16/05/2025

حديث مكذوب متداول بين الناس في دخول جمل على النبي ﷺ وتكليمه إياه!

 الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله..

أما بعد:

فقد صح عن النبي ﷺ قوله: (إنَّ كَذِبًا عليَّ ليس ككذبٍ على أحدٍ، فمن كذب عليَّ مُتعمِّدًا، فلْيتبوَّأْ مقعدَه من النَّارِ)! وقد انتشرت الأحاديث المكذوبة على رسول الله ﷺ في مواقع التواصل الاجتماعي وأخذ يتداولها الناس من غير تمحيص وبيان لدرجتها وصدق نسبتها إلى صاحب الشريعة ﷺ وقد أرسلت إليَّ بعض قرابتي تسألني عن حديث من هذه الأحاديث يتداوله الناس بينهم وعلى صفحاتهم في مواقع التواصل ونصه:

"روى الحافظ المنذري رضي الله عنه عن الصحابي الجليل تميم الداري رضي الله عنه قال :

(بينما نحن جلوس عند رسول الله ﷺ إذ دخل علينا جمل ودخل على رسول الله كأنه يعرفه ووضع فمه على أذن رسول الله وانصت له الرسول حتى إذا فرغ من كلامه قال الرسول: "أرسلوا إلى فلان بن فلان"؛ فجيء به فقال له: "أأنت صاحب هذا الجمل؟" قال له: نعم يا رسول الله. قال: "إنه يشكوك إلى الله لأنك تقسو عليه وتحمله أقسى مما يطيق وقد أصبح الجمل كبير السن" فقال الرسول لصاحب الجمل: "بعه لي" فباعه لرسول الله، فقال الرسول للجمل: "اذهب كما تشاء وارعى كما تشاء ولا تحزن على ما مضى" فانحنى الجمل على أذن رسول الله وكلمه بلغة لا يفهمها إلا رسول الله والرسول يقول: "آمين . آمين . آمين". وفي الرابعة بكى رسول الله. وسألت الصحابة الرسول يا رسول الله أمنت ثلاث مرات وبكيت في الرابعة حدثنا وأخبرنا فقال النبي ﷺ: "إن الجمل دعى لي الله قائلا: جزاك الله يا نبي القرآن عني وعن الإسلام خيرًا، فقلت: آمين، ثم دعى قائلا: وانقذ الله أمتك من خزي الدنيا وعذاب الأخرة فقلت: آمين، ثم قال لي: وستر الله أمتك يوم القيامة كما سترتني فقلت: آمين، ثم قال: ولا جعل الله بأسهم بينهم؛ فبكيت لأنني أعلم أن بأس هذه الأمة سيكون بينهم شديدًا.. إلخ).

قلت:

هذا الحديث كذب موضوع بهذا السياق لم أجد أحدًا من الأئمة أخرجه بهذا اللفظ، وهو من تحريفات المتصوفة -وقد وجدته في بعض منتدياتهم وصفحاتهم- ممن يُظهر الغلو في الرسول ﷺ ويكذب له على طريقة الكرامية!

وبعد البحث في كتب السنة وجدت أصل هذا الحديث المتداول، وهو ما أخرجه الحافظ المنذري في كتابه «الترغيب والترهيب - ط العلمية» (3/ 144) ونصُّه:

«وروى ابْن مَاجَه عَن تَمِيم الدَّارِيّ -رضي الله عنه- قَالَ كُنَّا جُلُوسًا مَعَ رَسُول الله ﷺ إِذْ أقبل ‌بعير ‌يعدو ‌حَتَّى ‌وقف ‌على ‌هَامة رَسُول الله ﷺ فَقَالَ ﷺ: "أَيهَا الْبَعِير اسكن فَإِن تَكُ صَادِقا فلك صدقك وَإِن تَكُ كَاذِبًا فَعَلَيْك كَذبك مَعَ أَن الله تَعَالَى قد أَمن عائذنا وَلَيْسَ بخائب لائذنا"؛ فَقُلْنَا يَا رَسُول الله مَا يَقُول هَذَا الْبَعِير؟ فَقَالَ: "هَذَا بعير قد هم أَهله بنحره وَأكل لَحْمه فهرب مِنْهُم واستغاث بنبيكم ﷺ" فَبينا نَحن كَذَلِك إِذْ أقبل أَصْحَابه يتعادون فَلَمَّا نظر إِلَيْهِم الْبَعِير عَاد إِلَى هَامة رَسُول الله ﷺ فلاذ بهَا؛ فَقَالُوا يَا رَسُول الله: هَذَا بعيرنا هرب مُنْذُ ثَلَاثَة أَيَّام فَلم نلقه إِلَّا بَين يَديك. فَقَالَ ﷺ: "أما إِنَّه يشكو إِلَيّ فبئست الشكاية" فَقَالُوا: يَا رَسُول الله مَا يَقُول؟ قَالَ: "يَقُول إِنَّه رَبِّي فِي أمنكم أحوالا وكنتم تحملون عَلَيْهِ فِي الصَّيف إِلَى مَوضِع الكلإ فَإِذا كَانَ الشتَاء رحلتم إِلَى مَوضِع الدفاء فَلَمَّا كبر استفحلتموه فرزقكم الله مِنْهُ إبِلا سَائِمَة فَلَمَّا أَدْرَكته هَذِه السّنة الخصبة هممتم بنحره وَأكل لَحْمه" فَقَالُوا قد وَالله كَانَ ذَلِك يَا رَسُول الله فَقَالَ عليه الصلاة والسلام: "مَا هَذَا جَزَاء الْمَمْلُوك الصَّالح من موَالِيه" فَقَالُوا: يَا رَسُول الله فَإنَّا لَا نبيعه وَلَا ننحره. فَقَالَ عليه الصلاة والسلام: "كَذبْتُمْ قد اسْتَغَاثَ بكم فَلم تغيثوه وَأَنا أولى بِالرَّحْمَةِ مِنْكُم فَإِن الله نزع الرَّحْمَة من قُلُوب الْمُنَافِقين وأسكنها فِي قُلُوب الْمُؤمنِينَ" فَاشْتَرَاهُ عليه الصلاة والسلام مِنْهُم بِمِائَة دِرْهَم وَقَالَ: "يَا أَيهَا الْبَعِير انْطلق فَأَنت حر لوجه الله تَعَالَى" فرغى على هَامة رَسُول الله ﷺ فَقَالَ عليه الصلاة والسلام: "آمين" ثمَّ دَعَا فَقَالَ: "آمين" ثمَّ دَعَا فَقَالَ: "آمين" ثمَّ دَعَا الرَّابِعَة فَبكى عليه الصلاة والسلام. فَقُلْنَا يَا رَسُول الله مَا يَقُول هَذَا الْبَعِير؟ قَالَ: "قَالَ جَزَاك الله أَيهَا النَّبِي عَن الْإِسْلَام وَالْقُرْآن خيرا فَقلت آمين. ثمَّ قَالَ سكن الله رعب أمتك يَوْم الْقِيَامَة كَمَا سكنت رعبي فَقلت آمين. ثمَّ قَالَ حقن الله دِمَاء أمتك من أعدائها كَمَا حقنت دمي فَقلت آمين. ثمَّ قَالَ لَا جعل الله بأسها بَينهَا فَبَكَيْت فَإِن هَذِه الْخِصَال سَأَلت رَبِّي فَأَعْطَانِيهَا وَمَنَعَنِي هَذِه وَأَخْبرنِي جِبْرِيل عَن الله تَعَالَى أَن فنَاء أمتِي بِالسَّيْفِ جرى الْقَلَم بِمَا هُوَ كَائِن.

وقد أورده الشيخ الألباني -رحمه الله- في (ضعيف الترغيب والترهيب) (2/93) برقم: (1372)، وقال: [منكر جدًا].

وقال في الحاشية معلقًا على عزو المنذري الحديث لابن ماجه بقوله:

"عزوه إليه خطأ محض تعجب منه الحافظ الناجي. ثم ذكر أنه أخرجه السِّلفي وغيره بإسناد فيه متروك ومجهول، وعن ابن كثير أنه قال: "فيه غرابة ونكارة في إسناده ومتنه" وأطال الكلام في ذلك (180 / 1 - 2).".

قلت:

وكلام الحافظ ابن كثير الذي أشار إليه الشيخ الألباني موجود في «البداية والنهاية» (9/ 20 - 22) حيث قال:

"حديث آخر غريب في قصة البعير: قال الشيخ أبو محمد عبدالله بن حامد الفقيه في كتابه «دلائل النبوة»، وهو مجلد كبير، حافل، كثير الفوائد: أخبرني أبو علي الفارسي، حدثنا أبو سعيد عبدالعزيز بن شهلان القواس، حدثنا أبو عمرو عثمان بن محمد بن خالد الراسبي، حدثنا عبدالرحمن بن علي البصري، حدثنا سلامة بن سعيد بن زياد بن فائد بن زياد بن أبي هند الداري، حدثني أبي، عن أبيه، عن جده حدثنا تميم بن أوس، يعني الداري، قال: "فذكره".

ثم قال:

«قلت: هذا الحديث غريب جدًا، لم أر أحدًا من هؤلاء المصنفين في الدلائل أورده سوى هذا المصنف، وفيه غرابة ونكارة في إسناده ومتنه أيضًا. والله أعلم» اهـ.

فكما ترى أخي القارئ الكريم فإن دلالات الوضع على هذا الحديث بادية كما ذكر ذلك الحافظ ابن كثير وتقدم حكمُ الشيخ الألباني بنكارته فرحمهما الله، فالحديث بهذه السياقات موضوع مكذوب على رسول الله ﷺ. ويُغني عنه ما رواه الإمام مسلم في "صحيحه" برقم: (342) -مختصرًا دون قصة الجمل-، وأبي داود في «سننه» (4/ 200، ت: الأرنؤوط)، برقم: (2549) -واللفظ له-:

«حدَّثنا مُوسى بن إسماعيلَ، حدَّثنا مَهدي، حدَثنا ابنُ أبي يعقوبَ، عن الحسنِ بن سَعدٍ مولى الحسنِ بن عليٍّ عن عبدالله بن جعفرٍ، قال: أرْدفَني رسولُ الله ﷺ خلفَه ذاتَ يومٍ، فأسرَّ إليَّ حديثاً لا أُحدَّث به أحداً من الناس، وكان أحبُّ ما استتر به رسولُ الله ﷺ لحاجته هَدَفاً أو ‌حائشَ نخلٍ، قال: فدخل حائطاً لرجلٍ من الأنصار، فإذا جملٌ، فلما رأى النبي ﷺ حَنَّ وذَرَفَت عيناه، فأتاه النبيُّ ﷺ فمسح ذِفْراه فسكتَ، فقال: "من ربُّ هذا الجملِ؟ لمن هذا الجملُ؟" فجاء فتًى من الأنصارِ، فقال: لي يا رسول الله، قال: "أفلا تتقي اللهَ في هذه البهيمةِ التي مَلَّككَ اللهُ إياها، فإنه شكا إليَّ أنك تُجِيعُه وتُدْئبه"؟!».

قال الشيخ شُعيب الأرنؤوط -رحمه الله- في تعليقه على الحديث الذي أخرجه أبو داود في الموضع الآنف الذكر:

«إسناده صحيح.

مهدي: هو ابن ميمون المِعولي، وابن أبي يعقوب: هو محمد بن عبدالله بن أبي يعقوب الضبي.

وأخرجه مختصراً مسلم (342) و(2429)، وابن ماجه (340) من طريق مهدي ابن ميمون، بهذا الإسناد. واقتصر مسلم في الموضع الأول وابن ماجه على قصة الاستتار، واقتصر مسلم في الموضع الثاني على قصة الإسرار.

وهو بتمامه في "مسند أحمد" (1745) و(1754).

وفي "صحيح ابن حبان" (1411) و(1412) مختصرًا بقصة الاستتار.

قال الخطابي: "الهدف": كل ما كان له شخص مرتفع من بناء وغيره، و"الحائش": جماعة النخل الصغار، لا واحد له من لفظه، و"الذِّفْرى" من البعير: مؤخر رأسه، وهو الموضع الذي يعرق مِن قفاه.

قال: وقوله: "تُدئبُه": يريد تُكِدُّه وتتعِبُه» اهـ.

هذا ما يسره الله -تبارك وتعالى- من بحث في أقوال العلماء في صحة هذا الحديث المنسوب إلى رسول الله ﷺ والحمد لله على توفيقه.

ومسألة الرفق بالحيوان من المسائل المتقررة شرعًا قبل أن يعرفها الأوروبيون ويسنوا لها القوانين والمواثيق، فما جلب الإسلام للبشرية إلا الخير والصلاح والرحمة بالخلائق، وقد وردت عدة أحاديث تنهى عن إيذاء الحيوان بل أمر النبي ﷺ الذي يريد أن يذبح أضحيته أن يُسن شفرته ولا يُظهرها لها وأن يعجل في ذبحها ولا يعذبها وهذا من تمام رحمته ﷺ بهذه البهائم التي هي أرواح ينبغي مراعاتها، فنحمد الله على ما شرع ونحمده على ما وفقنا له من عمل بهذا الدين العظيم، والحمد لله رب العالمين.

وكتب: أبو موسى أحمد الغرايبة، غفر الله له ولوالديه .. آمين.

الأردن – صانه الله من الشرور والفتن

الجمعة، 18 ذو القعدة 1446هـ

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق