكتب وحارب أهل السنة لأجل إقناع العامة بها كما فعل جلاوزة المتحزبين الذين قدَّموا العقل على النقل، ولَوَوْا أعناق النصوص وحرَّفوها وقبلوا المكذوب منها وأخذوا يُنبِّشون عن الشاذ من الأقوال ليدعموا بدعهم وتخريفاتهم، وأخذوا يلمزون أهل السنة بالأوصاف المُقذِعة ليصرفوا عامة المسلمين عن الأخذ عنهم، وذلك منهم لا لأنهم معهم الحق والدليل بل لأن ذلك يُقنع الجُهَّال بأنَّ باطلهم هو الحق وأن الحق الذي مع أهل الدليل من أهل السنة هو الباطل، وقد نجحوا كثيرًا في مسعاهم بسبب أسلوب التمييع الذي ينتهجه بعض من ينتسبون إلى العلم ويزعمون الإنصاف والعدل، ولكن الله غالب على أمره وسيعلمون إذا ما وقفوا بين يدي الملك الحكم العدل مدى انحرافهم وضلالهم عن المنهج الحق، ولكن صبرًا يا أهل السنة!

وسيأتي في المقالة التالية بيان أنواع أعداء الدين ومن هو دائر في فلكهم وبيان وجوب الرد عليهم وذكرهم بالتعيين عند الحاجة وتحقق المصلحة حماية للدين من التحريف.

والله الموفق، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وسلم تسليمًا كثيرًا

أحمد بن طريف أبو موسى الغرايبة

غفر الله له ولوالديه وللمسلمين

[التغليظ على أهل الأهواء والانحراف عن منهج السلف سُنَّة إلهية وطريقة نبوية] (المقالة الأولى)

 

[التغليظ على أهل الأهواء والانحراف عن منهج السلف سُنَّة إلهية وطريقة نبوية] (المقالة الأولى)

تغليظ القول في أهل الانحراف من سنن الله الثابتة في كتابه العزيز، وهي ثابتة كذلك وبأشد الألفاظ في سنة النبي فما الذي ينقمه المميعة وأضرابُهم على من يُغلظ بالقول على أهل البدع والتحزبات الباطلة كالإخوان والصوفية والخوارج المارقين، ومن دار في فلكهم من القعديين ولفَّ لفَّهم؟!

فلتعلم أخي القارئ الكريم أنَّ ذمَّ أهل الباطل والانحراف والنفاق سُنة إلهية وطريقة نبوية كما ذكرتُ لك آنفًا، فهذا ربُّنا -جل في عُلاه- يذُم صنوفًا منهم ويلعنهم بل وتلعنهم الملائكة والنبيون -واللعن من أشد العبارات في القدح إذ هو الطرد من رحمة الله!- .

وقد بين شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله تعالى- أن كل صنف ذمه الله ورسله يجب ذمه وأن ذلك ليس من الغيبة وبين أن ما لعنه الله ورسوله لُعن، فالله تعالى ذم الكافر والفاجر والفاسق والظالم والغاوي والضال والحاسد والبخيل والساحر وآكل الربا وموكله والسارق والزاني والمختال والفخور والمتكبر الجبار وأمثال هؤلاء، ولعن الله الذين يكتمون ما أنزل الله من البينات من بعد ما بينه للناس وذكر لعنة الظالمين!

وأما تغليظ النبي على أهل المخالفات من شتى الطرائق فأكثر من أن يُحصى والأحاديث في الصحيحين كثيرة في هذا الباب تلميحًا وتصريحًا وهذا أيضًا ذكره شيخ الإسلام فقال: ولعن رسول الله آكل الربا وموكله وشاهديه وكاتبه، والمُحَلِّلَ والمُحَلَّلَ له، ولعن من عمِل عمَل قوم لوط، ولعن من أحد حدثاً أو آوى محدثاً، ولعن الخمر وعاصرها ومعتصرها وحاملها والمحمولة إليه وبائعها ومشتريها وساقيها وشاربها وآكل ثمنها، ولعن اليهود والنصارى حيث حُرمت عليهم الشحوم فجملوها وباعوها وأكلوا أثمانها.

وهذا كثير جدًا في القرآن الكريم وفي السنة النبوية ويتكرر في غير ما موضع تغليظ القول على كل مخالف متنكب للطريق، فهل يوصف بالغلو من اتبع كتاب ربه وسنة نبيه في بيان حال المنحرفين وغلَّظ القول فيهم، وهل كونُ المرء المُتكلَّمِ فيه مسلمًا يمنع من إغلاظ القول في حقه وعدم الرأفة في عقوبته ردعًا له وتحذيرًا للناس من شره ومن شر مقالته أو عقيدته أو أفعاله المخالفة لأصول الدين؟!

لقد قال ربنا بعد أن ذكر عقوبة الزُّناة: (ولا تأخذكم بهما رأفة في دين الله إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر)! انظر سلمك الله وشرح صدرك للحق ماذا قال ربُّك؟ قال: (لا تأخذكم بهما رأفة) مع كون الزاني مسلمًا مؤمنًا ارتكب هذا الفعل الفاحش حال شهوة أو نزوة ألمَّت بنفسه الضعيفة مع كون هذا الفعل وهو الزنا بين رجل وامرأة قد لا يتعدى الضرر بسببه أسرة واحدة أو اثنتين وقد يُقال إنه حماية للمجتمع من الشهوات أن تشيع ومن الفواحش أن تنتشر؛ فكيف بمن ضرر مخالفته أو بدعته أو انحرافه يَمَسُّ أصل الدين والعقيدة أيُقال في الرادِّين على هؤلاء غُلاةً؟!

إن المميعة العصريين يضربون صفحًا عن هذه الطريقة الإلهية والسنة النبوية في بيان الحق ودحض الباطل ويرون أن وصف الإسلام عاصمًا من التغليظ بالقول وهو فهم لا يخلو صاحبه من أحد أمرين، إما أن يكون جاهلًا لا يدري منهج الله ولا منهج أنبيائه في الرد على الضلالات والمنكرات وهذا الصنف أمره يسير يكفيه أن يبذل جهدًا زائدًا ليتعلم لأنه إنما دواءُ العِيِّ السؤال كما جاء في الأثر.

وإما أن يكون من أهل الأهواء أو مِن الدافعين عنهم فيغمض عينيه عن هذا المنهج الإلهي الراسخ والطريقة النبوية الأصيلة في حماية الدين، أو يذهبُ يلوي أعناق النصوص ليتخذها مرافعة ينافح بها عن ربعه وأخدانه الذين يخشى أن ينفضوا من حوله ويتركوه بلا تصفيق وتعظيم وتبجيلٍ يروي به عليله ويشفي به غليله، وهذا الصنف كذلك كثير لكنه أشرُّ من الصنف الأول؛ لأن الأول دواؤه العلم، وأما الثاني فداؤه العلم فكيف يُشفى من داؤه هو دواؤه؟!

وفي معنى التغليظ والإساءة بالقول لأهل البدع والأهواء أورد شيخ الإسلام قوله تعالى: (لا يحب الله الجهر بالسوء من القول إلا من ظلم)، فقال مُعلقًا عليه: وقد رُوي: إنها نزلت في رجل نزل بقوم فلم يُقْرُوه [من القِرا: وهو الطعام الذي يُقدم للضيف وعابر السبيل]. فإذا كان هذا فيمن ظُلم بترك قِراه الذي تنازع الناس في وجوبه وإن كان الصحيح أنه واجب، فكيف بمن ظُلم بمنع حقه الذي اتفق المسلمون على استحقاقه إياه؟.

قلتُ -أبو موسى-: فكيف بمن ظُلم بمنعه من معرفة دينه وعقيدته بسبب مَن حرَّف الدين واتبع الأهواء وأضل العباد وتحزب لشيطانه، وتسلح بلسانٍ منافق عليم؟!

ولا حول ولا قوة إلا بالله وهو حسبُنا ونعم الوكيل..

أحمد بن طريف أبو موسى الغرايبة

غفر الله له ولوالديه وللمسلمين

طورُ التَّحول والتحوُّر الإخواني الجديد بعد قرب انهيار الجماعة والانتقال إلى أرضية جديدة وخصبة لزرع الأفكار الخارجية المتأصلة في فكر الجماعة! (التمهيد)

  (1) طورُ التَّحول والتحوُّر الإخواني الجديد بعد قرب انهيار الجماعة والانتقال إلى أرضية جديدة وخصبة لزرع الأفكار الخارجية المتأصلة في فكر...