21/10/2013

قول أئمَّة السَّلف -رحمهم الله- في تفسير المقام المحمود!

« المقام المحمود »

قول أئمَّة السَّلف -رحمهم الله- في تفسير المقام المحمود المذكور في قوله تعالى: {عَسَى رَبُّكَ أَنْ يَبْعَثَكَ مَقَامًا مَحْمُوْدًا}[الإسراء:٧٩].
الحمد لله مكرم الناس ببعثة أفضل الخلق، صاحب الشفاعة والمقام المحمود، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن استن بسنته واهتدى بهداه، ومن أثبت له ما يليق بشخصه الشريف من المكرمات والفضائل مما حباه به الله..
أمَّا بعدُ:
قال الإمام ابن جرير الطبري : في «تفسيره» لقول الله تعالى في سورة الإسراء: {عَسَى رَبُّكَ أَنْ يَبْعَثَكَ مَقَامًا مَحْمُوْدًا}[الإسراء:٧٩]، بعد أن ساق أقوال أهل التأويل في معنى المقام المحمود وأنَّ منهم من فسَّره بالشفاعة للخلق يوم المحشر، وهو الذي ذهب إليه الإمام ابن جرير : ، حيث قال
«وهذا .. هو الصحيح من القول في تأويل قوله{عَسَى رَبُّكَ أَنْ يَبْعَثَكَ مَقَامًا مَحْمُوْدًا}[الإسراء:٧٩]، لما ذكرنا من الرواية عن رسول الله ، وأصحابه والتَّابعين ».
ولكنَّه : بيَّن أن القول الآخر غيرُ مدفوعٍ صِحَّتُهُ، لا من جهة النظرِ ولا من جهةِ خَبَرٍ صحيح، وهو ما قاله وذهب إليه مجاهدٌ : وجماعة من السَّلف من أنَّ المعنى إنَّما هو :الإقعاد على العرش، فقال:
«فإنَّ ما قاله مجاهد من أنَّ الله يُقعد محمَّدًا على عرشه، قول غير مدفوع صحته، لا من جهة خبر ولا نظر، وذلك لأنَّه لا خبر عن رسول الله ، ولا عن أحد من أصحابه، ولا عن التَّابعين بإحالة ذلك»اهـ.
قلتُ: 
ثمَّ ساق : مذاهب أهل الإسلام في معنى بينونة الله -سبحانه وتعالى- من خلقه وأن أهل الإسلام في ذلك على ثلاثة مذاهب أُلَخِّصها فيما يلي:
ففرقة قالت: إنَّ الله -عز وجل- بائن من الخلق قبل خلقه لهم وبعد خلقه لهم، لا يكون مماسًّا لشيءٍ منها أبدًا.
وقالت أخرى: إنَّ الله -سبحانه وتعالى- كان قبل خلقهِ الأشياء لا مماسًّا لها ولا مباينًا لها وهو كذلك بعد خلقه الأشياء، لا مماسًّا لها ولا مباينًا لها.
وقالت الثالثة: إنَّ الله -تبارك وتعالى- كان قبل خلقه الأشياء، لا شيء يُماسُّهُ ولا شيء يُباينه فخلق الأشياء فماسَّ منها ما شاء، وباين منها ما شاء.
وعلى قول كل فرقة من المذكورة آنفًا يكون سواء إقعادُ النَّبي  على العرش أو على الأرض.
وقرر الإمام ابن جرير : في نهاية كلامه أن هذه الأقوال الثلاثة ليس في واحدٍ منها ما يمنع ما قاله مجاهد : من أنَّ المقام المحمود الذي وُعِدَ به النَّبي  هو الإقعاد على العرش.
ويظهر بهذا القول أنْ لا موجب للإنكار على من يقول بهذا القول أبدًا، وسأنقل فيما يأتي من الكلام ما قرره أئمَّة السلف ونزعوا إليه من تصحيحهم حديث مجاهد والقول بما فيه من إثبات هذه الفضيلة للنَّبي ، والله المستعان.
أخرج الإمام أبو بكر ابن أبي عاصم في «السُّنَّة» عن عبدالله بن سلام قال: «إذا كان يوم القيامة جيء بنبيِّكم فَأُقْعِد بين يدي الله تبارك وتعالى على كرسيِّه».
وكذلك أخرج هذا الأثر أبو بكر الخلال في كتاب «السُّنَّة» في باب ذكر المقام المحمود، وساق الحديث بأكثر من إسناد عن عبدالله بن سلام، ثُمَّ أخرج : بإسناده عن مجاهد قال: {عَسَى رَبُّكَ أَنْ يَبْعَثَكَ مَقَامًا مَحْمُوْدًا}[الإسراء:٧٩] يُجْلِسُهُ على العرش.وذكر بعدها عِدَّة روايات عنه، فيها:
يُجلسه معه على العرش، ويقعده على العرش.
ثُمَّ قال الخلال رحمه الله:
«فسمعت محمَّد بن أحمد بن واصل قال: من ردَّ حديث مجاهد فهو جهمي».
ثمَّ قال :
«وسمعت أبا داود يقول: من أنكر هذا فهو عندنا متهم. وقال: ما زال الناس يحدثون بهذا يريدون مغايظة الجهمية؛ وذلك أن الجهمية ينكرون أن على العرش شيء.
وأخبرنا أبو داود قال ثنا القعنبي قال ثنا مالك قال قال رجل ما كنتَ لاعبًا به فلا تلعبن بدينك».
وقال :: «قال أبو بكر بن أبي طالب: من رده -يعني حديث مجاهد- فقد رد على الله عز وجل ومن كذب بفضيلة النبي  فقد كفر بالله العظيم.
وأخبرني أحمد بن أصرم المزني بهذا الحديث وقال: من رد هذا فهو متهم على الله ورسوله وهو عندنا كافر، وزعم أن من قال بهذا فهو ثنوي فقد زعم أن العلماء والتابعين ثنويه ومن قال بهذا فهو زنديق يقتل».
ثمَّ قال الخلال: :
«وأخبرني محمد بن عبدوس والحسن بن صالح وبعضهما أتم من بعض قالا: ثنا أبو بكر المروذي قال: قال أبوبكر بن حماد المقري: من ذكرت عنده هذه الأحاديث فسكت فهو متهم على الإسلام فكيف من طعن فيها ؟!
وقال أبو جعفر الدقيقي: من ردَّها فهو عندنا جهمي، وحكم من ردَّ هذا أن يُتَّقَا.
وقال عباس الدوري: لا يرد هذا إلا متهم.
وقال إسحاق بن راهويه: الإيمان بهذا الحديث والتسليم له.
وقال إسحاق لأبي علي القوهستاني: من رد هذا الحديث فهو جهمي.
وقال عبدالوهاب الوراق للذي رد فضيلة النبي يقعده على العرش فهو متهم على الإسلام.
وقال إبراهيم الأصبهاني: هذا الحديث حدث به العلماء منذ ستين ومائة سنة، ولا يرده إلا أهل البدع، قال: وسألت حمدان بن علي عن هذا الحديث فقال: كتبته منذ خمسين سنة وما رأيت أحدًا يرده إلا أهل البدع.
وقال إبراهيم الحربي: حدثنا هارون بن معروف: وما ينكر هذا إلا أهل البدع».
قال هارون بن معروف: هذا حديث يُسَخِّنُ الله به أعين الزنادقة، قال: وسمعت محمد بن إسماعيل السُّلمي يقول: من توهم أنَّ محمدًا لم يستوجب من الله عز و جل ما قال مجاهد؛ فهو كافر بالله العظيم، قال :وسمعت أبا عبدالله الخفاف يقول: سمعت محمد بن مصعب -يعني العابد- يقول: نعم يقعده على العرش ليرى الخلائق منزلته».
ثمَّ أورد : إسنادًا آخر فيه هذه القصة وزاد فيه:
«ثم يصرفه إلى أزواحه وكرامته .
وعن ابن مصعب قال: يجلسه على العرش ليرى الخلائق كرامته عليه ثم ينزل النبي إلى أزواجه وجناته».
ونقل الخلال بإسناده عن إبراهيم الزهري قال: «سمعت هارون بن معروف يقول: ليس ينكر حديث ابن فضيل عن ليث عن مجاهد إلا الجهمية.
وسمعت أبا بكر بن صدقة يقول: قال إبراهيم الحربي يومًا -وذكر حديث ليث عن مجاهد- فجعل يقول هذا حدَّث به عثمان بن أبي شيبة في المجلس على رؤوس الناس فكم ترى كان في المجلس؟ عشرين ألفا؟ فترى لو أن إنسانًا قام إلى عثمان فقال: لا تحدث بهذا الحديث أو أظهر إنكاره، تراه كان يخرج من ثَمَّ إلا وقد قتل؟!
قال أبو بكر بن صدقة: وصدق ما حكمه عندي إلا القتل».
ثم ذكر الخلال أقوال الأئمة في ليث -راوي الحديث عن مجاهد- وأنه غير متهم بالبدعة، وذكر أقوالهم في مجاهد إلى أن ذكر أنه قرأ كتاب «السنة» بطرسوس مرَّات عديدة في سنوات عديدة، حتى بلغه أن قومًا أنكروا حديث المقام المحمود -يعني حديث مجاهد-وأنَّهم ردُّوا فضيلة رسول الله فلمَّا شهد عليهم الثقات بهذا، هجروهم وبيَّنوا أمرهم، وذكر : أنَّه كاتب شيوخه ببغداد في هذا الأمر، وأنهم ردُّوا عليه ووافقوه على القول بحديث مجاهد، وفي كتابهم المذكور التغليظ على من ردَّ القول بالإقعاد على العرش، وأنَّ القائل بردِّه عدوٌّ لله مخالف للأئمَّة وأهل العلم، وأنه بقوله هذا قد انسلخ من الدِّين لتكبره ونفاقه، في كلام طويل جدًّا فيه سردٌ لمذهب السلف في الردِّ على أمثال هؤلاء فانظره فإنَّه مهم.
وكان آخر الكتاب المذكور أن قالوا فيه:
«وإن هذا الحديث لا ينكره إلا مبتدع جهمي، فنحن نسأل الله العافية من بدعته وضلالته فما أعظم ما جاء به هذا من الضلالة والبدع، عَمَدَ إلى حديث فيه فضيلة للنبي فأراد أن يزيله ويتكلم في من رواه، وقد قال النبي : «لا تزال طائفة من أمتي على الحق لا يضرهم من ناوأهم»، ونحن نحذر عن هذا الرجل أن تستمعوا منه وممن قال بقوله أو تصدقوهم في شيء، فإن السنة عندنا إحياء ذكر هذا الحديث وما أشبهه مما ترده الجهمية»اهـ.
قلتُ:
فانظر يرحمك الله إلى شديد قولهم فيمن أنكر هذا الحديث، وكيف جعلوا من السُّنَّة إحياء ذِكره، فاللهم ثبتنا على الإيمان والسُّنَّة.
«وقال أبو بكر يحيى بن أبي طالب عن حديث مجاهد: «رواه الخلق عن ابن فضيل عن ليث عن مجاهد، واحتمله المحدِّثون الثقات، وحدَّثوا به على رؤوس الأشهاد لا يدفعون ذلك، يتلقونه بالقبول والسرور بذلك، وأنا فيما أرى أني أعقل منذ سبعين سنة والله ما أعرف أحدًا رده ولا يرده إلا كل جهمي مبتدع خبيث يدعو إلى خلاف ما كان عليه أشياخنا وأئمتنا ... والذي عندنا والحمد لله أنَّا نؤمن بحديث مجاهد ونقول به على ما جاء، ونسلم الحديث وغيره مما يخالف فيه الجهمية من الرؤية والصفات وقرب محمَّد منه ... فهذا ديني الذي أدين الله عز و جل به أسأل الله أن يميتنا ويحيينا عليه»اهـ بتصرف.
وقال أبو داود السجستاني: «.. ما ظننت أن أحدًا يُذكر بالسنة يتكلم في هذا الحديث».
«وقال محمد بن عمران الفارسي الزاهد: ما ظننت أنه يكون في المسلمين ولا في المؤمنين الصادقين ولا في العلماء المتفقهين ولا في العارفين العابدين ولا في الضلال المبتدعين أحد يستحل في عقد ديانته أو بدعته الطعن على رسول الله وردِّ فضيلة فضله الله بها وخصه بها ...فأما قول المسلمين المقام المحمود الشفاعة فإنا لا ندفع ذلك... بل صدق رسول الله أن الله عز وجل يشفعه في وقت ما يأذن له بالشفاعة ويكرمه بما أحب من الكرامة حتى يعرف أولياءه وأنبياءه كرامته وفضله... فكذلك الجلوس في وقت والشفاعة في وقت»اهـ بتصرف واختصار.
قال أبو موسى غفر الله له:
وهذا الذي نعتقده وندين الله به من أن المقام المحمود هو الإجلاس على العرش، وأن الشَّفاعة مقام آخر لا تَدْفَعُ إحدى الفضيلتين الأخرى، بل الكلُّ حقٌّ، ونرجوا له المزيد من العلو والرفعة يوم القيامة، فوالله ما أنقذنا الله من الكفر والضلال إلَّا به صلوات ربِّي وسلامه عليه، وحشرنا في زمرته وحزبه يوم القيامة. آمين.
فهذه طائفة -مختصرة- من أقوال أئمة السلف في هذا المسألة وإن ما نقلناه من أقوالهم يشعر أنَّ هناك إجماعًا منهم رحمهم الله على ثبوت هذه الفضيلة ولم ينكر هذا في القرون الثلاثة إلَّا الجهمية والمبتدعة أعاذنا الله من نحلتهم وشرِّهم.
فظهر بما نقلنا أنَّ المقام المحمود هو الإقعاد على العرش وأنَّه غير مدفوع البتَّة كما قال ذلك ابن جرير الطبري : ، وظهر أنَّ الحديث وإن كان في إسناده من هو متكلم فيه من قبل أهل الحديث -وهو ليث بن أبي سليم-، إلَّا أنَّهم قبلوا روايته هذه عن مجاهد ولم يردُّوها بل ولم ينقلوا عن أحد أنَّه أنكرها إلَّا مبتدع ضال جهمي زنديق. والله أعلم.
هذا ما تيسر جمعه في هذه المسألة، والله أعلم وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليمًا كثيرًا.

والحمد لله رب العالمين.
وكتب:
أبو موسى أحمد بن عيَّاش بن موسى الغرايبة الأردني
3/3/1432هـ
* * *

12/10/2013

وقت التكبير في أيام العيد وهل هو دبر الصلوات المفروضة أم لا؟

]منقول]

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله .
 
قال العلامة صدِّيق حسن خان رحمه الله :
و أما تكبير أيام التشريق : فلا شك في مشروعية مطلق التكبير في الأيام المذكورة , ولم يثبت تعيين لفظ مخصوص ولا وقت مخصوص , ولا عدد مخصوص , بل المشروع الإستكثار منه دبر الصلوات وسائر الأوقات , فما جرت عليه عادة الناس اليوم استناداً إلى بعض الكتب الفقهية من جعله عقب كل صلاة فريضة ثلاث مرات , وعقب كل صلاة نافلة مرة واحدة , وقصر المشروعية على ذلك فحسب , ليس عليه أثارة من علم فيما أعلم , وأصح ما ورد فيه عن الصحابة أنه من صبح يوم عرفة إلى آخر أيام منى (الروضة الندية (1/388 ) .

: وسئلت اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء برئاسة سماحة
الشيخ العلامة عبد العزيز بن باز رحمه الله ونائبه عبد الرزاق عفيفي رحمه الله (والعضو) الشيخ عبد الله بن قعود .
السؤال التالي : ( فتوى رقم 6043 )
أمر الله تعالى بذكره مطلقاً أيام التشريق , ما دليله , وما صفته , وعدد مراته ؟
الجواب : أمر الله تعالى بذكره مطلقاً أيام التشريق , فقال : )وَاذْكُرُوا اللَّهَ فِي أَيَّامٍ مَعْدُودَاتٍ( البقرة 203 ) ولم يثبت في القرآن ولا في السنة النبوية عقب الصلوات الخمس أيام التشريق تحديد عدد ولا بيان للكيفية , وأصح ما ورد في صفة التكبير في ذلك ما أخرجه عبد الرزاق بسند صحيح عن سلمان الفارسي رضي الله عنه , أنه قال : ( الله أكبر الله أكبر الله أكبر كبيرا ) , وقيل : يكبر ثنتين , بعدهما : لا إله إلا الله والله أكبر , الله أكبر ولله الحمد . جاء ذلك عن عمر وابن مسعود رضي الله عنهما .
وبالله التوفيق . وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم
.
وسئل الشيخ العلامة الألباني رحمه الله :
حكم التكبير المقيد بعد الصلوات وهل يقدمه على الأذكار المشروعة أم يبدأ بالأذكار أولاً ؟
ليس فيما نعلم للتكبير المعتاد دبر الصلوات في أيام العيد ليس له وقت محدود في السُّنَّة, و إنما التكبير هو من شعار هذه الأيام . بل أعتقد أن تقييدها بدبر الصلوات أمر حادث لم يكن في عهد النبي -صلى الله عليه وآله وسلم- فلذلك يكون الجواب البدهي أن تقديم الأذكار المعروفة دبر الصلوات هو السُّنَّة ، أمَّا التكبير فيجوز له في كل وقت (سلسلة أشرطة الهدى والنور _ شريط رقم 392) .

* وقال الشيخ العلامة الألباني رحمه الله :
ومما يحسن التذكير به بهذه المناسبة , أن الجهر بالتكبير هنا لا يشرع فيه الإجتماع عليه بصوت واحد كما يفعله البعض , وكذلك كلُّ ذِكرٍ يُشرع فيه رفع الصوت أو لا يُشرع , فلا يُشرع فيه الإجتماع المذكور , فلنكن على حذر من ذلك ( سلسلة الأحاديث الصحيحة (1/121).

: وقال الشيخ العلامة مقبل بن هادي الوادعي رحمه الله :
ما اعتاده الناس أيام التشريق عقب الصلوات أنهم يكبرون , وهذا ليس بمشروع , بل التكبير مطلق , أعني أنك تبدأ عقب الصلوات بالأذكار المشروعة التي تقال عقب الصلوات ثم تكبر سواء عقب الصلوات أم في الضحى , أم في نصف النهار أو في آخر النهار , أو في نصف الليل ( قمع المعاند ص 366 ) .

وهذه فتوى أخرى للشيخ الألباني رحمه الله :
السائل: هل يقيد التكبير في أيام التشريق فيما بعد الصلوات؟
الشيخ: لا، لا يقيد؛ بل تقييدُه مِن البدع؛ إنما التكبير بكل وقتٍ من أيام التشريق.
السائل: وأيام العشر؟
الشيخ: وأيام العشر كذلك.
[سلسلة الهدى والنور: الشريط: (410)، الدقيقة: ( 00:36:12 )

أقوال علماء السنة في بيان أن التكبير الجماعي بدعة
* قال العلامة ابن الحاج _رحمه الله_ (المتوفى سنة 737 هـ ) :
السنة أن يكبر الإمام في أيام التشريق دبر كل صلاة تكبيراً يسمع نفسه ومن يليه , ويكبر الحاضرون بتكبيره , كل واحد يكبر لنفسه ولا يمشي على صوت غيره على ما وصف من أنه يسمع نفسه ومن يليه فهذه هي السنة . أما ما يفعله بعض الناس اليوم من أنه إذا سلم الإمام من صلاته كبر المؤذنون على صوت واحد , والناس يستمعون إليهم ولا يكبرون في الغالب , و إن كبر أحد منهم فهو يمشي على أصواتهم فذلك كله من البدع إذ أنه لم ينقل أن النبي صلى الله عليه وسلم فعله ولا أحد من الخلفاء الراشدين بعده .(المدخل ( 2 / 440 )

وقال الإمام الشاطبي _ رحمه الله _ (المتوفى سنة 790 هـ) :
بعد أن ذكر تعريف البدعة فعدد منها أنواعًا فقال : ومنها : التزام الكيفيات والهيئات المعينة , كالذكر بهيئة الاجتماع على صوت واحد . (الإعتصام ( 1/ص53 ) .

* وقال الإمام الشوكاني رحمه الله :
والظاهر أَن تكبير التَّشريق لا يختصُّ استحبابه بعقب الصَّلواتِ ، بل هو مستحب في كلِّ وقت من تلك الأيام كما تدل على ذلك الآثار . ( نيل الأوطار 6/10) وانظر (الروضة الندية (1/389) .

وسئل فضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله : السؤال التالي:
توجد ظاهرة وهي أن التكبير يوم العيد قبل الصلاة يكون جماعياً ويكون في ميكرفون وكذلك في أيام التشريق يكون جماعياً في أدبار الصلوات فما حكم هذا ؟؟
الجواب : التكبير في عشر ذي الحجة ليس مقيداً بأدبار الصلوات وكذلك في ليلة العيد _ عيد الفطر _ ليس مقيداً بأدبار الصلوات , فكونهم يقيدونه بأدبار الصلوات فيه نظر , ثم كونهم يجعلونه جماعياً فيه نظر _ أيضاً _ لأنه خلاف عادة السلف , وكونهم يذكرونه على المآذن فيه نظر , فهذه ثلاثة أمور كلها فيها نظر , والمشروع في أدبار الصلوات أن تأتي بالأذكار المعروفة المعهودة ثم إذا فرغت كبِّر , وكذلك المشروع ألا يكبر الناس جميعاً , بل كل يُكبِّر وحده هذا هو المشروع كما في حديث أنس أنهم كانوا مع النبي صلى الله عليه وسلم فمنهم المهلُّ , ومنهم المكبر ولم يكونوا على حال واحد .
( لقاءات الباب المفتوح _سؤال رقم ( 97 ) المجلد الأول ص ( 55 ) .

* وسئل رحمه الله :
يوجد في مساجد بعض المدن في يوم العيد قبل الصلاة يقوم الإمام بالتكبير من خلال المكبر ويكبر المصلون معه , فما الحكم في هذا العمل ؟
الجواب : هذه الصفة التي ذكرها السائل لم ترد عن النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه , والسنة أن يكبر كل إنسان وحده . ( فتاوى أركان الإسلام لابن عثيمين رحمه الله ص ( 305
 ) .
* و إليك رسالة توضح ما سبق للشيخ العلامة عبد العزيز بن باز رحمه الله :
بيان وتوضيح حول حكم التكبير الجماعي قبل صلاة العيد .
الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين , وبعد فقد اطلعت على ما نشره فضيلة الأخ الشيخ : أحمد بن محمد جمال - وفقه الله لما فيه رضاه - في بعض الصحف المحلية من استغرابه لمنع التكبير الجماعي في المساجد قبل صلاة العيد لاعتباره بدعة يجب منعها ، وقد حاول الشيخ أحمد في مقاله المذكور أن يدلل على أن التكبير الجماعي ليس بدعة وأنه لا يجوز منعه ، وأيد رأيه بعض الكتاب ؛ ولخشية أن يلتبس الأمر في ذلك على من لا يعرف الحقيقة نحب أن نوضح أن الأصل في التكبير في ليلة العيد ، وقبل صلاة العيد في الفطر من رمضان ، وفي عشر ذي الحجة ، وأيام التشريق ، أنه مشروع في هذه الأوقات العظيمة وفيه فضل كثير؛ لقوله تعالى في التكبير في عيد الفطر : { وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَاهَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ } وقوله تعالى في عشر ذي الحجة وأيام التشريق { لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ } الآية ، و قوله عزوجل : { وَاذْكُرُوا اللَّهَ فِي أَيَّامٍ مَعْدُودَاتٍ } الآية .
ومن جملة الذكر المشروع في هذه الأيام المعلومات والمعدودات التكبير المطلق والمقيد ، كما دلت على ذلك السنة المطهرة وعمل السلف . وصفة التكبير المشروع : أن كل مسلم يكبر لنفسه منفردا ويرفع صوته به حتى يسمعه الناس فيقتدوا به ويذكرهم به .
أما التكبير الجماعي المبتدع فهو أن يرفع جماعة - اثنان فأكثر - الصوت بالتكبير جميعا يبدءونه جميعا وينهونه جميعا بصوت واحد وبصفة خاصة . وهذا العمل لا أصل له ولا دليل عليه ، فهو بدعة في صفة التكبير ما أنزل الله بها من سلطان ، فمن أنكر التكبير بهذه الصفة فهو محق ؛ و ذلك لقوله صلى الله عليه وسلم {من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد }: أي مردود غير مشروع . وقوله صلى الله عليه وسلم : { وإياكم ومحدثات الأمور فإن كل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة }. والتكبير الجماعي محدث فهو بدعة . وعمل الناس إذا خالف الشرع المطهر وجب منعه وإنكاره ؛ لأن العبادات توقيفية لا يشرع فيها إلا ما دل عليه الكتاب والسنة ، أما أقوال الناس وآراؤهم فلا حجة فيها إذا خالفت الأدلة الشرعية ، وهكذا المصالح المرسلة لا تثبت بها العبادات ، وإنما تثبت العبادة بنص من الكتاب أو السنة أو إجماع قطعي . والمشروع أن يكبر المسلم على الصفة المشروعة الثابتة بالأدلة الشرعية وهي التكبير فرادى.
وقد أنكر التكبير الجماعي ومنع منه سماحة الشيخ محمد بن إبراهيم مفتي الديار السعودية - رحمه الله -
وأصدر في ذلك فتوى ، وصدر مني في منعه أكثر من فتوى، وصدر في منعه أيضا فتوى من اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء .
وألف فضيلة الشيخ حمود بن عبد الله التويجري رحمه الله رسالة قيمة في إنكاره والمنع منه، وهي مطبوعة ومتداولة وفيها من الأدلة على منع التكبير الجماعي ما يكفي ويشفي - والحمد لله - أما ما احتج به الأخ الشيخ أحمد من فعل عمر رضي الله عنه والناس في منى فلا حجة فيه ؛ لأن عمله رضي الله عنه وعمل الناس في منى ليس من التكبير الجماعي ، وإنما هو من التكبيرالمشروع ؛ لأنه رضي الله عنه يرفع صوته بالتكبير عملا بالسنة وتذكيرا للناس بها فيكبرون ، كل يكبر على حاله ، وليس في ذلك اتفاق بينهم وبين عمر رضي الله عنه على أن يرفعوا التكبير بصوت واحد من أوله إلى آخره ، كما يفعل أصحاب التكبير الجماعي الآن ، وهكذا جميع ما يروى عن السلف الصالح - رحمهم الله - في التكبير كله على الطريقة الشرعية ومن زعم خلاف ذلك فعليه الدليل ، وهكذا النداء لصلاة العيد أو التراويح أو القيام أو الوتر كله بدعة لا أصل له ، وقد ثبت في الأحاديث الصحيحة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يصلي صلاة العيد بغير أذان ولا إقامة ، ولم يقل أحد من أهل العلم في ما نعلم أن هناك نداء بألفاظ أخرى ، وعلى من زعم ذلك إقامة الدليل ، والأصل عدمه ، فلا يجوز أن يشرع أحد عبادة قولية أو فعلية إلا بدليل من الكتاب العزيز أو السنة الصحيحة أو إجماع أهل العلم - كما تقدم - لعموم الأدلة الشرعية الناهية عن البدع والمحذرة منها ، ومنها قول الله سبحانه : { أم لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ } ومنها الحديثان السابقان في أول هذه الكلمة ، ومنها قول النبي صلى الله عليه وسلم : { من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهورد }. متفق على صحته .
وقوله صلى الله عليه وسلم في خطبة الجمعة : { أما بعد فإن خير الحديث كتاب الله و خير الهدي هدي محمد صلى الله عليه و سلم وشر الأمور محدثاتها وكل بدعة ضلالة } . خرجه مسلم في صحيحه ، والأحاديث والآثار في هذا المعنى كثيرة. والله المسئول أن يوفقنا وفضيلة الشيخ أحمد وسائر إخواننا للفقه في دينه والثبات عليه ، وأن يجعلنا جميعا من دعاة الهدى وأنصار الحق ، وأن يعيذنا وجميع المسلمين من كل ما يخالف شرعه إنه جواد كريم . وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه .