04/03/2024

[التغليظ على أهل الأهواء والانحراف عن منهج السلف سُنَّة إلهية وطريقة نبوية] (المقالة الثانية)

 [التغليظ على أهل الأهواء والانحراف عن منهج السلف سُنَّة إلهية وطريقة نبوية] (المقالة الثانية)

قدمنا في (المقالة الأولى) من الرد على من أنكر التغليظ بالقول على أهل البدع من أهل الانحراف سواءٌ كان انحرافهم في العقائد أم في مناهجهم التي ينسبونها إلى الشريعة المحمدية الغراء أو إلى أفعالهم التي تُخالف أصولًا شرعية مَرعية يقوم الدليل من الكتاب والسنة على عدم مشروعيتها أو جاء النهي عنها.

وقد ذكرنا أن هذا الإغلاظَ في القول ليس بِدعًا من القول أو منهجًا دخيلًا على دين الإسلام بل هو أصيلٌ أصالة الكتاب والسنة وقد نقلنا كلام شيخ الإسلام ابن تيمية -قدَّس الله روحه- واستنباطه هذا الأمر من الكتاب والسنة وتَعداد ألوانٍ ممن لعنهم الله في كتابه وعلى لسان نبيه ﷺ واللعنُ أشد ألفاظ الرد وأعظم غِلظة في حق المخالفين فلا تجد لو أردت أن تُغلظ بالقول على أحد أعظم شِدَّة من لفظ اللعن وهو الطرد من رحمة الله -عز وجل-، فتأمل يا رعاك الله!

وقد رأى بعض السلف شيئًا من الحرج في قدحه في أهل المخالفات فسأل إمام أهل السنة أحمد بن حنبل -رحمه الله تعالى- فقال: إنه يثقل عليَّ أن أقول: فلانٌ كذا وفلانٌ كذا، فقال -أي الإمام أحمد-: «إذا سكتَّ أنتَ وسكتُّ أنا فمتى يعرفُ الجاهلُ الصحيحَ من السقيمَ»؟!

نعم، هذا هو المقصد من هذه الألفاظ التي يُطلقها أهل السنة في حق المخالفين وهو مِن النصيحة الواجبة لله ولكتابه ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم، فليس المقصود ولا الغاية أن يقدح الإنسان بألفاظ غليظة لمجرد القدح وإشفاء الغليل ممَّن خالفه -عياذًا بالله- فإن هذه نية فاسدة تُلحق بفاعلها الخزي في الدنيا والآخرة، وإنما الأمر كما ذكر شيخ الإسلام -رحمه الله- بقوله:

«وإذا كان النصح واجباً في ‌المصالح ‌الدينية ‌الخاصة والعامة مثلُ نَقَلَةِ الحديث الذين يَغلطون أو يَكذبون، كما قال يحيى بن سعيد: سألت مالكًا والثوري والليث بن سعد - أظنه - والأوزاعي عن الرجل يُتَّهم في الحديث أو لا يحفظ؟ فقالوا: بيِّن أمره».

فبيان أمر أهل الأهواء وتحذير الناس منهم هو المقصد والغاية حمايةً للدين من التحريف ومن المُندسين تحت رايته حتى عدَّه السلف من الأعمال التي تفضُل الصيام والصلاة والاعتكاف، لذا قال شيخ الإسلام في معرض بيان الغيبة وما يجوز منها:

«ومثل أئمة البدع من أهل المقالات المخالفة للكتاب والسنة، أو العبادات المخالفة للكتاب والسنة؛ فإنَّ بيان حالهم وتحذير الأمة منهم واجبٌ باتفاق المسلمين حتى قيل لأحمد بن حنبل: الرجل يصوم ويصلي ويعتكف أحب إليك أو يتكلم في أهل البدع؟ فقال: إذا قام وصلى واعتكف فإنما هو لنفسه، وإذا تكلم في أهل البدع فإنما هو للمسلمين، هذا أفضل.

فبيَّن أن نفع هذا -أي الذي يرد على أهل البدع- عام للمسلمين في دينهم من جنس الجهاد في سبيل الله، إذ تطهير سُبل الله ودينه ومناهجه وشرعته ودفع بغي هؤلاء وعدوانهم على ذلك واجب على الكفاية باتفاق المسلمين، ولولا من يُقيمهُ الله لدفع ضرر هؤلاء لفسد الدِّينُ، وكان فساده أعظم من فساد استيلاء العدو من أهل الحرب، فإن هؤلاء -أهل الحرب- إذا استولوا لم يفسدوا القلوب وما فيها من الدِّين إلا تبعًا وأما أولئك -أي أئمة البدع- فهم يُفسدون القلوب ابتداءً».

فنفع الرد على هؤلاء أنفع للمسلمين في دينهم وهو من جنس الجهاد في سبيل الله واليوم يخرج علينا أصناف من أهل التمييع يريدون أن يُسكتوننا عن ضلالات بعض المنتسبين إلى الإسلام والسنة ويقولون عن رد أهل العلم على انحرافاتهم غلوًّا، ويريدون أن يُحرفوا الكلم عن مواضعه فيذهبون إلى الطعن في طلبة العلم بحجج أوهى من بيت العنكبوت بحجة أن الوقت غير مناسب أو أن الأسلوب فيه تنفير أو أن الأمر يحتمل الخلاف ونحوها من الكلمات التي ليس فيها مُزعة من الحياء ولا أثارة من علم! وأدلة الكتاب والسنة وأقوال السلف كثيرة في هذا الباب لأن الرد بالحُسنى إنما يكون على من خطؤه لا يتعداه من مثل أهل المعاصي والكبائر ليكون الردُّ بالحُسنى دافعًا له على الرجوع والإنابة والصلاح والاستقامة، أو قد يُقال أن الرد بالحُسنى يجوز في حق مَن أخطأ ممَّن له أصول سلفية وعلمية سليمة وهو غير مُستكبر ويقبل الحق ويرجع إليه وليس هو حربًا على أهل السنة بمجرد أنهم يُحذرون من حزبه أو طائفته أو شيوخه.

قد يُقال هذان الصنفان يُرد عليهما باللين من القول أو بالمعاريض، ولكن لا يمكن اتخاذ هذا الطريق في الرد على من تمرس بالبدعة ونافح عنها وألف فيها الكتب وحارب أهل السنة لأجل إقناع العامة بها كما فعل جلاوزة المتحزبين الذين قدَّموا العقل على النقل، ولَوَوْا أعناق النصوص وحرَّفوها وقبلوا المكذوب منها وأخذوا يُنبِّشون عن الشاذ من الأقوال ليدعموا بدعهم وتخريفاتهم، وأخذوا يلمزون أهل السنة بالأوصاف المُقذِعة ليصرفوا عامة المسلمين عن الأخذ عنهم، وذلك منهم لا لأنهم معهم الحق والدليل بل لأن ذلك يُقنع الجُهَّال بأنَّ باطلهم هو الحق وأن الحق الذي مع أهل الدليل من أهل السنة هو الباطل، وقد نجحوا كثيرًا في مسعاهم بسبب أسلوب التمييع الذي ينتهجه بعض من ينتسبون إلى العلم ويزعمون الإنصاف والعدل، ولكن الله غالب على أمره وسيعلمون إذا ما وقفوا بين يدي الملك الحكم العدل مدى انحرافهم وضلالهم عن المنهج الحق، ولكن صبرًا يا أهل السنة!

وسيأتي في المقالة التالية بيان أنواع أعداء الدين ومن هو دائر في فلكهم وبيان وجوب الرد عليهم وذكرهم بالتعيين عند الحاجة وتحقق المصلحة حماية للدين من التحريف.

والله الموفق، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وسلم تسليمًا كثيرًا

أحمد بن طريف أبو موسى الغرايبة

غفر الله له ولوالديه وللمسلمين

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

(وجهة نظر) استغلال الإخوان والأحزاب اليسارية مظاهرات الجامعات الأمريكية في نشر الفوضى في البلاد!

  (وجهة نظر) استغلال الإخوان والأحزاب اليسارية مظاهرات الجامعات الأمريكية في نشر الفوضى في البلاد ! الحمد لله وكفى والصلاة والسلام على الن...