17/10/2025

[نصيحة الولاة .. بين التأصيلات السلفية والدعاوى الخلفية]!

 

بسم الله الرحمن الرحيم

[نصيحة الولاة .. بين التأصيلات السلفية والدعاوى الخلفية]

الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده ،،

أما بعد:

فإن دعوتنا السلفية المباركة التي تربينا عليها وأخذنا أصولها عن أشياخها وعلمائها قد استقرت على أصول السلف الصالح واستدلت على أبوابها بما كانوا عليه من منهج قويم رصين يستهدي بالوحيين -الكتاب والسنة- ويتقفرُ آثار الصحابة -رضوان الله عليهم-، لم يخالف ما هي عليه إلا غُبَّراتٌ من أهل الأهواء والبدع وحُثالاتٌ من أهل التحزب والأهواء فما ضروا إلا أنفسهم وما نقصوا من منهج السلف شيئًا بل هم المنتَقصون والمخذولون!

  عشنا مع تقريرات علمائنا قديمًا وحديثًا نعلمها للناس ونُبين سماحة هذا الدين لهم وأن منهج السلف أبعد ما يكون عن طرائق المتأكلين بالدين من حزبيين وحركيين وأنه صمام أمان لمجتمعاتنا التي نكون فيها وجزءً من نسيجها مع وجود المخالفين لها والمُعادين لمنهجها والمتسترين به، وقد نالَ دُعاتها الأذى الكبير والشديد من الكثيرين على عادة أهل الحق على طول الزمان لا يخلو منهم زمان ولا يصفو لهم وقت، بيدَ أن أشد أنواع الأذى الذي يصيبها هو الصادر عن المتلبسين بلبوسها والمنتسبين إليها وإلى أشياخها بحيث يقومون بهدم ثوابتها وزعزعة أصولها شيئًا فشيئًا في المجالس الخاصة والعامة بحجج إنما تنطلي على الأغمار الجهلة وعلى المبهورين بزخرف الحياة الدنيا وزينتها!

كان آخر هذه التقليعات التي يقودها القوم التشكيك في أصل النصيحة لذي السلطان إذا وقع منه انحراف أو صدر عنه خطأ أو ما يكرهه أهل الإيمان مما يقع عادة من الولاة من الظلم والجور والحيف في حق آحاد الرعية أو جماعتهم فوجبت حينها النصيحة لهم اتباعًا لأمر النبي ﷺ القائل: « الدين النصيحة »، « الدين النصيحة »، « الدين النصيحة »، قالوا: لمن يا رسول الله؟ قال: « لله، ولكتابه، ولرسوله، ولأئمة المسلمين وعامتهم » أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب الإيمان، فقام أهل العلم بهذا الواجب وبينوا للأمة الطريقة المُثلى في نصيحة السلطان، قال ابن رجب الحنبلي -رحمه الله تعالى-:

«أما النصيحة لأئمة المسلمين: فحبُّ صلاحهم ورُشدهم وعدلهم، وحب اجتماع الأمة عليهم، وكراهة افتراق الأمة عليهم، والتدين بطاعتهم في طاعة الله -عز وجل-، والبغض لمن رأى الخروج عليهم، وحبّ إعزازهم في طاعة الله -عز وجل- .. والنصيحة لأئمة المسلمين معاونتهم على الحق، وطاعتهم فيه، وتذكيرهم به، وتنبيههم في رفقٍ ولطفٍ، ومجانبة الوثوب عليهم، والدعاء لهم بالتوفيق وحث الأغيار على ذلك» [جامع العلوم والحكم].

وقال الشيخ عبدالرحمن بن ناصر السعدي -رحمه الله تعالى- في «الرياض الناضرة»:

«وأما النصيحة لأئمة المسلمين، وهم ولاتهم من السلطان الأعظم إلى الأمير إلى القاضي إلى جميع من له ولاية صغيرة أو كبيرة، فهؤلاء لما كانت مهماتُهم وواجباتهم أعظم من غيرهم وجب لهم من النصيحة بحسب مراتبهم ومقاماتهم، وذلك باعتقاد إمامتهم، والاعتراف بولايتهم، ووجوب طاعتهم بالمعروف، وعدم الخروج عليهم، وحث الرعية على طاعتهم ولزوم أمرهم الذي لا يخالف أمر الله ورسوله ﷺ، وبذل ما يستطيع الإنسان من نصيحتهم، وتوضيح ما خفي عليهم مما يحتاجون إليه في رعايتهم، كل أحد بحسب حالته، والدعاء لهم بالصلاح والتوفيق، فإن صلاحهم صلاح لرعيتهم.. واجتناب سبهم والقدح فيهم وإشاعة مثالبهم، فإن في ذلك شرًّا وضررًا وفسادًا كبيرًا، فمن نصيحتهم: الحذر والتحذير من ذلك.. وعلى من رأى منهم ما لا يحل أن ينبههم سرًّا لا علنًا، ثم بلطف، وعبارة تليق بالمقام ويحصل بها المقصود، فإن هذا مطلوب في حق كل أحد، وبالأخص ولاة الأمور، فإن في تنبيههم على هذا الوجه فيه خير كثير، وذلك علامة الصدق والإخلاص» اهـ.

هذه هي النصيحة الشرعية والطريقة السلفية المرعية وهي التي عرفناها عن أشياخنا وعلمائنا السلفيين يؤديها من يؤديها من غير أن يجاهر أو يماري بها أحدًا خشية الوقوع في الرياء والتسميع مع ما يتحصل لمخالف طريقتهم في النصح من مشابهة الخوارج من الذين يفضحون ولا ينصحون ويشيعون مثالب الولاة على المنابر ومن وراء الحجب سرًا وجهرًا يرجون حظوة عند فلان أو علان أو ممن يتسول لعاعة من الدنيا يسد بها رمق حاجته وعوزه فيبيع دينه بعرض من الدنيا قليل!

قال الشيخ السعدي -رحمه الله تعالى- في «الرياض الناضرة»:

«واحذر أيها الناصح لهم على هذا الوجه المحمود أن تفسد نصيحتك بالتمدح عند الناس، فتقول لهم: إني نصحتهم، وقلتُ، وقلتُ، فإن هذا عنوان الرياء وعلامة ضعف الإخلاص، وفيه أضرارٌ أُخَرُ معروفة».

 

وأما أصل هذه الطريقة السلفية في نصيحة أولي السلطان فليست بدعًا من القول اخترعوه ولا تزلفًا إلى السلاطين رَجوْه بل هم -كما في سائر أبواب الشريعة- متبعون للحديث والأثر وعلى نهج السلف يسيرون لا يضرهم أصحاب التحزبات الباطلة ولا الأفكار المنحرفة يسيرون على بركة الله متسلحين بالدليل من الكتاب والسنة لا يلتفتون إلى سقط المتاع ممن يقدح في أدلتهم ويضعف صحيحها يرسل الكلمات وكأنه صيرفي الأسانيد يُزيف منها ما يشاء ويجوِّدُ!

أخرج ابن أبى عاصم في «كتاب السنة»، في «باب: كيف نصيحة الرعية للولاة؟» بإسناد صحيح عن شريح بن عبيد قال: قال عياض بن غُنم لهشام بن حكيم: ألم تسمع بقول رسول الله ﷺ: «من أراد أن ينصح لذي سلطان فلا يبده علانية، ولكن يأخذ بيده، فيخلو به فإن قبل منه فذلك، وإلا كان قد أدى الذى عليه»، وصححه الشيخ الألباني.

إذن! فالنصيحة للولاة لا تكون كالنصيحة لسائر الرعية من المسلمين فإن نصيحتهم التي وردت في حديث « الدين النصيحة » تكون سرًا كما تقدم في حديث عياض بن غُنم الآنف الذكر، وقد بين الفرق بين نصيحة المسلمين عامة ونصيحة الولاة الشيخُ محمد بن صالح العثيمين -رحمه الله تعالى- فقال:

«ثم إنَّ الرسول ﷺ فرَّقَ بينهم وبين عامة المسلمين، فقال: «أئمة المسلمين وعامتهم»، مما يدلُّ على أنَّ النصيحة للأئمة ليست كالنصيحة للعامة؛ لأنه يجبُ عند النصيحة للأئمة أن يُراعيَ الانسان مقامه، بحيث تكون النصيحة مناسبةً لمقامه، وهذا من تنزيل الناس منازلهم ومن الحكمة» [شرح بلوغ المرام].

هذه هي طريقة السلف في نصيحة السلطان لا يقولون بخلافها ولا يلتفتون لمن زعم أن هذا الحديث فيه علة أو لا يصح لأن المسألة ليست مسألة إسناد ينظرون فيه فيضعفونه بل المسألة هي المنهج الذي يسيرون عليه في هذا الأمر ولذلك كانت كتب السلف تهتم بهذه الحيثية لما يترتب على خلافها من المفاسد وانتشار الفوضى فكان الصحابة ينصحون سرًا في الأمور التي توغر صدور الرعية وتهيج الرعاع والدهماء من العامة على ولاتهم فقد أخرج الشيخان عن أبي وائل قال: قيل لأسامة بن زيد رضي الله عنه-: ألا تدخل على عثمان فتكلمه؟! فقال: أترون أني لا أكلمه إلا أسمعكم!! والله لقد كلمته فيما بيني وبينه ما دون أن أفتتح أمرًا لا أحب أن أكون أول من فتحه».

وفي لفظ للبخاري: «إنكم لترون أني لا أكلمه! إلا أسمعكم؟! إني أكلمه في السر ».

هذا صنيع أسامة بن زيد الصحابي الجليل وهذه طريقته في النصح وفيها إنكاره الشديد على من أراد أن يجعل النصيحة في العلن ليفتح باب شر عظيم على الأمة، وقد ورد عن بعض السلف وهو سعيد بن جبير قال: «قلتُ لابن عباس: آمرُ إمامي بالمعروف؟ قال: إن خشيتَ أن يقتلكَ فلا، فإن كنتَ ولا بدَّ فاعلًا، ففيما بينكَ وبينه، ولا تغتبْ إمامَكَ».

قال الشيخ علي بن محمد بن ناصر الفقيهي في كتابه: «البدعة ضوابطها وأثرها السيئ في الأمة»:

«هذا هو أسلوب علماء أهل السنة والجماعة الطائفة المنصورة الناجية في نصحهم لولاة أمورهم؛ لأنهم يريدون لأمتهم وللعباد والبلاد الخير والصلاح، وهو ما نعتقد أن علماءنا في الوقت الحاضر وهم المتبعون لمنهج السلف الصالح يقومون به لولاة أمورهم بالأسلوب الذى ذكره العلامة الشيخ عبدالرحمن السعدي -رحمه الله-، فهم لا يقدمون النصائح علنًا حتى نسمعها، لأنهم يعلمون أنها بهذه الأسلوب غير مجدية، ولا هو منهج أهل السنة والجماعة، ثم هم لا يفسدون تلك النصائح التي يقدمونها بالتمدح بين الناس بأن يقولوا: فعلنا وفعلنا وقلنا لهم وقلنا؛ لأن هذا ـ كما قال السعدي فيه رياء وعدم إخلاص في النصيحة، وفي الوقت نفسه فيه أضرار كثيرة.

أما الوقائع العينية مع الولاة والأمراء فما صح منها فإنه كان نصيحة للأمير مباشرة عند ظهور مخالفته للسنة، مع وجود الألفة بينهم ـ أي: العلماء والأمراء ـ، والقصد من النصيحة الإصلاح لا التشهير كما في قصة مروان أمير المدينة، ففي صحيح البخاري كتاب العيدين ح 956 عن أبي سعيد الخدري قال:

«كان النبي ﷺ يخرج يوم الفطر والأضحى إلى المصلى فأول شيء يبدأ به الصلاة» قال: فلم يزل الناس على ذلك حتى خرجتُ مع مروان ـ وهو أمير المدينة ـ في أضحى أو فطر، فلما أتينا المصلى إذا منبر بناه كثير بن الصلت، فإذا مروان يريد أن يرتقيه قبل أن يصلي، فجبذت بثوبه فجذبني، فارتفع فخطب قبل الصلاة، فقلت له: غيّرتم والله، فقال: أبا سعيد، قد ذهب ما تعلم، فقلت: ما أعلم والله خير مما لا أعلم، فقال: إن الناس لم يكونوا يجلسون لنا بعد الصلاة، فجعلتها قبل الصلاة.

قال ابن حجر وفي رواية عبدالرزاق عن داود بن قيس: «وهو ـ أي: مروان ـ بين أبي مسعود ـ يعني: عقبة بن عمرو الأنصاري ـ، قلت: وهذا يدل على الصلة الوثيقة بين العلماء وولاة الأمور».

ويقول ابن حجر وهو يعدد فوائد الحديث: «وفيه إنكار العلماء على الأمراء إذا صنعوا ما يخالف السنة، وفيه جواز عمل العالم بخلاف الأَولَى إذا لم يوافقه الحاكم على الأَولى، لأن أبا سعيد حضر الخطبة ولم ينصرف، فيستدل به على أن البداءة بالصلاة فيها ليس بشرط في صحتها، والله أعلم».

ثم نقل عن ابن المنير قوله: «حمل أبو سعيد فعل النبي ﷺ في ذلك على التعيين، وحمله مروان على الأَولية، واعتذر عن ترك الأَولَى بما ذكر من تغير حال الناس، فرأى أن المحافظة على أصل السنة وهو سماع الخطبة أولى من المحافظة على هيئة فيها ليست من شرطها، والله أعلم».

ومثل هذا ما ذكر من الوقائع مع عمر بن الخطاب، فما صح من ذلك، فهو نصيحة للأمير أو الوالي مشافهة في الوقت نفسه الذى ظهر فيه ما يخالف السنة، لا تشهيراً وقدحًا وإشاعة لمثالبهم ففي ذلك شر وضرر وفساد كبير.

قال الشيخ عبدالرحمن بن سعدي: لأن الهدف هو الإصلاح، وبهذا الأسلوب يتحقق الإصلاح ـ إن شاء الله ـ.».

وفي هذا السياق من المناصحة للولاة بالسر ما أخرجه الإمام أحمد بن حنبل -رحمه الله- بسنده عن سعيد بن جهمان قال: «أتيت عبدالله بن أبي أوفى وهو محجوب البصر فسلمت عليه .. قلت: فإن السلطان يظلم الناس ويفعل بهم. قال: فتناول يدي فغمزها بيده غمزة شديدة، ثم قال: ويحك يا ابن جهمان عليك بالسواد الأعظم، عليك بالسواد الأعظم، إن كان السلطان يسمع منك فائته في بيته فأخبره بما تعلم فإن قبل منك وإلا فدعه فإنك لست بأعلم منه».

وأختم بملخص مفيد يترتب على الالتزام بمنهج السلف في النصيحة للولاة كما ورد في كتاب «أصول الإيمان في ضوء الكتاب والسنة» لجماعة من العلماء نشر: وزارة الشؤون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد - المملكة العربية السعودية(ص289) وفيه:

«والسنة أن تُبذل النصيحة للإمام سرًّا بعيدًا عن الإثارة والتهويل يدل لذلك ما رواه ابن أبي عاصم وغيره، عن عياض بن غنم -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله ﷺ: «من أراد أن ينصح لذي سلطان ‌فلا ‌يبده ‌علانية، وليأخذ بيده فإن سمع منه فذاك، وإلا أدى الذي عليه».

هذه النصوص من القرآن والسنة كلها تأمر بطاعة الأئمة وولاة الأمور في غير معصية الله تعالى. ويمكن أن نستخلص منها ما يأتي:

1 - أن السمع والطاعة واجبة في كل الأحوال في غير معصية.

2 - عدم الخروج على ولاة الأمر إذا لم يقبلوا النصيحة.

3 - أن من نصح لولاة الأمر وأنكر عليهم بالطريقة المشروعة فقد برئ من الذنب.

4 - النهي عن إثارة الفتن وأسباب إثارتها.

5 - عدم الخروج على الولاة ما لم يظهر منهم الكفر البواح أي الظاهر الذي لا يحتمل التأويل.

6 - وجوب لزوم جماعة المسلمين الذين يسيرون على هدى الكتاب والسنة قولا وعملا واعتقادًا وموالاتهم واتباع سبيلهم والحرص على جمع كلمتهم على الحق وعدم مفارقتهم أو الانشقاق عليهم. كما قال تعالى: [وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا][النساء: 115]» اهـ.

قال أبو موسى -غفر الله له ولوالديه-:

هذا هو منهج السلف الصالح في نصيحة الولاة والسلاطين وهذه أدلتهم وطريقتهم وتوارث علمائهم كابرًا عن كابر لهذه الآثار السلفية من زمن النبوة إلى زماننا هذا لم يخالفهم فيها إلا الخوارج العصريون ومن سار على منهاجهم كأتباع محمد زين العابدين بن سرور والذي ينسب إليه (السرورية) وكبعض سقط المتاع ممن تسربل بسرابيل السلفية وتدثر بدثارها ليمرر خلاف ما تعارف عليه طلبة العلم وأخذوه عن علمائهم غرتهم الحياة الدنيا وحرفتهم صحبة الأشرار عن المنهج الصافي الذي أفنى علماؤه أعمارهم في تبيينه للناس وتقرير أُسسه وأصوله التي توارثوها، والسلفيون -ولله الحمد- لم يبدلوا ولم يغيروا ولم يتلونوا ولم يروغوا روغان الثعالب في أمر دينهم بل ثبتوا وصانوا منهجهم وردوا كل دخيل من الأقوال والكلمات التي تُلقى هنا وهناك ويوصف أصحابها ويسار إليهم بالمشيخة والعلم ويتصدرون المنصات والجمعيات، فاليوم تدور معركة خطيرة يتطاير غبارها ليلوح في الأفق يخوضها البعض لا ليحق الحق بل ليبطل الباطل وليهدم أصولًا وعقائد مستقرة وعليها أدلتها من الكتاب والسنة وفهم السلف وتطبيقهم لها، والله يحفظ دينه ومنهج وسبيل المؤمنين الذين ساروا عليه وهو ولي ذلك والكفيل عليه، لا إله إلا هو!

هذا ما تيسر من جمع لمادة هذا المقال من هنا وهناك كتبته تواصيًا بالحق وتواصيًا بالصبر واللهُ المسئولُ أن يجعله خالصًا لوجهه لا رياء فيه ولا سمعة.

وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله صحبه وسلم تسليمًا كثيرًا.

وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

وكتب لخمس بقين من شهر ربيع الآخر سنة 1447 للهجرة

الموافق للسابع عشر من شهر تشرين الأول سنة 2025 ميلادية

أبو موسى أحمد الغرايبة

غفر الله له ولوالديه وللمسلمين

آمين .. آمين

28/09/2025

تمييع وضياع .. ثم سفاهة!

 (تمييع وضياع .. ثم سفاهة)


الحمد لله وكفى والصلاة والسلام على نبيه الذي اصطفى..

أما بعد:

فقد أظهرت الأحداث الأخيرة الكثير من (المميعة السفهاء) ممن هُجيِّراه (الدفاع عن أهل البدع والأهواء) باسم الإنصاف والعدل والعلم -إي والله والعلم-!!

خرج علينا (خرافي) (حزبي) (مارق) يطعن في رسول الله ﷺ ويقول إنه مات ولم يبين للأمة كيف (تختار وتعزل وتحاسب) (كذا!) حُكامها وجعل هذا الفعل المزعوم منه ﷺ (نكبة) نُكبت الأمة بها، وهو كلام موضوع في سياقه لم يُبتر ولم يُحرَّف عن مضمونه فهو إذن خطاب عربي وبكلمات عربية فصيحة يفهمها العرب والناطقون بالعربية بكل سهولة ويفهمون منها ما لا يمكن أن يُفهم سواه ألا وهو (الطعن في جناب الرسول ﷺ واتهامه بعدم أو بالتقصير في أداء الرسالة وأنه وقع في ما لا يجوز له أن يقع فيه ألا وهو تأخير البيان عن وقت الحاجة)!

فلما سمع المُخلصون الصادقون من أهل العلم والفضل ومن طلبة العلم الذين لم تتلوث أفكارهم بأهواء الأحزاب المُضلة؛ أنكروه أشد الإنكار ورفضوه وحذروا من استمراء أو تهوين هكذا خطاب يُؤسس لهدم الشريعة ويفتح باب الطعن في الرسول ﷺ ومن ثم الطعن على خلفائه ومن جاء بعدهم في مسألة هي اليوم الفيصل بين أهل السنة=(السلفيين) وبين أهل التحزب=(الخلفيين) ممن يطوِّع نصوص الكتاب والسنة ليقنع الناس بأن الإسلام دين الفوضى والخروج على كل من (قيل) إنه لا يصلح لحكم الناس!

وقد قال بعض الصحابة لعثمان بن عفان -رضي الله عنه وأرضاه ولعن شانئه- لما همَّ أن يتنازل بالإمارة للخوارج: (يا أمير المؤمنين إنني لا أرى لك أن تخلع قميصًا قمصكه الله فتصير بعدك سنة كلما لم يُعجب قومًا أميرهم خلعوه)!

فهذه البصيرة الثاقبة من هذا الصحابي الناصح لأميره هي ذاتها نصيحة السلفيين ومنذ عقود للأمة حكامًا ومحكومين لسد ذريعة الفوضى والقتل والدمار الذي يريد أن يجعله (حزب الإخوان المسلمين) والمدافعون عنهم سُنة واجبة ودينًا يُدان الله به!

إن (ولد الددو الموريتاني)=(المارق) خرافي من الطراز الأول وليست هذه أولى ضلالاته لكنها (أخطرها) و(أشنعها) و(أشدها ضلالًا وانحرافًا)، فقد بدر من الرجل بوادر يعرفها طلبة العلم من قديم ولا يريد أن يراها أو يقتنع (أهل التمييع.. ثم السفاهة) بها ولا يريدون أن يتركوا طلاب العلم ليبينوا للناس خطرها، فالرجل يدعي علم الغيب على عادة الصوفية الغالية وهذا موجود بصوته وصورته ويتبرك ببزاق شيوخه ويتخبط في الأسماء والصفات وسائر العقائد السلفية ويأتي بالموضوعات ويبثها في إطار تزهده وتخشعه وبكائه ليصطاد السذج والمغفلين، إلى غير ذلك من تقريرات تصب كلها في صالح الحزب الإخواني الشيطاني الذي ذاق المسلمون الويلات بسببه، فالرجل منظر للثورات! وداع للخروج على الولاة! يلوي أعناق النصوص ويسوق الإجماعات الكاذبات على ضلاله العريض.

وفي كل مرة يسقط في السراج الفراش والذباب ممن جعل نفسه (محاميًا عن أهل البدع) متناسيًا أن السلفيين الذين يلمزونهم بـ(ـالمدخلية) إنما يبينون الأهواء بالدليل والبرهان لا بالظنون والأوهام، وكل أحد ردوا عليه إنما جاؤوا بما قاله بخطه أو بصوته وكل كلمة موثقة -ولله الحمد- فلسنا أحل هوى ولا طُلاب جاه ولا أهل حيف ولا سفه، فهاتوا لنا رجلًا تكلم فيه سلفي مخلص صادق=(ليس دسيسة) بغير برهان لنطرحه تحت أقدامنا غير آبهين به!

اليوم وبعد تجرؤ (ولد الددو) المارق الخرافي على جناب الله ورسوله ﷺ لم يستطع أفراخ سيد قطب المصري والسائرون على منهجه من أهل التمييع ثم السفه أن يكتموا حنقهم على السلفيين فهبوا -كعادتهم- وبسفاهة شديدة يلمزون الشيخ ربيعًا المدخلي -قدس الله روحه- ولعمري ما شأنه في هذه المسألة التي جاءت بعد موته؟!!

أمسك أهل التمييع ثم السفه العصا من المنتصف ووصفوا المارق الددو بأنه من أهل العلم! 

وبأنه أخطأ!! 

وبأنه لم يقصد ولم يرد كذا وكذا !!

وجعلوا من أنفسهم محامين عنه مع أنه تواقح ولم يعترف بتخطئتهم هذه وألقاها خلف ظهره وزعم أن ما قاله من النكبات أمر مُجمع عليه فكان كمن صك وجوه القوم بعد أن تعنوا الدفاع عنه والاعتذار له.

فهل اكتفى أهل التمييع ثم السفه برد خطأ الرجل الذي هو -بعد توفر الشروط وانتفاء الموانع- كفر بالله وبرسوله ﷺ على الحقيقة وليس مجرد خطأ عابر أو زلة لسان من عالم؟

كلا! لم يكتفوا وغاظهم=(غيظ المرأة لجارتها) أن يهُب السلفييون ليدافعوا عن رسولهم ﷺ وأن يبينوا ضلال المتكلم وأنه يؤسس لمذهب خطير مآله هدم الدين وتقويض أركانه بعد التمهيد لعقود لهذا الأمر..

فأصل السمع والطاعة يُراد هدمه..

وأصل الاجتماع على ولاة الأمور ومناصحتهم بالطرق الشرعية يرارد هدمه..

وأصل الجهاد وفقهه وما يُشترط له من القدرة والإعداد يراد هدمه..

لتخلوا الساحة للحزب الضال ليتمكن أعداء الأمة من الولوج إليها واستحلال بيضتها كما فعلت حماس الإخوانية المارقة -والتي تبرعوا كذلك بتبرير أفعالها ظلمًا وعدوانًا على السلفيين- بأهل غزة العزل والواقع أكبر شاهد وخير دليل!

فوصف البعض -ممن لم يكتف بالميوعة في العقيدة والمنهج بل زاد عليها السفه في القول والرد- بأن الانتقادات التي حصلت من السلفيين=(المداخلة) ما هي إلا زوبعة! والأمر لا يحتاج كل هذا التعصب والتشنج والعنف في الرد  ما هو إلا دليل اتباع الهوى والحقد القديم وإلا أي شيء يستدعي أن تحمر الأنوف وتنتفخ الأوداج له بعد عرض النبي ﷺ !

وإنني لا أستغرب أن يصدر هذا من هؤلاء فمن هوَّن من انتقاص سيد قطب من نبي الله موسى ﷺ ومن أصحاب النبي ﷺ  وعلى رأسهم عثمان بن عفان فكيف له أن يستعظم وصف النبي ﷺ بالتقصير في تبليغ الدين ونصيحة الأمة وأنَّا له أن يغضب فكيف لمن تربى على الهوان أن يكون عزيزًا؟

أتظن أن الضلال يأتي دفعة واحدة يا عبدالله؟!

قال البربهاري: إن البدع تكون صغارًا ثم تعود كبارًا!

ونحن -ولله الفضل والمنة- لا نحيف على أحد ولا نتجرأ في إسقاط من ليس بساقط وإنما هو الدين والنصيحة للمسلمين، وأما دعوى فظاظة الأسلوب والشدة المفرطة وتنفير الناس فإنني ومنذ عقود لم أر أحدًا نفر من النصيحة وتباكى على الشدة إلا أحد شخصين:

- حزبي منحرف أوجعته سياط الحق وبيان الصدق.

- مميع لا يعجبه الشدة في الحق ويريد أن يسوي بين الشحمة والفحمة.

وإلا فإن أهل النظر والحق ينظرون في الأدلة وفي حقيقة النقد فإن كان الحق لائحًا بدليله قبلوه واعتنقوه وشكروا لمبينه ولم يعادوه، وشنعوا على المبطل ولم يوالوه، وإن كانت الدلائل غير واضحة المعالم طرحوه ونبذوه وبينوا الحق من الباطل فيه وأخذوا على يد من افترى وظلم، فأنصفوا الناقد والمنقود!

ولما كان العداء بين الحق والباطل قديمًا قدم الدنيا كان لا بد من حصول الاختلاف وظهور عداوة المبطلين لأهل الحق ولو بعد حين.

قال الله تعالى:

﴿وَكَذلِكَ جَعَلنا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا شَياطينَ الإِنسِ وَالجِنِّ يوحي بَعضُهُم إِلى بَعضٍ زُخرُفَ القَولِ غُرورًا وَلَو شاءَ رَبُّكَ ما فَعَلوهُ فَذَرهُم وَما يَفتَرونَ﴾ [الأنعام: 112].

وقال تعالى:

﴿وَكَذلِكَ جَعَلنا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا مِنَ المُجرِمينَ وَكَفى بِرَبِّكَ هادِيًا وَنَصيرًا﴾ [الفرقان: 31].

فكفى بربك هاديًا ونصيرًا، كفى بربك هاديًا ونصيرًا.

وسلام على المرسلين والحمد لله رب العالمين.

وكتب لست مضين من شهر ربيع الآخر لسنة سبع وأربعين

✍️ أبو موسى أحمد الغرايبة

غفر الله له ولوالديه ولمشايخه وللمسلمين.

23/07/2025

(بينَ عبدالله بن حُذافة السَّهمي وبين مُرتزقة ما يُسمى مقاومة إسلامية)!

(بينَ عبدالله بن حُذافة السَّهمي وبين مُرتزقة ما يُسمى مقاومة إسلامية)!


الحمد لله وحده وأصلي وأسلم على من لا نبيَّ بعده،،
أما بعد:


فإن المُسلمين قد نُكبوا أيما نكبة بفئة متهورة مجنونة لا تُقيم لقواعد الشرع الكلية ولا الجزئية بالًا ولا تأبه بدماء المسلمين التي سالت أنهارًا، ولا بمُقدرات أهل الإسلام التي ذهبت هدرًا بلا طائل!


هذه البلية التي بُلي أهل الإسلام بها كانت ولا زالت تفعل الأفاعيل باسم الإسلام وتستجلب الأعداء وتُذعرهم باسم المقاومة للمحتل وتدوس بأقدامها عُش الدبابير بلا حائل يقيها أو يدفع عنها فإذا ثارت ثائرة الدبابير صاحت أين المسلمون وأين دفاعهم عنا وينال منهم المسلمون السباب والشتائم والتخوين وينال عش دبابير آخر غير الذي داسوه بأقدامهم العارية الثناء الجميل والوصف بالبطولة والنصر لقضايا الأمة!


هذه البلية لا تنفك تفعل أفعالًا تدميرية تُسميها زورًا وبهتانًا (جهادًا في سبيل الله) وهي -والله!- جهاد في سبيل الشيطان، الشيطان الذي زين لهم أن يورطوا أهلهم وناسهم بحرب عبثية ملعونة لا قبل لهم بها ثم هم يحمون أنفسهم ويتركون المسلمين المستضعفين يتلقون الضربات تلو الضربات حتى أهلكوا الناس ودمروا البنيان وحطموا الأوطان وأضحى أهلها شريدين مُطاردين جائعين خائفين فإنا لله وإنا إليه راجعون!


أذكر هنا قصة رواها أهل السير لبعض المسلمين -الأبطال حقًا وصدقًا- وعلى رأسهم أصحاب نبينا محمد ﷺ أهل الإيمان والتقوى والجهاد=(الشرعي) لا أهل التحزبات والبحث عن المُكتسبات، قصة صحابي جليل هو أَبُو حُذَافَةَ السَّهْمِيُّ عَبْدُاللهِ بنُ حُذَافَةَ بنِ قَيْسِ، أَحَدُ السَّابِقِيْنَ، هَاجَرَ إِلَى الحَبَشَةِ، وَنَفَّذَهُ النَّبِيُّ ﷺ رَسُوْلاً إِلَى كِسْرَى، خَرَجَ إِلَى الشَّامِ -في عهدِ عُمربن الخطاب- مُجَاهِداً، فَأُسِرَ عَلَى قَيْسَارِيَّةَ، وَحَمَلُوْهُ إِلَى طَاغِيَتِهِم، فَرَاوَدَهُ عَنْ دِيْنِهِ، فَلَمْ يُفْتَتَنْ. [انضر: «سير أعلام النبلاء» (2/ 11-12) الرسالة].


وقصته هذه فيها من العبرة لأهل الإسلام ما يكفي للنظر فيمن همُّه نُصرة الإسلام بالمحافظة على أهل ولو بالتنازل عن مكتسبات كاذبة مظنونة أو حزبية مأفونة، وللقارئ أن ينظر كيف غلَّب هذا الصحابي الجليل مصلحة المسلمين على مصلحته وكيف عمل بقواعد الإسلام ومنها ارتكاب أقل الضررين وأدنى المفسدتين لدفع أعلاهما، فعن «عَبْدُاللهِ بنُ مُعَاوِيَةَ الجُمَحِيُّ: حَدَّثَنَا عَبْدُالعَزِيْزِ القَسْمَلِيُّ، حَدَّثَنَا ضِرَارُ بنُ عَمْرٍو، عَنْ أَبِي رَافِعٍ، قَالَ:


وَجَّهَ عُمَرُ جَيْشاً إِلَى الرُّوْمِ، فَأَسَرُوا عَبْدَاللهِ بنَ حُذَافَةَ، ‌فَذَهَبُوا ‌بِهِ ‌إِلَى ‌مَلِكِهِم، فَقَالُوا: إِنَّ هَذَا مِنْ أَصْحَابِ مُحَمَّدٍ.
فَقَالَ: هَلْ لَكَ أَنْ تَتَنَصَّرَ -يعني تصبح نصرانيًا على دين الروم وتترك دين الإسلام-، وَأُعْطِيَكَ نِصْفَ مُلْكِي؟
قَالَ: لَوْ أَعْطَيْتَنِي جَمِيْعَ مَا تَمْلِكُ، وَجَمِيْعَ مُلْكِ العَرَبِ مَا رَجَعْتُ عَنْ دِيْنِ مُحَمَّدٍ طَرْفَةَ عَيْنٍ.
قَالَ: إِذاً أَقْتُلُكَ.
قَالَ: أَنْتَ وَذَاكَ.
فَأَمَرَ بِهِ، فَصُلِبَ، وَقَالَ لِلرُّمَاةِ: ارْمُوْهُ قَرِيْباً مِنْ بَدَنِهِ.
وَهُوَ يَعْرِضُ عَلَيْهِ، وَيَأْبَى، فَأَنْزَلَهُ، وَدَعَا بِقِدْرٍ، فَصَبَّ فِيْهَا مَاءً حَتَّى احْتَرَقَتْ، وَدَعَا بِأَسِيْرَيْنِ مِنَ المُسْلِمِيْنَ، فَأَمَرَ بِأَحَدِهِمَا، فَأُلْقِيَ فِيْهَا، وَهُوَ يَعْرِضُ عَلَيْهِ النَّصْرَانِيَّةَ، وَهُوَ يَأْبَى، ثُمَّ بَكَى.
فَقِيْلَ لِلْمَلِكِ: إِنَّهُ بَكَى.
فَظَنَّ أَنَّه قَدْ جَزِعَ، فَقَالَ: رُدُّوْهُ. مَا أَبْكَاكَ؟
قَالَ: قُلْتُ: هِيَ نَفْسٌ وَاحِدَةٌ تُلْقَى السَّاعَةَ فَتَذْهَبُ، فَكُنْتُ أَشْتَهِي أَنْ يَكُوْنَ بِعَدَدِ شَعْرِي أَنْفُسٌ تُلْقَى فِي النَّارِ فِي اللهِ.
فَقَالَ لَهُ الطَّاغِيَةُ: هَلْ لَكَ أَنْ تُقَبِّلَ رَأْسِي، وَأُخَلِّيَ عَنْكَ؟
فَقَالَ لَهُ عَبْدُاللهِ: وَعَنْ جَمِيْعِ الأُسَارَى؟
قَالَ: نَعَمْ.
فَقَبَّلَ رَأْسَهُ، وَقَدِمَ بِالأُسَارَى عَلَى عُمَرَ، فَأَخْبَرَهُ خَبَرَهُ.
فَقَالَ عُمَرُ: حَقٌّ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ أَنْ يُقَبِّلَ رَأْسَ ابْنِ حُذَافَةَ، وَأَنَا أَبْدَأُ.
فَقَبَّلَ رَأْسَهُ».


وفي رواية أخرى عنه -رضي الله عنه وأرضاه- عن «أَبي رافع وَمَالِكُ بنُ أَنَسٍ:
أَنَّ أَهْلَ قَيْسَارِيَّةَ أَسَرُوا ابْنَ حُذَافَةَ، فَأَمَرَ بِهِ مَلِكُهُمْ، فَجُرِّبَ بِأَشْيَاءَ صَبَرَ عَلَيْهَا، ثُمَّ جَعَلُوا لَهُ فِي بَيْتٍ مَعَهُ الخَمْرَ وَلَحْمَ الخِنْزِيْرِ ثَلَاثاً لَا يَأْكُلُ.
فَاطَّلَعُوا عَلَيْهِ، فَقَالُوا لِلْمَلِكِ: قَدِ انْثَنَى عُنُقُهُ، فَإِنْ أَخْرَجْتَهُ، وَإِلَاّ مَاتَ.
فَأَخْرَجَهُ، وَقَالَ: مَا مَنَعَكَ أَنْ تَأْكُلَ وَتَشْرَبَ؟
قَالَ: أَمَا إِنَّ الضَّرُوْرَةَ كَانَتْ قَدْ أَحَلَّتْهَا لِي، وَلَكِنْ كَرِهْتُ أَنْ أُشْمِتَكَ بِالإِسْلَامِ.
قَالَ: فَقَبِّلْ رَأْسِي، وَأُخَلِّيَ لَكَ مائَةَ أَسِيْرٍ.
قَالَ: أَمَّا هَذَا فَنَعَمْ.
فَقَبَّلَ رَأْسَهُ، فَخَلَّى لَهُ مائَةً، وَخَلَّى سَبِيْلَهُ» اهـ.


نعم أيها المسلمون هذا هو دين الله وليس دين الأحزاب والعصابات المتأسلمة!

واليوم تحتفظ الحركة الإجرامية ببضع أسرى من أنجاس الصهاينة وتأبى أن تُفرج عنهم وتوقف شلال الدماء النازف وهذا الإباء ليس مبعثه القوة بل خوفًا من فوات المكاسب الحزبية الضيقة وطلب الحماية من الملاحقة لهم وإلا فلو كانت دماء الناس تعني لهم شيئًا لما تركوا النساء والأطفال والشيوخ والشباب في ذُل وشنار، ولتنازلوا كما فعل ذلك الصحابي الجليل عبدالله بن حُذافة السهمي وتسليم الأسرى على نفوس الآسرين أهون بكثير من تقبيل رأس الكافرين! بل فيه نوع استعلاء عليه مع ما فيه من تخليص الناس من ذريعة الإبادة التي يتخذها العدو الغاشم، ولكن القوم مجرمون مخذولون لا فقه ولا دين، والدعوى أنهم مقاومون!


هذا هو الفرق يا قوم بين من ينتمي إلى دينه كتابًا وسنة بفهم السلف وبين من ينتمي لدينه تحزبًا وتشيعًا لشياطين الإنس ويُقدم حزبه ومصلحته على حساب دماء وأشلاء المسلمين.


فاللهم ارفع عن أهلنا في غزة صلف وجبروت المحتل وغرور وإجرام القريب المختل، إنك ولي ذلك والقادر عليه.


وكتب
أبو موسى أحمد الغرايبة
غفر الله له وللمسلمين
28 / محرم/1447هـ
 


17/07/2025

جمع الله للشيخ ربيع المدخلي فضل المكان ونقاوة المُشيعين!

 جمع الله للشيخ ربيع المدخلي فضل المكان ونقاوة المُشيعين!

إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فهو المهتد ومن يُضلل فلن تجد له وليًا مُرشدًا وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله..

أما بعد:

فقد حاز الشيخ ربيعًا في الحياة فضل الدعوة إلى التوحيد والسنة وفضل مجاهدة أهل البدع والأهواء وفضل الذَّب عن الشريعة المحمدية الغراء فَسَدَّ بذلك وأسقط الفرض الكفائي عن علماء الأمة في باب الجرح والتعديل في الجماعات والدعوات والأفراد، وقد نال ثناء الأئمة الكبار على منهجه هذا الذي فيه صيانة الشريعة من أهل المكر والخديعة من ألوان المتحزبين وأصناف المتسترين بالسلفية، فرد الأخطاء وبين الانحرافات ونصح لله ولكتابه ولرسوله ولعامة المسلمين وأئمتهم منطلقًا في ذلك من نصوص الكتاب والسنة بفهم خير القرون الذين هُم سلف الأمة، فسار على منوالهم واقتفى آثارهم حتى زعزع عروش أهل الباطل وأزعج كل متستر عاطل، فعاداه كل مُخالف وحاول تشويه صورته وتحريف منهجه كل مُبطل وكل حزبي مجازف، فرموه بالعمالة للسلطان ورموه بالإرجاء وبأنه أتى بدين جديد وأن طريقته فيها التنفير والإسقاط، مع أن دين الإسلام قائم على إسقاط كل باطل والتحذير من كل مُبطل، قال الله تعالى: ﵟوَقُلۡ جَآءَ ٱلۡحَقُّ وَزَهَقَ ٱلۡبَٰطِلُۚ إِنَّ ٱلۡبَٰطِلَ كَانَ زَهُوقٗا 81ﵞ [الإسراء: 81]، وقال رسولنا ﷺ في حجة الوداع: "ألا إنَّ كلَّ شيٍء من أمرِ الجاهليةِ تحتَ قدمي موضوعٌ"، فأسقط كل مخالفة للشرع تكون من إنسان فجعلها تحد قدميه الشريفتين، ولما كان ﷺ أعدل الخلق وأنصحهم لإنسان ولذي قرابة لم يجامل أهله ولا أقرب الأقربين إليه فأردف بعد ذلك بقوله ﷺ: "ودماءُ الجاهليةِ موضوعةٌ ، وأولُ دمٍ أضعُه من دمائِنا دمُ ربيعةَ بنَ الحارثِ بنِ عبدِ المطلبِ، وربا الجاهليةِ موضوعٌ، وأولُ ربًا أضعُ من رِبَانَا ربا العباسِ بنِ عبدِ المطلبِ، فإنَّهُ موضوعٌ كلُّه" الحديث أخرجه مسلم في صحيحه. 

فجاء المبطلون يريدون أن يطعنوا على الشيخ بما ليس بمطعن فإن نصوص الكتاب والسنة التي سطرها الأئمة في كتبهم بالألوف تدل دلالة واضحة على مشروعية رد الباطل وأن الشدة في الحق مطلوبة وأدعى لرد الباطل وأن الميوعة والتهوين من البدع والأهواء مذمومة وأدعى لانتشارها وإضلال الناس بها وبقائلها، فكان الشيخ ربيع من القائمين بهذا الواجب الكفائي صيانة للدين ونصيحة للمسلمين، فرحمه الله رحمة واسعة وغفر له وتجاوز عنه ورفع درجته في المهديين.

(فضل المكان)

موته رحمه الله في مدينة رسول الله ﷺ ودفنه في بقيع الغرقد!

ومن فضل الله على هذا الإمام المجاهد الزاهد العامل العابد أن مَنَّ الله عليه عند موته بأن قبضه في مدينة رسول الله ﷺ فقد كان من أمنيات الشيخ أن يتوفاه الله في مدينة رسول الله ﷺ فحقق الله له مراده بذلك فمات بعد أن نطق بشهادة التوحيد في مدينة رسول الله ﷺ وقد ورد في فضل الموت في المدينة النبوية أحاديث تدل على خيرية الميتة فيها كيف لا وهذا الفاروق عمر -رضي الله عنه- يدعو الله بذلك فقد أخرج البخاري في صحيحه في باب فضائل المدينة: عن عمر بن الخطاب -رضي الله عنه-  قال: "اللهم! ارزقني شهادة في سبيلك، واجعل موتي في بلد رسولك". فكان له ذلك رضي الله عنه وأرضاه.

وأخرج الترمذي وابن ماجه، وغيرهما، عن ابن عمر -رضي الله عنهما- أن رسول الله ﷺ قال: "من استطاع أن يموت بالمدينة فليمت بها، فإني أشفع لمن يموت بها".

قال الملا علي القاري في (شرح المشكاة): "من استطاع أن يموت بالمدينة، أي يقيم بها حتى يدركه الموت ثمة، فليمت بها، أي: فليقم بها حتى يموت بها، فإني أشفع لمن يموت بها، أي: في محو سيئات العاصين، ورفع درجات المطيعين.

والمعنى: شفاعة مخصوصة بأهلها لم توجد لمن لم يمت بها؛ ولذا قيل: الأفضل لمن كبر عمره أو ظهر أمره بكشف ونحوه من قرب أجله، أن يسكن المدينة ليموت فيها، ومما يؤيده قول عمر: اللهم ارزقني شهادة في سبيلك، واجعل موتي ببلد رسولك" اهـ.  

وقال الشيخ عبدالعزيز بن باز  -رحمه الله- معلقًا على هذا الفضل:

"الأحاديث صحيحة في هذا الباب: يقول ﷺ: "مَن صبر على لأوائها وشدَّتها كنتُ له شفيعًا –أو: شهيدًا- يوم القيامة"، فمَن صبر على لأوائها واستقام على دين الله فهذا من أسباب أن يكون النبيُّ ﷺ شهيدًا وشفيعًا له، بهذه الشريطة: الصبر على لأوائها وشدَّتها، مع الاستقامة على طاعة الله، روى بعضَها مسلمٌ" اهـ.

فالحمد لله على ما قدر.

(نقاوة المشيعين)

أما فضل المشيعين لجنازته والمصلين عليها فقد كان من مِنن الله على هذا الإمام أن حباه بنقاوة المُشيعين فكان على رأس المصلين عليه والمُشيعين له أئمة وعلماء كبار لم يمنع أحدهم مرضه ولا عجزة عن كونه في أول المشيعين والمصلين عليه، مع سلامة العقيدة والمنهج فهم من أهل التوحيد بلهَ من السلفيين الخُلص مشوا في جنازته وحملوها على الأكتاف كأنهم النهر الجارف من كثرتهم حتى لم يبق موضع قدم لرجل في مقابر البقيع، وهذا من الخير الذي يفرح به كل موحد ومحب، ويغتاظ منه كل شانئ وحاسد وحاقد!

نعم قد حاز الشيخ نقاوة المُشيعين من أهل التوحيد وخاصتهم وهم العلماء وطلبة العلم السلفيون وعوام الموحدين، وهذه علامة فارقة في هذا الشأن فقد قال السلف رحمهم الله: "بيننا وبين أهل البدع الجنائز" فمن كانت جنازته تشتمل على أهل التوحيد والسنة ممن لم يتلوث بهوى ولا بدعة كانت جنازته خيرًا ولو شيعها إنسان واحد فالكثرة ليست مقياسًا وإنما العبرة بالعقيدة والمنهج لهذا المُشيِّع وقد مات أبو ذر رضي الله عنه وحيدًا ومات البربهاري مستترًا ومات قبله علماء وأئمة شيعهم خاصة طلبتهم من الموحدين وأهل السنة، وهذا بخلاف غيرهم ممن انحرف وسقط في أتون التحزبات والاضطراب في العقائد والمنهج تغييرًا للشكل وطلبًا للأكل، أو خوفًا من انفضاض الجماهير حوله فتجد الواحد من هؤلاء قضى حياته متلونًا متنقلًا من نحلة إلى نِحلة ومن فرقة إلى فرقة فإذا نظرت في جنائزهم رأيت فيها كثرة كذلك ولكن في هذه الكثرة المُشيعة كل مبتدع وحزبي وصاحب هوى وكل منحرف وعدو لأهل السنة ممن يَسخر ويُسخر قلمه ولسانه ولعله تُدفع له الأموال الطائلة حتى يُلصق بالعلماء الربانيين ما ليس فيهم ولتشويه صورتهم عند عامة المسلمين فيبدعون أهل الحق انصارًا لأحزابهم ونصرًا لمناهجهم فيفترون عليهم الكذب بأنهم علماء سلطان وأنهم عبدة الطُغاة، وأنهم وأنهم.. والله الموعد!

وفي فضل المُشيعين وفضيلة صلاتهم على الميت أخرج الإمام مسلم في صحيحه عن عبدالله بن عباس أنه مات ابن له بقديد أو بعسفان، فقال: يا كريب انظر ما اجتمع له من الناس. قال: فخرجت فإذا ناس قد اجتمعوا له؟ فأخبرته، فقال: تقول هم أربعون؟

قال: نعم. قال: أخرجوه -يعني ولده المتوفى-، فإني سمعت رسول الله ﷺ يقول: «ما من رجل مسلم يموت فيقوم على جنازته أربعون رجلا لا يشركون بالله شيئا إلا شفعهم الله فيه».

قلت:

فالحمد لله أولًا وآخرًا فقد صلى عليه المئات من خُلص الموحدين حملة لواء الكتاب والسنة بفهم سلف الأمة وقد أخبرني بعض من أثق به أن عدد المصلين في المسجد النبوي فجر ذلك اليوم الذي صُلي عليه بعدها بلغ مئتي ألف مُصلٍ أو يزيد صلوا عليه قدس الله روحه، مع انطلاق ألسنة محبيه والمستفيدين من علمه بمئات الألوف في أصقاع المعمورة تلهج له بالدعاء والمغفرة وعلى أعدائه بالخسران والثبور!

فضل المكان ونقاوة المشيعين مقالة أكتبها في بيان فضل هذا الإمام وردًا لبعض ما أفادني به شخصيًا فقد لقيته بمكة مرات فما وجدت منه إلا التواضع والرحمة والزهد مع حفاظ على الأوقات وقد كان لي شرف المشاركة في إخراج بعض كتبه المطبوعة بالعربية والإنجليزية والفرنسية، فأكتب هذه المقالة بيانًا لمنزلته وردًا لسهام اللئام ممن يشنؤه ويزدريه بلا حُجة ولا بُرهان مع أنه -رحمه الله- طلب من مخالفيه وألح عليهم بصوته وكتاباته أن يقرؤوا كتبه ومؤلفاته وأن يوقفوه على ما يزعمونه من مواضع الخلل فيها فإن كان معهم الحق رجع واسترجع وقال بالحق الذي مع مخالفه إن تبين له بدليله ولكنهم -ولغاية في أنفسهم- لم يأتوا بشيء بل ذهبوا يرددون كالببغاوات كلمات الطعن والتشنيع ليصرفوا عامة الناس عن الحق الذي بيَّنه والذي هدم به عروش البدعة والباطل على رؤوس أصحابها!

فاللهم ارحم عبدك ربيعًا وارفع درجته واجعل جهاده سببًا في علو منزلته في الجنة، وألحقنا به وبإخوانه من أهل العلم الذين لم يُحدثوا ولم يُغيروا واجمعنا بهم على حوض نبيك المصطفى ﷺ غير خزايا ولا مفتونين واقبضنا وأنت راض عنا بالصلاة على نبيك ﷺ.

والحمد لله رب العالمين.

وكتب: أبو موسى أحمد الغرايبة

غفر الله له ولوالديه وللمسلمين

21 / 1 / 1447هـ

19/05/2025

(إِيْلَامُ أهل السنة -السلفيين- لأهل الأهواء -الخلفيين- يحملهم على الاعتداء بالضرب أو الوشاية عند السلاطين)!


إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أنَّ محمدًا عبده ورسوله..

أمَّا بعدُ:

قال تعالى مبينًا عداوة شياطين الجن والإنس لأهل الحق من الأنبياء ومن سار على منوالهم في بيان الحق والتحذير من الباطل وأهله: [وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا شَيَاطِينَ الْإِنْسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُورًا وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ مَا فَعَلُوهُ فَذَرْهُمْ وَمَا يَفْتَرُونَ] [سورة الأنعام: 112]. وقال تعالى ذِكرُه: [وَكَذَٰلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا مِّنَ الْمُجْرِمِينَ ۗ وَكَفَىٰ بِرَبِّكَ هَادِيًا وَنَصِيرًا] [سورة الفرقان: 31].

فبين الله -عز وجل- أن الأنبياء لهم أعداء من المجرمين وأن هذه العداوة ظاهرة مستمرة استمرار وجود دعاة الحق على منهاج النبوة، من السلف والخلف، وبين -سبحانه وتعالى- لعباده المؤمنين الصادقين أنهم هم المنصورون أن جماعتهم هم الغالبون فقال -عزَّ من قائل-: [وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنَا لِعِبَادِنَا الْمُرْسَلِينَ * إِنَّهُمْ لَهُمُ الْمَنْصُورُونَ * وَإِنَّ جُنْدَنَا لَهُمُ الْغَالِبُونَ] [سورة الصافات: 171-173].

وقال في بيان نُصرته المرسلين والمؤمنين: [إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آَمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ] [سورة غافر: 51].

وبين -تعالى وتقدَّس- أن ثبات أهل الحق على ما عندهم من الحق والسنة واتباع السلف الصالح سببٌ في نصر الله لهم فقال -تبارك وتعالى-: [وَلَيَنْصُرَنَّ الله مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ] [سورة الحج: 40].

وأخبر المؤمنين أن نصره قريب وأن بأسه واصل إلى القوم المجرمين حتى ولو ظن المرسلون والمؤمنون أنهم قد كُذِّبُوا فقال: [حَتَّى إِذَا اسْتَيْئَسَ الرُّسُلُ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُوا جَاءَهُمْ نَصْرُنَا فَنُجِّيَ مَنْ نَشَاءُ وَلَا يُرَدُّ بَأْسُنَا عَنِ الْقَوْمِ الْمُجْرِمِين] [سورة يوسف: 110].

ثم أمرهم بالصبر وعدم الحزن والضيق من مكر هؤلاء المخالفين فقال مواسيًا لأهل الحق ومبشرًا لهم بمعيته وحفظه إذا هم صبروا على الأذى: [وَاصْبِرْ وَمَا صَبْرُكَ إِلَّا بِالله وَلَا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَلَا تَكُ فِي ضَيْقٍ مِمَّا يَمْكُرُونَ * إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ] [سورة النحل: 127- 128].

وبيَّن -عز وجل- عقوبة هذا الصنف من أهل البدع والأهواء ممن ينتقم لنفسه ويتعصب لرأيه فيؤذي دُعاة السنة والتوحيد فقال: [سَيُصِيبُ الَّذِينَ أَجْرَمُوا صَغَارٌ عِنْدَ الله وَعَذَابٌ شَدِيدٌ بِمَا كَانُوا يَمْكُرُونَ] [سورة الأنعام: 124].

ثم إن لكل قوم من هؤلاء وارث فأهل السنة ودعاتها ورثة الأنبياء والسلف الصالحين، وأهل البدع والأهواء ورثة أئمة الكفر والمنافقين الذين يدخل فيهم أهل البدع والأهواء المنحرفون عن سبيل السلف الصالحين.

قال الإمام ابن القيم -رحمه الله- في «مدارج السالكين»: «ولكن ليس هذا الوارث كذاك الوارث ولا يستوي من موروثه الرسول ﷺ ومن موروثهم المنافقون» اهـ.

ولما قام أهل السنة الموحدون ببيان عوار المناهج المنحرفة عن الدين وقاموا بالواجب الكفائي في بيان مقالات المنحرفين عن السبيل والسنة انبرى شياطين الإنس والجن للنيل من أهل الحق وإيصال الأذى لهم واستعمال الوشايات لدى السلاطين لقمعهم، حتى بلغوا من الدناوة وانعدام المروَّة مبلغًا جعلهم يستطيلوا بالضرب والتهديد والوعيد بالسجن، وتمادى بعضهم فاستمرأ الكذب عند السلطان ليُسكت العلماء والدعاة عن بيان الحق ونصيحة الخلق، وقد ادعى بعض أهل البدع أن الهروي -رحمه الله- يعبد صنمًا ليغيظ قلب السلطان عليه ويقتله!

ذكر الحافظ الذهبي في كتابه «تذكرة الحفاظ» قصة وشاية أهل البدع بأبي إسماعيل الهروي الأنصاري فقال:

«وسمعت أصحابنا بهراة يقولون: لما قدم السلطان (ألب أرسلان) هراة في بعض قدماته اجتمع مشايخ البلد ورؤساؤه ودخلوا على أبي إسماعيل [يعني الهروي] وسلموا عليه وقالوا: ورد السلطان ونحن على عزم أن نخرج ونسلم عليه فأحببنا أن نبدأ بالسلام عليك، وكانوا قد تواطئوا على أن حملوا معهم ((صنمًا من نحاس صغيرًا وجعلوه في المحراب تحت سجادة الشيخ))!! وخرجوا، وقام إلى خلوته.

ودخلوا على السلطان واستغاثوا من (الأنصاري) وأنه (مُجسم)! وأنه يترك في محرابه صنمًا يزعم أن الله على صورته!! إن بعث الآنَ السلطانُ يجده؛ فعظُم ذلك على السلطان وبعث غلامًا ومعه جماعة فدخلوا الدار وقصدوا المحراب فأخذوا الصنم. ورجع الغلام بالصنم فبعث السلطان من أحضر (الأنصاري)، فأتى فرأى الصنم والعلماء، والسلطان قد اشتد غضبه؛ فقال السلطان له: ما هذا؟

قال: هذا صنم يُعمل من الصفر=(أي: النحاس) شبه اللعبة؛ قال: لست عن ذا أسألك؟

قال: فعم يسألني السلطان؟

قال: إن هؤلاء يزعمون أنك تعبد هذا، وأنك تقول: إن الله على صورته!

فقال الأنصاري بصولة وصوت جهوري: سبحانك هذا بهتان عظيم!!

فوقع في قلب السلطان أنهم كذبوا عليه، فأمر به فأُخرج إلى داره مكرمًا، وقال لهم: اصدقوني، وهددهم.

فقالوا: نحن في يد هذا الرجل في بلية من استيلائه علينا بالعامة، فأردنا أن نقطع شره عنا.

فأمر بهم ووكل بكل واحد منهم وصادرهم وأهانهم» اهـ.

قال أبو موسى:

الله أكبر! انظر يرحمك الله كيف أن فعلهم هذا والذي كان من الممكن أن يُقتل بسببه، كان الحامل لهم عليه أن هذا الإمام قد اتبعه العامة على مذهبه ونفَّرَ عنهم الأتباع فأرادوا أن يكفوا شره عن أنفسهم وعن أتباعهم فقاموا بهذه الوشاية الرخيصة، ولكن الله قد أنجز وعده للمؤمنين الصابرين المحتسبين في الحق فآل على الوشاء بالإهانة والخذلان.

وأهل الأهواء في كل زمان يتوارثون هذه الطريقة في رد الحق فتارة بالتهويش وتارة بالكذب على أهل السنة وإلصاق التهم الكاذبة بهم، وتارة بالتهديد، وتارة بالضرب، وهم يصدُق عليهم قول ربنا -تبارك وتعالى-: [تَحْسَبُهُمْ ‌جَمِيعًا وَقُلُوبُهُمْ شَتَّى] [سورة الأنعام: 124]. قال قتادة كما في: «تفسير ابن أبي حاتم»:

«كَذَلِكَ أَهْلُ الْبَاطِلِ مُخْتَلِفَةٌ شَهَادَتُهُمْ، مُخْتَلِفَةٌ أَهْوَاؤُهُمْ، مَخْتَلِفَةٌ أَعْمَالُهُمْ وَهُمْ مُجْتَمِعُونَ فِي عَدَاوَةِ أَهْلِ الْحَقِّ كَمَثَلِ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ».

قال الشربيني في «السراج المنير في الإعانة على معرفة بعض معاني كلام ربنا الحكيم الخبير»:

«[وَقُلُوبُهُمْ شَتَّى] أي: متفرقة أشدّ افتراقاً، وموجب هذا الشتات اختلاف الأهواء التي لا جامع لها من نظام العقل كالبهائم، وإن اجتمعوا في عداوة أهل الحق كاجتماع البهائم في الهرب من الذئب. قال القشيري: اجتماع النفوس مع تنافر القلوب واختلافها أصل كل فساد، وموجب كل تخاذل، ومقتض لتجاسر العدو».

قال أبو موسى:

فأعداء السنن وأعداء أهل الحديث والأثر -الطائفة المنصورة- على الدوام شديدون في العداوة لأهل السنة مجتمعون عليها متحالفون في إنفاذها، وهم مع اختلافهم في المشارب إلا أنهم مُحتقرون لهم مستخفون بهم يقولون: ليس عندهم فهم، وليس يملكون العقل، أهل جمود وتخلف وغباء، وهم والله من هذه التهم -الحقيرة- بُرآء!

قال الإمام الصابوني في «اعتقاد أهل السنة شرح أصحاب الحديث»: «وعلامات البدع على أهلها بادية ظاهرة ، وأظهر آياتهم وعلاماتهم شدةُ معاداتهم لحَمَلَة أخبار النبي صلى الله عليه وسلم واحتقارهم لهم واستخفافهم بهم».

وقد بين علماؤنا الأفذاذ كما بين سلفنا النجباء علامات هؤلاء المنحرفين عن جادة الصواب وبينوا أن اعتداء أسافل المبتدعة بإرسالهم لمن يؤذي الدعاة إلى منهاج النبوة بالقول أو الفعل، واللجوء إلى السلطان ليعينهم على إسكات صوت الحق هو من أعمال الجاهلية الجهلاء، وقد بين هذه الخصال شيخ الإسلام في زماننا الإمام محمد بن عبدالوهاب التميمي النجدي -رحمه الله تعالى- في كتابه «مسائل الجاهلية» إذ قال في المسألة الثانية والستون: «إذا غُلِبوا -أي أهل الأهواء والبدع- بالحجة فزعوا إلى السيف والشكوى إلى الملوك، ودعوى احتقار السلطان، وتحويل الرعية عن دينه، قال تعالى: [أَتَذَرُ مُوسَى وَقَوْمَهُ لِيُفْسِدُوا فِي الْأرْضِ][سورة الأعراف: ١٢٧]».

قال الألوسي في شرحه على مسائل الجاهلية:

«كَونهُمْ إذا غُلِبوا بِالحجَّةِ، فَزِعوا إلى السَّيفِ والشَّكْوى إلى المُلوكِ، وَدَعْوى احْتِقارِ السّلْطانِ، وَتَحْويلِ الرَّعِيَّةِ عَنْ دِيْنِهِ. قال تَعالى في سورةِ [الأعراف: 127] : [‌أَتَذَرُ ‌مُوسَى وَقَوْمَهُ لِيُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ] فانظُرْ إلى شَكْوى آلِ فِرْعونَ وَقَومِهِ إِلَيْهِ، وَتَحْريشِهمْ إيَّاهُ عَلَى مُقاتَلَةِ موسى -عليه السلام- وَتَهْييجِه، وَمَا ذُكِرَ في آخِرِ الآية مِن احْتِقارِ ما كانوا عَلَيْهِ» اهـ.

والحوادث من هذا القبيل كثيرة جدًا ويطول سردها، وهي مبسوطة في كتب التراجم -خاصة تراجم علماء السلف- كالذي حصل من البلاء بسبب أهل الأهواء للإمام المبجل أحمد بن حنبل ولشيخ الإسلام ابن تيمية وكالذي حصل للشيخ الألباني وللشيخ أحمد النجمي ولغيرهم من أهل العلم -رحم الله الجميع-، فقد كان أهل الأهواء والبدع في كل مرة إذا أعجزهم أهل الحق وغلبوهم يفزعون إلى هذه التصرفات الوضيعة لما يرونه من تأثر الناس بكلام أهل الحق، ولأن العامة إذا رأوا ثبات العلماء وسمعوا ما عندهم من الحق -بدلائله- ولمسوا إخلاصهم في البيان والنصيحة زال ما في قلوبهم من تعظيم لأهل التحزب والأهواء المنحرفين عن السنة، ولذلك تجد الحزبيين في زماننا قد ورثوا أفعال سلفهم من أهل البدع فيُشوِّشون على الناس ليصرفوهم عن سماع الحق بدعوى التعصب والغلو والإسقاط والتبديع والتجديع وغيرها من التهم الباطلة الداحضة، فأروني رجلًا انتقد منتسبًا إلى العلم ولم يأت بالدليل من قوله أو كتابته أو أُلفته لأهل البدع لنجعل قوله هذا تحت أقدامنا، أما من يأتي بالدليل ويبين موضع الخطأ أو الانحراف فعلى الرأس والعين ولو كان المُنتقد هذا أكبر أشياخنا وأعلم أهل الأرض فواجب المؤمن أن يقبل هذا الحق وينبه عليه الخلق ويطرح عنه سواليف النسوان من الاتهام بالغلو والتبديع بدل الحجة والبيان؛ فالحق أحق أن يُتبع، قال الإمام الهُمام ابن القيم -رحمه الله-:

«إن كنتم فحولًا فابرزوا ... ودعوا الشكاوي حيلة النسوان

وإذا اشتكيتم فاجعلوا الشكوى إلــــ ... ــــــــى الوحيين لا القاضي ولا السلطان»!

فاثبتوا إخواني أهل السنة على الحق فإنكم -والله!- منصورون وأعداؤكم مخذولون مغلوبون، والحق عليه نور والباطل تغشاه الظلمة ولو زخرفه المزخرفون، والباطل مردود من كل أحد -إنس أو جان- والحق مقبول على كل أحد ولو كان أصغر إنسان، فلا يهولنكم إخوتي وشاية الوشاة ولا تهديد السفلة الأوغاد فالله ناصرٌ دينه ومظهره على الدين كله فـ [إِنَّ اللَّهَ لَا يُصْلِحُ عَمَلَ الْمُفْسِدِينَ * وَيُحِقُّ اللَّهُ الْحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُجْرِمُونَ][سورة يونس: 82].

وكتب متواصيًا بالحق ومتواصيًا بالصبر

أبو موسى أحمد بن عيَّاش بن موسى الغرايبة

غفر الله له ولوالديه وللمسلمين

آمين .. آمين

لثمانية بقين من شهر ذي القعدة الحرام سنة 1446هـ

وسلام على المرسلين والحمد لله رب العالمين.

الأردن – صانه الله من الشرور والفتن!


16/05/2025

حديث مكذوب متداول بين الناس في دخول جمل على النبي ﷺ وتكليمه إياه!

 الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله..

أما بعد:

فقد صح عن النبي ﷺ قوله: (إنَّ كَذِبًا عليَّ ليس ككذبٍ على أحدٍ، فمن كذب عليَّ مُتعمِّدًا، فلْيتبوَّأْ مقعدَه من النَّارِ)! وقد انتشرت الأحاديث المكذوبة على رسول الله ﷺ في مواقع التواصل الاجتماعي وأخذ يتداولها الناس من غير تمحيص وبيان لدرجتها وصدق نسبتها إلى صاحب الشريعة ﷺ وقد أرسلت إليَّ بعض قرابتي تسألني عن حديث من هذه الأحاديث يتداوله الناس بينهم وعلى صفحاتهم في مواقع التواصل ونصه:

"روى الحافظ المنذري رضي الله عنه عن الصحابي الجليل تميم الداري رضي الله عنه قال :

(بينما نحن جلوس عند رسول الله ﷺ إذ دخل علينا جمل ودخل على رسول الله كأنه يعرفه ووضع فمه على أذن رسول الله وانصت له الرسول حتى إذا فرغ من كلامه قال الرسول: "أرسلوا إلى فلان بن فلان"؛ فجيء به فقال له: "أأنت صاحب هذا الجمل؟" قال له: نعم يا رسول الله. قال: "إنه يشكوك إلى الله لأنك تقسو عليه وتحمله أقسى مما يطيق وقد أصبح الجمل كبير السن" فقال الرسول لصاحب الجمل: "بعه لي" فباعه لرسول الله، فقال الرسول للجمل: "اذهب كما تشاء وارعى كما تشاء ولا تحزن على ما مضى" فانحنى الجمل على أذن رسول الله وكلمه بلغة لا يفهمها إلا رسول الله والرسول يقول: "آمين . آمين . آمين". وفي الرابعة بكى رسول الله. وسألت الصحابة الرسول يا رسول الله أمنت ثلاث مرات وبكيت في الرابعة حدثنا وأخبرنا فقال النبي ﷺ: "إن الجمل دعى لي الله قائلا: جزاك الله يا نبي القرآن عني وعن الإسلام خيرًا، فقلت: آمين، ثم دعى قائلا: وانقذ الله أمتك من خزي الدنيا وعذاب الأخرة فقلت: آمين، ثم قال لي: وستر الله أمتك يوم القيامة كما سترتني فقلت: آمين، ثم قال: ولا جعل الله بأسهم بينهم؛ فبكيت لأنني أعلم أن بأس هذه الأمة سيكون بينهم شديدًا.. إلخ).

قلت:

هذا الحديث كذب موضوع بهذا السياق لم أجد أحدًا من الأئمة أخرجه بهذا اللفظ، وهو من تحريفات المتصوفة -وقد وجدته في بعض منتدياتهم وصفحاتهم- ممن يُظهر الغلو في الرسول ﷺ ويكذب له على طريقة الكرامية!

وبعد البحث في كتب السنة وجدت أصل هذا الحديث المتداول، وهو ما أخرجه الحافظ المنذري في كتابه «الترغيب والترهيب - ط العلمية» (3/ 144) ونصُّه:

«وروى ابْن مَاجَه عَن تَمِيم الدَّارِيّ -رضي الله عنه- قَالَ كُنَّا جُلُوسًا مَعَ رَسُول الله ﷺ إِذْ أقبل ‌بعير ‌يعدو ‌حَتَّى ‌وقف ‌على ‌هَامة رَسُول الله ﷺ فَقَالَ ﷺ: "أَيهَا الْبَعِير اسكن فَإِن تَكُ صَادِقا فلك صدقك وَإِن تَكُ كَاذِبًا فَعَلَيْك كَذبك مَعَ أَن الله تَعَالَى قد أَمن عائذنا وَلَيْسَ بخائب لائذنا"؛ فَقُلْنَا يَا رَسُول الله مَا يَقُول هَذَا الْبَعِير؟ فَقَالَ: "هَذَا بعير قد هم أَهله بنحره وَأكل لَحْمه فهرب مِنْهُم واستغاث بنبيكم ﷺ" فَبينا نَحن كَذَلِك إِذْ أقبل أَصْحَابه يتعادون فَلَمَّا نظر إِلَيْهِم الْبَعِير عَاد إِلَى هَامة رَسُول الله ﷺ فلاذ بهَا؛ فَقَالُوا يَا رَسُول الله: هَذَا بعيرنا هرب مُنْذُ ثَلَاثَة أَيَّام فَلم نلقه إِلَّا بَين يَديك. فَقَالَ ﷺ: "أما إِنَّه يشكو إِلَيّ فبئست الشكاية" فَقَالُوا: يَا رَسُول الله مَا يَقُول؟ قَالَ: "يَقُول إِنَّه رَبِّي فِي أمنكم أحوالا وكنتم تحملون عَلَيْهِ فِي الصَّيف إِلَى مَوضِع الكلإ فَإِذا كَانَ الشتَاء رحلتم إِلَى مَوضِع الدفاء فَلَمَّا كبر استفحلتموه فرزقكم الله مِنْهُ إبِلا سَائِمَة فَلَمَّا أَدْرَكته هَذِه السّنة الخصبة هممتم بنحره وَأكل لَحْمه" فَقَالُوا قد وَالله كَانَ ذَلِك يَا رَسُول الله فَقَالَ عليه الصلاة والسلام: "مَا هَذَا جَزَاء الْمَمْلُوك الصَّالح من موَالِيه" فَقَالُوا: يَا رَسُول الله فَإنَّا لَا نبيعه وَلَا ننحره. فَقَالَ عليه الصلاة والسلام: "كَذبْتُمْ قد اسْتَغَاثَ بكم فَلم تغيثوه وَأَنا أولى بِالرَّحْمَةِ مِنْكُم فَإِن الله نزع الرَّحْمَة من قُلُوب الْمُنَافِقين وأسكنها فِي قُلُوب الْمُؤمنِينَ" فَاشْتَرَاهُ عليه الصلاة والسلام مِنْهُم بِمِائَة دِرْهَم وَقَالَ: "يَا أَيهَا الْبَعِير انْطلق فَأَنت حر لوجه الله تَعَالَى" فرغى على هَامة رَسُول الله ﷺ فَقَالَ عليه الصلاة والسلام: "آمين" ثمَّ دَعَا فَقَالَ: "آمين" ثمَّ دَعَا فَقَالَ: "آمين" ثمَّ دَعَا الرَّابِعَة فَبكى عليه الصلاة والسلام. فَقُلْنَا يَا رَسُول الله مَا يَقُول هَذَا الْبَعِير؟ قَالَ: "قَالَ جَزَاك الله أَيهَا النَّبِي عَن الْإِسْلَام وَالْقُرْآن خيرا فَقلت آمين. ثمَّ قَالَ سكن الله رعب أمتك يَوْم الْقِيَامَة كَمَا سكنت رعبي فَقلت آمين. ثمَّ قَالَ حقن الله دِمَاء أمتك من أعدائها كَمَا حقنت دمي فَقلت آمين. ثمَّ قَالَ لَا جعل الله بأسها بَينهَا فَبَكَيْت فَإِن هَذِه الْخِصَال سَأَلت رَبِّي فَأَعْطَانِيهَا وَمَنَعَنِي هَذِه وَأَخْبرنِي جِبْرِيل عَن الله تَعَالَى أَن فنَاء أمتِي بِالسَّيْفِ جرى الْقَلَم بِمَا هُوَ كَائِن.

وقد أورده الشيخ الألباني -رحمه الله- في (ضعيف الترغيب والترهيب) (2/93) برقم: (1372)، وقال: [منكر جدًا].

وقال في الحاشية معلقًا على عزو المنذري الحديث لابن ماجه بقوله:

"عزوه إليه خطأ محض تعجب منه الحافظ الناجي. ثم ذكر أنه أخرجه السِّلفي وغيره بإسناد فيه متروك ومجهول، وعن ابن كثير أنه قال: "فيه غرابة ونكارة في إسناده ومتنه" وأطال الكلام في ذلك (180 / 1 - 2).".

قلت:

وكلام الحافظ ابن كثير الذي أشار إليه الشيخ الألباني موجود في «البداية والنهاية» (9/ 20 - 22) حيث قال:

"حديث آخر غريب في قصة البعير: قال الشيخ أبو محمد عبدالله بن حامد الفقيه في كتابه «دلائل النبوة»، وهو مجلد كبير، حافل، كثير الفوائد: أخبرني أبو علي الفارسي، حدثنا أبو سعيد عبدالعزيز بن شهلان القواس، حدثنا أبو عمرو عثمان بن محمد بن خالد الراسبي، حدثنا عبدالرحمن بن علي البصري، حدثنا سلامة بن سعيد بن زياد بن فائد بن زياد بن أبي هند الداري، حدثني أبي، عن أبيه، عن جده حدثنا تميم بن أوس، يعني الداري، قال: "فذكره".

ثم قال:

«قلت: هذا الحديث غريب جدًا، لم أر أحدًا من هؤلاء المصنفين في الدلائل أورده سوى هذا المصنف، وفيه غرابة ونكارة في إسناده ومتنه أيضًا. والله أعلم» اهـ.

فكما ترى أخي القارئ الكريم فإن دلالات الوضع على هذا الحديث بادية كما ذكر ذلك الحافظ ابن كثير وتقدم حكمُ الشيخ الألباني بنكارته فرحمهما الله، فالحديث بهذه السياقات موضوع مكذوب على رسول الله ﷺ. ويُغني عنه ما رواه الإمام مسلم في "صحيحه" برقم: (342) -مختصرًا دون قصة الجمل-، وأبي داود في «سننه» (4/ 200، ت: الأرنؤوط)، برقم: (2549) -واللفظ له-:

«حدَّثنا مُوسى بن إسماعيلَ، حدَّثنا مَهدي، حدَثنا ابنُ أبي يعقوبَ، عن الحسنِ بن سَعدٍ مولى الحسنِ بن عليٍّ عن عبدالله بن جعفرٍ، قال: أرْدفَني رسولُ الله ﷺ خلفَه ذاتَ يومٍ، فأسرَّ إليَّ حديثاً لا أُحدَّث به أحداً من الناس، وكان أحبُّ ما استتر به رسولُ الله ﷺ لحاجته هَدَفاً أو ‌حائشَ نخلٍ، قال: فدخل حائطاً لرجلٍ من الأنصار، فإذا جملٌ، فلما رأى النبي ﷺ حَنَّ وذَرَفَت عيناه، فأتاه النبيُّ ﷺ فمسح ذِفْراه فسكتَ، فقال: "من ربُّ هذا الجملِ؟ لمن هذا الجملُ؟" فجاء فتًى من الأنصارِ، فقال: لي يا رسول الله، قال: "أفلا تتقي اللهَ في هذه البهيمةِ التي مَلَّككَ اللهُ إياها، فإنه شكا إليَّ أنك تُجِيعُه وتُدْئبه"؟!».

قال الشيخ شُعيب الأرنؤوط -رحمه الله- في تعليقه على الحديث الذي أخرجه أبو داود في الموضع الآنف الذكر:

«إسناده صحيح.

مهدي: هو ابن ميمون المِعولي، وابن أبي يعقوب: هو محمد بن عبدالله بن أبي يعقوب الضبي.

وأخرجه مختصراً مسلم (342) و(2429)، وابن ماجه (340) من طريق مهدي ابن ميمون، بهذا الإسناد. واقتصر مسلم في الموضع الأول وابن ماجه على قصة الاستتار، واقتصر مسلم في الموضع الثاني على قصة الإسرار.

وهو بتمامه في "مسند أحمد" (1745) و(1754).

وفي "صحيح ابن حبان" (1411) و(1412) مختصرًا بقصة الاستتار.

قال الخطابي: "الهدف": كل ما كان له شخص مرتفع من بناء وغيره، و"الحائش": جماعة النخل الصغار، لا واحد له من لفظه، و"الذِّفْرى" من البعير: مؤخر رأسه، وهو الموضع الذي يعرق مِن قفاه.

قال: وقوله: "تُدئبُه": يريد تُكِدُّه وتتعِبُه» اهـ.

هذا ما يسره الله -تبارك وتعالى- من بحث في أقوال العلماء في صحة هذا الحديث المنسوب إلى رسول الله ﷺ والحمد لله على توفيقه.

ومسألة الرفق بالحيوان من المسائل المتقررة شرعًا قبل أن يعرفها الأوروبيون ويسنوا لها القوانين والمواثيق، فما جلب الإسلام للبشرية إلا الخير والصلاح والرحمة بالخلائق، وقد وردت عدة أحاديث تنهى عن إيذاء الحيوان بل أمر النبي ﷺ الذي يريد أن يذبح أضحيته أن يُسن شفرته ولا يُظهرها لها وأن يعجل في ذبحها ولا يعذبها وهذا من تمام رحمته ﷺ بهذه البهائم التي هي أرواح ينبغي مراعاتها، فنحمد الله على ما شرع ونحمده على ما وفقنا له من عمل بهذا الدين العظيم، والحمد لله رب العالمين.

وكتب: أبو موسى أحمد الغرايبة، غفر الله له ولوالديه .. آمين.

الأردن – صانه الله من الشرور والفتن

الجمعة، 18 ذو القعدة 1446هـ