23/07/2025

(بينَ عبدالله بن حُذافة السَّهمي وبين مُرتزقة ما يُسمى مقاومة إسلامية)!

(بينَ عبدالله بن حُذافة السَّهمي وبين مُرتزقة ما يُسمى مقاومة إسلامية)!


الحمد لله وحده وأصلي وأسلم على من لا نبيَّ بعده،،
أما بعد:


فإن المُسلمين قد نُكبوا أيما نكبة بفئة متهورة مجنونة لا تُقيم لقواعد الشرع الكلية ولا الجزئية بالًا ولا تأبه بدماء المسلمين التي سالت أنهارًا، ولا بمُقدرات أهل الإسلام التي ذهبت هدرًا بلا طائل!


هذه البلية التي بُلي أهل الإسلام بها كانت ولا زالت تفعل الأفاعيل باسم الإسلام وتستجلب الأعداء وتُذعرهم باسم المقاومة للمحتل وتدوس بأقدامها عُش الدبابير بلا حائل يقيها أو يدفع عنها فإذا ثارت ثائرة الدبابير صاحت أين المسلمون وأين دفاعهم عنا وينال منهم المسلمون السباب والشتائم والتخوين وينال عش دبابير آخر غير الذي داسوه بأقدامهم العارية الثناء الجميل والوصف بالبطولة والنصر لقضايا الأمة!


هذه البلية لا تنفك تفعل أفعالًا تدميرية تُسميها زورًا وبهتانًا (جهادًا في سبيل الله) وهي -والله!- جهاد في سبيل الشيطان، الشيطان الذي زين لهم أن يورطوا أهلهم وناسهم بحرب عبثية ملعونة لا قبل لهم بها ثم هم يحمون أنفسهم ويتركون المسلمين المستضعفين يتلقون الضربات تلو الضربات حتى أهلكوا الناس ودمروا البنيان وحطموا الأوطان وأضحى أهلها شريدين مُطاردين جائعين خائفين فإنا لله وإنا إليه راجعون!


أذكر هنا قصة رواها أهل السير لبعض المسلمين -الأبطال حقًا وصدقًا- وعلى رأسهم أصحاب نبينا محمد ﷺ أهل الإيمان والتقوى والجهاد=(الشرعي) لا أهل التحزبات والبحث عن المُكتسبات، قصة صحابي جليل هو أَبُو حُذَافَةَ السَّهْمِيُّ عَبْدُاللهِ بنُ حُذَافَةَ بنِ قَيْسِ، أَحَدُ السَّابِقِيْنَ، هَاجَرَ إِلَى الحَبَشَةِ، وَنَفَّذَهُ النَّبِيُّ ﷺ رَسُوْلاً إِلَى كِسْرَى، خَرَجَ إِلَى الشَّامِ -في عهدِ عُمربن الخطاب- مُجَاهِداً، فَأُسِرَ عَلَى قَيْسَارِيَّةَ، وَحَمَلُوْهُ إِلَى طَاغِيَتِهِم، فَرَاوَدَهُ عَنْ دِيْنِهِ، فَلَمْ يُفْتَتَنْ. [انضر: «سير أعلام النبلاء» (2/ 11-12) الرسالة].


وقصته هذه فيها من العبرة لأهل الإسلام ما يكفي للنظر فيمن همُّه نُصرة الإسلام بالمحافظة على أهل ولو بالتنازل عن مكتسبات كاذبة مظنونة أو حزبية مأفونة، وللقارئ أن ينظر كيف غلَّب هذا الصحابي الجليل مصلحة المسلمين على مصلحته وكيف عمل بقواعد الإسلام ومنها ارتكاب أقل الضررين وأدنى المفسدتين لدفع أعلاهما، فعن «عَبْدُاللهِ بنُ مُعَاوِيَةَ الجُمَحِيُّ: حَدَّثَنَا عَبْدُالعَزِيْزِ القَسْمَلِيُّ، حَدَّثَنَا ضِرَارُ بنُ عَمْرٍو، عَنْ أَبِي رَافِعٍ، قَالَ:


وَجَّهَ عُمَرُ جَيْشاً إِلَى الرُّوْمِ، فَأَسَرُوا عَبْدَاللهِ بنَ حُذَافَةَ، ‌فَذَهَبُوا ‌بِهِ ‌إِلَى ‌مَلِكِهِم، فَقَالُوا: إِنَّ هَذَا مِنْ أَصْحَابِ مُحَمَّدٍ.
فَقَالَ: هَلْ لَكَ أَنْ تَتَنَصَّرَ -يعني تصبح نصرانيًا على دين الروم وتترك دين الإسلام-، وَأُعْطِيَكَ نِصْفَ مُلْكِي؟
قَالَ: لَوْ أَعْطَيْتَنِي جَمِيْعَ مَا تَمْلِكُ، وَجَمِيْعَ مُلْكِ العَرَبِ مَا رَجَعْتُ عَنْ دِيْنِ مُحَمَّدٍ طَرْفَةَ عَيْنٍ.
قَالَ: إِذاً أَقْتُلُكَ.
قَالَ: أَنْتَ وَذَاكَ.
فَأَمَرَ بِهِ، فَصُلِبَ، وَقَالَ لِلرُّمَاةِ: ارْمُوْهُ قَرِيْباً مِنْ بَدَنِهِ.
وَهُوَ يَعْرِضُ عَلَيْهِ، وَيَأْبَى، فَأَنْزَلَهُ، وَدَعَا بِقِدْرٍ، فَصَبَّ فِيْهَا مَاءً حَتَّى احْتَرَقَتْ، وَدَعَا بِأَسِيْرَيْنِ مِنَ المُسْلِمِيْنَ، فَأَمَرَ بِأَحَدِهِمَا، فَأُلْقِيَ فِيْهَا، وَهُوَ يَعْرِضُ عَلَيْهِ النَّصْرَانِيَّةَ، وَهُوَ يَأْبَى، ثُمَّ بَكَى.
فَقِيْلَ لِلْمَلِكِ: إِنَّهُ بَكَى.
فَظَنَّ أَنَّه قَدْ جَزِعَ، فَقَالَ: رُدُّوْهُ. مَا أَبْكَاكَ؟
قَالَ: قُلْتُ: هِيَ نَفْسٌ وَاحِدَةٌ تُلْقَى السَّاعَةَ فَتَذْهَبُ، فَكُنْتُ أَشْتَهِي أَنْ يَكُوْنَ بِعَدَدِ شَعْرِي أَنْفُسٌ تُلْقَى فِي النَّارِ فِي اللهِ.
فَقَالَ لَهُ الطَّاغِيَةُ: هَلْ لَكَ أَنْ تُقَبِّلَ رَأْسِي، وَأُخَلِّيَ عَنْكَ؟
فَقَالَ لَهُ عَبْدُاللهِ: وَعَنْ جَمِيْعِ الأُسَارَى؟
قَالَ: نَعَمْ.
فَقَبَّلَ رَأْسَهُ، وَقَدِمَ بِالأُسَارَى عَلَى عُمَرَ، فَأَخْبَرَهُ خَبَرَهُ.
فَقَالَ عُمَرُ: حَقٌّ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ أَنْ يُقَبِّلَ رَأْسَ ابْنِ حُذَافَةَ، وَأَنَا أَبْدَأُ.
فَقَبَّلَ رَأْسَهُ».


وفي رواية أخرى عنه -رضي الله عنه وأرضاه- عن «أَبي رافع وَمَالِكُ بنُ أَنَسٍ:
أَنَّ أَهْلَ قَيْسَارِيَّةَ أَسَرُوا ابْنَ حُذَافَةَ، فَأَمَرَ بِهِ مَلِكُهُمْ، فَجُرِّبَ بِأَشْيَاءَ صَبَرَ عَلَيْهَا، ثُمَّ جَعَلُوا لَهُ فِي بَيْتٍ مَعَهُ الخَمْرَ وَلَحْمَ الخِنْزِيْرِ ثَلَاثاً لَا يَأْكُلُ.
فَاطَّلَعُوا عَلَيْهِ، فَقَالُوا لِلْمَلِكِ: قَدِ انْثَنَى عُنُقُهُ، فَإِنْ أَخْرَجْتَهُ، وَإِلَاّ مَاتَ.
فَأَخْرَجَهُ، وَقَالَ: مَا مَنَعَكَ أَنْ تَأْكُلَ وَتَشْرَبَ؟
قَالَ: أَمَا إِنَّ الضَّرُوْرَةَ كَانَتْ قَدْ أَحَلَّتْهَا لِي، وَلَكِنْ كَرِهْتُ أَنْ أُشْمِتَكَ بِالإِسْلَامِ.
قَالَ: فَقَبِّلْ رَأْسِي، وَأُخَلِّيَ لَكَ مائَةَ أَسِيْرٍ.
قَالَ: أَمَّا هَذَا فَنَعَمْ.
فَقَبَّلَ رَأْسَهُ، فَخَلَّى لَهُ مائَةً، وَخَلَّى سَبِيْلَهُ» اهـ.


نعم أيها المسلمون هذا هو دين الله وليس دين الأحزاب والعصابات المتأسلمة!

واليوم تحتفظ الحركة الإجرامية ببضع أسرى من أنجاس الصهاينة وتأبى أن تُفرج عنهم وتوقف شلال الدماء النازف وهذا الإباء ليس مبعثه القوة بل خوفًا من فوات المكاسب الحزبية الضيقة وطلب الحماية من الملاحقة لهم وإلا فلو كانت دماء الناس تعني لهم شيئًا لما تركوا النساء والأطفال والشيوخ والشباب في ذُل وشنار، ولتنازلوا كما فعل ذلك الصحابي الجليل عبدالله بن حُذافة السهمي وتسليم الأسرى على نفوس الآسرين أهون بكثير من تقبيل رأس الكافرين! بل فيه نوع استعلاء عليه مع ما فيه من تخليص الناس من ذريعة الإبادة التي يتخذها العدو الغاشم، ولكن القوم مجرمون مخذولون لا فقه ولا دين، والدعوى أنهم مقاومون!


هذا هو الفرق يا قوم بين من ينتمي إلى دينه كتابًا وسنة بفهم السلف وبين من ينتمي لدينه تحزبًا وتشيعًا لشياطين الإنس ويُقدم حزبه ومصلحته على حساب دماء وأشلاء المسلمين.


فاللهم ارفع عن أهلنا في غزة صلف وجبروت المحتل وغرور وإجرام القريب المختل، إنك ولي ذلك والقادر عليه.


وكتب
أبو موسى أحمد الغرايبة
غفر الله له وللمسلمين
28 / محرم/1447هـ
 


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق