23/03/2024

لماذا يُحذر السلفيون من كل من يُجيز إثارة القلاقل في البلاد الإسلامية؟

 

#تصحيح_المفاهيم

#زَغَلُ_التَّمييع

لماذا يُحذر السلفيون من كل من يُجيز إثارة القلاقل في البلاد الإسلامية؟

لما جاء هذا الدين بالنور الإلهي التام الذي فيه خير البشرية جمعاء كان لا بُد من قيام منهج قويم يصلُح به علاقتان لازمتان،

الأولى: علاقة الرعية براعيها وولي أمرها.

والثانية: علاقة الراعي برعيته ومَن هُم تحت إمرته.

فنظم الإسلام العلاقتان وجعل لكلٍّ منها ضوابط وأحكامًا وواجبات وحقوقًا تضمن استمرار العلاقة على الوجه الصحيح، وجعل موانع وحواجز بين العلاقتين لا يجوز لأحد اختراقها أو تعديها لأن ذلك يعني انهيار المنظومة برُمَّتها.

وكما هو ظاهر فإن العلاقتان تسيران باتجاهين مختلفين فالأولى من الرعية تُجاه ولي أمرها، والثانية بالعكس، ولمَّا كانت العلاقة الأولى وهي علاقة الرعية بولي أمرها يعتريها مصالح وأطماع شخصية لا تخلو منها النفوس البشرية كانت الضوابط والموانع من خلخلة هذه الرابطة عليها أكثر وأشد، فشُرعت آداب وطرائق لخطاب الطبقة الأعلى تقديرًا لمكانتها وحفظًا لهيبتها أن تتزعزع أو تهون في عيون الرعية؛ لأنه متى ما ذهبت هيبة السلطان حصل الفساد وانتشرت المنكرات وفقد الناس الأمن.

وحتى لا يُفهم أن هذا الأمر بالطاعة لولاة الأمر مُطلقٌ لا يجوز غيره بين الشارع أن هذه الطاعة إنما هي مشروطة بأن يكون أمر ولي الأمر ليس مُنكرًا في الدين، فين النبي -صلى الله عليه وسلم- أن الطاعة بالمعروف، وأسوق هنا حديثًا أصلًا في هذا الباب فقد فهم بعض الصحب الكرام من الأمر بالطاعة أنها طاعة مُطلقة كما يحصل في فهم كثير من الناس، فقد أخرج البخاري ومسلم في صحيحيهما عن عَلِيٍّ رضي الله عنه، قَالَ: بَعَثَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم سَرِيَّةً وَأَمَّرَ عَلَيْهِمْ رَجُلاً مِنَ الأَنْصَارِ وَأَمَرَهُمْ أَنْ يُطِيعُوهُ. فَغَضِبَ عَلَيْهِمْ، وَقَالَ: أَلَيْسَ قَدْ أَمَرَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم أَنْ تُطِيعُونِي قَالُوا: بَلَى قَالَ: عَزَمْتُ عَلَيْكُمْ لَمَا جَمَعْتُمْ حَطَبًا وَأَوْقَدْتُمْ نَارًا ثُمَّ دَخَلْتُمْ فِيهَا فَجَمَعُوا حَطَبًا، فَأَوْقَدُوا فَلَمَّا هَمُّوا بِالدُّخُولِ، فَقَامَ يَنْظُرُ بَعْضُهُمْ إِلى بَعْضٍ، قَالَ بَعْضُهُمْ: إِنَّمَا تَبِعْنَا النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فِرَارًا مِنَ النَّارِ، أَفَنَدْخُلُهَا فَبَيْنَمَا هُمْ كَذلِكَ إِذْ خَمَدَتِ النَّارُ، وَسَكَنَ غَضَبُهُ فَذُكِرَ لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، فَقَالَ: «لَوْ دَخَلُوهَا مَا خَرَجُوا مِنْهَا أَبَدًا، إِنَّمَا الطَّاعَةُ فِي الْمَعْرُوف».

إذن، لما توهم هذا القائد أن الأمر بطاعته يستلزم منه أن يطيعه الناس حتى ولو أمر بما فيه هلاكهم، بيَّن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنهم لو أطاعوه ودخلوا النار التي أوقدها لهم ما خرجوا منها أبدًا؛ لأن هذا الأمرَ أمرٌ بالمعصية بل وأمر بقتل النفس التي حرم الله إلا بالحق، وليس له الحق أن يُزهق أنفسهم بلا سبب يوجب ذلك، فكان هذا الضابط العظيم رادعًا للولاة أن يأمروا رعيتهم بأمر فيه معصية الله ورسوله، وفيه تشريف لنفوس الرعية من أن تنقاد انقياد البهائم لمن ولي أمرها فتفعل كل ما يأمر به ولو كان فيه من المعصية والضلال ما فيه!

هذا فيما يختص بأمر الطاعة وبماهيته وحدِّه الذي وضعه الشارع الحكيم، ولما كان من الغيب الذي أخبر به النبي -صلى الله عليه وسلم- أن هؤلاء الولاة سيغيرون ويبدلون بعده  كان لزامًا أن يبين لأمته ما لها وما عليها تُجاه هذه العلاقة المهمة فأمرهم أن لا يُنازعوا الأمر أهله والأمر هُنا هو الحكم لا شك في ذلك، فأمرهم بالصبر على جور الولاة وطاعتهم بالمعروف وأن لا ينزعوا يد الطاعة ولو بدر من الولاة ما يكرهونه أو استأثروا بالمال دون رعيتهم واستثنى من ذلك حالة واحدة تقع من الحاكم ألا وهي الكفر البواح الذي عندنا من الله فيه برهان، فقد أخرج البخاري ومسلم عن عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ عَنْ جُنَادةَ بْنِ أَبِي أُمَيَّةَ، قَالَ: دَخَلْنَا عَلَى عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ وَهُوَ مَرِيضٌ، قُلْنَا: أَصْلَحَكَ اللهُ، حَدِّثْ بِحَدِيثٍ يَنْفَعُكَ اللهُ بِهِ، سَمِعْتَهُ مِنَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: دَعَانَا النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فَبَايَعْنَاهُ، فَقَالَ فِيمَا أَخَذَ عَلَيْنَا، أَنْ بَايَعَنَا عَلَى السَّمْعِ وَالطَّاعَةِ فِي مَنْشَطِنَا وَمَكْرَهِنَا وَعُسْرِنَا وَيُسْرِنَا وَأُثْرَةٍ عَلَيْنَا، وَأَنْ لَا نُنَازِعَ الأَمْرَ أَهْلَهُ إِلَاّ أَنْ تَرَوْا كُفْرًا بَوَاحًا عِنْدَكُمْ مِنَ اللهِ فِيهِ بُرْهَانٌ.

وعلى ضوء ما تقدم يتبين أن الحد الذي يجوز لولي الأمر أن يُطاعَ به هو أن يأمر رعيته بالمعروف، وأن الحد الذي يجيز للرعية ترك الطاعة هو أن تؤمر بمعصية، وأن لها نزع يد الطاعة بصدور الكفر البواح الذي عندها فيه من الله برهان، وما دون هذين الحدَّين ليس ثمة إلا الطاعة والسياسة الحسنة والعدل والوفاء بالبيعة والدعاء للولاة بالتوفيق والسداد والهداية، وكل ما خالف هذا فضلال وخروج عن السبيل الذي خطَّه الله ورسوله للمؤمنين، ويجب الحذر والتحذير من فاعله أو المحرض عليه أو الراضي به، لأن المنظومة تنهار بحدوث هذا الخلل وتضعف الأمة ويصير أمرها وبالًا عليها.

إذا تقرر هذا المبدأ المتبادل بين الراعي والرعية فمن أين جاءت أفكار الخروج والتحريض على الأمراء وحمل السلاح في وجوه الأمة والخروج عن الجماعة مع ما يكتنف ذلك من التكفير والفجور في الخصومة، وكيف كانت بداية ذلك في الأمة، كل هذا سأقوم بسرده في مقالات متتالية بحول الله منذ بزوغ فجر هذه البدعة المُضلة زمن الصحابة رضي الله عنهم وأرضاهم وإلى أيامنا هذه حيث تبدل وجه الخروج وتنوعت وسائله، وأخذ من قلوب الكثيرين كل مأخذ حتى التبس على الكثيرين بعض وسائله وظنوا أنها لا تؤدي إلى الخروج بالسلاح، ولا إلى تضييع الأمن وترويع الآمنين، فأسأل الله أن ييسر ذلك وأن يعينني على بيان الحق والعمل به إنه ولي ذلك والقادر عليه.

وكتب قُبيل غروب يوم السبت الثاني عشر من رمضان سنة 1445 هـ

أحمد بن طريف أبو موسى الغرايبة

غفر الله له ولوالديه وللمسلمين.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

طورُ التَّحول والتحوُّر الإخواني الجديد بعد قرب انهيار الجماعة والانتقال إلى أرضية جديدة وخصبة لزرع الأفكار الخارجية المتأصلة في فكر الجماعة! (التمهيد)

  (1) طورُ التَّحول والتحوُّر الإخواني الجديد بعد قرب انهيار الجماعة والانتقال إلى أرضية جديدة وخصبة لزرع الأفكار الخارجية المتأصلة في فكر...