30/03/2014

( 1 ) نظرات في تربية الفلذات من البنين والبنات

( 1 )
نظرات في تربية الفلذات من البنين والبنات
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده ..
أمَّا بعد:
الحمد لله القائل: ﴿لِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ يَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ إِنَاثًا وَيَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ الذُّكُورَ * أَوْ يُزَوِّجُهُمْ ذُكْرَانًا وَإِنَاثًا وَيَجْعَلُ مَنْ يَشَاءُ عَقِيمًا إِنَّهُ عَلِيمٌ قَدِيرٌ..
وأصلّي وأسلم على النبي المختار القائل: «كلُّكم راعٍ وكلُّكم مسئول عن رعيته».
وبعد:
فإنَّ نِعَم الله على المؤمنين كثيرة، وعطاياه وفيرة، ومن هذه النعم؛ نعمة الولد –ذكرًا كان أو أنثى- والتي حُرمها الكثير من الناس، ويتمنَّاها الكثير منهم، وأنت أيُّها المسلم إن رزقك الله –تبارك وتعالى- الولد فإنَّه ينبغي عليك تُجاه هذه النّعمة أمور مهمَّة، لا يسعك التَّفريط فيها أو في أحدها، ومن هذه الأمور: أن تُحسن اختيار أمِّ أولادك، فإنه أول مُهِمٍّ في تربيتهم؛ لأن القائم على التربية أكثر الوقت هي الأم، لأن الأب يعمل ليكسب قوت يومه قيامًا على بيته بما يلزمه من النفقة والكسوة والإطعام، فأحسن اختيار الأم يسلم لك نصف التربية.
وممَّا يجب كذلك: تربية الأولاد على خشية الله –تعالى- ومُراقبته في السر والعلن، ولا يكون ذلك إلَّا بتعليمهم كتاب الله وسنَّة رسوله –صلى الله عليه وسلم-، وعقيدة السلف الصالح والعمل بها.
واعلم رحمني الله وإيَّاك أن تربية الأولاد من أصعب الأمور، حتَّى قيل في المثل العامِّي: «تربية الصبيان أصعب من قضم الصُّوَّان»!
وهي مع ذلك خطيرة وجسيمة فإن الله –تبارك وتعالى- يقول: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ، ويقول: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ وَأَوْلَادِكُمْ عَدُوًّا لَكُمْ فَاحْذَرُوهُمْ.
والكلام فيما يجب على الوالدين من تربية الأبناء يطول، وأنا سأعرض في كلامي القادم بعض المشكلات التي تُعيق تربية الأبناء من خلال مطالعاتي وتجربتي الشخصية، والكتب التي تهتم بتربية الأبناء كثيرة ولكنَّها بحاجة إلى تمحيص من بعض الصوفيات التي فيها، كون غالب أصحابها ليسوا على المنهج السلفي النقي في الغالب، إلَّا من رحم ربُّك، وقد استفدت من كتاب جيد في عرض هذه المُشكلات واسمه: «من أخطائنا في تربية أولادنا»، وهو كتاب قيِّم يعرض لأهم المشكلات التي تواجه المُربِّين، وعنه استفدت أكثر مادة هذا المقال.
وعودًا على بدءٍ فإنَّه يمكن التوصُّل إلى تربية صحيحة للأبناء بوسائل شتَّى تعين المربِّي على ذلك ومنها:
·       الالتزام بمنهج السلف الصالح كتابًا وسنَّة وفهمًا وعملًا واعتقادًا وأسلوب حياة.
·       اتِّباع سُنَّة النبي –صلى الله عليه وسلم- وتعلُّم سيرته وربطها مع الواقع والمواقف الحياتية التي تعرض للزوجين.
·       إدمان الدعاء بالصلاح والهداية والرشاد للأولاد، فإنها طريقة الأنبياء –عليهم الصلاة والسلام-، والقرآن يدلُّ عليه.
·       إظهار القدوة الحسنة في نفسك أيُّها المربي؛ بامتثالك أوامر الله واجتنابك لنواهيه وتسليمك ورضاك بقدر الله حلوه ومُرِّه، حال الغضب وحال الرضا، حال السَّعة وحال الضيق.
·       استشارة أهل التربية ممن يوثق بدينه أو ممن له تجربة ناجحة في تربية أولاده، وطلب العون منهم في حل المعضلات التي تواجه المربي فإن خبرة هؤلاء لا يمكن إغفالها أبدًا.
·       التربية للأولاد أولى أولويات المُربي فلا تفرط في ذلك وحاول اقتناء ما يعين على ذلك من الكتب المستقيمة النافعة وغيرها من مباح الوسائل التربوية.
·       إظهار الصفات الحسنة لأولادك من دعاء وغيره، كالرجوع عن الخطأ وعدم التعنُّت، والاعتذار للولد والزوجة إن بدر منك ما يوجب ذلك، فإن هذا من أكبر المعينات على التربية، ومما يرفع شأن المربي في نظر مَن يُربِّيه، ويزرع الثقة بصدق المُربي عند الأولاد والأهل.
·       إظهار المحبَّة للأولاد قولًا وعملًا، والدعاء لهم جهارًا فإن هذا له أثر كبير في نفوسهم، ويرفع من معنويَّاتهم فينقادون لك بحول الله وقوَّته.
·       إشراك الأولاد في المسئولية وجعلهم يشعرون بمتطلبات الحياة وصعوبة تحصيلها، والنقاش معهم في مهمَّات العائلة، وغيرها مما يعترض الحياة اليومية.
·       البعد عن أسباب سوء التربية كالبيئة المحيطة كأن يكون أكثر أهل المنطقة على غير صلاح وهدى، أو إدخال وسائل اللهو المحرمَّة إلى البيت فينشغل بها الأولاد عن أهليهم فتصبح هي المربي والراعي!
وبعد هذا سأنقل بعض الأخطاء التي يقع فيها المربُّون في تربية أبنائهم، مقتبسًا إيَّاها من بعض الكتب ومتصرفًا في كلماتها إضافة وحذفًا بما أراه مناسبًا لأصل موضوعي هذا، فأقول وبالله وحده أتأيَّد:
·       تربية الأولاد على خشية النَّاس!
كان المُعلم الأول –صلى الله عليه وسلم- يهتَم لتربية أصحابه صغارًا كانوا أو كبارًا فعن ابن عباس –رضي الله عنهما- قال : كنت خلف رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يومًا فقال: «يا غلام إني أعلمك كلمات: احفظ الله يحفظك احفظ الله تجده تجاهك إذا سألت فاسأل الله وإذا استعنت فاستعن بالله واعلم أن الأمة لو اجتمعت على أن ينفعوك بشيء لم ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك ولو اجتمعوا على أن يضروك بشيء لم يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك رفعت الأقلام وجفت الصحف».
هذا ابن عبَّاس –رضي الله عنهما- غلام صغير يجد هذا التوجيه النبوي العظيم، فها هو يرتبط بالله من أول نشوئه وفي بداية عمره، بينما تجد الكثيرين منَّا يربط أبناءه بمراقبة الناس والخوف من مخالفتهم ولو كانوا على الباطل ، والرغبة في إرضائهم وكسب ودِّهم، والبعد عن أسباب سخطهم.
متناسين –لجهلهم- أن هذا إنَّما ينبغي مع الله –عز وجل- لا مع خلقه، ولكن لمَّا ضعفت العقيدة في نفوس الناس أورثهم هذا الأمر مخافة الناس فجنَوا على أنفسهم وأبنائهم، فتجد الولد كبر وقد تربَّى على أمور منها:
الرياء: فيعمل من الأعمال ما يوافق أهواء الناس، وما يحب أن يمدحه الناس عليه من الأقوال والأعمال، دون مراقبة لله –عز وجل-، فتجده يحسن عبادته ويحفظ القرآن ويُعلمه للناس طلبًا للمديح ومبارزة لأقرانه، فإذا خلا وحده وغاب عنه رقيب البشر اقترف ما يشاء من الذنوب والآثام ناسيًا رقابة الله له في سره وعلانيته!
الإعراض عن الحق والإصرار على الضلال: لأنه تعود ألَّا يخالف الناس مخافة نقدهم له، فلا يرجع إلى الحق وإن بدت له أعلامه، وظهرت عنده حججه وبراهينه.
قال الله تعالى مظهرًا بعض صفات هذا الصنف: ﴿وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَمَا هُمْ بِمُؤْمِنِينَ * يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَمَا يَخْدَعُونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ، وقال: ﴿ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ وَإِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلَاةِ قَامُوا كُسَالَى يُرَاءُونَ النَّاسَ وَلَا يَذْكُرُونَ اللَّهَ إِلَّا قَلِيلًا، فحذار أن ينشأ ولدك على خصال النفاق، ومداهنة الناس يا عبدالله، أو أن يخالف قوله فعله وفعله قوله، أو سرَّه علانيته أو علانيته سرّه، ومدخله مخرجه، ومشهده مَغِيبَه!.
فعليك أيُّها المربي أن تربط ولدك بالله وتطمِّعه بما عنده من الخير وحسن الثواب، ولو أدَّى ذلك إلى إسخاط الناس جميعًا.
قال ابن حزم –رحمه الله- في كتابه (مداواة النُّفوس): «باب عظيم من أبواب العقل والرَّاحة، وهو طرح المبالاة بكلام الناس، واستعمال المبالاة بكلام الخالق –عز وجل-، بل هذا باب العقل كلّه والراحة كلّها، ومَن قدَّر أنّه يسلم من طعن النَّاس وعيبهم فهو مجنون!».

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

طورُ التَّحول والتحوُّر الإخواني الجديد بعد قرب انهيار الجماعة والانتقال إلى أرضية جديدة وخصبة لزرع الأفكار الخارجية المتأصلة في فكر الجماعة! (التمهيد)

  (1) طورُ التَّحول والتحوُّر الإخواني الجديد بعد قرب انهيار الجماعة والانتقال إلى أرضية جديدة وخصبة لزرع الأفكار الخارجية المتأصلة في فكر...