04/01/2025

(إجرام الحركات الجهادية في تطبيق الحدود الشرعية، ميليشيا حماس أنموذجًا)!

(إجرام الحركات الجهادية في تطبيق الحدود الشرعية، ميليشيا حماس أنموذجًا)!

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن اتبع هُداه واقتفى أثره واتبع ما جاء به من الهُدى ودين الحق إلى يوم الدين،،

أما بعد:

فهذه مقالة مقتضبة أناقش فيها بعض أفعال ما يُسمى مقاومة إسلامية –كذبًا وتدليسًا- في قطاع غزة المكلوم حيث بدأت تخرج للعيان مقاطع مرئية لأفراد منهم يقومون بمعاقبة المسلمين هُناك بطريقة همجية شنيعة تُحدثُ لهم عاهات دائمة مما يُعد مُثلةً لا يُقرها الشرع ولا العقل ولا عامة الشرائع الإنسانية، وقد أسميتها:

(إجرام الحركات الجهادية في تطبيق الحدود الشرعية، ميليشيا حماس أنموذجًا)!

لقد جاء الإسلام بالهُدى والرحمة للخلق ولم يأت ليظلم أو يجور فلذلك قابلت الشريعة كل ذي جريمة بما يناسب جريمته من العقوبة التي تكون رادعة له ولغيره من ورائه من غير حيف ولا تعدٍّ لما تقبله الفطر السليمة، فكانت العقوبات الشرعية على ثلاثة أضرُبٍ أحدها الحدود والثاني القصاص والثالث التعزيرات، وقد ذكر الله تبارك وتعالى في كتابه العزيز الحدود ونهى عن تعديها والاقتراب منها فقال: {تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلَا تَعْتَدُوهَا وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ} [البقرة: 229]، وقال سبحانه: {تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلَا تَقْرَبُوهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ آيَاتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ} [البقرة: 187].

وقال سبحانه وتعالى مبينًا ما في هذه الحدود الشرعية من النفع للإنسان والمجتمع: {وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَاأُولِي الْأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} [البقرة: 179]. وقد بين تفاصيل هذه الحدود فقال: {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا جَزَاءً بِمَا كَسَبَا نَكَالًا مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ } [المائدة: 38]. وقال الله تعالى: {الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ وَلَا تَأْخُذْكُمْ بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ } [النور: 2]. وقال الله تعالى: {إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلَافٍ أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ} [المائدة: 33].

وبيَّن عز وجل أن العقوبة تكون مُكافئة للذنب بلا تعدٍّ ولا حيف على الجاني فقال: {وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ وَالْعَيْنَ بِالْعَيْنِ وَالْأَنفَ بِالْأَنفِ وَالْأُذُنَ بِالْأُذُنِ وَالسِّنَّ بِالسِّنِّ وَالْجُرُوحَ قِصَاصٌ فَمَن تَصَدَّقَ بِهِ فَهُوَ كَفَّارَةٌ لَّهُ وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ} [المائدة: 45].

وهذه الآيات الكريمة تبين للناس عدل الإسلام ورحمته بالناس وصيانته للمجتمع المسلم أن تفشو فيه الجريمة وينتشر الفسوق والعصيان فكان أحسن وأكمل نظام عرفته البشرية لأنه راعى حال فئة المجرمين من العصاة والجُناة وراعى حق المجني عليهم من الناس فأخذ لهم حقهم بالصاع الوافي الذي تسكن به نفوسهم ويشفي به قلوبهم ويكون هذا النظام رادعًا لكل من تسوِّل له نفسه أن يعتدي أو يتعدى حدود ما أنزل الله على الأنفس والأموال والأعراض فالحمد لله أن جعلنا مسلمين موحدين.

وبعد هذه التوطئة المختصرة أتناول مسألة واحدة اقتضى الحال بيان فسادها في التطبيق لدى بعض المنتسبين إلى الإسلام ممن يتبجح بالجهاد ولو كان على غير هُدى الإسلام ومقاصد الشريعة حيث تقوم (ميليشيات) حماس في قطاع غزة المكلوم بإيقاع عقوبات إجرامية في حق الجُناة ممن يقال إنهم يقعون في سرقة أشياء ربما ليأكلوا منها أو حتى ليتكثروا بالمال الحرام ممن أضعفَتْ نفوسهم أهواؤها أو ظروفها القاهرة كما هو مُشاهد في القطاع مستغلين حالة الحرب التي جلبتها عليهم قيادات حمقاء لا تُعير لدماء المسلمين أي اهتمام ولا لقواعد الإسلام الذي تزعم أنها تريد تطبيقه فتذهب لتتحكم في عباد الله بما لا تُقره شريعة، والناس معذورون فقد دُمرت بيوتهم وقُتِّلت ذرياتهم وأصابهم الجوع والعطش والعُري وأخذت هذه الحرب الظالمة الآثمة من أرواحهم وأموالهم ما ألجأ الكثيرين إلى السرقة بل وإلى الإجرام، فالإثم والجريرة أولًا ليست على هؤلاء بل على من ألجأ الناس إلى حرب لا قِبَلَ لهم بها ولا قُدرة لهم عليها وقام واختبأ هو ومن معه وتحصنوا تحت الأرض وتركوا عباد الله يتلقون الضربات المُهلكات التي لا تُبقي ولا تذر!

وهذا ليس اعتذارًا لمن سرق ولو كان مُضطرًا لأن المسلم المؤمن ينبغي عليه أن يصبر على أقدار الله ويتحتم عليه أن يلجأ إلى ربه فلا يقابل هذا البلاء بالمعصية وارتكاب المنكرات بل بالاستكانة والخضوع لملك الملوك الذي بيده مقاليد السماوات والأرض وهو وحده الرازق وهو وحده المُعيل والكلام هُنا عن العقوبة التي يستحقها من وقع منه هذا العمل القبيح ألا وهو السرقة.

قال الله تعالى مبينًا عقوبة السارق: {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا جَزَاءً بِمَا كَسَبَا نَكَالًا مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ } [المائدة: 38]. فالسرقة حد من الحدود المنصوص عليها في كتاب الله وهي عقوبة إلهية صريحة لا يجوز لأحد أن يصير إلى غيرها فيمن استوفى شروطها إذ يحرم التحايل على حد من حدود الله فإذا كان انتهاك الحدود فعلًا مُحرمًا، فالتحايل في تنفيذ هذا الحد أشد حُرمة وأعظم، فقد عاقب الله بني إسرائيل بأن مسخهم قردة وخنازير لأنهم تحايلوا على ما كتبه عليهم من تحريم صيدهم السمك يوم السبت فقال: {وَاسْأَلْهُمْ عَنِ الْقَرْيَةِ الَّتِي كَانَتْ حَاضِرَةَ الْبَحْرِ إِذْ يَعْدُونَ فِي السَّبْتِ إِذْ تَأْتِيهِمْ حِيتَانُهُمْ يَوْمَ سَبْتِهِمْ شُرَّعًا وَيَوْمَ لَا يَسْبِتُونَ ۙ لَا تَأْتِيهِمْ ۚ كَذَلِكَ نَبْلُوهُم بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ} [الأعراف: 163]، إلى أن قال في بيان عقوبة تحايلهم: {فَلَمَّا عَتَوْا عَنْ مَا نُهُوا عَنْهُ قُلْنَا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَةً خَاسِئِينَ} [الأعراف: 166].

فهل قامت حماس وزبانيتها في قطاع غزة بتطبيق حدود الله كما أمر الله في كتابه، وهل راعت حال الناس فيما تسببت لهم به فرحمت من وقع في السرقة ليأكل وليطعم أولاده ومن يعوله ممن ضيعتهم حماس التي نصبت نفسها ولية أمر على المسلمين؟

لقد رأينا في مقاطع مصورة عدة قيام زبانية حماس بإحضار أفراد قيل إنهم يسرقون فلم تقطع أيديهم كما أمر الله =هذا على اعتبار أنهم ثبت في حقهم السرقة بشروطها المعتبرة شرعًا من بلوغ النصاب والتحريز وغيرها مما نص الفقهاء عليه وأنه قد تم رفع هذه الأدلة إلى القاضي الشرعي وأصدر حكمه على ضوئها =بل قاموا وبطريقة همجية وحشية قصدهم أن يُرهبوا الناس ويخيفونهم بإطلاق النار على أرجل هؤلاء السُّراق المفترضين فيحدثوا لهم عاهات دائمة في أرجلهم مما يشلهم إلى آخر حياتهم فإن إطلاق الرصاص من البنادق الرشاشة يتهتك به العظم ويتمزق اللحم فلا يحصل بعد إفساده صلاح ولا يرجع المصاب إلى سويته فيكون قد عوقب عقابًا تعدى حدود الله أفلا يخاف هؤلاء المتحكمون بعباد الله أن يعاقبهم الله كما عاقب بني إسرائيل؟!

 ولما جاء الإسلام بالرحمة للخلق فإنه نهى عن المُثلة بالكافرين فضلًا عن المسلمين العُصاة، فقد جاءت أحاديث في النهي عن المُثلة كما أخرج البخاري في صحيحه "نهى رسول الله ج عن النهبى والمثلة"، وقد جاء مثل هذا النهي عند مسلم في صحيحه وعند أصحاب السنن فقد اخرج أبو داود في سننه  أن عمران بن حصين –رضي الله عنه- أبق له غلام فجعل لله عليه لئن قدر عليه ليقطعن يده فأرسل الهياج بن عمران ليسأل له فقال: فأتيت سمرة بن جندب فسألته فقال: كان نبي الله ج يحثنا على الصدقة وينهانا عن المثلة. فأتيت عمران بن حصين فسألته فقال: كان رسول الله ج يحثنا على الصدقة وينهانا عن المثلة. وقد جوَّد إسناده الحافظ ابن حجر في الفتح وقال الشيخ الألباني في صحيح أبي داود: (قلت: حديث صحيح، وصححه ابن الجارود وابن حبان، وقوى إسناده الحافظ ابن حجر).

قال في عون المعبود: "قَالَ الْخَطَّابِيُّ : الْمُثْلَةُ تَعْذِيبُ الْمَقْتُولِ بِقَطْعِ أَعْضَائِهِ وَتَشْوِيهِ خَلْقِهِ قَبْلَ أَنْ يُقْتَلَ أَوْ بَعْدَهُ ، وَذَلِكَ مِثْلُ أَنْ يُجْدَعَ أَنْفُهُ أَوْ أُذُنُهُ أَوْ تُفْقَأَ عَيْنُهُ أَوْ مَا أَشْبَهَ ذَلِكَ مِنْ أَعْضَائِهِ ، .... وَكَذَلِكَ جَازَ فِي الْقِصَاصِ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ إِذَا كَانَ الْقَاتِلُ قَطَعَ أَعْضَاءَ الْمَقْتُولِ وَعَذَّبَهُ قَبْلَ الْقَتْلِ ، فَإِنَّهُ يُعَاقَبُ بِمِثْلِهِ ، وَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ}" اهـ.  

قال أبو موسى: فأين في شرع الله أن السارق المأمور بقطع يده كما تقدم يجوز أن يُمثَّل به بإحداث عاهة دائمة؟! والعجيب أن الكثيرين يسمعون ويرون هذه الأعمال الإجرامية بحق أهلنا في غزة ولا يرفعون رأسًا ولا يُبينون حُكمًا ولا يُبدون إنكارًا لهذه الفظائع وما خفي أعظم!

فاللهم إنا نبرأ إليك من أفعال هؤلاء المجرمين الذين يخالفون دينك وشريعتك ويتجبرون في خلق الله بما لم يشرع لهم من الدين، وبما تُمليه عليهم حزبيتهم المقيتة التي لا ترى إلا حزبها وما دونه فهدر، ولا حول ولا قوة إلا بالله.. وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبة أجمعين.

       كتبه: أحمد بن عياش أبو موسى الغرايبة

3 رجب 1446هـ

3 كانون ثاني 2025م

 

 


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق